خطر تسفيه مناصب المسؤولية والقيادة

لا أحد ينفي استفحال وتناسل أنواع من الكائنات البشرية المتعفنة، واقتحامها لعدة قطاعات عمومية وخاصة، واحتلالها لمواقع النفوذ والمسؤولية. ولا أحد يرفض كل المبادرات الجادة التي من شأنها تطهير وتنقية تلك القطاعات. وجلاء تلك الكائنات من مواقع التدبير والتسيير المالي والإداري. أملا في إنصاف المظلومين والمطالبين بحقوقهم المشروعة. لكن لا أحد يقبل بتسفيه وتمييع المسؤولية. وذلك  بتقييد المسؤولين وابتزازهم  والتضييق عليهم، طمعا في الحصول على خدمة أو مصلحة شخصية. ولا أحد يقبل بالتدخل في مهامهم.  
 كما لن نقبل باحتكار المسؤولية. والانفراد بالقرارات المفروض أن تصدر بتوافق وتنسيق جماعي.
ليس من الصواب أن نقتص لأنفسنا من مسؤول ظلمنا، ونحن نعيش في بلد تحكمه قوانين وأنظمة. ومساطر وجب سلكها. وليس من المنصف أن نلبس كل المسؤولين نفس جلباب الفساد الذي اكتشفنا أن واحدا منهم يرتديه. نحن نعلم أن كل الأماكن والمواقع تعج بالصالح والطالح. في صفوف الحاكمين والمحكومين. وأن الواجب يفرض علينا العمل من أجل محاربة الطالح وتوطيد سمعة ومكانة الصالح. كما أن مناصب المسؤولية هي البوابات التي تمكن الصالحين من تصحيح الأوضاع وترسيخ آليات الإنصاف.      
لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، يصنعون أمجاد بلدتهم ووطنهم في كل المجالات. يبصمون بمعادن نفيسة في سجلات تاريخ المغرب. يجاهدون ويثابرون بغرائز الإنسانية الحقة والانتماء الفطري والسمو الأخلاقي. هؤلاء الذين وجب دعمهم من أجل الانصهار في ما يفرضه الوطن، من غيرة وحب وتلاحم. والهدف إفراز مواطن مغربي جمع بين التراث الأصيل والمستقبل المعاصر. شخصيات تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا. برزت في كل مناحي الحياة.. يمكن لها أن توطد طرق ومسالك النموذج التنموي المرتقب. المفروض أن يحتذي بها الأطفال والشباب في كل مراحل تعليمهم وتكوينهم وإبداعهم…
 نحن في حاجة إلى إعادة الثقة في مناصب المسؤولية، وتعيين قادة شرفاء في كل الرفوف والمرافق يحملون شعار (الرجل (المرأة) المناسب(ة) في المكان المناسب). والمغرب يعج بالطاقات والكفاءات. لا يعقل أن تطوى صفحات مجيدة لشخصيات كان من المفروض أن تكون سيرتها الذاتية والمهنية، دروسا وعبر ومواضيع لنصوص تدرس بكل اللغات الحية، بالمدارس والثانويات والجامعات. ولا يعقل أن تكون العزلة والإهمال من نصيب نجوم وكفاءات بصمت بكل جوارحها إلى أن استنزفت وذبلت. كما لا يعقل أن يتم حرمان الأطفال والشباب من لقاء شخصيات بإمكانها تقوية مؤهلاتهم وصقل هواياتهم وتحفيزهم على الصمود والمثابرة.
ما الفائدة من فرض كتب وبرامج تعليمية وثقافية، تحكي عن إبداعات وثقافات وفنون ونجومية الأجانب، دون الحديث بالموازاة عما أفرزه العقل والجسم المغربي، وعن مراحل المقاومة التي عاشها هؤلاء في ظروف قاهرة، وتمكنوا من التغلب على العوائق وكل الصعوبات والتفوق والتميز وطنيا ودوليا؟
ما الفائدة من بناء ملاعب رياضية ومركبات ثقافية وفنية ومسارح وغيرها من البنايات.. التي ترصد لها أغلفة مالية طائلة من ميزانيات المدن والقرى، إن كانت تحضن الغرباء والأجانب في التعليم والتعلم والممارسة. وتجعل من سكان المدينة والقرية (أصحاب المال العمومي) مجرد جمهور. يتابع ما ينظم داخلها من أنشطة؟.. ويمتهن السكان ثقافة التصفيق والهتاف والتحسر على إنجازات تنجز بطاقات وكفاءات دخيلة. ما الفائدة من إحداث أندية رياضية محلية، لا تغذي فرقها من الشباب المحلي. ولا تبني مدارس لتكوين الأطفال؟.
ولماذا لا يتم الاعتماد على النجوم السابقين في التكوين والاستشارة والتحفيز.. والاستفادة من مؤهلاتهم وخبراتهم الطويلة والمنتجة؟. ليدرك الطفل والشاب الممارس لأي نشاط ثقافي، فني، رياضي.. أنه بإمكانه التألق والاحتراف والتنافس الوطني والعالمي.. كما تألق واحترف وسطع نجم سابقيه من أبناء الحي والدرب والدوار.. الذي يعيش وسطه ؟ ..
لماذا ينهي الرياضي في المغرب مشاويره، بالإشراف على مقهى أو ضيعة أو الانزواء والاكتفاء بمداخيل مأذونيات (حافلات طرقية أو سيارات أجرة..). عوض دعمه من أجل الانشغال بما هو خبير فيه. وجعله يستثمر في تخصصه الرياضي..؟؟.. لماذا لا يصبح اللاعب أو الحارس مدربا أو معلما أو مستشارا أو خبيرا في مجال تخصصه؟.. أو يتم دعمه وتسيير إحداثه لمدرسة أو ناد أو أي مقاولة رياضية. لماذا تأفل نجومية السياسي والنقابي والحقوقي بمجرد نزوله من كرسي المسؤولية. فيختفي فجأة عن الأنظار.. ويصبح بالكاد قادرا على إضاءة زنزانة نومه بشمعة.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top