دراسات في المسرح المغربي الأمازيغي ..مسار اكتشاف الذات

احتضن المركب الثقافي لمدينة الحاجب يوم 28 مارس 2022 وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح حفل توقيع كتاب الدكتور لعزيز محمد الموسوم بـ “دراسات في المسرح المغربي الأمازيغي” وقد قدم خلال اللقاء المخرج المسرحي بوسرحان الزيتوني كلمة أمام مجموعة من المتتبعين والفعاليات الثقافية حضروا من مدينة مكناس ومدينة الحاجب، وجمهور المركز الثقافي فيما يلي نص الكلمة.

لا يستقيم خطو مسرحنا من غير بحث ونقد مسرحيين، نقد يعرض صدى عروض المسرح في ذات التلقي، فتكتمل بذلك دائرة العرض، رغم أن من يبحثون فينا عنا داخل عروضنا، أو يبحثون عنا في جذورنا هم قليلون إلى حد الندرة، لأسباب عديدة لا يسع المقام للتداول فيها الآن لأننا محكومون أن نحتفي بواحد ممن يغالب الوقت والمسافات، لكي يؤرخ للحظتنا المسرحية، بكثير من التفاني، ينفق في ذلك ما يملك من جهد ومن مال، بغية ترك أثر على أثرنا المسرحي يدل علينا ويدل عليه. ويحفظ ما نبدعه للأجيال القادمة.
السي محمد لعزيز، حمال أسئلة المسرح ومتحملها، منذ زمن طويل، فقد اختص بالبحث والنقد وتخصص فيه، وغالب طرقه الوعرة، بالمعنى المادي والرمزي، ليؤرخ له، غير مبال بأية حواجز قد تعترضه.. وقد أنتج في هذا السياق العديد من الدراسات والمقالات غطت فترة زمنية لا بأس بها، تكشف عن عشقه للمسرح فكرا وإبداعا. ويعتبر كتابه “دراسات في المسرح المغربي الأمازيغي” الذي أتلمس معكم مكوناته، واحدا من الكتب التي تكشف معدن الرجل في مغالبة موضوعه، والحد الذي قد يصل إليه الصوفي في تصوفه. فالدكتور محمد لعزيز ليس أمازيغي اللغة، وإن كان مثلنا جميعا أمازيغي الدم والجذور والهوى، وهي أسس تخلق فينا نوستالجيانا الملازمة لنا، التي تدفعنا لاكتشاف عناصر هويتنا الحقيقية التي ما انكسرت رغم ما تعرضت له من محاولات الطمس.
لهذا يمكن اعتبار كتاب “دراسات في المسرح المغربي الأمازيغي” نتاج عشق اكتشاف الذات، محاولات حفرية للعثور عن النفس والنفس، من خلال ما يحفظه التاريخ وما نحن مدعوون دائما لتخليصه من غبار لنسيان والتناسي.
ويعبر د. محمد لعزيز عن هذا المنحى من أول اقتباس يصدر به كتابه، فقد استعار من مؤسس الدرس الجامعي المسرحي بالمغرب، المرحوم د. حسن المنيعي قوله: “إني مقتنع بتاريخ وطني وما تنطوي عليه تربته من ثقافة أصيلة وتراث فني يفيض بعناصر دالة”..
من هنا أعتبر مغامرة د. محمد لعزيز في مقاربته لموضوع المسرح المغربي الأمازيغي، ليس مغامرة معرفية فحسب بل، بالأساس، مغامرة لترميم ذاتنا التي أريد لها أن تغترب عن أصلها، فاستعصت، لأن الأصل وارف ومتدفق.
ويمكن تلمس هذا البعد في التناول من خلال إشارة لماحة للمسرحي فؤاد أزروال الذي قدم هذه الطبعة من الكتاب، حين أشار لدور المسرح في تأكيد قدرات الثقافة الأمازيغية… فدافعت بالفن والإبداع عن الإنسان الأمازيغي وحقوقه، وعبرت عن طموحاته وآماله.
يحدد د. محمد لعزيز بدءا من العنوان انحيازه للعراقة والجذور، فهذه الدراسات تخص المسرح المغربي الأمازيغي، فاصلا من غير وجل في جدل مفتعل ظل لسنوات طويلة، بين تسميات المسرح الأمازيغي والمسرح الناطق بالأمازيغية.
إن هذا المسرح في لغته، هو مسرح مغربي، من غير ميز عن غيره من الممارسات المسرحية المغربية، وقد أتبث هذا المسرح حضوره بنضاله المرير حتى فرض نفسه على خشبة المسرح المغربي، وجعلنا جميعا نرى وجهنا في مرآته، ونكتشف ذاتنا في تفاصيل تحريكه وتحركه. وهو ما طرح تحديا على باحثنا، فوجه دفته نحو هذا المسرح، نحو تاريخه السحيق تجلياته الراهن. منخرطا “في الدينامية التي يشهدها الواقع المغربي اتجاه القضية الأمازيغية التي أضحت اليوم – أكثر من أي وقت مضى – مركز اهتمام، وموضوع انشغال فئة كبيرة من المغاربة”.
وحتى أترك لكم متعة اكتشاف الكتاب وخلاصاته، أشير أنه يتناول المسرح المغربي القديم والمسرح المغربي على العهد الروماني والأشكال الفرجوية الأمازيغية، والمسرح الأمازيغي الحديث بالمغرب: البدايات الأولى.
وينتهي الباحث بعد هذا التلمس التاريخي من خلال فحص مظاهر ممارسات المسرح المغربي الأمازيغي الراهنة إلى حاجاته الملحة والتي حددها الباحث في الدعم، لكن ليس دعمه المالي فحسب، بل دعم حقه في الوجود والتطور والدراسة والبحث، إسوة بكل المسرح المغربي، فهما معا يعانيان نفس المعاناة تحت ضغط ذات الإكراهات الإبداعية والتنظيمية..
وحتى يضع د. مركبة بحثه في مراسي تطبيقات تقارب منجزات إبداعية تؤكد خصوصية التجربة وترائها، قدم لنا ثلاث نماذج إبداعية، شغلت حيز اهتمام واضح زمن إبداعها القريب، فهي قد عرضت كلها خلال سنة 2016، نموذجان منها أنتجا بمدينة الحسيمة والثالث بأكادير. يتعلق الأمر بكل من مسرحية “بيريكولا” لجمعية تيفسوين، إخراج أمين ناسور، ومسرحية “تعاينت شوايت شوايت” لفرقة الريف للمسرح، سينوغرافيا وإخراج يوسف العرقوبي، ومسرحية “أمناي” لفرقة محترف الجنوب عن نص لإبراهيم رويبعة إخراج محمد أيت سي عدي. وهي تجارب بتنوع اتجاهاتها وخياراتها الجمالية، تسير جنبا إلى جنب مع المنجز المسرحي المغربي العام.
كيف قرأ د. محمد لعزيز هذه العروض؟ كيف يتكشف منهجه النقدي في قراءته للعروض المسرحية؟ تلكم غيض من أسئلة أتمنى أن يسعفنا الوقت للتداول فيها مع نقادنا الأجلاء.

> بقلم: بوسرحان الزيتوني

Related posts

Top