نظرا للإقبال الذي يعرفه المجال السينمائي، تقترح مجموعة من الكتب، والدورات التكوينية حلولا سحرية لتصبح في ظرف وجيز مخرجا أو أن تكتب سيناريو مشوق بدون معلم بدون أي تجربة وتكوين ثقافي، وكأن العملية الإبداعية السينمائية يمكن تلخيصها في معرفة بعض الوصفات السحرية، أو بعد المعادلات الحسابية. لو كانت الأمور كذلك لكان جل الحاصلين على الشهادات الجامعية في الأدب أو على الأقل الدكتوراه مثلا كتابا روائيين. للأسف لا.
هناك خلط كبير بين معرفة اللغة السينمائية، وبعض الخطاطات الدرامية وممارسة التحليل الفيلمي، وبين تصور مشروع فيلم، والدفاع عنه للحصول على التمويل الشيء الذي يتطلب مهارات أدبية، والقدرة على الحكي السينمائي، وتسيير التصوير وجميع عمليات ما بعد الإنتاج (مونتاج، مكساج …) التي تطالبك في كل مرحلة بالقدرة على الاختيار والحسم، وإقناع الآخرين، والمهم في الحكاية هو امتلاك رؤية.
إن هذا السوق الذي طوره الانتشار الواسع للسينما، لا كثقافة أو كفرجة ولكن كإمكانية للترقي الاجتماعي، وأشياء أخرى لا علاقة لها بالفن عموما، تقترح اختصار المسافة على جيل من الحالمين، وتبيع السراب على أنه حقيقية، ولا تنطلق من خطة بيداغوجية تبدأ أولا بوضع موضع التساؤل هذا الوهم، وتوجيه الرغبة في الطريق الصحيح، ليتحول الحلم إلى إرادة، وإلى عمل يومي أي إلى طموح.
إن التمكن من اللغة السينمائية وحده، والاطلاع على بعض التقنيات التي هي في متناول الجميع، وطريقة تحرير السيناريو، لا يكفي للمرور إلى الجهة الأخرى من الشاشة. الأكيد أنه ليست هناك أية وصفة ليصبح الواحد مخرجا أو كاتب سيناريو… الطريق إلى السينما غالبا ما يكون مرتجلا وليس ملتويا، وجد شخصي: قد ينطلق من الهواية أو تكوين أكاديمي، أومن الممارسة في الميدان، لكنه في منتصف الطريق،عند نقطة ما، يتطلب الجدية والصرامة.
إنك حينما تكتب فيلما، وتصوره، مطالب إضافة إلى التمكن من اللغة السينمائية وكل إمكانيات استعمالها، مطالب بإعطاء هذه اللغة بعدا شخصيا، لأن الفن عموما تعبير عن رؤية شخصية للعالم. الاطلاع على القواعد وحده لا يكفي ولا معنى له، لأن الخطأ النحوي في السينما لا يٌقيم كما في اللغة بقواعد مطلقة، ولكن يُقيم أولا من ناحية الانسجام أو عدمه بين كل العناصر المكونة للسرد. في اللغة العربية مثلا الفاعل دائما مرفوع مهما كان السياق الذي يوجد فيه إلا في حالات محددة، الأمر الذي لا نجد له مقابلا في السينما. مثلا قاعدة 180 درجة في اللغة السينمائية التي تضمن الترابط السلس والمنطقي بين لقطات نفس المشهد يمكن تجاوزها، وقد لا يعتبر ذلك خطأ نحويا… أن تحكي فيلما يفترض أن يكون لك ببساطة ما تحكيه ويفترض، وأن تقترح طريقة خاصة وشخصية، وأن تنطلق من موقف من العالم ومن رؤية، وإلا لا داعي لذالك.
إذا نحن تأملنا اللغة السينائية نجد أن جزء كبيرا منها يكمن اختصاره في المسافة (الفيزيقية) التي تقيمها الكاميرا مع الواقع (الموضوع المصور) والزاوية التي من خلالها تنظر إليه لاستعادة إحساسنا بهذا الواقع لجعله دالا.
السينما لا يتجاوز عمرها مئة وعشرين سنة، وكفن ما زال، بالمقارنة مع الفنون الأخرى، شابا بتاريخ قصير يعني أنه يسهل الإلمام به، أما عندما يتعلق الأمر بالكتابة فهي أعقد لأنها تنطلق من تاريخ متنوع جغرافيا وممتد في الزمن، وبإمكانيات، وأنماط متعددة الشيء الذي يفترض الاطلاع على كل الاتجاهات الأدبية وكل الأعمال المؤسسة للثقافة الإنسانية ومعارف أخرى.
بين الرغبة وتحقيقيها يوجد محور تماثل حيث الأشياء بين الجهتين ليست متطابقة. أثناء الانعكاس تتحول الرغبة والحلم إلى مسؤولية يومية تفترض نوعا من الصرامة بعيدا عن تحقيق الذات، والتعويض النفسي، وتحقيق موقع اجتماعي، وعبور البساط الأحمر وانتزاع اعتراف قبل الأوان.
بقلم: محمد الشريف الطريبق