يتواصل، في بلادنا، منذ سنوات، نقاش عمومي حقيقي بشأن تعزيز الحريات الفردية، حيث يتجدد هذا المطلب مع كل حادثة يتم من خلالها انتهاك الحريات الفردية، سواء العقدية أو الجنسية أو السياسية، غير أن هذا الموضوع يتقاذفه طرفان رئيسيان؛ أحدهما محافظ يتناولها بحذر شديد وبشكل مشروط، فيما الآخر حداثي يعتبر أن ضمان الحريات الفردية شرط أساسي لتحقيق التقدم المنشود، ولا يكل من الدفاع عن تحقيق هذا المطلب في كل وقت وحين.
وإذا كان التيار المحافظ له سوابق في رفع “الفيتو” عن تعزيز الحريات الفردية بمبررات دينية ومجتمعية، إلا أنه كثيرا ما يجد نفسه ضحية لقمع تلك الحريات، وهو ما ولد لأتباع هذا التيار، خلال الفترة الماضية، قناعة بأن تعزيز الحريات الفردية بات أمرا ملحا وأن المطالبة بإطلاق الحريات الفردية أفضل من فرض الشروط عليها وتقييدها، حيث أضحى هذا الموضوع سلاحا يتضرر منه التيار المحافظ أكثر من غيره.
بيان اليوم خصصت لهذا الموضوع ملفا متكاملا، نقلت من خلاله مختلف الآراء التي جمعت على أن المجتمع المغربي تغير كثيرا، وهو ما يستدعي فتح نقاش عميق بشأن تعزيز الحريات الفردية والدفع بإلغاء القوانين التي تحد منها وتقننها، حيث أعادت حادثة الصحافية هاجر الريسوني ومن معها الجدل بشأن استغلال القوانين للحد من الحريات الفردية، كما أن العفو الملكي عنها ومن معها أثار مجموعة من القراءات، التي ذهبت في مجملها إلى أن جلالة الملك لم يرد أن ينتظر حتى يحسم القضاء الاستئنافي في الموضوع، وذلك بالنظر للحكم الذي أصدره القضاء الابتدائي والذي أثار قلقا على المستوى المجتمعي.
وفي هذا السياق، اعتبر المحامي والحقوقي عبد اللطيف أوعمو أن قرار جلالة الملك هو إنصاف للمتهمين، بل إن قراراه أكثر من براءة، لأنه أوقف مسلسلا غير مناسب وغير ملائم وغير صحيح، مشددا على أن القوانين الحالية أضحت متجاوزة بل إنها مخالفة للدستور الذي حسم في هذا الأمر في عدد من فصوله، معتبرا أن تحقيق الحريات الفردية هو الشرط الأساسي والأول لبناء النموذج التنموي الذي أعطى جلالة الملك توجيهاته لبلورته.
من جانبها، اعتبرت شرفات أفيلال عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن الترسانة القانونية التي تؤطر موضوع الحريات الفردية أصبحت متآكلة ومهترئة وأكل عليها الدهر وشرب، لأن المجتمع تطور بوثيرة أسرع بكثير من الترسانة القانونية التي أصبحت لا تساير العصر، مبرزة أن فتح نقاش مجتمعي في هذا الشأن مع جميع الفاعلين السياسيين والمجتمعيين أضحى شيئا محبذا، حتى يكون هناك تداول رزين ومسؤول لهذا الموضوع، خاصة وأن القانون الجنائي قيد المراجعة الآن في مجلس النواب.
من جانبه، شدد صلاح الوديع، رئيس حركة “ضمير”، على أن بناء الديمقراطية يفترض انعتاق الفرد وترسيخ المواطنة، وأن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بتوسيع فضاء الحريات الفردية، مبرزا أن هناك تصورا رائجا يحصر الحريات الفردية في حرية العلاقات الجنسية. وهذا خطأ شائع. فالحريات الفردية أوسع من ذلك بكثير، وهي تتأسس على مبدأ أن الفرد هو المرجع الأول الذي تتأسس عليه الحقوق والحريات.
أما محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث المتخصص في التراث الإسلامي، فقد أكد أن موضوع الحريات الفردية يستدعي نقاشا آنيا وعاجلا، وعزا رفيقي ذلك إلى التحولات التي عرفها المجتمع المغربي عموما، وبعض الأحداث التي وقعت مؤخرا والتي تم فيها التدخل في الحياة الشخصية والحياة الخاصة لبعض الأفراد، مبرزا أن الأحداث التي وقعت تستدعي طرح هذا النقاش بكل جرأة وبكل قوة وأن ترفع عنه كل العوائق التي كانت تمنع من النقاش حوله.
شرفات أفيلال: القوانين التي تؤطر الحريات الفردية أكل عليها الدهر وشرب
اعتبرت شرفات أفيلال عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن الترسانة القانونية التي تؤطر موضوع الحريات الفردية أصبحت متآكلة ومهترئة وأكل عليها الدهر وشرب، لأن المجتمع تطور بوثيرة أسرع بكثير من الترسانة القانونية التي أصبحت لا تساير العصر، مبرزة أن فتح نقاش مجتمعي في هذا الشأن مع جميع الفاعلين السياسيين والمجتمعيين أضحى شيء محبذ، حتى يكون هناك تداول رزين ومسؤول لهذا الموضوع، خاصة وأن القانون الجنائي قيد المراجعة الآن في مجلس النواب.
وعبرت أفيلال في تصريح لجريدة بيان اليوم، عن أملها في تكون فترة مراجعة القانون الجنائي بالبرلمان، فرصة من أجل إعادة النظر من أجل يكون هناك تشريع أكثر عقلانية بخصوص الحريات الفردية التي أصبحت واقعا معاشا بصفة عادية على عدة مستويات، مشددة على أن “الحالات التي تطبق في حقها القوانين الحالية تبقى حالات معزولة، لأنه كما نلاحظ فلا أحد يعترض كل شابة وشاب يوجدان في الشارع العام“.
وطالبت الوزيرة السابقة بفتح نقاش مجتمعي بصفة رزينة ومسؤولة وواقعية للتعاطي مع موضوع الحريات الفردية وبعض القوانين السالبة لها على غرار ما هو ممارس في المجتمع، مشيرة إلى أن المغرب صادق على مجموعة من القوانين والمعاهدات الدولية التي تمتع الأشخاص بحرياتهم الفردية، والدستوري المغربي بصفته أسمى وثيقة قانونية تجاوز المقتضيات القانونية التي تحد من الحريات الفردية للمواطنين، وخصوصا النساء.
وفي سؤال للجريدة حول أهمية عدم استغلال بعض أجهزة الدولة للقوانين الحالية من أجل النيل من الحريات الفردية، أكدت أفيلال “بما أنه يوجد مقتضيات قانونية تحد وتقنن الحريات الفردية، فإنه يتم تطبيقها، باعتبار أن للقانون دور بيداغوجي وتربوي، غير أنه حينما يكون هناك قانون يعزز الحريات الفردية فإنه لن يصبح بإمكان أي أحد استغلال القانون من أجل الحد من الحريات الفردية، لأنه نشتغل في المؤسسات التي تنضبط للقوانين“.
وأكد أفيلال أن “المجتمع المغربي أصبح متقبلا جدا وبشكل كبير لمسألة الحريات الفردية، وخاصة حتى بين بعض المحافظين الذين أصبحوا أكثر تقبلا وليونة في التعامل مع هذه المسألة”، مبرزة أنه “بطيعة الحال كل هذه الإجراءات لن ترضي الجميع، غير أن الرهان على الوقت هو الحاسم في استيعاب هذا الأمر، خاصة وأن موضوع الحريات الفردية هو ممارس على أرض الواقع. فحينما نتحدث عن الإجهاض فهو يمارس يوميا، وحينما نتحدث عن الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج فهو أمر معروف ومعاش وسط المجتمع”، متسائلة: “لماذا نريد أن نخبئ الشمس بالغربال، لذلك فالمطلوب هو أن يكون هذا الأمر يمارس في إطار القانون“.
وبشأن العفو الملكي عن هاجر الريسوني وخطيبها والطاقم الطبي، أكدت أفيلال أنها تلقت هذا القرار “بارتياح وبفرحة وسرور، لأن جلالة الملك كان في مثل هذه المناسبات يعكس صوت الحكمة والنضج والرأفة والرحمة كما ورد في البلاغ الملكي، الذي لا يمكننا إلا أن ننوه به ونهنئ في الآن ذاته هاجر الريسوني وخطيبها والطاقم الطبي الذين شملهم العفو الملكي“.
***
صلاح الوديع*: الفرد يجب أن يتمتع بكل حرياته الفردية بدون استثناء
قال صلاح الوديع، رئيس حركة ” ضمير”، إن “حركة ضمير” تنطلق من قناعتها، بأن بناء الديمقراطية يفترض انعتاق الفرد وترسيخ المواطنة، وأن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بتوسيع فضاء الحريات الفردية الذي يقرر فيه الفرد عن طريق التصويت وانتخاب من يقرر التصويت على مصير البلد، وبالتالي فهذا الفرد، في نظره، يجب أن يتمتع بكل حرياته الفردية بدون استثناء.
وأضاف صلاح الوديع، في تصريح لبيان اليوم، أن هناك تصور رائج يحصر الحريات الفردية في حرية العلاقات الجنسية. وهذا خطأ شائع. فالحريات الفردية، يؤكد رئيس حركة ” ضمير”، أوسع من ذلك بكثير، وهي تتأسس على مبدأ أن الفرد هو المرجع الأول الذي تتأسس عليه الحقوق والحريات.
وأوضح في هذا الصدد، أن ممارسة الديمقراطية تتطلب وجود أفراد يتمتعون بحرية الاختيار واتخاذ القرار لأنفسهم أولا وللمشاركة في القرار الجماعي ثانيا، عبر العملية الانتخابية مثلا. ولا يمكن في هذه الحالة للمنطق أن يقبل أي رقابة على أي فرد عدا الرقابة القانونية المبنية على أن الإنسان حر أصلا ولا يمكن أن تحد حريته إلا حرية الآخرين.
ولأن الفرد قيمة في حد ذاته، فهو في نظر المتحدث، جدير بالحرية والكرامة المتأصلة فيه وفي أمثاله مهما كانت أديانهم وألوانهم ولغاتهم…، لذلك تفترض حمايته بالقانون والمؤسسات التي تضمن تطبيق القانون. حماية حقوقه كلها: الجماعية والفردية. وتتعلق حماية الحريات الفردية – ضمن المرجعية الحقوقية الدولية التي يتبناها الدستور المغربي – على سبيل المثال، بالحق في السلامة الجسدية والحق في عدم الخضوع للتعذيب والممارسة الحاطة من الكرامة، بالإضافة إلى الحق في الحرية وحرية الضمير والاعتقاد والتعبير والفكر.
واعتبر صلاح الوديع، أنه من دون هذه الحريات، يستحيل أن يكون للفرد قرار مؤسَّس، ليس فقط لذاته بل كذلك لمشاركته في المجال السياسي، الذي هو عنصر أساسي في المشاركة في تقرير المصير المشترك لأي بلد.
وضمن هذا السياق، يقول المتحدث، يمكن فهم قيمة حرية الأفراد البالغين في إقامة العلاقات الرضائية، ما داموا لا يعتدون على حقوق الآخرين ويحترمون الفضاء العام المشترك. وأشار أيضا، إلى أن هذا ليس دعوة “للإباحية” كما يدعي البعض، بل هو فقط منع الدولة من التدخل في هذه العلاقات.
* رئيس حركة “ضمير“
***
عبد الوهاب رفيقي: ما وقع مؤخرا يستدعي نقاشا عاجلا حول موضوع الحريات الفردية
أكد محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث المتخصص في التراث الإسلامي، أن موضوع الحريات الفردية يستدعي نقاشا آنيا وعاجلا، وعزا رفيقي ذلك إلى التحولات التي عرفها المجتمع المغربي عموما، وبعض الأحداث التي وقعت مؤخرا والتي تم فيها التدخل في الحياة الشخصية والحياة الخاصة لبعض الأفراد.
وتابع رفيقي، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن الأحداث التي وقعت تستدعي طرح هذا النقاش بكل جرأة وبكل قوة وأن يزال عنه كل العوائق التي كانت تمنع من النقاش حوله، معتبرا أن موضوع الحريات الفردية، بما في ذلك ضمان حقوق الفرد، وحرياته وعدم التدخل في اختياراته وفي شؤونه الخاصة، موضوع أساسي اليوم على المستوى العالمي، ومن المواضيع التي حسم معها العالم الآخر.
وأضاف أن مجتمعاتنا أيضا في حاجة شديدة إلى الحسم معها، مبرزا أنه “لا يمكن أن ندين حالة التقوقع التي تعرفها هذه المجتمعات، ولا حالة سكيزوفرينيا أحيانا، حيث أن الجميع يمارس حياته الفردية بالشكل الذي يريد“.
وأشار الباحث المتخصص في التراث الإسلامي، إلى أنه حين يتم التطرق إلى الموضوع من الناحية الحقوقية تظهر بعض المعارضات الدينية أحيانا والمجتمعية أحيانا بحجة المحافظة على القيم أو بحجة المحافظة على الدين، مشددا على أنه ينبغي أن يتم تجاوز كل هذه الإشكالات، موضحا أن المجتمع المغربي اليوم يتجه تلقائيا نحو الفردانية ونحو اعتناء كل فرد بشؤونه الخاصة وعدم رغبته في تدخل الآخرين، معتبرا أن ذلك ما يشجع بالدفع بهذا النقاش نحو مستوى أفضل، وبشكل عاجل.
وقال محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بـ”أبي حفص” إنه “بالنسبة لمن يحاول أن يخلق نوعا من التعارض أو التناقض بين الدين وهذا الموضوع، لا يعدو أن يكون راغبا في توظيف الدين من أجل تحقيق غرض معين”، مؤكدا في هذا الصدد أن النقاش هو نقاش سياسي وبعيد كل البعد عن ما هو ديني، مضيفا أن “الدين في أصله جاء بالحرية، وحين جعل حرية الأفراد في أن يعتنقوا ما شاؤوا من الديانات ومن الأفكار فمن باب أولا ما يتعلق بالسلوكيات أو ما يتعلق بالاختيارات اليومية“.
وشدد أبو حفص على أنه “ما من تناقض ولا تعارض بين الدين وبين المناداة أو الدفاع أو النضال من أجل تحقيق الأشخاص وتحصيل الأفراد لحريتهم الشخصية باعتبار هذا الأمر مكسبا حقوقيا وإنسانيا يجب النضال من أجله وعدم إخضاعه لكل التجاذبات السياسية أو الإيديولوجية“.
***
فتيحة شتاتو*: المغرب مطالب بتبني منظومة جنائية تلغي كل أشكال التمييز
قالت فتيحة شتاتو، محامية ورئيسة شبكة إنجاد ضد عنف النوع، وعضوة فيدرالية رابطة حقوق النساء، إنه أصبح من الضروري تبني المغرب لمنظومة جنائية عصرية وفعالة تلغي كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء وملاءمة كل القوانين مع مقتضيات دستور2011 والاتفاقيات الدولية ضمنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وأضافت في تصريح لبيان اليوم، أنه بالنسبة لمشروع القانون الجنائي الجديد، فقد «كنا نسعى كحقوقيين أن تستجيب الحكومة والبرلمان ومختلف الفاعلين لمطالبنا وفق مقاربة عقلانية، عوض بنية يحكمها الهاجس الأمني والتي تعتبر النظام العام أولوية على حساب حقوق المواطنين والمواطنات وحرياتهم الفردية والجماعية»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن معالجة مجموعة من الإشكاليات يجب أن يكون مبنيا على تغيير السلوك وليس العقاب والتجريم.
وتساءلت الأستاذة شتاتو، إن كان مشروع القانون الجنائي الجديد استجاب لمطالبهن؟ وهل تجاوب مع إشكالات المجتمع؟ وهل عالج حاجياته بجرأة؟، قبل أن تجيب، أن المشروع المذكور، يبدو في نظرها أنه حافظ على الإطار المرجعي، وكرس نفس الفلسفة القائمة على التمييز والذكورية المنافية لالتزامات المغرب الدولية بشان الحقوق الإنسانية للنساء.
وفي هذا الصدد، أفادت الأستاذة شتاتو، أنه بالنسبة للإجهاض، ترى شبكة إنجاد ضد عنف النوع، أن التعديلات الواردة في المقتضيات المتعلقة به في المشروع الجديد أبقت على التجريم الطبي، ونصت على ثلاث حالات التي يمكن فيها القيام بالإجهاض، الأولى، إذا كان الحمل ناتجا عن اغتصاب أو زنا المحارم، ثانيا، إذا كانت الحامل مختلة عقليا، ثالثا، في حالة ثبوت إصابة الجنين بأمراض جنسية أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة للعلاج، فيما أبقى على المادة 453 من القانون الجنائي دون تعديل وعلى صيغة الغموض فيما يتعلق بضرورة المحافظة على صحة الأم، أي أن مفهوم الصحة لا يشمل الأبعاد النفسية والجسدية والاجتماعية ويبقى عل ضرورة إذن الزوج.
وبالتالي، توضح الأستاذة شتاتو، أن مشروع القانون الجنائي، لم يتضمن حماية لحقوق النساء والحريات الفردية واعتماد مقاربة النوع واعتبار المرأة كائن بشري مستقل بذاته، وان المرأة ليست وعاء أو أداة الإنجاب والولادة ، بل تنكر المشروع لمفهوم الصحة المحددة في منظمة الصحة العالمية بما في هذا الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية للمرأة.
وبلغة الأرقام، قالت الأستاذة شتاتو، إن أرقام الإجهاض صادمة في المغرب، واستدلت بالجمعية المغربية لتنظيم الأسرة، التي تشير إلى القيام ب 80الف حالة إجهاض في السنة وحسب الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السريع، حددت حالات الإجهاض التي تتم يوميا مابين 600 و 800 حالة.
وأكدت أن القانون الجنائي المغربي، نظم الإجهاض في الباب الثامن في الجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة من 449الى458، مضيفة، أنه يتبين من ذلك، أن المشروع المذكور، لم يستطع احتواء وضبط العمليات والممارسات اليومية التي تجرى ،حيث تمت صياغته لمكافحة الفعل لكن عجز عن التصدي له. واعتبرت أيضا، أن الإجهاض لكونه حق طبيعي للمرأة، فقد كرسته اغلب القوانين الحديثة والاتفاقيات الدولية، ونجد بعض الدول تكرس الطابع الحمائي لحق المرأة في ممارستها الإجهاض من خلال التنزيل الفعلي للمقتضيات القانونية المنظمة له.
وأكدت فتيحة اشتاتو أن المغربيات «تنتهك حريتهن على الأرض ويتعرضن لأشكال شتى وكثيرة من العنف أمام صمت الحكومة، وكأن حقوقنا لا بد أن تجهض»، مضيفة: «حان الوقت لتغيير القانون الجنائي الحالي، وإقرار منظومة جنائية عصرية تضمن ممارسة الحريات الفردية بكل أمان واطمئنان، وتضع حدا لكل أشكال التمييز ضد النساء».
ووصفت اشتاتو تجريم نصوص القانون الجنائي للحريات الفردية بـ»العنف التشريعي»، معتبرة أن «الممارسة بينت أن القانون الجنائي قاصر وعاجز عن احتواء العديد من الممارسات التي تجري يوميا في المغرب، مثل الإجهاض، رغم وجود فصول في القانون الجنائي تجرّمه».
وفي هذا السياق أكدت أن «الرهان والتحدي أمام الهيئات الحقوقية يتمثل في المرافعة من أجل قانون جنائي جديد ينص على ضمان ممارسة المرأة لحقها في الإجهاض، كما هو الحال في تجارب أخرى، مثل فرنسا التي يجيز قانونها الإجهاض قبل إكمال الجنين أسبوعه الثاني عشر».
* محامية ورئيسة شبكة إنجاد ضد عنف النوع
***
محمد ألمو*: هناك تناقض كبير في القوانين التشريعية ومدونة الأسرة هي السبب وراء اللجوء للإجهاض
قال الحقوقي والمحامي بهيأة الرباط محمد ألمو، إن “موضوع الحريات الفردية طالما كان وسيظل مفتوحا للنقاش مادام أننا لم نقم بثورة تشريعية لحماية خصوصيات الأفراد وحمايتهم من التدخلات التعسفية للدولة في حياتهم الخاصة“.
واعتبر ألمو في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن الفرد باعتباره واضع القيم والمعايير في المجتمع، حر في تصرفاته ومسؤول وحده عنها ما لم تضر بمحيطه الاجتماعي والبيئي، موضحا أنه من هذا المنطلق جاء التعريف الاجتماعي للجريمة باعتبارها فعل أو امتناع يرتكبه الأفراد ويحدث اضطراب في سير المنظومة الاجتماعية بفعل الضرر الواقعي وليس المفترض الذي يحدثه هذا الفعل، مشددا على أنه خارج هذا التعريف لا يجب أن يستوعب القانون الجنائي أفعال عادية لا تضر المجتمع في شيء وتدخل في الاختيارات الفردية للأشخاص.
وتساءل ألموا من خلال ما أشار إليه مستنكرا: “ما هو الضرر اللاحق بالمجتمع في العلاقات الرضائية أو الإفطار في رمضان أو الإجهاض أو تحكم امرأة ما في حياتها الإنجابية بالاستمرار في الحمل أو إنهائه…؟”، مستطردا بالقول إن “هذه الأسئلة تبدو طبيعية ومقبولة إذا تم التعاطي معها بنوع من الحياد ودون التسلح بمرجعيات خاصة”، معتبرا أنه ليس من المقبول تقييد حريات الآخرين باسم قناعات يؤمن بها البعض ولا يؤمن بها الآخرون.
وتابع ألمو أن الحريات الفردية في نهاية المطاف ما هي إلا منظومة حقوق، تثار دائما في سياق الحديث عن حقوق الإنسان، والتي لا يمكن عزلها عنها، مشيرا إلى أنه “على الرغم من الحماية الدستورية التي تحظى بها العديد من الحقوق والحريات الأساسية، فإن النقاش لم ينتهي هنا، بل إنه وعلى ضوء ما أبانت عنه النقاشات التي تلت صدور الوثيقة الدستورية الجديدة، فالنقاش قد ابتدأ، وسمحت المقتضيات الدستورية بمناقشة العديد من الأفكار والمواقف، ومنها الموقف الذي يرى أن الوثيقة الدستورية لم تذهب بعيدا في إقرار الحماية الدستورية للحريات الفردية، وأساسا الحريات الدينية، بما فيها حرية المعتقد، مما ضاع على المغرب حسب هذا الموقف فرصة تاريخية في وضع منظومة حريات وحقوق متكاملة“.
وأوضح ألمو أن إثارة موضوع الحريات الفردية مؤخرا ليس بجديد ولا زال سيثار مستقبلا ما دام أن الإشكال مرتبط بوجود تناقض أو تباين بين واقع المجتمع المغربي وقوانينه، “فمثلا العلاقات الرضائية هي واقع مجتمعي وظاهرة منتشرة والكل يمارس هذه المسألة، ولم تستطع لا القيم الأخلاقية التي صنعها المجتمع ولا القيم الدينية الحد منها، باعتبار ما يحكمها من وازع طبيعي يدفع الأفراد إلى ممارسة هذه الحقوق أو ممارسة هذه الحريات، بالمقابل نجد أن القانون الجنائي يسعى إلى أن يتعقب هذه الخصوصيات، خصوصيات الأفراد في أجسادهم وفي حياتهم الخاصة، علما أن كما سبق وأشرت إليه أن هذه الأفعال لا تشكل جرائم بالمفهوم الاجتماعي للجريمة“.
ووقف ألمو عند مسألة الإجهاض، مشيرا إلى أن هناك أرقاما وإحصائيات تؤكد على أن هذه الممارسات تقوم بها النساء بأعداد مخيفة ومهولة، مبرزا أن “الجميع يعرف العيادات التي تقدم هذه الخدمات في الخفاء، موضحا أن المجتمع يطبع مع هذه الممارسات بشكل عادي ومنتظم ومستمر ومرتفع، إلا أن القانون الجنائي يحاول أن يُبقي على النصوص التي تُجرِّم هذه الأفعال، وبالتالي هناك نوع من النفاق في التعاطي مع هذه المسائل، يعني القانون يعاقب، والمجتمع يمارس ويستمر في الممارسة وبالتالي الهدف الزجري أو الوقائي المناط بمجموعة القانون الجنائي أو المناط بسلطة العقاب والتجريم لم يتحقق.”
وأضاف ألمو أن المشرع أوقع نفسه في تناقضات متعددة. فبالرجوع إلى القانون الجنائي نجد على أنه يعاقب كل علاقة بين رجل وامرأة لا يجمع بينهما عقد الزواج، ويعتبر هذه العلاقة فسادا يستوجب التجريم والعقاب، في حين نجد أن مدونة الأسرة وبالضبط في مقتضيات المادة 16 ، تفتح إمكانية ثبوت الزوجية بين شخصين أو إثبات أو إسباغ الشرعية على العلاقة التي تجمع بين رجل وامرأة ولو لم يتوفروا على عقد زواج عبر ادعاء فقط بوجود علاقة زوجية.وأوضح أيضا أنه في الممارسة العملية قد يكون شخصين رجل وامرأة قد يتقدمون بدعوة لثبوت الزوجية أمام محكمة الأسرة ويتم تذييل هذه العلاقة بحكم قضائي واعتبارها زواج، بالمقابل قد يتم اعتقالهما في فندق أو في منزل ما ويتم متابعتهما بجريمة الفساد دون استحضار مقتضيات المادة 16، موضحا أيضا أنه في مدونة الأسرة المشرع يفتح إمكانية إثبات النسب في حالة إذا ظهر حمل بالخطيبة أثناء هذه الفترة ولو لم يوثق عقد الزواج، إذا ضمنيا فالمشرع يبيح ويجيز الممارسة الجنسية أو المعاشرة الجنسية بين الخطيبين ولو لم يوثقوا عقد الزواج، بينما القانون الجنائي يضرب هذه المقتضيات عرض الحائط إذ أن اعتقال خطيبين في فندق أو في غرفة قد يتم متابعتها بجريمة الفساد. إذا هذا تناقض كبير ولا يحقق الاطمئنان التشريعي، أو اطمئنان الأفراد أمام القانون.
وعزا ألمو السبب المباشر لارتفاع حالات الإجهاض بالمغرب إلى نصوص مدونة الأسرة نفسها، موضحا أن “المشرع بمقتضى المادة 148 من مدونة الأسرة لا يعترف بانتساب الأبناء الذين ينتجون عن العلاقة الرضائية بين الرجل والمرأة، بل أكثر من ذلك يعتبرهم أبناء غير شرعيين ولا ينسبون لأبيهم، وتوجد أحكام قضائية متعددة في هذا المجال، من هذه الأحكام من علل حيثيات رفض طلبات ثبوت النسب بكون أبناء الزنا لا ينسبون لأبيهم، وبالتالي هنا نتساءل ما هو الحل الذي ستختاره أم عازبة أو امرأة حامل وهي ترى أن مولودها لا يعترف به القانون، وأن هذا المولود يعتبر ابن زنا وابنا غير شرعيا ولا ينسب لأبيه، وبالتالي سيكون الحل بالنسبة لها هو اللجوء للإجهاض لتفادي هذا الوضع التشريعي ولو عُدِّل القانون وتم الاعتراف بالبنوة الطبيعية بالاعتماد على الخبرة العلمية تحليلات ADN أعتقد أن هذا الأمر سيساهم في التخفيض من نسبة الإجهاض، علما أنه مبدئيا يبقى الإجهاض ليس بشأن مجتمعي، بل هو شأن خاص بالمرأة لأنه يدخل في اختياراتها الصحية وهي التي لها الحق في اختيار الحمل، اختيار الاستمرار في الحمل أو إنهائه متى أشاءت ما دام أن هذا الفعل لا يمس المجتمع بصلة“.
وشدد ألمو على أن القانون الجنائي لا زال حبيس الخلفيات الإيديولوجية والقيمية “لأنها تخص فئة معينة من المجتمع وليس المجتمع المغربي ككل”، مضيفا أن هذه الخلفية تطبع النصوص القانونية مما يفتح المجال للقول بأن الدولة تمارس نوعا من النفاق التشريعي، “فكما نعلم أن القانون الجنائي في أغلب نصوصه سواء فيما يتعلق بالتجريم أو العقوبات هو ينهل من المرجعية الكونية والمرجعية العلمانية بخصوص العقاب والتجريم وشكل قطيعة مع قواعد الشريعة الإسلامية بخصوص العديد من الجرائم، بل فلم تعد هناك عقوبات، فعقوبة السرقة ليست بقطع اليد عقوبة الزنا أو ما يسمى بالفساد ليس بالرجم أو الجلد؛ عقوبة القتل ليست بالقتل عقوبة العين بالعين أو ما يسمى بالعقوبة الجسدية لم تعد قائمة في القانون الجنائي، في حين نجد أن المشرع يسعى في بعض النصوص إلى استحضار المرجعية الدينية“.
* محامي وفاعل حقوقي
***
3 أسئلة لسعيد الكحل*
الفقه الإسلامي في مجمله يبيح الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين
< ما موقف الفقه الإسلامي بصفة عامة من موضوع الإجهاض؟
>> الفقه الإسلامي في مجمله يبيح الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين، أي قبل أربعة أشهر (120 يوما). فالمذهب الحنفي والحنبلي والشافعي والزيدي يجيزون الإجهاض قبل التخلق، أي قبل نفخ الروح في الجنين، فيما المذهب المالكي انقسم فقهاؤه إلى قسمين، قسم يجيزه وقسم يحرمه. وإذا رجعنا إلى النصوص الدينية فلا نجد نصا قطعي الدلالة يحرم الإجهاض، وكل الاجتهادات الواردة في موضوع الإجهاض هي اجتهادات بشرية صرفة. ويستدل الفقهاء المبيحون للإجهاض بالآتي:
أولا، أن كل ما لم تحله الروح لا يبعث يوم القيامة، ومن لا يبعث فلا اعتبار لوجوده، ومن هو كذلك فلا حرمة في إسقاطه.
ثانيا، أن الجنين ما لم يتخلق فإنه ليس بآدمي، وإذا لم يكن كذلك فلا حرمة له ومن ثم فيجوز إسقاطه.
وفي هذا الإطار، قال ابن الهمام رحمه الله في “فتح القدير” (3/401): “وهل يباح الإسقاط بعد الحبل؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه، ثم في غير موضع قالوا: ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما”.
< وماذا عن فقهاء العصر الحالي؟
>> بخصوص فقهاء العصر، يمكن التمييز فيهم بين فقهاء وشيوخ التيار الإسلامي، وهؤلاء يناهضون كل حقوق النساء بما فيها الحق في الإجهاض وفي امتلاك الجسد؛ والفقهاء المتنورين ومن بينهم رئيس قسم الفقه في جامعة الأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي الذي أفتى بإباحة الإجهاض، ودعا الحكومة والبرلمان إلى أن فتح باب الإجهاض لمن أراد أن يرحم الأمة ويخفف عن النساء اللواتي يضعن أولادهن من خلال عمليات قيصرية بعد المرة الرابعة أو الخامسة، وأيضاً لمن ارتكبت الفاحشة وأرادت أن تتوب، أو المرأة المغتصبة التي حملت وأرادت أن تجهض نفسها.
ومن الفقهاء المتنورين الدكتور سعيد رمضان البوطي، الذي يقول في كتابه “مسألة تحديد النسل وقاية وعلاجاً ” أن الإجهاض إذا تم قبل التخليق وبرضى من الزوجين وبوسيلة لا تعقب ضرراً على الأم، فإنه يعتبر مكروها كراهة تنزيه وليس محرما”، ويضيف د. البوطي أن “الحكم الراجح في مسألة الإجهاض هو جواز إسقاط المرأة حملها إذا لم يكن قد مضى على الحمل أربعون يوما”.
وحتى ابن باز أحد كبار علماء السعودية، فقد أفتى بجواز الإجهاض كالتالي: “إذا كان في الأربعين الأولى، فالأمر فيه أوسع إذا دعت الحاجة إلى إجهاض؛ لأن عندها أطفال صغار تربيهم ويشق عليها الحمل؛ أو لأنها مريضة يشق عليها الحمل فلا بأس بإسقاطه في الأربعين الأولى.
أما في الأربعين الثانية بعد العلقة أو المضغة … هذا أشد، ليس لها إسقاطه إلا عند عذرٍ شديد مرضٍ شديد يقرر الطبيب المختص أنه يضرها بقاؤه، فلا مانع من إسقاطه بهذه الحالة عند خوف الضرر الكبير”. ولا يختلف موقف ابن باز عن قرار هيئة كبار علماء المملكة العربية السعودية في تجويزهم تنظيم النسل “تمشيا مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين”، (أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ط1، (الرياض: الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1988م)، ج2 / ص 443).
< هل يمكن اعتبار رأي المجلس العلمي الأعلى في مسألة الإجهاض مرجعا يجب الأخذ به؟
>> للأسف المجلس العلمي الأعلى يظل دائما متخلفا عن مستوى تطور المجتمع، ولا يساير حركيته، ولا حتى الدستور. فالمجالس العلمية بما فيها المجلس العلمي الأعلى اخترقتها تنظيمات الإسلام السياسي وباتت تتحكم فيها. فهو لا يتفاعل مع قضايا المجتمع ومشاكله. فهو المجلس الذي أفتى بقتل المرتد سنة 2012، أي في ظل الدستور الجديد، وهو الذي ظل يناهض مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية. لهذا لا يمكن اتخاذه مرجعا في كل القضايا.
وحتى موضوع الإجهاض، لم يبادر المجلس إلى مناقشته، إلا بعد أن أثارت الجمعيات النسائية الموضوع، فتدخل الملك وشكل لجنة تتلقى اقتراحات الجمعيات النسائية والهيئات والمؤسسات الحقوقية الرسمية والمدنية. والحالات الثلاث التي أفتى المجلس العلمي الأعلى بجواز الإجهاض فيها لا تمثل سوى نسبة محدودة من حالات الإجهاض؛ لهذا تطالب الجمعيات النسائية والحقوقية وتوقع العرائض لتوسيع الحالات المستفيدة من الحق في ممارسة الإجهاض وتغيير القانون الجنائي برفع التجريم عن الإجهاض.
* باحث متخصص في قضايا الإسلام السياسي
< حاوره: حسن عربي