خبراء يتدارسون سبل تنويع الاقتصاد لمواجهة التحديات المناخية

عقد ملتقى الطاقة العربي اجتماعه السنوي، مؤخرا في الكويت، لبحث انعكاسات الحرب الروسية في أوكرانيا ومقررات قمة المناخ في شرم الشيخ على أسواق الطاقة العربية. وركزت المناقشات على ضرورة الاستعداد للمتغيرات عن طريق تنويع الاقتصاد والاستثمار في التكنولوجيات النظيفة، بما فيها الطاقات المتجددة والهيدروجين والتقاط الكربون وتخزينه. ومن بين المتحدثين عضو مجلس الأمناء في المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الدكتور عدنان شهاب الدين وأمين عام “أفد” نجيب صعب.

 شهاب الدين: سياسات الكربون تقدم فرصا للدول النفطية

وقال الدكتور عدنان شهاب الدين في مداخلته إن سياسات المناخ التي يتم التوافق عليها في مؤتمرات الأطراف المناخية المتعاقبة تشكل ضغطًا متزايدا على استخدامات مصادر الطاقة الأحفورية وعلى رأسها الفحم والنفط، لكنها تقدم فرصا في الوقت ذاته. وهذا يتطلب من الدول المصدرة للنفط، وخاصة التي تعتمد اقتصاداتها إلى حد كبير على إيراداته، الإسراع في تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية لتحرير اقتصادها من الاعتماد شبه الكلي على مصدر واحد. وحذر من تبني سياسات متفائلة تعول على مصدر واحد فقط، أو حل تكنولوجي بعينه. ودعا إلى اعتماد مبدأ “الحياد التكنولوجي”، بحيث يتم  تطوير واستغلال جميع التقنيات الواعدة التي تتصف بالحياد الكربوني لغرض الوصول إلى صاف صفري للانبعاثات. وهذا يكون بالاعتماد على مزيج من مصادر الطاقة النظيفة، ومنها الطاقة المتجددة ومصادر الطاقة الاخرى ذات الانبعاثات المنخفضة مثل الطاقة النووية والهيدروجين.
وأشار إلى أنه يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي المصدرة إطالة أمد انتاج وتصدير نفطها من المكامن التي مازالت تحتوي على احتياطيات ضخمة، وجني فوائد اقتصادية كبيرة حتى في حال تم تبني سياسات مناخية عالمية مشددة. ويتحقق هذا من خلال المشاركة الفعالة في تطوير تقنيات إزالة الكربون من الوقود الأحفوري أو من الهواء مباشرة، ونشر استخدامها على نطاق واسع. كما يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تكون مركزا، عالميا لاحتجاز الكربون وتخزينه، مع إمكاناتها الكبيرة في كل من الخزانات المستنفدة، مع وجود فرصة كبرى في حوض الربع الخالي. 
ويمكن أن تضيف الفرص المتاحة، من تصدير الهيدروجين وتخزين الكربون، مئات مليارات الدولارات من القيمة المضافة الإجمالية إلى دول مجلس التعاون الخليجي مع حلول سنة 2050، ودعم مئات الآلاف من الوظائف. على أن ذلك يتطلب تبني ونشر نموذج أعمال جديد ونظام حوافز قوي.  

صعب: التحول السريع والسلس لتجنب الخضات المفاجئة

وقدم نجيب صعب تحليلا للانعكاسات المتوقعة لقمة شرم الشيخ على قطاع الطاقة، منبها إلى أن أهمها سيكون في أثر الإشارات السياسية على الاستثمارات في القطاعين الخاص والحكومي. ونبه إلى ضرورة عدم اعتبار العودة الجزئية إلى الفحم الحجري والبحث عن مصادر بديلة لاستيراد النفط والغاز، نتيجة للحرب الروسية في أوكرانيا، حالة ثابتة. فهذا وضع عارض لن يستمر طويلا، وقد يؤدي إلى نتائج معاكسة، أبرزها التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً.
ففي قمة شرم الشيخ المناخية حصل اتفاق صريح على حتمية تخفيض الانبعاثات الكربونية وصولاً إلى الصفر، وتوجيه استثمارات الطاقة في هذا الاتجاه، أكان في موازنات الدول المنتجة للوقود الأحفوري، أو قروض مؤسسات التمويل الدولية. وحين تتبدل اتجاهات السياسات الحكومية، لن يخاطر القطاع الخاص بالاستثمار في الاتجاه المعاكس. وقد عززت أزمة امدادات الطاقة، خاصة الغاز، التي أفرزتها الحرب الروسية، التوجه نحو تسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة للاستغناء عن الخضوع للابتزاز الروسي، والاعتماد على مصادر خارجية بشكل عام.
وإذ شجع صعب على ضرورة استمرار الدول المنتجة للنفط في الاستثمار في تكنولوجيات التقاط الكربون واعادة استخدامه أو تخزينه على نحو مأمون، دعا إلى عدم إهمال البدائل الأخرى. فهذه العملية ما زالت مكلفة جدا، عدا عن أن تطبيقاتها محصورة في محطات الطاقة المركزية. لهذا، على الدول المنتجة أن تضع في الحسبان “الخطة ب”، لئلا تضطر إلى تخفيض انتاجها على نحو سريع وكبير وغير متوقع، في حال تأخرت تكنولوجيات الكربون الدائري عن إعطاء النتائج المطلوبة في الوقت المحدد. واختصر صعب الرسالة من قمة المناخ إلى الدول المصدرة للنفط والغاز بضرورة تنويع الاقتصاد سريعاً، والتحوُّل السلس إلى نموذج جديد في تجارة الطاقة.

سداوي: حساسية المنطقة العربية لتغير المناخ

وتناولت راضية سداوي، رئيسة قسم الطاقة في مجموعة إدارة استدامة الموارد الطبيعية وتغير المناخ في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) هشاشة المنطقة العربية بفعل تغير المناخ، فضلا عن مختلف التحديات البيئية الرئيسية، من قبيل النقص الحاد في المياه، وتلوث الهواء، والتصحر وتدهور الأراضي، والظروف الجوية الصعبة، والأضرار طويلة الأجل التي تطال المنظومة البيئية والتنوع البيولوجي المحلي، رغم انخفاض مساهمة البلدان العربية في إجمالي الانبعاثات المسببة لتغير المناخ. 
وتحدثت سداوي عن نتائج مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة للتغير المناخي في شرم الشيخ بدورته الـ27 (كوب 27) وآثارها على المنطقة، ذلك أن التركيز في هذه الدورة كان الانتقال من التعهدات والالتزامات إلى التنفيذ، مشيرة إلى أن عددا قليلا من الدول العربية تستفيد من صناديق المناخ والتمويل الأخضر، وأن المجتمع الدولي، مع بنوك التنمية المتعددة الأطراف، يجب أن يضمن وصول التمويل والمنح والقروض الميسرة إلى البلدان النامية لتفادي التخلُّف عن الركب.
وأشارت إلى أنه تتوفر لبعض الدول العربية خطط لتطوير الطاقات المتجددة بشكل عام وأنواع وقود الهيدروجين النظيفة أو منخفضة الكربون للتصدير كجزء من برامج الانتقال في مجال الطاقة. وتعمل كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمغرب على تنفيذ خطط واعدة لتغدو مصدرة للوقود النظيف إلى أوروبا وآسيا. وقالت إن استضافة الدورتين السابعة والعشرين والثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف المناخي في المنطقة يعد إشارة واضحة لأهمية المشاركة في الجهود العالمية لمكافحة التغيُّر المناخي.

الجمالي: أثر التضخم على سياسات الطاقة

وأوضح أسامة الجمالي، عضو مجلس الأمناء في الكلية الأسترالية، أن الحرب في أوكرانيا أثرت سلبا على الاقتصاد العالمي، خصوصا بعد جائحة كورونا، كما سلطت الضوء على الجغرافيا السياسية الدولية الجديدة للطاقة، لتكمل حركة العوامل الجيوسياسية الحالية في المنطقة العربية مع تأثير فوري على أسعار الطاقة والسلع الأولية، وليس فقط النفط والغاز، حيث وصل سعر خام برنت مؤقتاً إلى 140 دولارا للبرميل، وتجاوز سعر الغاز 70 دولارا لكل مليون وحدة حرارية، وأدى ارتفاع أسعار المواد الخام إلى زيادة تكاليف الطاقة المتجددة. وقال الجمالي أن ارتفاع أسعار الطاقة له آثار متفاوتة، إذ تتحمل الدول المستوردة لها ضغوطاً مالية عالية مقارنة بالدول المصدّرة، التي كانت في حالة صراع من خلال ارتفاع معدلات التضخم، لكن ارتفاع عائدات صادراتها جعلها في وضع مالي أفضل. وكان لتوقف سلاسل التزويد آثار مضاعفة على القطاعات الأخرى، لاسيما السلع الزراعية، مما هدد الأمن الغذائي. ومن المتوقع أن يكون التضخم في 2022 مصدر قلق لمعظم البلدان، لاسيما البلدان المنخفضة الدخل والأقل نمواً، التي تتحمل بالفعل أعباء ديونها. وتقوم العديد من البلدان بمراجعة استراتيجيات الطاقة الخاصة بها، مع التركيز بشكل أكبر على أمن الطاقة واستدامتها. ويقدر صندوق النقد الدولي أن دعم الطاقة وحده يمكن أن يصل إلى 22 مليار دولار للبلدان العربية المستوردة للنفط في سنة 2022، وستؤثر هذه التطورات والشكوك على مسار الانتقال في مجال الطاقة العالمي، التي بدورها قد تخلق تحديات أخرى أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهداف صافي الانبعاثات الصفري في أفق سنة 2050.
 وقالت سارة أكبر، الرئيسة والمديرة التنفيذية لشركة «أويل سيرف”، أن  صادرات الطاقة من المنطقة العربية تجاوزت 300 مليار دولار في عام 2020، وستستفيد اقتصادات مجلس التعاون الخليجي، على سبيل المثال، من ارتفاع أسعار النفط، بينما يتوقع أن تنمو دول أخرى، لاسيما البلدان المستوردة الصافية، بوتيرة أبطأ من توقعات ما قبل الأزمة. وأضافت أكبر أنه من المرجح أن تخسر البلدان المتوسطة الدخل 2.3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي المتوقع عام 2022، وستخسر المنطقة العربية بشكل عام 11 مليار دولار في 2022 و16.9 ملياراً في 2023.
وشدد المشاركون على وجوب استقطاب المنطقة العربية ما يعادل ثلاثة أضعاف ما يصلها حاليا من التمويل المخصص للتكيف مع التغير المناخي.

< محمد التفراوتي

Related posts

Top