وصلت وفرة الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي مجددا إلى رقم قياسي جديد في العام الماضي، إذ كان معدل الزيادة السنوي أعلى من متوسط الفترة 2020-2011، واستمر هذا الاتجاه في عام 2021 وفقا لنشرة غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون وهو أهم غازات الاحتباس الحراري، 413.2 جزء في المليون في عام 2020 ويمثل نسبة 149 في المائة من مستوى ما قبل الحقبة الصناعية.
وبلغت نسبة الميثان 262 في المائة، ونسبة أكسيد النيتروجين 123 في المائة من المستويات في عام 1750، عندما بدأت الأنشطة البشرية في إخلال التوازن الطبيعي للأرض، ولم يكن للتباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد-19 أي تأثير ملحوظ على مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي ومعدلات نموها، وإن كان هناك انخفاض مؤقت في الانبعاثات الجديدة، وطالما استمرت الانبعاثات ستستمر درجات الحرارة العالمية في الارتفاع، فبالنظر إلى العمر الطويل لثاني أكسيد الكربون، فإن مستوى درجة الحرارة المرصودة بالفعل سيستمر لعدة عقود حتى لو خفضت الانبعاثات بسرعة إلى صفر صاف الكربون.
وإلى جانب ارتفاع درجات الحرارة، فإن هذا يعني حدوث المزيد من ظواهر الطقس المتطرفة، بما في ذلك الحرارة الشديدة وسقوط الأمطار وذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر وتحمض المحيطات، وما يرتبط بذلك من آثار اجتماعية واقتصادية بعيدة المدى، هناك ما يقرب من نصف كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الأنشطة البشرية اليوم لا يزال موجوداً في الغلاف الجوي. أما النصف الآخر، فتمتصه المحيطات والنظم الإيكولوجية الأرضية. وقد أشارت النشرة إلى القلق من أن قدرة النظم الإيكولوجية الأرضية والمحيطات على العمل كـبالوعات قد تصبح أقل فعالية في المستقبل، مما يقلل قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتكون بمثابة حاجز ضد مواصلة الارتفاع في درجات الحرارة، وتبين النشرة أنه في الفترة من عام 1990 إلى عام 2020 قد زاد التأثير الإشعاعي – تأثير الاحترار على مناخنا – بسبب غازات الاحتباس الحراري الطويلة العمر بنسبة 47 في المائة، إذ شكّل ثاني أكسيد الكربون حوالي 80 في المائة من هذه الزيادة، وتستند هذه الأرقام إلى عملية المراقبة التي تضطلع بها شبكة المراقبة العالمية للغلاف الجوي التابعة للمنظمة، وقال البروفيسور بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة: “تتضمن نشرة غازات الاحتباس الحراري رسالة علمية صارخة للمفاوضين بشأن تغير المناخ في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين. وفي ظل المعدل الحالي للزيادة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري، سنشهد زيادة في درجة الحرارة بحلول نهاية هذا القرن تتجاوز بكثير الزيادة المستهدفة التي حددها اتفاق باريس بأن تكون أعلى من مستويات ما قبل الحقبة الصناعية بمقدار يتراوح بين 1.5 درجة مئوية ودرجتين مئويتين، فنحن بعيدون كثيراً عن المسار الصحيح”، وتابع: “إن كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي خرقت القيمة البارزة البالغة 400 جزء في المليون في عام 2015 وبعد خمس سنوات فقط، تجاوزت 413 جزءاً في المليون. وهذا أكثر من مجرد صيغة كيميائية وأرقام على رسم بياني. ولهذا الأمر تداعيات سلبية كبيرة على حياتنا اليومية ورفاهيتنا، وعلى حالة كوكبنا، وعلى مستقبل أولادنا وأحفادنا”، وواصل حديثه قائلا: “يبقى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لقرون، ويبقي في المحيطات لفترات أطول. وقد كانت آخر مرة شهدت فيها الأرض تركيزا مشابهاً لثاني أكسيد الكربون قبل 5-3 ملايين سنة، عندما كانت درجة الحرارة أدفأ بمقدار 3-2 درجة مئوية وكان مستوى سطح البحر أعلى من نظيره في الوقت الحالي بمقدار يتراوح بين 10 أمتار و20 مترا، ولكن لم يكن تعداد السكان 7.8 مليار نسمة في ذلك الوقت” و “تضع العديد من البلدان حاليا أهدافا محايدة للكربون ويؤمل أن يشهد مؤتمر الأطراف السادس والعشرون زيادة كبيرة في الالتزامات، وعلينا تحويل التزامنا إلى عمل سيكون له تأثير على الغازات التي تؤدي إلى تغير المناخ وعلينا إعادة النظر في نظمنا الصناعية والخاصة بالطاقة والنقل وطريقة حياتنا ككل والتغييرات المطلوبة ميسورة التكلفة اقتصاديا وممكنة من الناحية التقنية فليس هناك وقت نضيعه”.
بالوعات الكربون
هناك ما يقرب من نصف كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الأنشطة البشرية اليوم لا يزال موجودا في الغلاف الجوي، بينما تمتص المحيطات والنظم الإيكولوجية الأرضية النصف الآخر، ويمثل جزء ثاني أكسيد الكربون الذي يبقي في الغلاف الجوي مؤشراً مهماً للتوازن بين المصادر والبالوعات، ويتغير هذا الجزء من سنة إلى أخرى بسبب تقلبية الطبيعة، وزادت بالوعات ثاني أكسيد الكربون في الأراضي والمحيطات بشكل متناسب مع زيادة الانبعاثات في السنوات الستين الماضية، إلا أن عمليات الامتصاص هذه حساسة لتغيرات المناخ والتغيرات في استخدام الأراضي، وستكون للتغيرات في فعالية بالوعات الكربون آثار قوية في بلوغ أهداف اتفاق باريس لعام 2015 وستتطلب تعديلات في توقيت وحجم التزامات خفض الانبعاثات، وقد يؤدي تغير المناخ المستمر وردود الفعل ذات الصلة، من قبيل حالات الجفاف المتكررة وما يرتبط بها من زيادة نشوب حرائق الغابات وكثافتها، إلى تقليل امتصاص النظم الإيكولوجية الأرضية لثاني أوكسيد الكربون، وهذه التغييرات تحدث بالفعل، ولقد تحول بالفعل جزء من الأمازون من بالوعة كربون إلى مصدر للكربون، وقد ينخفض امتصاص المحيط أيضا بسبب ارتفاع درجات حرارة سطح البحر، وانخفاض الأس الهيدروجيني pH بسبب امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتباطؤ دوران المحيطات نتيجة زيادة ذوبان الجليد البحري، وتكتسي المعلومات الآنية والدقيقة عن التغيرات أهمية بالغة لاكتشاف التغيرات المستقبلية في التوازن بين المصادر والبالوعات، وهذه التغيرات ترصدها شبكات المراقبة العالمية للغلاف الجوي، وثاني أكسيد الكربون هو أهم غاز من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، إذ يمثل 66 في المائة تقريبا من تأثير الاحترار على المناخ، ويعزى ذلك في الأساس إلى احتراق الوقود الأحفوري وإنتاج الأسمنت، ووصل المتوسط العالمي لتركيزات ثاني أكسيد الكربون إلى مستوى مرتفع جديد بلغ 413.2 جزء في المليون في عام 2020، وكانت الزيادة في ثاني أوكسيد الكربون في الفترة من 2019 إلى 2020 أقل قليلا من الزيادة في الفترة من 2018 إلى 2019، ولكنها كانت أكبر من متوسط معدل النمو السنوي على مدار العقد الماضي، بالرغم من انخفاض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري في عام 2020 بنسبة 5.6 في المائة تقريبا بفضل قيود جائحة كوفيد-19، وتظهر البيانات المستقاة من محطات المراقبة بوضوح أن مستويات ثاني أكسيد الكربون استمرت في الزيادة في عام 2021، ففي شهر يوليوز 2021 بلغ تركيز ثاني أوكسيد الكربون في مونا لوا (هاواي، الولايات المتحدة) وكيب غريم (تسمانيا، أستراليا) 416.96 جزء في المليون و412.1 جزء في المليون على التوالي، مقابل 414.62 جزء في المليون و410.03 جزء في المليون في يوليوز 2020.
الميثان غاز من غازات الاحتباس الحراري القوية
ويمثل الميثان 16 في المائة تقريبا من تأثير الاحترار لغازات الاحتباس الحراري الطويلة العمر، وفقا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة الامريكية، وينبعث ما يقرب من 40 في المائة من الميثان في الغلاف الجوي من مصادر طبيعية على سبيل المثال الأراضي الرطبة والنمل الأبيض، ويأتي نحو 60 في المائة من مصادر بشرية على سبيل المثال المجترات، وزراعة الأرز، والاستخدام المفرط للوقود الأحفوري ومدافن النفايات، وحرق الكتلة الأحيائية، وكانت الزيادة في الفترة من 2019 إلى 2020 أعلى من الزيادة في الفترة من 2018 إلى 2019، وكانت أيضا أعلى من متوسط معدل النمو السنوي خلال العقد الماضي، ويمكن لتقليل غاز الميثان في الغلاف الجوي على المدى القصير أن يدعم تحقيق اتفاق باريس ويساعد على تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة بفضل الفوائد المشتركة المتعددة لتخفيف الميثان، إلا أن ذلك لا يقلل من ضرورة إجراء خفض قوي وسريع ومستدام في تركيزات ثاني أكسيد الكربون.
ويعتبر غاز ثاني أوكسيد النيتروجين غاز ا من غازات الاحتباس الحراري القوية ومادة كيميائية مستنفدة للأوزون، وهو يمثل 7 في المائة تقريبا من التأثير الإشعاعي الناجم عن غازات الاحتباس الحراري الطويلة العمر، وينبعث ثاني أوكسيد النيتروجين في الغلاف الجوي من مصادر طبيعية (60 في المائة تقريبا) ومصادر بشرية (40 في المائة تقريبا) على حد سواء، بما في ذلك المحيطات والتربة وحرق الكتلة الأحيائية واستخدام الأسمدة والعمليات الصناعية المختلفة. ووصل متوسط الكسر الجزيئي لثاني أوكسيد النيتروجين في عام 2020 إلى 333.2 جزء في البليون، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 1.2 جزء في البليون مقارنة بعام 2019، وكانت الزيادة السنوية في الفترة من 2019 إلى 2020 أعلى من الزيادة في الفترة من 2018 إلى 2019 وأعلى أيضاً من متوسط معدل النمو على مدار السنوات العشر الماضية وزادت انبعاثات أكسيد النيتروز العالمية البشرية المنشأ، والتي تهيمن عليها إضافات النيتروجين إلى الأراضي الزراعية، بنسبة 30 في المائة خلال العقود الأربعة الماضية، وتساهم الزراعة بنسبة 70 في المائة من إجمالي انبعاثات أكسيد النيتروز البشرية المنشأ بسبب استخدام الأسمدة النيتروجينية والسماد الطبيعي، وكانت هذه الزيادة مسؤولة بشكل رئيسي عن زيادة عبء ثنائي أوكسيد النيتروجين في الغلاف الجوي.
السنوات السبع الماضية الأدفأ على الإطلاق
ولقد أدت التركيزات القياسية لغازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي وما ينتج عنها من تراكم للحرارة إلى دفع الكوكب إلى منطقة مجهولة، وإلى آثار طويلة الأمد على الأجيال الحالية والقادمة.
ووفقا للتقرير المؤقت الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بشأن حالة المناخ العالمي في 2021 والذي استند إلى بيانات الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، فإن السنوات السبع الماضية في طريقها لأن تكون أدفأ سبع سنوات في التاريخ المسجل، وإن حدوث ظاهرة تبريد مؤقت من ظواهر “النينيا” في أوائل هذا العام يعني أنه من المتوقع أن يحتل عام 2021 المرتبة الخامسة أو السادسة أو السابعة “فقط” من بين أدفأ الأعوام في التاريخ المسجل، ولكنه لا ينفي ولا يعكس الاتجاه الطويل الأمد لارتفاع درجات الحرارة. ومن الجدير بالذكر أن ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي قد تسارع منذ عام 2013 حتى بلغ مستوى غير مسبوق في عام 2021، مع استمرار ارتفاع درجات حرارة المحيطات وزيادة نسبة تحمض المحيطات. ويجمع هذا التقرير مداخلات من وكالات متعددة تابعة لمنظومة الأمم المتحدة، والمرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا، والخبراء العلميين. ويلقي الضوء على آثار الاحتباس الحراري على الأمن الغذائي ونزوح السكان التي تضر بالنظم الإيكولوجية الحيوية وتعيق التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “إن التقرير المؤقت الصادر عن المنظمة بشأن حالة المناخ العالمي في 2021 يقوم على أحدث الأدلة العلمية ويكشف لنا كيف يتغير كوكبنا أمام أعيننا. فمن أعماق المحيطات إلى قمم الجبال، تتدهور النظم الإيكولوجية وتتضرر المجتمعات في جميع أنحاء العالم بسبب ذوبان الأنهار الجليدية وظواهر الطقس المتطرفة المستمرة بلا هوادة، ولذلك يجب أن يكون مؤتمر الأطراف السادس والعشرون نقطة تحول بالنسبة للشعوب والكوكب”. وأعلن في بيان أن “العلماء على بينة من الحقائق، وعلى القادة أن يكونوا حازمين في إجراءاتهم، والباب مفتوح والحلول موجودة، ويجب أن يكون مؤتمر الأطراف السادس والعشرون نقطة تحول، ويجب أن نعمل الآن – بطموح وتضامن – من أجل حماية مستقبلنا وإنقاذ البشرية”.
وقال البروفيسور بيتيري تالاس الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: “لأول مرة في التاريخ المسجل، تساقطت الأمطار – بدلاً من الثلوج المعتادة – في ذروة صفيحة غرينلاند الجليدية، وتذوب الأنهار الجليدية الكندية بسرعة، وشهدت كندا والمناطق المجاورة في الولايات المتحدة الأمريكية موجة حر رفعت درجة الحرارة إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية في قرية بمقاطعة كولومبيا البريطانية. ووصلت درجة الحرارة في وادي الموت بكاليفورنيا إلى 54.4 درجة مئوية في أثناء إحدى موجات الحر المتعددة التي شهدها جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، في حين شهدت أجزاء كثيرة من البحر الأبيض المتوسط درجات حرارة غير مسبوقة. وكانت درجات الحرارة الاستثنائية هذه مصحوبة غالبا بحرائق مدمرة”. وتابع قائلا: “شهدت الصين، في غضون ساعات معدودة، تساقط كمية أمطار تعادل ما يتساقط عادةً على مدى عدة أشهر، وشهدت أجزاء من أوروبا فيضانات عارمة، وأودت هذه الكوارث بحياة العشرات وأسفرت عن خسائر اقتصادية بالمليارات، وأدى العام الثاني على التوالي من الجفاف في المناطق شبه الاستوائية في أمريكا الجنوبية إلى تقليل تدفق أحواض أنهار كبيرة والإضرار بالزراعة والنقل وإنتاج الطاقة”. واستطرد بقوله: “الظواهر المتطرفة أصبحت القاعدة وليس الاستثناء، وتوجد أدلة علمية متزايدة على أن بعض هذه الظواهر يحمل بصمة تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية”. وأضاف “بالمعدل الحالي لزيادة تركيز غازات الاحتباس الحراري، سنشهد زيادة في درجة الحرارة بحلول نهاية هذا القرن تتجاوز بكثير هدف اتفاق باريس قصر ارتفاع متوسط درجة الحرارة على ما بين 1.5 درجة مئوية ودرجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، فلعل مؤتمر الأطراف السادس والعشرون هو فرصتنا الأخيرة كي نعود إلى المسار الصحيح”.
وصدر التقرير المؤقت عن حالة المناخ في 2021 في بداية مفاوضات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، أي إبان مؤتمر الأطراف السادس والعشرين المعقود في غلاسكو. وهو يقدم لمحة عن مؤشرات مناخية من قبيل تركيز غازات الاحتباس الحراري، ودرجات الحرارة، والطقس المتطرف، ومستوى سطح البحر، واحترار المحيطات وتحمضها، وانحسار الأنهار الجليدية، وذوبان الجليد، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية، وهذا التقرير هو أحد التقارير العلمية الرئيسية التي ستسترشد بها المفاوضات وستعرض في جناح العلوم الذي تستضيفه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ومكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، وستطلق المنظمة إبان مؤتمر الأطراف السادس والعشرين، التحالف من أجل الماء والمناخ بغية تنسيق العمل في مجالي المياه والمناخ، ومرفق تمويل الرصد المنهجي الرامي إلى تحسين عمليات الرصد والتنبؤ الخاصة بالطقس والمناخ والتي تكتسي أهمية محورية للتكيف مع تغير المناخ.
ارتفاع درجات الحرارة والمحيطات
في عام 2020، وصل تركيز غازات الاحتباس الحراري إلى مستوى غير مسبوق إذ بلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون 413.2 جزء في المليون، وتركيز الميثان 1889 جزءا في البليون، وتركيز أكسيد النيتروجين 333.2 جزء في البليون، وهو ما يعادل 149% و262% و123% من مستويات ما قبل العصر الصناعي1750 على التوالي واستمرت الزيادة في عام 2021، وكان متوسط درجة الحرارة العالمية في عام 2021 أعلى من متوسط الفترة 1850-1900 بنحو 1.09 درجة مئوية ووفقا لمجموعات البيانات الست التي استخدمتها المنظمة في التحليل، يحتل عام 2021 حاليا المرتبة السادسة أو السابعة من بين أدفأ الأعوام في التاريخ المسجل ولكن هذه المرتبة قد تتغير في نهاية العام، ومع ذلك، فمن المرجح أن يحتل عام 2021 المرتبة الخامسة أو السادسة أو السابعة من بين أدفأ الأعوام في التاريخ المسجل، فتصبح الأعوام من 2015 إلى 2021 هي أدفأ سبعة أعوام في التاريخ المسجل، وعام 2021 أقل دفئا من الأعوام الماضية بسبب تأثير ظاهرة النينيا المعتدلة حدثت في بداية العام، ولظاهرة النينيا تأثير تبريدي مؤقت في متوسط درجة الحرارة العالمي وهي تؤثر في الطقس والمناخ الإقليميين، وتجلى تأثير ظاهرة النينيا في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادئ في عام 2021، علما بأن أحدث ظاهرة نينيا قوية كانت في عام 2011. وإن عام 2021 أدفأ من عام 2011 بمقدار يتراوح تقريباً بين 0.18 و0.26 درجة مئوية، وفي ظل تضاؤل تأثير ظاهرة النينيا التي حدثت في 2020-2021، ارتفعت درجات الحرارة العالمية الشهرية، ولا يزال عام 2016، الذي بدأ في أثناء ظاهرة النينيو القوية، هو أدفأ عام في التاريخ المسجل وفقا لمعظم مجموعات البيانات المستخدمة.
وتخزن في المحيطات 90% من الحرارة المتراكمة في نظام الأرض والتي تقاس بالمحتوى الحراري للمحيطات، واستمر ارتفاع المحتوى الحراري للمحيط في الجزء العلوي على عمق 2000 متر في عام 2019 حتى وصل إلى مستوى قياسي جديد، ويشير تحليل أولي يستند إلى سبع مجموعات بيانات عالمية إلى أن عام 2020 قد تجاوز هذا المستوى القياسي، ووفقا لجميع مجموعات البيانات، فإن معدلات احترار المحيطات قد زادت بشدة على مدى العقدين الماضيين، ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع درجة حرارة المحيطات في المستقبل. وشهد جزء كبير من المحيطات موجة واحدة على الأقل من موجات الحر البحرية “القوية” في وقت معين من عام 2021 – باستثناء المنطقة الاستوائية الشرقية من المحيط الهادئ بسبب ظاهرة النينيا وجزء كبير من المحيط الجنوبي. وشهد بحر لابتيف وبحر بوفورت في المنطقة القطبية الشمالية موجات حر بحرية “شديدة” و”متطرفة” في الفترة من يناير إلى أبريل 2021. وتزيد نسبة تحمض المحيطات لأنها تمتص زهاء 23% من الانبعاثات السنوية لثاني أوكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية في الغلاف الجوي، وانخفض الأس الهيدروجيني لسطح المحيط المفتوح على مستوى العالم على مدى الأربعين عاما الماضية حتى بلغ اليوم أدنى مستوياته منذ 26000 عام على الأقل. وتجدر الإشارة إلى أن المعدلات الحالية لتغير الأس الهيدروجيني غير مسبوقة منذ هذه الفترة على أقل تقدير، وكلما انخفض الأس الهيدروجيني في المحيطات، انخفضت قدرة المحيطات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
وتنشأ التغيرات في متوسط مستوى سطح البحر العالمي في الأساس نتيجة ارتفاع درجات حرارة المحيطات بفعل التمدد الحراري لمياه البحر وذوبان الجليد الأرضي، وقيس متوسط ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي بسواتل عالية الدقة لمقياس الارتفاع، وبلغ 2.1 ملم سنويا في الفترة بين عامي 1993 و2002 و4.4 ملم سنويا في الفترة بين عامَي 2013 و2021، أي زاد إلى الضعف بين الفترتين ويعزى ذلك أساسا إلى تسارع وتيرة فقدان الكتلة الجليدية من الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية، وكان الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية أقل من متوسط الفترة 1981-2010 عندما كان في أعلى مستوياته في مارس، وانحسرت رقعة الجليد البحري بعد ذلك بسرعة في يونيو وأوائل يوليو زفي منطقتي بحر لابتيف وبحر شرق غرينلاند. ونتيجة لذلك، كانت رقعة الجليد البحري على مستوى المنطقة القطبية الشمالية ضئيلة ضآلة قياسية في النصف الأول من شهر يوليوز 2021 ثم حدث تباطؤ في ذوبان الجليد في شهر أغسطس، وكانت رقعة الجليد البحري الدنيا في شهر شتنبر بعد موسم الصيف أكبر مما كانت عليه في السنوات الماضية إذ بلغت 4.72 مليون كيلومتر مربع؛ فاحتلت بذلك المرتبة الثانية عشرة من بين أدنى رقاع الجليد البحري المسجلة في السجلات الساتلية التي تغطي 43 عاما، وكانت أضأل بكثير من متوسط الفترة 2010-1981، وكانت رقعة الجليد البحري في بحر شرق غرينلاند ضئيلة ضآلة غير مسبوقة، وكانت رقعة الجليد البحري في المنطقة القطبية الجنوبية قريبة عامة من متوسط الفترة 1981-2010، وبلغت أقصاها مبكرا في أواخر شهر غشت 2021.
وتسارعت وتيرة فقدان الكتل الجليدية من الأنهار الجليدية في أمريكا الشمالية على مدى العقدين الماضيين بمقدار الضعف تقريباً في الفترة 2015-2019 مقارنةً بالفترة 2000-2004، وألحق الصيف الاستثنائي الحرارة والجفاف الذي شهده غرب أمريكا الشمالية في عام 2021 أضرارا بالغة بالأنهار الجليدية الجبلية في المنطقة، وكانت رقعة انصهار الصفيحة الجليدية في غرينلاند قريبة من المتوسط الطويل الأجل لأوائل فصل الصيف، إلا أن معدلات درجات الحرارة وجريان المياه الذائبة كانت أعلى بكثير من معدلاتها الطبيعية في غشت 2021 بسبب تدفق كميات كبيرة من الهواء الدافئ الرطب في منتصف شهر غشت، وفي 14 غشت صد هطول أمطار لعدة ساعات في محطة القمة، وهي أعلى نقطة على صفيحة غرينلاند الجليدية 3216 مترا وظلت درجات حرارة الهواء فوق درجة التجمد لمدة تسع ساعات تقريبا ولم يبلغ قبل ذلك عن أي هطول للأمطار في القمة، وهذه هي المرة الثالثة في غضون السنوات التسع الماضية التي تشهد فيها القمة ظروفا مواتية للانصهار. ووفقا للسجلات الأساسية الخاصة بالجليد، لم تحدث سوى ظاهرة انصهار واحدة في القرن العشرين.
محمد بن عبو