ساكنة الدار البيضاء تشكو سوء تدبير النقل العمومي في ظل غياب الربط المجالي

لازالت معاناة ساكنة مدينة الدار البيضاء مع التنقل العمومي لا تنتهي، إذ يجد أغلبية المواطنين صعوبة في التنقل مابين منطقة لأخرى، بسبب ظروفهم المادية المزرية و عدم امتلاكهم وسيلة نقل خاصة.
أغلب المواطنين يجدون أنفسهم مرغمين على اعتماد وسائل النقل العمومية كحافلات النقل و سيارة الأجرة، خاصة الكبيرة، و التي، بسبب قلتها تؤدي إلى تعطيل مصالح المواطنين في كثير من المناطق.
ولا يخفى على أحد أن السرعة التي باتت تسير بها الحياة تتطلب نقلا عموميا تتوفر فيه شروط تتلاءم والتوسع العمراني و الكثافة السكانية لمدينة عملاقة كالدار البيضاء، حيث أضحت مقرات العمل بعيدة عن السكن بالنسبة لغالبية المواطنين الذين جعل التوسع العمراني مقرات سكناهم في أطراف وهوامش المجال الحضري.
وقد عبر مجموعة من المواطنين “لبيان اليوم” عن استيائهم لعدم توفر وسائل نقل عمومية تفي بالغرض، مما يسبب أنواعا مختلفة من المعاناة التي تصادفهم يوميا خلال رحلات الذهاب و الإياب من و إلى مقرات السكن أو العمل..، كما أن أشار بعض المواطنين بأنه في أغلب الأحيان تكون سيارة الأجرة “الصغيرة” على وجه الخصوص فارغة، إلا أن سائقها يرفض نقل المواطنين مما يسبب في تأخرهم ويعطل قضاء مصالحهم الشخصية.. و ذلك يطرح مجموعة من التساؤلات حول دور الجهات المسؤولة في مراقبة السير و الجولان و تجديد آليات قطاع النقل العمومي بالإضافة لوضع قوانين.
و في السياق ذاته يشتكي المواطنون من عدم توفر أبسط الشروط و مواصفات النقل العمومي المتعارف عليه وطنيا و دوليا و المنصوص عليه في دفتر التحملات والعقود و التراخيص و الامتيازات.
وهذا لا يعني أن كل وسائل النقل العمومي من حافلات وسيارات أجرة لا تحترم شروط الجودة والسلامة، لكنها تشكل استثناء لقلتها، إذا ما قورنت بأعداد الحافلات والشاحنات وسيارات الأجرة المتهالكة والمهترئة التي تشغل المسافات الطويلة في الشبكة الطرقية لمدينة الدار البيضاء..
ويطرح مشكل التنقلات الحضرية عوائق كبيرة إزاء تعزيز مسلسل التنمية المستدامة، بالنظر لكونه محل جدال سياسي واجتماعي واقتصادي، يتعلق بضرورة التدبير الأمثل للتجمعات الحضرية بالدار البيضاء. فهذه الحاضرة تواجه تحديات جمة تتعلق بضبط التمدد العمراني، وتلبية الحاجيات المتنامية المرتبطة بالحركية، وضمان التماسك الاجتماعي عبر إدماج التدابير ذات الصلة في مقاربة ناجعة للتنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، يضطلع النقل الحضري بأدوار مهمة في تحريك عجلة التنمية المحلية، بالنظر إلى إسهامه المباشر وغير المباشر في تطوير نظم التنقلات وتيسير الربط المجالي بكلفة بسيطة.
فبالعاصمة الاقتصادية للمملكة، كانت هناك حاجة ماسة إلى تدخلات ناجعة، لدعم إنشاء نظم متكاملة للنقل الحضري المستدام، بعد تسجيل اختلالات تدبيرية في هذا القطاع دامت لسنوات عديدة، أثرت نسبيا على جاذبية المدينة إن على المستوى الاقتصادي أو حتى التنموي، بسبب تنامي مشكل التكدس المروري وتصاعد حدة ملوثات الهواء نتيجة استخدام وسائط نقل ملوثة وغير صديقة للبيئة.
ومطلع السنة الجارية، شهدت المدينة، دخول أسطول جديد من الحافلات العصرية، يضم نحو 450 حافلة جديدة حيز الخدمة، تابع لشركة “ألزا” نائلة صفقة التدبير المفوض لهذه الخدمة.
وسائل نقل حديثة وجديدة إذن، كلفت استثمارات ضخمة بملايير الدراهم لضمان نقل جيد ومريح يستجيب لتطلعات ساكنة الدار البيضاء ويؤهل العاصمة الاقتصادية للمملكة للارتقاء إلى مصاف الحواضر العالمية الكبرى.
وتتميز الحافلات الجديدة، التي يبلغ طولها 12 مترا، بمراعاتها للاحتياجات الخاصة للأشخاص في وضعية إعاقة، كما أنها تؤمن شروط الراحة للمرتفقين وذلك بتوفيرها 33 مقعدا.
حافلات جديدة وعصرية تتوفر على كل مقومات الراحة التي تغري الركاب بارتيادها، ستسهم تدريجيا في محو تلك الصورة القاتمة وذاك الانطباع السيء الذي تولد لدى البيضاويين ولسنوات عديدة نظير معاناتهم من تدني خدمات النقل الحضري يقول حسن بومعاني وهو ناشط مدني بمنطقة عين السبع.
ويضيف بومعاني في دردشة مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن ساكنة الدار البيضاء عانت كثيرا من سوء تدبير خدمة النقل الحضري، قبل تمكنها أخيرا من ارتياد حافلات جديدة تم التعهد بتوفيرها منذ التوقيع في أكتوبر 2019، على عقد التدبير المفوض بين 18 جماعة ومؤسسة التعاون بين الجماعات (البيضاء) وشركة “ألزا”. من جهته، أكد سعيد صدفي وهو مواطن يستقل يوميا حافلات النقل العمومي، للوصول إلى مقر عمله، بسيدي البرنوصي، في تصريح مماثل أن كل البيضاويين ومن جميع الفئات الاجتماعية، تنفسوا الصعداء أخيرا، بعدما عانوا في السابق نظير ارتيادهم حافلات مهترئة تابعة لشركة “مدينة باص” والتي غالبا ما كانت تتعرض لأعطال في قارعة الطريق، الشيء الذي كان يطرح مشاكل للمواطنين من قبيل عدم وصولهم لوجهاتهم في وقت مناسب لقضاء أغراضهم الخاصة.
وكان المدير العام لشركة “آلزا البيضاء” المهدي صفوان، قد أكد في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الدفعة الأولى من الحافلات الجديدة يرتقب رفع عددها إلى 700 حافلة مع متم سنة 2021.
وأضاف أن هذه الحافلات مجهزة بكاميرات ذات تقنية عالية، لرصد كافة الحركات والتحركات التي تخل بالنظام الداخلي لهذه الناقلات العمومية، وذلك إسهاما في تأمين سيرها العادي في ظل ظروف آمنة ومريحة.
وأشار إلى أن خدمة “حافلات البيضاء” ستعتمد على شبكة مهيكلة سيتم من خلالها الربط بين مختلف الجماعات الترابية التابعة للمدينة عبر شبكة متكاملة ومرتبطة بمختلف خطوط النقل عبر الطرامواي مما سيسهل عملية تنقل المرتفقين على مستوى تراب الدار البيضاء.
وحسب دراسة أعدها مجلس جماعة الدار البيضاء، فإن الساكنة البيضاوية تقوم بما مجموعه ستة ملايين رحلة يوميا، 62 في المئة منها تنقلا على الأقدام و25 في المئة عبر السيارات و13 في المئة، فقط عبر وسائل النقل الجماعي، وهو يستدعى ضرورة إرساء سياسة تنهض بالنقل العمومي في أفق اضطراد الطلب خلال السنوات المقبلة.
ومهما يكن من أمر، فإن الاختلالات التي عرفها تدبير قطاع النقل الحضري، بالمدينة، منذ سبعينيات القرن الماضي، أعاقت إلى حد كبير النهوض بالتنمية المحلية، بحكم أن تعزيز “الارتباط” عامل أساسي للارتقاء بالتنقلات الحضرية بالدار البيضاء الكبرى.
ويبقى تحقيق الاستدامة وتبني تدبير أمثل للتخطيط الحضري مطلبا ملحا لتوزيع مختلف نطاقات التشغيل إن تعلق الأمر بالمناطق المخصصة للأنشطة الصناعية أو تعلق بأنشطة الخدمات، على مختلف مناطق المدينة وهو ما من شأنه أن يساعد على تقليص تنقلات المواطنين للالتحاق بمقر عملهم، ويسمح بتوزيع محاور التنقل وتجنب الاكتظاظ وتيسير النقل الجماعي.

< أميمة لوصاير(صحافية متدربة)

Related posts

Top