زلازل وكوارث هزت العالم..- الحلقة 21-

على إثر الزلزال مدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.

وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.

بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.

زلزال تركيا وسوريا 2023.. “كأنها القيامة”

نختم هذه السلسلة بحلقة خاصة حول الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا يناير الماضي والذي يعد من أسوأ الكوارث الطبيعية التي ضربت تركيا وسوريا منذ عقود طويلة وذلك بالنظر للخسائر الفادحة في الأرواح وكذا الخسائر المادية التي لا تحصى بعدد من المدن والقرى.

تعود تفاصيل هذه الكارثة، التي دبجناها في المقدمة وكانت منطلقا لنا للعمل على هذه السلسلة، إلى شهر فبراير الماضي، حيث استفاق العالم صبيحة 6 فبراير الماضي على كارثة ضربت تركيا والجنوب السوري، في وقت مبكر من ذلك اليوم، حوالي الرابعة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي، إذ أن هزة أرضية بقوة 7.8 درجة على مقياس ريشتر، ضربت غرب مدينة غازي عنتاب على الحدود التركية السورية.

وحسب قوة الزلزال، فإنه يعد الأقوى في تاريخ كل من تركيا وسوريا اللتين سجلتا في ذلك الصباح وقوع آلاف الضحايا، إذ بدأت في صباح 6 فبراير عمليات الإنقاذ والإغاثة التي عرفت وتيرة كبيرة وجهود كبيرة، إلا أنها واجهت مجموعة من المشاكل والصعوبات وفي مقدمتها الهزات الارتدادية الكثيرة التي حدثت بالمنطقة والتي أسهمت في تقويض جهود الإنقاذ ووقوع مئات الضحايا الآخرين العالقين تحت الركام.

ما زاد الكارثة طابع مأساويا ودمويا هو توقيت حدوثها، ذلك أنها زامنت فترة تواجد أغلب الناس نائمين في منازلهم، وهو الأمر الذي لم يمهل الكثيرين لاتباع تعليمات السلامة خلال المخاطر أو الفرار نحو الفضاءات المفتوحة، حيث وقعت مئات المباني والمركبات السكنية التي كانت تعج بالسكان.

أحصت تركيا في الساعات الأولى آلاف القتلى، فيما تأخرت السلطات السورية في إعلان حصيلة القتلى والمصابين جراء صعوبات عمليات الإنقاذ في ظل ما تعرفه سوريا من انقسامات وصراعات داخلية زادت الطينة بلة.

بعد مرور تسع ساعات على الزلزال الأول وتحديدا في الساعة الواحدة والنصف ظهرا بالتوقيت المحلي، وقع زلزال آخر بقوة 7.5 درجات على مقياس ريشتر بمنطقة إيكين أوزو بالقرب من مدينة كهرمان مرعش، حيث أدى إلى دمار كبير بهذه المدينة وخلق رعبا وهلعا كبيرا في صفوف الأتراك الذين اجتمعت عليهم كارثة الزلازل في تلك المرحلة.

انقسمت جهود الإنقاذ بين غازي عنتاب وكهرمان مرعش وعدد من المدن الأخرى التي تضررت من الزلزال، الذي كان عنيفا للغاية، إذ أبرزت مجموعة من الصور الملتقطة حجم الدمار الهائل الذي جاء على مدن بأكملها ودمرها بشكل كبير.

استمرت الهزات الارتدادية بشكل كبير، حيث فاقت ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية في تلك الأسابيع القليلة (أزيد من 10 ألف هزة ارتدادية إلى حدود اليوم)، زادت من صعوبات عمليات الإنقاذ، وأوقفت جهود الإغاثة بكثير من المناطق، فيما أعلنت السلطات التركية حالة الطوارئ بالبلاد، واستقبلت مساعدات الإغاثة من عشرات البلدان التي أرسلت طواقم إنقاذ وإغاثة للبحث عن الناجين وإغاثة المنكوبين بعدد من المدن.

استمرت عمليات الإنقاذ لأزيد من أسبوعين، وطبعتها عدد من المفاجآت، بعد إعلان عدد من الفرق عن وجود ناجين بعد أزيد من 10 أيام عن الكارثة، فيما تم تسجيل صور ولقطات فيديو لمشاهد إنسانية مختلفة بعدد من المدن، خصوصا وأن الدمار كان هائلا بمدن مختلفة، حيث كانت بعض فرق الإغاثة تتواصل مع عدد من العالقين تحت الركام على أمل إنقاذهم.

في 20 فبراير، سيضرب زلزال آخر تركيا، هذه المرة بمدينة هاتاي، حيث ضربت الهزة الأولى بقوة 6.4 درجة، تلتها هزة أخرى بقوة 5.8 درجة على مقياس ريشتر، ما أدى إلى مأساة أخرى وانهيارات كبرى، بالإضافة إلى تسبب الزلزال في فيضان هائل بالمدينة، خصوصا مع الأمطار الغزيرة التي تزامنت مع الزلزال.

تعقدت جهود الإنقاذ أكثر حيث أعاقت الطرق المدمرة والعواصف الشتوية وانقطاع الاتصالات عمل رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ للإنقاذ والإغاثة، والتي تضمنت قوة بحث وإنقاذ قوامها 60 ألف فرد، و5000 منقذ ومسعف، و30 ألف متطوع، كما انضم لها في إطار الإغاثة الدولية أزيد من 141 ألفا من 94 دولة بعد طلب تركيا للمساعدة الدولية، وهكذا جرى إعلان عددا من المدن مناطق منكوبة.

وحسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة فقد تجاوز عدد القتلى في تركيا وسوريا جراء الزلزال 50 ألف قتيل، بعدما أعلنت تركيا ارتفاع عدد القتلى على أراضيها، حيث قالت إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد” إن عدد القتلى جراء الزلزال ارتفع إلى 44 ألفا و218 قتيلا مساء الجمعة 24 فبراير 2023.

وبإضافة أحدث رقم معلن في سوريا، وهو 5914 قتيلا، يرتفع عدد القتلى الإجمالي في البلدين متجاوزا 50 ألفا، وهي حصيلة تعد الأسوأ عالميا منذ سنوات طويلة، حيث أن لهذه الكارثة صدى عالمي كبير، خصوصا بعد وفاة عدد من المواطنين من دول مختلفة، من ضمنهم مغاربة لقوا حتفهم جراء الزلزال وتوابعه.

واستمرت الهزات الارتدادية إلى حدود الشهر الجاري، حيث جرى في 15 أبريل الجاري تسجيل هزة أرضية جديدة بقوة 4.4 بكهرمان مرعش، فيما كانت إدارة الكوارث والطوارئ التركية قد قالت قبل نهاية فبراير إن البلاد تعرضت منذ حدوث الزلازل فجر يوم 6 فبراير والذي كان مركزه ولاية كهرمان مرعش لـ 9136 هزة ارتدادية، وكانت آخر تلك الهزات الارتدادية بقوة 4.3 درجات على مقياس ريشتر والتي حدثت بمحافظة قونية وسط تركيا عصر الجمعة 24 فبراير، وذلك قبل أن يتم تسجيل هزات أخرى إضافية طيلة شهر مارس وبداية أبريل الجاري.

وفي وصف الناس لهذا الزلزال المدمر، قال الكثيرون إنهم شعروا برعب لا مثيل له ولم يسبق أن عاشوا مثل تلك الأجواء، خصوصا الاستيقاظ على الأرض وهي تهتز وتميد بالناس، حيث وصفها البعض قائلا “كأنها القيامة”، فالجميع يفر نحو المجهول والأرض تهتز والبنايات تتساقط في الشوارع وسحب الدخان تملئ المكان، أنين وصراخ في الشوارع وتحت الأنقاض، وأضواء لامعة تضرب في الأفق.

خلق هذا الزلزال نوعا من الفوبيا لدى آلاف الأتراك خصوصا بمنطقة كهرمان مرعش ومدينة هاتاي ومدن أخرى صغيرة غادرها سكانها الناجون من الزلزال وظلت شوارعها المدمرة خالية، خصوصا وأن الهزات الارتدادية نمت هذا الخوف وجعلت حتى من تشبث بالبقاء على الأنقاض يغادر هو الآخر.

أقامت تركيا بجهود دولية عديد من المخيمات لإيواء الآلاف من النازحين والمنكوبين والمشردين جراء الزلزال، ووضعت آلاف الخيام والمنازل المتنقلة لإيواء الأسر التي شردتها الزلازل المتكررة، فيما أطلقت تركيا تحديا بإعادة الإعمار للمناطق التي تدمرت، كما شرعت في اعتقال ومحاسبة المئات من متعهدي البناء، ممن انهارت المجمعات السكنية التي بنوها، حيث فتحت النيابة العامة التركية تحقيقا معهم للتقصير في عملية البناء وعدم وضع المعايير اللازمة ومعايير السلامة بما فيها مضادات الزلازل التي يتوجب أن تكون في صلب عملية البناء.

وبالرغم من جهود الإغاثة والإنقاذ، إلا أن الزلزال ترك دمار مهولا، وتسبب حسب رئيس المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين البروفيسور كارلو دوغليوني في تحرك جانب من صفيحة الأناضول، التي تقع عليها تركيا، نحو 3 أمتار نحو الغرب، كما أدى إلى تراكم عدد من النفايات التي تشكل خطرا كبيرا، إذ وحسب مجموعة من الخبراء فإن تركيا  تواجه عبئا أكبر يتمثل في إمكانية تفشي الأمراض الخطيرة التي قد تنشرها هذه النفايات على المدى المتوسط والطويل، ومن بينها مرض السرطان، حيث تشير التقديرات إلى أن النفايات التي خلفها الزلزال تزيد عن 170 مليون طن، ويستغرق نقلها أكثر من 3 أو أربع سنوات.

  • إعداد: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top