قال نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن موضوع الإجهاض يتعلق بأمور فردية وحميمية تخص الشخص لوحده، ويدخل ضمن نطاق الحريات الفردية التي يجب الدفاع عنها واحترامها من طرف المجتمع، وحمايتها من قبل الدولة.
وأكد نبيل بنعبد الله، في مداخلة له خلال ندوة «الإجهاض- أين نحن؟»، نظمت الأربعاء الماضي، بجامعة محمد السادس لعلوم الصحة بالدار البيضاء، أن الحرية الفردية من بين الحريات الأساسية الخاصة بالمرأة.
ودعا بنعبد الله إلى ضرورة تجديد النفس الديمقراطي وإعطاء طاقة إيجابية للمجتمع الذي يجب أن يكون حرا ومناهضا للتوجهات المنغلقة، التي لا يقبلها المجتمع المغربي الحر، مرددا بأنه يجب أن «لا نقبل بطغيان النزعة المحافظة في المجتمع المغربي».
وعاد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إلى الحديث عن المعارك التي خاضتها القوى الحداثية بخصوص إدخال جملة من التعديلات على مدونة الأسرة في صيغتها الحالية، والتي أعقبتها سلسلة من النضالات الخاصة بالحريات والمساواة، من قبيل الإجهاض، والتي كان يدافع عنها حزب التقدم والاشتراكية.
وقدم زعيم حزب الكتاب، في هذا الإطار، نموذج تقديم المجموعة النيابية للحزب بالبرلمان لمقترح قانون يتعلق «بتنظيم الإيقاف الطبي للحمل»، مشددا على أن التغيير يبدأ من داخل المؤسسات التشريعية بموازاة ضغط الشارع على مثل هذه المبادرات.
وأوضح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن الإجهاض بوصفه يخدم بالدرجة الأولى صحة الأم النفسية والعقلية والبدنية، يفرض ملء الساحة من أجل الدفاع عن هذا الموضوع، وباقي الملفات الأخرى التي لها علاقة بالحرية.
وفي رده عن الآراء القائلة بأن موضوع الإجهاض ثانوي، ويجب الانكباب أولا على محاربة الفقر والهشاشة والعدالة الاجتماعية، شدد نبيل بنعبد الله على أن موضوع الإجهاض هو في صلب معالجة إشكالية الفقر، وانعدام المساواة في البلاد، خصوصا وأن العديد من النسوة يقبلن على الإجهاض السري في ظروف سيئة.
وفند بنعبد الله الطرح القائل بأن النقاش اليوم حول الإجهاض نخبوي ولا يهم الطبقة الفقيرة، مؤكدا أن 99 في المائة من النساء الفقيرات هن من يجرين الإجهاض السري بالمغرب، في الوقت الذي تختار فيه النساء الغنيات إجراء عمليات خارج المغرب.
وشدد الأمين العام لحزب «الكتاب» على أنه لا يمكن العيش في مجتمع بدون حريات، ولو تعلق الأمر بحريات تتعلق بالأقلية، داعيا إلى توسيع نطاق النقاش وقاعدة المؤيدين لخطوة إلغاء تجريم الإجهاض، انطلاقا من الاشتغال المشترك مع جميع هيئات المجتمع المدني.
واعتبر أن المجتمع لا يجب أن يتراجع اليوم إلى الوراء، بل يجب أن «تتم تعبئة المجتمع المدني من شباب وشابات اليوم، للدفاع عن الحريات، التي لا علاقة لها بالإباحية كما يروج له البعض اليوم، وكما تم الترويج له أثناء النداء بالمساواة بين الرجل والمرأة»، على حد تعبيره.
وحبذ نبيل بنعبد الله أن يتم نقل هذه النقاشات من قاعات الجامعات إلى الشارع، من خلال الاحتكاك بالمواطنات والمواطنين داخل الأحياء، وتأطير المواطنين ودعوتهم إلى الانخراط في الجمعيات المدنية، والمجالس المنتخبة، والبرلمان بهدف سن قوانين تحترم حرية المرء وتحرر المجتمع.
وختم بنعبد الله مداخلته بالتأكيد على أنه لا يمكن بناء مجتمع حداثي بدون ديمقراطية حقيقية، التي تتطلب بحسبه، نضالا مستمرا ودائما في الساحة، مشيرا إلى أن خيار النضال من أجل الحرية يكون دائما قاسيا ويؤدي فيه المناضل الثمن في سبيل الأجيال القادمة.
الجهل المقدس
من جهتها، دعت نبيلة منيب الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، إلى ضرورة تغيير القانون الجنائي تغييرا جذريا، لاسيما في الجانب المتعلقة بالحريات الفردية التي من بينها الحرية في الإجهاض، مؤكدة بأن الموضوع يهم الجميع حيث يتوجب الانخراط الجماعي في هذا النقاش المجتمعي الدائر اليوم.
وطالبت نبيلة منيب بمحاربة ما أسمته «الجهل المقدس، والجهل المؤسس»، وذلك من أجل الضغط على المشرع لرفع العقوبة عن الإجهاض، داعية الرافضين إلى ضرورة احترام هذه الحرية ولو كانت تهم أقلية فقط.
وشددت منيب، على أنها «ضد عائلة بدون أب»، لكن ليس على حساب الأم، حيث يرفض وفقها العديد من الآباء الاعتراف بأبنائهم، لتتحمل الأم في الأخير مصير الطفل الذي وضعته، بعد رفضها لخطوة الإجهاض.
وهاجمت الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، ما وصفته بـ»الأشخاص الذين لا يعملون العقل، ويعتمدون على نقل واستيراد بعض الأفكار الأيديولوجية الأخرى»، موضحة بأن المرأة ناضلت بالمغرب على سلسلة من المواضيع، وكانت دائمة في الصف الأمامي للمعارك، من بينها دفاعها عن الحق في المساواة مع الرجل.
وأوضحت المتحدثة أنه لا يمكن تغيير القوانين بدون ضوء أخضر من الشارع يبين مدى جاهزيته المجتمع للنضال والتشريع لحقوقه الفردية، مشددة على أن هذه الخطوة لا يمكن أن تتحقق إلا بانتخاب الحداثيين الذين من شأنهم تحديث المجتمع المغربي ومحاربة الأفكار المتطرفة.
وشددت نبيلة منيب على ضرورة الخروج من حالة الخوف والتردد، وكبح الأفكار المتنورة التي تخدم الحريات الفردية، موضحة بأن هذا الأمر لا يمكن تجاوزه في ظل غياب الديمقراطية الحقيقة داخل المجتمع المغربي.
طابو..
من جانبها، عبرت ثريا الصقلي، النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية، عن سعادتها لفتح هذا الملف من جديد، معتبرة إياه «طابوها» يتخوف البعض من الحديث عنه، رغم أنه يهم جميع الأفراد في المجتمع.
وأكدت ثريا الصقلي التي أشار نبيل بنعبد الله إلى أنها اشتغلت على مقترح قانون يتعلق «بتنظيم الإيقاف الطبي للحمل» باسم المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، أنه يتوخى من وراء هذا المقترح محاربة ظاهرة الإجهاض السري، والدفاع عن حق الأم في صحة جيدة وسليمة.
ودعت الصقلي في تفاعلها مع النقاش بعد إعطاء الكلمة لجمهور الحاضرين، إلى ضرورة مراجعة القانون الجنائي في نصوصه المتعلقة بالحريات الفردية، التي من بينها، الحرية في الإجهاض، وحماية الدولة والمجتمع لهذا الحق، مطالبة بفتح نقاشات واسعة بخصوص هذا الموضوع.
لا للإجهاض
وقال رشيد عشعاشي، الصحافي والمدون في وسائط التواصل الاجتماعي، إن المجتمع المغربي لا زال متمسكا بالقيم الدينية، وعلى هذا الأساس لا يمكن الحديث عن الحداثة، وكذا الحرية الشخصية، مؤكدا على ضرورة أن تكون هناك مسؤولية على الجسد من طرف الجميع.
وأوضح رشيد عشعاشي أن الإقبال على خطوة الإجهاض، ناتج عن الفقر والهشاشة، فضلا عن غياب شروط وأسس الزواج، مشددا على أنه بالرغم من هذه الظروف، يجب احترام الأخلاق العامة، وعدم التنازل عنها لصالح مثل هذه الممارسات.
وشدد عشعاشي على أن الإجهاض يجب أن يقتصر على زنا المحارم، أو ما أسماه باغتصاب المحارم، وعلى حالة الحمل الذي يهدد صحة الأم، وذاك الذي ينتج عنه تشوه خلقي، معلنا رفضه الإقدام على «الإجهاض الإرادي للحمل غير المرغوب فيه»، باعتباره أمرا دخيلا على الوسط المغربي.
وهاجم، الصحافي والمدون الآراء الحداثية والليبرالية التي تدافع عن الإجهاض، مشددا على أنها تسعى إلى تخريب المجتمع وتدميره، في إطار الصراع الحضاري للمجتمعات، ومؤكدا على أن الحرية الجماعية تسبق الحرية الفردية التي تريد بحسبه محو الهوية المغربية، وتستورد نسخ الحداثة من الغرب.
وطالب عشعاشي بضرورة حل المشكل حاليا، انطلاقا من التشجيع على الزواج، والدفاع عن قدسيته وحرمته، لاسيما وأنه رديف للوفاء والمحبة، وضد الخيانة التي يدافع عنها التوجه الحداثي على حد تعبيره، معتبرا الإجهاض خطوة نحو مزيد من الخيانة.
معاناة..
وشهد النقاش خلال هذا اللقاء مشاركة البروفيسور شفيق الشرايبي رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، الذي اختار الحديث عن المعاناة التي تواجهها الحاملة التي ترغب في الإجهاض، على المستوى النفسي والاجتماعي، مدافعا عن الطرح الداعي لتقنين الإجهاض، معتبرا إياه التوجه السليم للحفاظ على صحة الأم.
واستعرض شفيق الشرايبي، بالأرقام، عمليات الإجهاض التي تقام يوميا بالمغرب، والمحدد حاليا في 800 حالة إجهاض سري، منها ما يتم بالمصحات، وأخرى بطرق عشوائية سيئة وعشوائية و»قاتلة»، مشيرا أيضا، إلى وجود حوالي 64 محكوما حاليا في السجون المغربية بسبب عمليات الإجهاض السري.
وتحدث الشرايبي، عن الخيارات المفتوحة أمام الأم في القبول بعملية الولادة، خصوصا أمام رفض الأب الاعتراف بطفله، ثم رفض عائلة الأم العازبة لهذا الطفل، موضحا بأن العديد من الأمهات ترمين بأبنائهن في حاويات الأزبال وتتخلى عنهم في الشارع، في الوقت الذي تختارفيه أخريات قتلهم !.
وحمل رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري مسؤولية هذا الموضوع الذي وصفه بـ»الخطير»، للمجتمع، والأسرة، داعيا إلى المزيد من الضغط في وسائط التواصل الاجتماعي، من أجل كسب معركة رفع التجريم عن الإجهاض من القانون الجنائي، استنادا إلى الدفاع عن حق الأم في صحة جيدة، خصوصا وأن «عددا كبيرا من الدول المتقدمة قننت الإجهاض، وحسمت مع هذا الموضوع» بحسبه.
اختلاف المذاهب
وفي سياق متصل، اعتبر عبد الوهاب رفيقي الباحث في العلوم الشرعية، أنه يجب وضع نقاش الإجهاض أولا في إطاره الحقيقي، هل هو ديني أم مجتمعي، موضحا بأن المجتمع يعرف بشكل مستمر تغيرا في القيم، على عكس الجانب الديني الذي يقطع ويحسم في بعض القضايا.
وأشار عبد الوهاب رفيقي إلى أن المذهب المالكي لوحده من يتشدد في موضوع الإجهاض، في الوقت الذي لا ترى فيه باقي المذاهب الأخرى مشكلا في عملية الإجهاض، باستثناء الخلاف الوارد حول مدة القيام بعملية الإجهاض، هل هي 40 يوما أو 4 أشهر؟.
وأوضح رفيقي أن الحمل الذي يقع خارج مؤسسة الزواج يجب إجهاضه بحسب المذهب الحنبلي، خوفا من الفضيحة، وباقي المشاكل المتصلة بالجانب الاجتماعي، مضيفا بأن الجنين في بطن الحامل لا يرث ولا يصلى عليه في حالة «السقوط» من البطن، استنادا إلى المذهب ذاته.
وتحدث الباحث في العلوم الشرعية، «عن المشاكل الاجتماعية المرتبطة اليوم بقبول الأمهات بالولادة بعد عملية الحمل، حيث يتهرب العديد من الرجال الشركاء في عملية الحمل، من تحمل المسؤولية القانونية أمام القضاء «الأبوة»، وهو ما يدفع الأمهات إلى تحمل المسؤولية بالرغم من الأدلة الطبية والشرعية التي يتم تقديمها في هذا الإطار»ن على حد تعبيره.
خارج القانون
من جهتها، قالت سمية الطراب، الناشطة الفيسبوكية، إن المعركة لا زالت مستمرة ضد عقوبة الإجهاض إلى حين تحقيق الانتصار وجعل الإجهاض حقا فرديا مؤطرا بقانون شرعي، داعية الشباب إلى تكسير هذا «الطابو»، والخروج من حالة الصمت «والحشومة» إلى المطالبة بالحق في صحة جيدة للأم، ثم الحق في التصرف الحر في الجسد.
ونبهت سمية الطراب الشباب إلى ضرورة اختيار طرح الإجهاض القانوني، محملة إياهم مسؤولية مغرب الغد الذين يريدون العيش فيه، ولأبنائهم، مشددة على أن العديد من الفتيات والأطفال راحوا ضحية صمت الأفراد والمجتمع.
وهو الرأي الذي اتفقت معه أيضا، الناشطة الفيسبوكية، كريمة ندير، التي عددت الأسباب الاجتماعية للإجهاض السري، وما يترتب عنه من عواقب صحية واجتماعية على المجهضة، مشيرة إلى أنه ما بين سنة 2003 و2012 تم تسجيل حوالي 200 ألف أم عازبة.
ورفضت كريمة ندير تحمل المرأة للحمل من منطلق الوازع الأخلاقي، والخضوع لمقدسات المجتمع، مطالبة بضرورة إلغاء العقوبة الجنائية على الإجهاض، إلى جانب توفير الظروف الاجتماعية لمحاربة الظاهرة، والإقبال على تأسيس المؤسسة الزوجية».
احترام الأقلية
وشهد اللقاء عينه، مشاركة المهدي بنسعيد باسم حزب الأصالة والمعاصرة، الذي اعتبر أن الجسد هو جسد للفرد وحده، ولا يحق لأحد التدخل فيه، باسم المجتمع والتقاليد، مشيرا إلى أن دور الدولة والمجتمع اليوم هو حماية حرية الأفراد واحترامها، سواء كانوا أقلية أو أكثرية.
وقال المهدي بنسعيد، بأن هذا الاحترام يجب أن يكون متبادلا بين الطرفين معا، حيث على الأقلية أن تحترم بدورها الأكثرية، مفندا ما أسماه «بعض الادعاءات التي تروج لأن النقاش يهم طبقة الأغنياء فقط».
ودعا بنسعيد إلى فتح نقاش عمومي جديد حول الموضوع، بهدف الخروج بنقط عملية ورفعها على شكل مشروع قانون إلى البرلمان، إلى جانب دفاع الأحزاب السياسية الحداثية عن هذا المشروع داخل البرلمان باعتباره مصدر التشريع القانوني.
وشدد المتحدث عينه، على وجوب انخراط الشباب في الأحزاب والمنظمات والمؤسسات المدافعة عن الحقوق الفردية ومبادئ الحداثة، قصد تغيير بعض القوانين من خلال النقاشات التي يتم فتحها، بين الفينة والأخرى، من قبيل النقاش المفتوح حاليا، حول «الحق في الإجهاض».
< يوسف الخيدر
تصوير: عقيل مكاو