أجمع سياسيون ونشطاء في المجتمع المدني وخبراء وباحثون في الفكر الإسلامي على ضرورة إلغاء نظام التعصيب في الإرث لأنه لا يحقق مبدأ الإنصاف والمساواة، ولا ينسجم مع التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي.
وشدد هؤلاء السياسيون والنشطاء والخبراء، في ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية أول أمس بالرباط، حول موضوع “التعصيب في الإرث بين الثابت والمتحول” على ضرورة إلغاء التعصيب وإعمال قاعدة الرد في الإرث على اعتبار أن التعصيب لم يرد فيه أي نص قرآني نهائي، وعلى اعتبار أيضا أن نظام التعصيب هو إقصائي للمرأة بشكل تام ولا يحقق العدالة بأي حال من الأحوال.
وفي هذا السياق، ذكرت سومية حجي عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن الإرث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي الذي وجد فيه، حيث كان النظام الاجتماعي نظاما قبليا، يفرض على الذكور رعاية الإناث، لكن اليوم هناك تحولات كبرى وعميقة يعرفها المجتمع المغربي باتت تفرض إلغاء التعصيب في الإرث لأنه لا يحقق الإنصاف والمساواة.
ويعتبر حزب التقدم والاشتراكية، بحسب سوميه حجي، مسألة التعصيب في الإرث، حيفا آخر وشكلا آخر من أشكال التمييز ووضع النساء في خانة الهشاشة والفقر بحرمانهن من جزء من الأموال التي يتركها أحد الوالدين، في حالة عدم وجود أخ لهن، مؤكدة على ضرورة إحداث تغيير شامل للمدونة بما يحقق العدل والمساواة في كل الحالات والوضعيات باستحضار مقاصد الشريعة الإسلامية التي تقوم أساسا على مبدأ العدل.
ودعت القيادية في حزب التقدم والاشتراكية، إلى إعمال العقل والاجتهاد والتأويل المتنور الذي يجعل النص الواحد يقبل أكثر من قراءة، بهدف حفظ كرامة المرأة وحقوقها وتجنيبها كل ما من شأنه أن يعرضها للفقر والحاجة أو يجعلها في وضعية هشة تفقد معها الأمن والأمان والاستقرار المادي والمعنوي.
ويرى رشيد جرموني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، أن القوانين المدنية والجنائية تبقى متخلفة عن ما يجري في الواقع ولا تتماشى مع التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من القواعد الفقهية في موضوع التعصيب في الإرث، لكن المجتمع المغربي، يضيف المتدخل، يفرز مجموعة من المعطيات في مقدمتها، ما وصفه ب”التلفيق الإيجابي” في موضوع الإرث حيث أن 6 ملايين أسرة مغربية تعيلها امرأة، مما يعني أن الواقع بدأ يتحول، لكن القوانين تبقى متأخرة ولا تواكب هذا التحول.
ومن بين التحولات التي تطرأ على المجتمع المغربي يقول رشيد جرموني “أن الزواج في المغرب لم يعد فقط بين مسلم ومسلمة، بل هناك أكثر من 5000 زواج مختلط، مشيرا إلى أن الإرث يمثل قيدا دينيا لكنه موسع ثقافيا، مضيفا أن هناك اختلافات حول موضوع التعصيب، وأن هذه الاختلافات يمكن إجمالها في أربع توجهات ترى من منظور مختلف مسالة التعامل مع موضوع الإرث بشكل عام والتعصيب بشكل خاص.
وحصر رشيد جرموني، خلال هذه الندوة التي أدارتها خديجة الباز عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، (حصر) هذه التوجهات في توجه ذكوري ينزع نحو المحافظة على الوضع وعلى النص الديني لأنه يخدم مصالحها، على اعتبار أن موضوع الإرث هو موضوع سلطة وليس فقط موضوع تركة، وتوجه نسائي يقبل بالوضع كما هو ويعتبر النقاش في موضوع الإرث غير ذي موضوع لأنه نقاش في الثابت الديني، فيما التوجه الثالث الذي أورده الجرموني هو الذي يدفع في اتجاه طرح هذه المواضيع للنقاش، ممثلا في الحرقة النسائية والحقوقية ولها يعود الفضل في الصيرورة التي طرأت مؤخرا، لكن غالبا ما يكون طرحها يكتسي طابعا ثوريا تنجم عنه تصدعات داخل المجتمع.
ويرى رشيد جرموني أن التوجه الذي يتعين المراهنة عليه، هو التوجه الرابع الذي يكون فيه النساء والرجال حاملين لهذه القضايا على اعتبار أن الموضوع هو موضوع مجتمعي يتعين أن يكون الخطاب فيه مؤسسا على البعد الإنساني وليس على البعد الجندري.
من جانبه، أفاد محمد عبد الوهاب الرفيقي، مفكر وباحث في الدراسات الإسلامية، أنه لا يمكن الحديث عن التعصيب دون الحديث عن موضوع الإرث، مشيرا إلى واقع الأمر والواقع الديني يؤكدان على أن موضوع الإرث تاريخيا، لم يكن موضوعا محرما، ولم يكن التعامل معه بنفس الحدة التي نراها في عصرنا الراهن.
وأضاف عبد الوهاب الرفيقي أن عدة مواضيع في الإرث، تمت مناقشتها بشكل سلسل ووقعت اجتهادات منذ القرن الأول أو منذ القعود الأولى للإسلام، وهو ما يثبت في نظره، أن نظام الإرث ليس نظاما كاملا وقد وقعت فيه مشاكل، مستدلا على ذلك باقتراح تقنية العون على عهد عمر ابن الخطاب الذي لجأ إلى هذه التقنية، وأورث في نازلة، جميع الأبناء ذكرا وإناثا بالتساوي، لكن لأسباب سياسية، يقول الرفيقي “تم غلق باب الاجتهاد في موضوع الإرث”.
وطالب محمد عبد الوهاب الرفيقي بإلغاء التعصيب لأنه ليس فيه أي نص قرآني قطعي ونهائي، وأن نص الحديث الذي يستدل به، هو خبر أحادي، مشيرا إلى أن نظام التعصيب هو نظام إقصائي للمرأة بشكل تام، وهو نظام قبلي قائم على أن الذكر وحده هو الذي يرث، وهو قائم على أن يدلي بامرأة لا يرث.
وأكد الرفيقي على أن الثغرات الكبيرة التي يطرحها التعصيب في الإرث تفرض ضرورة إصلاحه في اقرب وقت ممكن لأنه يتعارض حتى مع النص القرآني كما ورد في الآية الكريمة من سورة النساء ” للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا” داعيا إلى إعمال مبدأ الوصية لحل العديد من الإشكالات في الإرث.
ويرى سعيد الكحل الباحث في تنظيمات الإسلام السياسي وقضايا الإرهاب، وعضو تنسيقية المناصفة، الذي قدم قراءة في مذكرة هذه التنسيقية حول موضوع “المناصفة في الإرث” (يرى) أن المجتمع المغربي عرف تحولات جذرية ولم يعد نظام الإرث يحقق مقصد الشريعة وهي مقصد العدل ومقصد التكريم انسجاما مع قوله تعالي “وما ربك بظلام للعبيد”، مشيرا إلى أن موضوع التعصيب في الإرث غير موجود في القرآن، وأن السبب الرئيسي في شرعنته هو الصراع السياسي الذي كان آنذاك بين العباسيين والعلويين، حيث تم اعتماده من قبل الفريق الأول من أجل إقصاء العلويين أبناء فاطمة من الخلافة.
وطالب سعيد لكحل بضرورة إدخال مجموعة من التعديلات على نظام الإرث والتي يمكنها أن تحل العديد من المعضلات المجتمعية ومن الوضعيات التي تجاوزها المجتمع، مشيرا في هذا السياق إلى ضرورة حماية الوصية والهبة والصدقة من الطعن أمام القضاء، وأن تنفذ الوصية قبل تقسيم التركة، وإلغاء التعصيب مع إعمال قاعدة الرد على غرار ما هو معمول يه في تونس والأردن وسوريا.
إلى ذلك، اقترح سعيد لكحل سن نظامين في الإرث على غرار ما هو معمول به في الأبناك الإسلامية والعادية، بأن يكون هناك اختيار بين من يريد التعامل بنظام إرث مدني أو التعامل بنظام الإرث الشرعي، في انتظار التحول الذي سيعرفه المجتمع، مؤكدا على أن الأغلبية ستختار التعامل بنظام الإرث المدني.
محمد حجيوي