الكاتب والدبلوماسي السابق عبد الكامل دينية
عندما تخرج من كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، سنة 1973 التحق عبد الكامل دينية بالعمل الدبلوماسي، وتقلب في عدة مناصب في المجالين الدبلوماسي والقنصلي، وتنقل بين عدة دول عربية وأروبية ضمن البعثات الدبلوماسية للمملكة المغربية في كل من دمشق والقاهرة وتونس والجزائر وجدة.
وعلى امتداد 38 سنة من العمل الدبلوماسي، بين الإدارة المركزية والعمل بالبعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية بالخارج، أتيحت لعبد الكامل دينيا العديد من الفرص التي أغنت مساره وتجربته الدبلوماسية، فقد عمل مع دهاقنة السياسة الخارجية للمملكة أمثال وقتها الوزير مولاي أحمد الشرقاوي، والسفير زين العابدين السبتي والسفير عبد الرحمان بوشعراء والسفير إدريس القجيري وغيرهم ممن ذكرهم الدبلوماسي عبد الكريم بناني في مقدمة “خواطر دبلوماسي” المؤلف الذي ضمنه الكاتب عبد الكامل دينية تجربته الشخصية التي عاش من خلالها أحداث ووقائع فارقة، صاغها في قالب فني بلغة أدبية راقية.
“خواطر دبلوماسية” هي تجربة أخرى في مجال الكتابة التي تفرض نوعا من التعامل الأدبي والفني، المقيد بواجب التحفظ، نظرا لطبيعة العمل الدبلوماسي الذي تحكمه ضوابط وقواعد جد صارمة، لأن البوح بكل حرية، يمكن في بعض الأحيان أن يتسبب في تعكير صفو العلاقات بين الدول، ولذلك الكتابة في هذا المجال هي كتابة محدودة الهامش، ولا يمكن خوض غمارها إلا من قبل دبلوماسيين يتقنون حرفة الكتابة، ويمتلكون ناصية الحرف ويعشقونها.
فالكتابة في المجال الدبلوماسي تفرض التحلي بالصدق والتحري في ضبط وسرد الأحداث، وفي الوقت ذاته، مراعاة ما يرفضه الواجب المهني من تحفظ، وصدقية المصادر، عبد الكامل دينية واحد من هؤلاء القلائل الذين نجحوا في خوض غمار هذه التجربة، رغم أنه يعرف جيدا، أنها تجربة محفوفة بالمخاطر، فقد كان كلما اعتراه الشك في نازلة أو حادثة ما، يأخذ قبل التطرق إليها، باستشارة من سبقوه في المجال الدبلوماسي، توخيا للدقة، وحفاظا على الخيط الرفيع الذي يربط بين الحرية في الكتابة والمسؤولية التي يفرضها العمل في الحقل الدبلوماسي.
“خواطر دبلوماسية” حسب كاتبها القنصل العام عبد الكامل دينية، هي تجربة شخصية، توثق لمحطات تاريخية وذكريات ثقافية ودبلوماسية عاشها من خلال تنقله بين العديد من الدول العربية والأوروبية من سوريا إلى القاهرة وتونس والجزائر والمملكة العربية السعودية، وهولاندا.
وبما أن كتاب “خواطر دبلوماسية” يعكس تجربة إنسانية للكاتب عبد الكامل دينية الذي نهل من مدرسة العمل الدبلوماسي والإداري إلى جانب مدرسة الأدب والشعر والزجل الذي يعد واحدا من رواده ومن الذين تغنى بشعرهم العديد من المطربين من أمثال عبد الوهاب الدكالي والبشير عبدو وأمل عبد القادر وغيرهم.
تنشر جريدة بيان اليوم نماذج من هذه الخواطر الدبلوماسية التي هي مجموعة أحداث ووقائع وثقها الكاتب بمهارة، ووضعها ضمن تسلسل منطقي مترابط.
الخاطرة الثالثة
رحلتي إلى دمشق
ككل سنة تنظم وزارة الشؤون الخارجية الحركة الانتقالية الخاصة بموظفي الوزارة وفق المناصب الشاغرة في البعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية بالخارج، وهو ما شجعني على الانخراط في هذه الحركة بعد قضاء أزيد من ثلاث سنوات في الإدارة المركزية.
وتشاء الأقدار أن يتم تعييني بسفارة المملكة المغربية بدمشق بداية من فاتح يوليوز 1977 وهو ما خلف صدى طيبا لدى عائلتي وحزنا في نفس الوقت بسبب حرقة الفراق عن الوالدين، خاصة أنني اصطحبت معي شقيقتي فتيحة التي كانت تستعد لاجتياز امتحانات الباكالوريا في السنة الموالية.
وتبتدئ رحلتي إلى دمشق يوم 29 يونيو 1977 عبر الخطوط الملكية المغربية رقم الرحلة 613، بعد إخبار السفارة بذلك بواسطة برقية بعث بها السيد عبد العزيز اللعبي مدير الموظفين آنذاك لتأمين الاستقبال.
وفور وصولي وجدت في استقبالي نائب السفير والوزير المفوض الشريف مولاي عبد الرحمن العلوي رحمه اﷲ والذي أكبرت فيه ما لاقيته منه من ترحيب بعبارات أخوية صادقة تحمل سلام وتحيات سعادة السفير وأعضاء السفارة، جعلتني أشعر بكثير من الارتياح والاطمئنان، ونحن في طريقنا عبر سيارة السفارة نحو فندق الرامي الذي تم حجزه لي في وسط المدينة.
وفي اليوم الموالي، حضر عندي الشريف العلوي حيث توجهنا معا للسفارة التي كانت توجد بحي أبو رمانة، للتعرف على أعضاء السفارة والسلام على سفير صاحب الجلالة الدكتور جعفر الكتاني، وهو السفير الذي تم تعيينه منذ مدة بسوريا، بعد أن كان عميدا لكلية الآداب بالرباط، مع الإشارة إلى أن الدكتور الكتاني تربطه علاقة عائلية بالزاوية الكتانية في دمشق والتي لها وزنها الديني والروحي في سوريا.
وكان اللقاء الأول مع السيد السفير مفعما بالترحيب للانضمام إلى ثلة من خيرة الأطر الدبلوماسية الذين تعرفت عليهم وهم السادة : الشريف العلوي، محمد أوراغ، الحاج عبد الرحمن بنبراهيم، عبد الكريم كديدة كمحاسب، وأنا أترقب بشوق كبير ولكن أيضا بشيء من الدهشة نوع المسؤولية التي ستسند لي من طرف السيد السفير، والتي لم تكن سوى المكلف بالشؤون الثقافية، أو ما يطلق عليه في السلك الدبلوماسي بالملحق الثقافي.
ولعل أهمية هذا المنصب تعود إلى متانة العلاقات الثقافية القائمة بين المغرب وسوريا مند إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مباشرة بعد استقلال المغرب سنة 1956، والتي تتجلى في تخرج العديد من الطلبة المغاربة من الجامعات السورية مع مطلع الاستقلال والذين انضموا فيما بعد إلى السلك الدبلوماسي ومن بينهم على سبيل المثال السادة السفراء عبد الخالق بنبراهيم، عبد اللطيف ملين، صالح الزعيمي، محمد الطاهر بناني وعبد الحميد الكتاني وغيرهم، إلى جانب تواجد مجموعة غير يسيرة من الطلبة المغاربة في هذه الفترة بالذات الذين يتابعون دراستهم في الجامعات السورية في مختلف المجالات الطبية والحقوقية والحسابات ومن بينهم الإخوان الحسوني.
> محمد حجيوي