أكد وزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز، عزم الحكومة على تطوير وملاءمة تشريع الشغل مع معايير العمل الدولية لضمان العمل اللائق لكل الفئات ولمواكبة تنافسية المقاولة الوطنية، عبر مقاربة تشاركية مندمجة لتنفيذ البرنامج الحكومي.
وأعلن أمكراز، في كلمة له خلال اختتام فعاليات اللقاء الدراسي حول ” مدونة الشغل بين النص القانوني والتطبيق الفعلي” الذي نظمته وزارة الشغل والإدماج المهني، يومي الجمعة والسبت الماضيين، عن استعداده للعمل على تنزيل خلاصات هذا اللقاء بصفة تشاركية مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين وكافة الفاعلين المعنيين، مشيرا إلى أن القطاع الذي يشرف على تدبيره، يظل منفتحا على جميع الاقتراحات والملاحظات الكفيلة بتعزيز العدالة الاجتماعية وضمان استمرارية المقاولة وتحقيق السلم الاجتماعي.
وبحسب المسؤول الحكومي، فإن التطورات المتسارعة التي يعرفها عالم الشغل، وكذا الإشكالات التي برزت بشكل جلي خلال جائحة “كوفيد-19″، أصبحت تحتم على الجميع التفكير في تطوير ما أسماه ب “الجيل الجديد من الإصلاحات التشريعية” التي تواكب هذا التطور وتوفر له الغطاء القانوني المطلوب، استجابة لمختلف التحديات الراهنة والمستقبلية بشكل يعزز احترام الحقوق الأساسية في العمل.
وكان رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، خلال ترأسه افتتاح هذا اليوم الدراسي الذي عرف حضور مختلف الفرقاء الاجتماعيين من منظمات مهنية للمشغلين، ومركزيات نقابية للأجراء، ورجال القضاء، وخبراء وأساتذة متخصصين في عالم الشغل، قد أكد على حرص الحكومة على الحوار والتفاوض مع شركائها الاجتماعيين والاقتصاديين في كل ما له ارتباط بقضايا الشغل، مذكرا في السياق ذاته، بجلسات الحوار الاجتماعي التي قال إنها “توجت بالتوقيع على اتفاق اجتماعي ثلاثي برسم سنوات 2019-2021، انكبت الحكومة على تنزيل مجمل الالتزامات الواردة فيه”.
وفي الوقت الذي أكد فيه سعد الدين العثماني على أن إصلاح مدونة الشغل، بما لها من آثار كبيرة على فئات واسعة في المجتمع، وبمصالح متباينة في بعض الأحيان، وبما يفرضه هذا الإصلاح من تعدد الفاعلين والمتدخلين، يبقى رهينا باعتماد مقاربة وطنية، تشاركية وتشاورية مدمجة، تستحضر المصلحة العليا للوطن، ويتحلى كافة أطرافها بمستوى عال من التجرد والتضحية، حذر ممثلوا المركزيات النقابية الأكثر تمثلية من التسرع في إصلاح مدونة الشغل التي تحظى بإجماع كل الفرقاء الاجتماعيين باعتبارها الإطار المنظم لعلاقات الشغل الفردية والجماعية.
في هذا السياق يرى ميلودي مخارق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، أن الأولوية اليوم، هي لإجراء تقييم موضوعي لمدى تطبيق واحترام مقتضيات مدونة الشغل، مشيرا إلى أن العديد من مقتضياتها أصبحت مجمدة بفعل أزمة “كوفيد-19” أو تحت ذريعتها، حيث فقدت أعداد مهمة من العاملات والعمال مناصب عملهم، مورد رزقهم، بسبب التسريحات الجماعية حيث أن ما يقارب 600 ألف أجير توقفوا عن العمل أي بمعدل 10.000 عامل يتم فصلهم يوميا عن العمل حسب آخر التقارير الرسمية، يضيف مخارق الذي وصف الوضعية الراهنة ب “المأساوية” والتي من المتوقع أن تزداد معها المشاكل الاجتماعية تفاقما، كارتفاع معدلات البطالة والفقر والهشاشة أمام غياب حماية اجتماعية، وضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية، مما يؤكد بحسبه، حقيقة هشاشة الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية، وجشع السياسات النيوبرالية المتوحشة.
وأعرب الأمين العام للإتحاد المغربي للشغل عن أمله في أن تأخذ الحكومة بعين الاعتبار دقة وحساسية المرحلة، وتراجع مقارباتها لكل الإشكالات الهيكلية، وأن تشكل هذه الظرفية العصيبة فرصة لبناء وحدة الصف الوطني،وإعادة الاعتبار لأجراء والعمال باعتبارهم قوة العمل والإنتاج وشريك أساسي في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية وتقديم إجابات بديلة لحل الإشكالات البنيوية، وأن تشكل هذه الظرفية، أيضا، يضيف المتحدث، فرصة لكي تتحمل الحكومة مسؤوليتها في حماية عموم الأجراء، والدفاع عن حقوقهم المشروعة، وعلى رأسها الحق في الحفاظ على مناصب الشغل، وضمان قوتهم اليومي، وخلق تعويض عن فقدان الشغل لائق للأجراء الذين زُج بهم في الشارع دون تعويض.
وانتقد ميلودي مخارق طريقة تدبير الحكومة للأزمة الاجتماعية الناجمة عن الجائحة فيما يخص عالم الشغل، والتي قال “إنه لم يتم التعامل معه بالمسؤولية اللازمة” بل تم استغلال الظرفية العصيبة لمحاولة تمرير كل القوانين التي وصفها ب “المجحفة” في حق الطبقة العاملة، في غياب “تام للمقاربة التشاركية وفي مقدمتها القوانين التراجعية المتمثلة في مشروع القانون التكبيلي لحق الإضراب ومشروع القانون التكميمي للنقابات المهنية”، يضيف الزعيم النقابي الذي أكد على أن كل ما سيصدر عن هذا اليوم الدراسي من خلاصات وتوصيات لن تكون ملزمة، ولا قاعدة لأي تعديل لمدونة الشغل، والمنطق يفرض أن فترة الأزمات ليست فترة مناسبة للتشريع الاجتماعي لأنه لن يكون، في نظره، إلا تراجعيا ومن ثم سيرهن مصير الطبقة العاملة لعشرات السنين.
وأضاف الأمين العام للإتحاد المغربي للشغل أن مدونة الشغل شكلت ثمرة للحوار الاجتماعي ثلاثي الأطراف، وأصبحت وثيقة مرجعية متقدمة ونموذج يحتذى به على المستوى العربي والإفريقي في مجال التشريع الاجتماعي، وأن المطلوب هو توفر إرادة سياسية لتطبيق مضامينها، وساق مجموعة من الأمثلة التي توضح عدم تطبيق مقتضيات المدونة، من قبيل غياب لجان حفظ الصحة والسلامة المهنية في أغلب المقاولات رغم إلزاميتها، إذ أن 26 % فقط منها، تتوفر على هذه اللجن على الرغم من أهميتها وهو ما أكدته مواجهة هذه الأزمة الصحية مع انتشار البؤر المهنية، وغياب لجان المقاولة في العديد من المؤسسات، مشيرا إلى أن حوالي 35 % من الإضرابات المندلعة راجعة إلى عدم احترام مقتضيات مدونة الشغل.
من جانبه، أكد خليل العلمي لهوير نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، على رفض “ك د ش” لأي مس بالمكتسبات الاجتماعية للطبقة العاملة، مؤكدا أن مدونة الشغل كانت ثمرة مقاربة توافقية وتشاركية في إطار الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف، واعتمدت التوازن بين مصالح أطراف الإنتاج، مشيرا إلى أن هذه المدونة تعتبر إحدى النقاط المضيئة ومكتسب اجتماعي وقانوني في تاريخ تدبير العلاقات بين أطراف الإنتاج، بعد نضالات بطولية للطبقة العاملة وحصول قناعة لدى أطراف الإنتاج بروح المسؤولية الوطنية.
وحذر خليل العلمي الهوير من أية محاولة لاستغلال هذا اليوم الدراسي للمس بمدونة الشغل، والذي يجب أن لا يكون بديلا للتفاوض الثلاثي الأطراف، داعيا الحكومة إلى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية وجعل القضايا الاجتماعية محور الاهتمام وصلب كل السياسات العمومية، عوض طرح قضايا خلافية بعيدة عن الأولويات الوطنية في الظرفية الراهنة، والإصرار على التعاطي مع الشأن الاجتماعي بنفس المنهجية الانفرادية بعيدا عن الآليات المؤسساتية للإشراك والمشاركة في اتخاذ القرار.
وأوضح العلمي الهوير أن “ك د ش” تجدد تأكيدها على أن القوانين ذات الطابع الاجتماعي يجب أن تكون موضوع حوار اجتماعي ثلاثي الأطراف للتوافق حولها قبل إحالتها على البرلمان، معربا عن رفض هذه المركزية النقابية لأي تقزيم لدور الحركة النقابية والحوار الاجتماعي، أو أي محاولة لإفراغه من مضمونه التفاوضي وتحويله إلى مجرد جلسات للتشاور، مشيرا إلى أن الظرفية التي تمر منها البلاد، اليوم، تفرض أكثر من إي وقت مضى اعتماد الحوار كآلية مؤسساتية لإنتاج السياسات العمومية ذات الأثر الاجتماعي والبحث عن سبل الحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد الوطني والمقاولة والطبقة العاملة وعموم الفئات الهشة.
وأضاف المسؤول النقابي أن الأولوية الوطنية اليوم هي الحفاظ على مناصب الشغل ، ووقف كل أشكال التسريحات وحل النزاعات الاجتماعية المتعددة وحماية الأجراء من تداعيات الأزمة صحيا واجتماعيا وإنعاش الاقتصاد الوطني والتأسيس لنموذج تنموي جديد محوره الإنسان وبناء الدولة الاجتماعية، وأن النقاش حول مدونة الشغل يجب أن ينطلق ممن يخرق هذه المدونة، ومن لايسهر على تطبيقها، فالمؤشرات الموضوعية التي تنتجها المؤسسات الرسمية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، يقول المتحدث “أننا أمام وضعية هشاشة واسعة في العلاقات الشغلية وسيادة اللاقانون”.
وبدوره ذكر الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب النعمة ميارة، على أن الحركة النقابية بالمغرب تعتبر محورا أساسيا لأي تنمية اقتصادية أو اجتماعية بالمغرب، مؤكدا على أن المرحلة الراهنة تتطلب تقييما موضوعيا لمدونة الشغل، والوقوف على مدى تطبيقها.
وفي نظر النعمة ميارة، فإن التحديات الراهنة تفرض تنازلات من طرف الجميع، لكن دون التفريط في مكاسب العمال والأجراء، على أن تؤدي تلك التنازلات إلى تحقيق توازنات حقيقية في العلاقات الشغلية.
من جانبه، أكد الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، عبد الإله الحلوطي، على أهمية هذا اللقاء الدراسي حول مدونة الشغل، والذي يشكل بحسبه، فرصة لمختلف الفاعلين، وخاصة جهاز القضاء، المعني بالتنفيذ والتطبيق، ولرجال القانون ولمختلف الفرقاء الاجتماعيين، من أجل الوقوف على مختلف القضايا ذات الصلة بعالم الشغل، والمرتبطة بالمحاور التي تتم دراستها خلال هذا اللقاء الدراسي.
ودعا الحلوطي إلى عدم الانطلاقة من الصفر، والارتكاز على مخرجات وتوصيات المناظرة الوطنية لسنة 2014، والتي عرفت مناقشة مجموعة من القضايا ذات الصلة والتي لها راهنيتها، مشيرا إلى أن موضوع مدونة الشغل، كان موضوع توافق، وبالتالي فإن كل المشاريع التي تكون لها علاقة بالعمال وعلاقة بالشغل لا بد أن يحصل فيها تشاور وتعاون من أجل الوصول إلى توافق بين جميع الأطراف.
وأضاف الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل، أن مدونة الشغل اليوم توجد بها نصوص في حاجة إلى وقفة من أجل دراستها، لمعرفة ما إذا كانت كل بنودها وفصولها لا زالت مسايرة للعلاقات الشغلية اليوم، مشيرا إلى أن كثيرا من العمال يعانون اليوم، باسم تطبيق مدونة الشغل، بالإضافة إلى وجود العديد من الإشكالات على مستوى التطبيق الذي وصفه ب “المنحرف”، حيث أن العديد من العمال يقول الحلوطي “زج بهم في السجون، وتوقف العديد منهم عن العمل” مؤكدا في الوقت ذاته، على أن القوانين التي ترتبط بالعلاقات الشغلية لا يمكن إلا أن تكون نتاج توافق بين الجميع.
< محمد حجيوي