لا يخفى على أحد من الناحية الأدبية، أن أرض المغرب كانت وما تزال معينا دافقا للشعر، تعددت وجهة العطاء الشعري وتنوعت مجالاته.. مما أتاح للشعراء المغاربة أن يصوغوا شعرا جميلا في لوحات من الفن الأنيق المبدع، ينسكب حياة وتجديدا وتواصلا مع الناس، ويمنحهم قدرة فذة على اجتذاب أرواحهم ونفوسهم، مؤثرا فيهم بشعاع المحبة والخير والتصافي.
الشيخ أحمد بن علي الغنيمي: وردت ترجمته في كتاب : ” جواهر الكمال في تراجم الرجال ” وهو القسم الثاني من ّ تاريخ أسفي وما إليه ” للفقيه أحمد الكانوني ..يقول عنه : ” نسبه هو كما رأيت بخطه، أحمد بن علي بن محمد بن دحان بن محمد الفلاح بن عبد الرحمن بن عبد العزيز الشيخ، به يعرف بن عبد الرحمن بن الحسن بن رحو ..
كان أستاذا حافظا للقراءات السبع، عارفا بأحكامها، معروف الصلاح، مشهور الأحوال، من رجال الفضل والدين والسماحة، له قصائد ملحونة وأزجال، منها ما هو في المدح النبوي، ومنها ما هو في أحوال الزمان الحاضرة والمستقبلة.
أخذ القراءات السبع عن الأستاذ السيد التهامي الوبيري، كما أخذ التصوف عن الخليفة سيدي بوبكر الناصري.
توفي حوالي سنة 1290 هجرية، ودفن بمقبرة أسلافه.. ”
لقد من الله سبحانه وتعالى على شاعرنا بذاكرة قوية حاضرة، فعرف بين شعراء الملحون والولوعين به بعمقه الشعري .. ومصدر ذلك ـ لا محالة ـ حفظه للقرآن الكريم وتجويده، وبهذا كون لنفسه ثقافة دينية قوية، كانت له مفتاح التميز والظهور.
ومن بين الروايات التي تحكى عنه في مدينة أسفي، أن أحد شيوخ الملحون زاره يوما، وقال له بالحرف: ” غير فوتني وحط ” ومن ثمة، خرج ليبارز فحول الشعراء في المدن المغربية الأخرى.
ونشير إلى أننا لم نسعف في الحصول على شعره كاملا، فقد ضاع مع ما ضاع من كثير غيره.
ومما لا يزال يحفظه بعض الرواة، حربة إحدى قصائده، يقول فيها:
يا رجال أسفي ناس لوفا بالكمال زاوكت في حماكم ابعز طايل
الشيخ ابن دحمان: ولد هذا الشاعر في اسفي، اشتغل منذ صباه بالتجارة مع والده، ففاتته بذلك فرصة التعلم ..زار كثيرا من المدن المغربية، وبذلك احتك بغير قليل من الناس، فازدادت تجربته، وربما تهيأ له أن يتعرف إلى بعض شعراء الملحون في مختلف هذه المدن، وأن يروي عنهم ويحفظ شعرهم إلى أن بدأ هو الآخر ينظم الشعر الملحون .. فذاع اسمه في أسفي بما نظمه من قصائد في الشعر الملحون. ولعل قصيدته في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، تكشف عن تعلق الشاعر بشخصية الرسول الكريم، كما تكشف عن معاناة إنسانية عميقة، وتفصح عن أخلاق إسلامية سامية تربى عليها شاعرنا.
يقول في هذه القصيدة:
مير الغرام في اكنانــي
رصا اولا أشفق مني يا مكـــواه
تكب أجمر نيرانــــــي
نشكي أعلى من اكوا مثلي بالظاه
حب الحبيب مضانـــي
محمد المفضل رسول اللـــــــــــه
حب الحبيب بيد بيـــا
منو أفجمر مكديــــــا
والفراك زاد عما بيا
شل انعيد فامحانـــــي
طول الداج أنبات انهدن باهـــــواه
فالمثل كان ورشــــاني
مجلي أعلى أرسم ما صاب أمنـاه
حب الحبيب مضانـــي
محمد المفضل رسول اللــــــــــــــه
حب الحبيب حير دهنـي
في داخل لحشا ليعنـــــي
والليشوف راحت بدنــــي ….
> بقلم: الدكتور منير الفيلالي البصكري