دعم الفئات الهشة واجب ومطلب الوقاية هو الخلاص

جميل أن تنتفض فعاليات من المجتمع المدني من أجل فرض دعم الفئات الهشة، وتوظف كل ما لديها من مسالك وجسور قانونية، ومنصات للتواصل الرقمي، من أجل حث الحكومة على الاهتمام بها أو حتى فرض ذلك بمختلف الأشكال النضالية السلمية. لكن الأجمل أن تضع الحكومة ومعها كل السلطات الموازية، برامج ومخططات ترمي إلى التقليص التدريجي من عدد تلك الفئات، بإنصاف أعضاءها. الأجمل أن نحارب كل الآفات المسببة في تشكل الفئات الهشة. نحارب البطالة والفقر والإقصاء والتهميش والأمية. ونوفر للمغاربة أحضان تحميهم من المرض والجوع. وتنعشهم بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. جميل أن نهتم بذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين بالأمراض المزمنة المكلفة ماديا ونفسيا. وأن نجتهد في فرض دعمهم من أجل الحصول على العلاج المكلف ماليا ونفسيا. وجميل أن تبادر الكفاءات والطاقات المغربية إلى اقتراح البرامج والحلول لتوفير الدعم المالي.
لكن الأجمل الذي ينبغي أن ينال الجهد الأكبر في النضال والمثابرة، هو دعم كل مبادرات الوقائية، التي تقي أطفالنا وشبابنا وكل المغاربة من الأمراض المزمنة وتنجبهم الإصابة بالعاهات والأمراض النفسية. وفي مقدمتها محاربة كل التجاوزات التي أدت وتؤدي إلى تلوث النفوس والبيئة والهواء والماء وتسمم المواد الاستهلاكية وخصوصا الغذائية منها.
لنتحد جميعا من أجل تنقية وتطهير دواخلنا ومحيطنا ومرافقنا الإدارية ومحلاتنا التجارية والخدماتية. وفرض التحسيس والمراقبة والجزاء على المواطنين والإدارات والشركات الصناعية والمنتوجات الاستهلاكية. وفرض الجودة في العمل والإنتاج. وحسن تدبير طرق التخلص من النفايات والسيول والمتلاشيات. وطرق إعادة التدوير والاستعمال.
الأكيد أن الوقاية والرياضة خير من العلاج، وهما أداتين لتقليص الأضرار التي تصيب الإنسان والبيئة والتنمية. وبإمكانهما خفض عدد المصابين بالأمراض النفسية والعضوية والأوبئة، وإنتاج الكفاءات والنجوم والمبدعين. وطبعا يساهمان في التخفيض من مصاريف العلاج. وتخفيف الضغط والاكتظاظ داخل المرافق الصحية العمومية والخاصة. وربما قد يصل الأمر إلى إمكانية توفير العلاج بالمجان. ماذا لو أطلقنا مبادرة (بيئة سليمة)، وتصدينا لكل الملوثات التي تدمر الطبيعة وتضر البشر عضويا ونفسيا وماديا. وتتسبب في إصابة المواطن المغربي بأمراض عضوية ونفسية.
ماذا لو ناضلنا من أجل وقف ما تنفثه أفواه بعض أشباه الموظفين من كلام ساقط وسبق وقذف، في وجوه المواطنين والمواطنات داخل رفوف الإدارات العمومية. وما تلقي به الشركات الصناعية من غبار وأدخنة وسيول وروائح كريهة أمام صمت السلطات مسؤولين إداريين ومنتخبين.
ماذا لو ناضلنا من أجل حماية المستهلك المغربي من بعض الخدمات المنحطة والمحبطة. والمواد الاستهلاكية المعروضة بدون أدنى مراقبة. منها المهربة، ومنها غير المرخصة، ومنها منتهية الصلاحية. ومنها المصنوعة من مواد مسرطنة؟
ماذا لو كشفنا عن المستودعات والشركات السرية المنتشرة داخل عدة مدن وقرى مغربية. وفضحنا أصحابها الذين يعيثون فسادا في البلاد، ويجنون الأموال، ببيع سلعهم الملوثة والفاسدة؟
ماذا لو كنا صادقين في مراقبة مكونات مجموعة من الأدوية التي يقتنيها المرضى من أجل العلاج. فتزيده أمراض أخرى. وحذرنا الصيدلانيين من مغبة ترك الصيدليات تحت إشراف معاونين لا يدركون خطورة البيع العشوائي للأدوية، أو تمكين المرضى من أدوية بدعوى أن لها نفس المفعول ونفس المكونات؟
ماذا لو اهتمت الحكومة بصحة وسلامة رواد المؤسسات التعليمية المدرسية والجامعية ومعاهد التكوين المهني. علما أن معظم الأطفال المغاربة يلجون المدارس الابتدائية، وأن هناك بالوزارة الوصية، قسم خاص بالصحة المدرسية، مهمته تتبع صحة الأطفال الممدرسين وتمكنينهم من اللقاء والعلاج اللازمين للأمراض والأوبئة. وأن لكل تلميذ ما يسمى بـ(الدفتر الصحي)، مركون برفوف إدارات تلك المدارس، المفروض أن يدون به كل ما يتعلق بصحة التلميذ. وهناك قسم خاص بالرياضة المدرسية. مهمته صقل مواهب التلاميذ رياضيا، ودعم حصص التربية البدنية الأسبوعية التي يتلقاها التلميذ طيلة مساره الدراسي. وحدها المؤسسات التعليمية كفيلة بتمكين المواطن المغربي من جسم وعقل سليمين. ومن إفراز الكفاءات والطاقات اللازمة لترسيخ نموذج تنموي يرقى بالبلاد والعباد. وحدها قادرة على إنجاب النجوم والمبدعين في كل المجالات.
فالمؤسسة التعليمية تمثل مجتمعا مصغرا، في حاجة إلى كل متطلبات الحياة المفروض أن تتمتع بها باقي المجتمعات، وفي مقدمتها أمن وصحة وسلامة الشغيلة التعليمية والمتعلمين. ولا أحد يقبل بأن تخلو مؤسسة ما تحتضن بالساعات آلاف المواطنين (أطر إدارية وتربوية ومياومين ومتعلمين). منها مؤسسات بها داخليات تأوي مئات الأطفال واليافعين.. من مراكز صحية مجهزة، تشرف عليها أطر طبية، تتابع عن كثب الأوضاع الصحية والنفسية لمواطنيها. هناك مؤسسات تعليمية بها أعداد بشرية تفوق أعداد سكان أحياء سكنية وربما مراكز حضرية وجماعات ترابية. ومع ذلك فالمسؤولين لا يعيرون لقطاع الصحة والسلامة أدنى اهتمام. ولا يرصدون ولو درهما واحدا لإسعاف مريض أو مصاب بحادثة داخلها. ولكم أن تعرجوا إلى بعض الكليات، حيث عشرات الآلاف من الطلبة. لو صنفت تلك المؤسسات التعليمية أو التكوينية ضمن خانة الشركات والمقاولات، وخضعت لنفس شروط التأسيس من الجانب الصحي، لحظيت الشغيلة التعليمية ومعها المتعلمين بما يفتقدونه من آليات الصحة والسلامة.
فمدونة الشغل التي ينتقد البعض قصورها، تلزم على الشركات والمقاولات التي تشغل على الأقل 50 أجيرا، إحداث مصلحة طبية للشغل، وكذا تلك التي تزاول أنشطة تعرض العمال للأمراض المهنية. كما تلزم مقاولة الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية بإحداث مصالح طب الشغل. وتلزم إحداث مصالح طبية مشتركة أو مستقلة بالنسبة للمقاولات المشغلة لأقل مـن خمسين أجيـرا. وتفرض إحداث لجان الصحة والسلامة للارتقاء بالصحة ووضع استراتيجية وقائية من أجل استقصاء المخاطر المهنية وتطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية في مجال السلامة وحفظ الصحة.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top