شهدت الحملة الانتخابية، التي سبقت اقتراع يوم أمس الأربعاء، سجالا بشأن انتماء بعض الفنانين لأحزاب أو إقدام فئة منهم على الترشح للانتخابات، واتسم هذا السجال ببعض التجاذب والتلاسن، وبالكثير من السطحية والشخصنة والاستهداف.
في كل الأحوال، ليس الأمر حدثا كبيرا في حد ذاته، ولم يكن تحولا مؤثرا جدا، كما أنه ليس جديدا بالمرة.
في السيرة السياسية والحزبية لبلادنا، نعرف عشرات الفنانين والمثقفين كانت لهم انتماءات حزبية معلنة، وبعضهم تولى مهمات تنظيمية قيادية داخل هذه الهيئات السياسية، وخصوصا في اليسار والأحزاب الوطنية الديمقراطية المعروفة، ويمكن، في هذا السياق، أن نحيل على نماذج عشرات السينمائيين الرواد المغاربة، وأيضا الفنانين التشكيليين والأدباء والنقاد والمفكرين والفلاسفة، كما يمكن أن نستحضر التفاعل الفكري والسياسي داخل منظمات عريقة مثل: اتحاد كتاب المغرب وجمعية الاقتصاديين المغاربة، علاوة على تجارب جمعيات وطنية أخرى، ومجلات أيضا كان أصدرها مثقفون وفنانون لديهم التزامات إيديولوجية وسياسية وفكرية واضحة…
كل هذا يعني أن الفنانين والمثقفين ليسوا كائنات خرافية أو بلا وجود فعلي داخل المجتمع ووسط الناس، وأن من حقهم تبني اختيارات سياسية وتنظيمية تناسب رؤاهم كمواطنات ومواطنين.
بقي أن نسجل، على ضوء ما سبق، أن الأهم هو أن هؤلاء الفنانين والمثقفين يمارسون حقهم السياسي باعتبارهم مواطنين أولا، ومن خلال انتماءاتهم الحزبية أو تمثيليتهم الانتخابية، هم يخدمون المجتمع وكل الناس وليس الفن والفنانين.
البرلمان أو الجماعة ليسا نقابة فنانين، وإنما مؤسسات لخدمة الشعب ولممارسة السياسة.
المسألة الثانية، تتعلق بكون الانتماء الحزبي والسياسي يجب أن يكون ناتجا عن قناعات ايديولوجية وفكرية مؤسسة، وألا يتردد الفنان والمثقف المعني بها في إبرازها والدفاع عنها والانتصار لها، بما في ذلك في اختياراته الإبداعية.
هكذا كان أسلوب الفنانين الرواد الذين اختاروا بدورهم الانتماء السياسي والحزبي، وذلك قبل عقود من الآن، حيث لم يكن ممكنا أن يكون هذا المبدع مصطفا ضمن اختيارات حداثية وديمقراطية وتقدمية، وأن تجده يقدم للجمهور إبداعًا يتناقض مع رؤاه السياسية والفكرية العامة، وهنا كان يحدث الاجتهاد والبحث.
لقد عرفنا فنانين ومثقفين عبر العالم كله، وفِي مراحل تاريخية مختلفة، وعرف الجمهور أفكارهم السياسية وقناعاتهم الأيديولوجية، ولكن ذلك تم أيضا من خلال أعمالهم الفنية والإبداعية، وليس فقط من خلال مناصب سياسية تحملوها في فترة ما.
من حق فنانينا ومثقفينا الانتماء للأحزاب وتبني اختيارات سياسية معلنة، بل من واجبهم المواطن حتى، ولكن المهم أن يحدث ذلك بناء على قناعات وأفكار يستطيع المعنيون بها الدفاع عنها والتعبير المستمر عنها، كما يجب أن تكون هذه الأفكار والقناعات واضحة أيضا في منجزهم الإبداعي، وفِي سلوكهم العام، وذلك لكي لا يصير الأمر مجرد ارتماء مجاني سطحي يتصل بظرفية انتخابية عابرة، ولكي لا يساهم فنانونا في تدني الالتزام بالقناعات والمبادئ وسط شعبنا وشبابنا…
كل المواطنين، فنانين وغير فنانين، لهم الحق في ممارسة السياسة والانتماء للأحزاب وتبني مواقف وأفكار، لكن فقط عليهم أن يكونوا «قادين بها»، وأن يتعاطوا مع الأمر بالجدية المطلوبة، وأن يترجموا ذلك في أعمالهم الإبداعية وسلوكهم، وفِي كل المواقف التي يعبرون عنها.
<محتات الرقاص