روسيا وأوروبا في أفريقيا.. حوار عند مفترق المصالح

 تعمل روسيا والاتحاد الأوروبي على زيادة مشاركتهما واهتمامهما بأفريقيا على وقع المتغيرات المتسارعة، فهناك انفتاح إماراتي ومغربي وقطري متزايد على بلدان القارة وسط تحديات فرضتها التدخلات التركية أيضا، فضلا عن تغلغل الصين اقتصاديا، ومساعي الولايات المتحدة لإعادة ترتيب أولوياتها في هذه المنطقة المنسية.
وينظر المحللون باهتمام إلى ما يحدث وركزوا بالخصوص على العلاقات بين موسكو وبروكسل خاصة مع اقتراب انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي السادسة المقررة العام المقبل، ورأوا أنه إذا كان الطرفان يريدان تجنب المزيد من التوترات الجيوسياسية، فإن إدارة خصوماتهما ستكون بنفس أهمية استشارة شركائهما الأفارقة بشأن إستراتيجياتهما.
ويرى أليكس فاينز، مدير برنامج أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (معهد تشاتام هاوس) في تحليل نشره المعهد، أن نجاح استعداد أوروبا للقمة يحتاج إلى وضع سياسة أفريقية متناسقة بشأن الأمن والهجرة وتغير المناخ تتجاوز التجارة وتوفر على الأقل فرصة للحوار مع روسيا، التي تعاود الانخراط في أفريقيا.
منافسة على أشدها

في أكتوبر من العام الماضي، عقدت أول قمة روسية – أفريقية في منتجع سوتشي الروسي برئاسة مشتركة بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بوصفه رئيس الاتحاد الأفريقي آنذاك، وجذبت القمة 43 رئيس دولة أو حكومة وأكثر من ستة آلاف مشارك وممثلين إعلاميين من روسيا و104 دول ومناطق أجنبية.
ونتج عن القمة “منتدى الشراكة بين روسيا وأفريقيا”، المكلف بالإعداد للقمة الروسية – الأفريقية الثانية في 2022 وفي القمة الافتراضية لمجموعة العشرين، التي عقدت في مارس الماضي، اقترح بوتين إنشاء صندوق خاص لمساعدة أفريقيا وشدد على ضرورة تبادل المعلومات.
وطلبت نحو 30 دولة في مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (سادك) مساعدة روسية لمواجهة فايروس كورونا المستجد، كما تلقت جزر القمر ومدغشقر إمدادات غذائية، وتلقت جنوب أفريقيا أجهزة لإجراء اختبارات لفايروس كورونا.
والحقيقة، بحسب فاينز، هي أن التأثير الاقتصادي لكورونا سيقوض بشكل كبير طموحات موسكو في أفريقيا وسيؤدي ذلك إلى تركيز أكبر على البلدان الرئيسية مثل جنوب أفريقيا.
وكانت موسكو قد استضافت بشكل افتراضي قمة البريكس الثانية عشرة في نوفمبر الماضي، وتتطلع إلى تعميق الشراكة الدفاعية والنووية مع بريتوريا على الرغم من الانتكاسة الكبيرة التي أعقبت رحيل جاكوب زوما.
ويقول مدير برنامج أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية، إن الاتحاد الأوروبي وروسيا لديهما مصالح اقتصادية وسياسية وإستراتيجية، ومن الواضح أن هناك مجالات اهتمام بالأمن، من بينها البحري ومكافحة التطرف، والتي تتداخل مع بعضها البعض.
ويشير فاينز على وجه الخصوص إلى شمال أفريقيا، خاصة ليبيا في الوقت الحالي ومنطقة الساحل أيضا وكذلك خليج عدن وغرب المحيط الهندي وساحل شرق أفريقيا.
وتعد التغييرات في القيادة السياسية في الجزائر والسودان بمثابة تذكير بذلك، فقد استثمرت روسيا بكثافة في القيادات القديمة مثل عبدالعزيز بوتفليقة، الذي شغل منصب الرئيس لمدة 20 عاما وعمر البشير، الذي ظل رئيسا لمدة ثلاثة عقود.
وفي العام الماضي، تمت الإطاحة بهذين الزعيمين من خلال احتجاجات شعبية، مما أدى إلى احتياج موسكو لبناء علاقات مع القيادات الجديدة. وجاء إعلان روسيا في نوفمبر الماضي عن حصولها على منشآت لقواتها البحرية في ميناء بورسودان بمثابة تذكير بأن بعض هذه الطموحات إستراتيجية وطويلة الأمد.
وأكدت المشاركة الأمنية الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومؤخرا في مالي وموزمبيق أهمية استمرار الحوار مع موسكو بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه.
ويمكن أن تكون أفريقيا جنوب الصحراء، أيضا، منطقة لا تشهد تنافسا بين الجانبين وقد تجد موسكو وبروكسل مجالات مناسبة للتعاون إما على المستوى الثنائي أو من خلال مجلس الأمن الدولي وغيره من المنظمات الحكومية.
ويرجح المحلل فاينز، تصاعد المنافسة الجيوسياسية في أفريقيا، والتي تشمل العديد من اللاعبين الإقليميين والخارجيين في العقد المقبل، ويؤكد أن الدول الأفريقية تقع على عاتقها مسؤولية رئيسية لإدارة مصائرها وكيفية مشاركتها على الصعيد الدولي.

توغل روسي داخل القارة السمراء

يتطلب أي حوار شفافية وثقة حتى ينجح، إلا أن بروكسل وموسكو تواصلان حاليا تعزيز المعايير والرؤى المتنافسة، وعلى سبيل المثال، يدعو الاتحاد الأوروبي إلى الحوكمة وبناء المؤسسات، وهو ما يتعارض أحيانا مع استراتيجية روسيا “بلا قيود” والتي تعتمد على المصالح الجيوسياسية والتجارية.
ومع ذلك، يرى فاينز أنه من الضروري فضح الممارسات الروسية في أفريقيا، ففي أكتوبر 2019، أنهى موقع فيسبوك المنشورات المرتبطة بيفغيني بريغوزين، رجل الأعمال الذي يتردد أنه يقف وراء منظمة تأثير روسية والتي سعت بنشاط للتأثير على السياسة الداخلية لمجموعة من الدول الأفريقية.
وعلقت فيسبوك ثلاث شبكات من الحسابات الروسية “غير الأصلية” التي استهدفت ثماني دول أفريقية، وخاصة في أوقات الانتخابات مثل مدغشقر وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق والكونغو الديمقراطية وكوت ديفوار والكاميرون والسودان وليبيا.
وعلى مدار العامين الماضيين، ظهرت منظمات مرتبطة بروسيا عبر الشبكات الاجتماعية أو جهود المراقبة في منطقة جنوب القارة، خاصة في انتخابات الكونغو الديمقراطية وموزمبيق ومدغشقر، ويبدو أنها تستعد لاستمرار هذا النشاط في زامبيا في عام 2021 وأيضا في تنزانيا في وقت لاحق هذا العام.
ومع ذلك يؤكد فاينز أن هناك فرصا أمام بروكسل وموسكو لاحتواء المخاطر وتقليل تكاليف أي مواجهة، ويمكن تحقيق ذلك جزئيا ليس فقط من خلال السعي إلى جعل أفريقيا مسرحًا جديدا للمنافسة الجيوسياسية والتجريب، ولكن أيضا من خلال تبادل المعلومات.
وهناك مجالات يمكن لروسيا من خلالها أن تعزز الشفافية، مثل الكشف عن عمليات النقل الخاصة بالدفاع من خلال تقديم تقارير إلى سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية.
كما أن هناك أيضا مجالا للتعاون مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن العقوبات المفروضة على جمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان ومالي وليبيا، فضلا عن قضايا أخرى، مثل حفظ السلام.
واعتبر مدير برنامج أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية أنه لا ينبغي السماح للمواجهة الأوسع بين روسيا والاتحاد الأوروبي بوقف كل الحوار مع روسيا حول مصالحهما ومخاوفهما المشتركة في أفريقيا.

Related posts

Top