يواصل الشاعر محمد رشوقي مساره الشعري بخطوة أخرى، تمثلت في إصداره الشعري المعنون ب “معطف عشق لشموخ الوردة”، عن مطبعة الخليج العربي بمدينة تطوان. إنها مجموعة باذخة بقلقها المنثور، انطلاقا من العتبات الموازية (العنوان، الإهداء ، ظهر الغلاف ..). وهو في تقدري قلق اختار حلة شعرية خاصة، من تجلياتها حضور كلمات تنتمي لمعجم الطبيعة و الحيوان، تحولت بدورها استنادا على الحالة والسياق الشعري إلى مفردات حياة، تمر عبرها دلالات جديدة وتشكيلات
رؤيوية. وعلى قدر الرؤيا، تنفتح الآفاق. الرؤيا التي تذوب الفروق؛ سعيا لخلق كون شعري متسق ومنسجم دلالة و تخييلا.. طبعا فالأمر يحرك من منطلق الذات أو الأنا المتكلمة المكتظة بالقلق أو قل مآسي العالم التي تداهم الشاعر، فيواجهها بتجاذبات شعورية وتخييلية تعارك الأنساق الموصدة، بالعناصر المؤسسة لأفق آخر، تحت إشراف الوردة التي غدت شعرية. فالذات هنا تشعرن عناصر الطبيعة في مطبخ الذات. مما أدى إلى تداخل الأنفاس؛ أذكر هنا النفس الرومانسي والواقعي، ضمن غنائية متشظية عمادها الأنا التي تربط بين الحالات و المواقف. فكانت الأشياء تمر عبر شبكة الذات، وبمعنى آخر تذويتها. لهذا، فالمجموعة تؤسس لمفهوم التجربة الإنسانية أي أن يعبر الشاعر عن وجوده الرافض والمتمرد عن الكائن المليء بالتناقضات والجراح. مما عمق مسحة الألم الذي يرجح تحته الإنسان والطبيعة معا. فمصير الذات لا ينفصل عن مصير الأمة. طبعا في ظل الخيبات الملازمة. فالشعر في هذه الوضعية، يعمق نغمة الغربة والضياع. وهي تيمة حاضرة بقوة في شعرنا العربي المعاصر بطرق مختلفة، تبعا للسياقات الظرفية والمرحلية. فالشاعر يواجه كما في هذه المجموعة قدرا ويحمل ثقل الجراح بكيفية فردية تعمق النغمة التراجيدية في الشعر وبه فيبدو النص منسابا كصور متناسقة ، تتحول معها.
القصيدة إلى صورة واحدة مركبة . هنا تحضر أنفاس عديدة في تشكيل الصورة التي تبئر الذات و هي تقوم بتحركات اتجاه الأشياء بواسطة الحالة و تراسل الحواس. مما أدى إلى خلق نوع من المشهدية الشعرية، من خلال وقائع تحدث في أفق الشاعر أو في محموله وتمثله. نقرأ من نص “معطفه عشقه لشموخ الوردة”:
“في صقيع النار
وثلج الرماد
أمشي
على درج
الصمت الهتوف
مهججا بطلقة الرجقة
والنسيان …
وفي مشاتل
الألم والتيه
ودهاليز المدن المطفأة
تعترش سنابل الفقد
القابعات في واحة
السلوان…”
فهذه الغنائية على نغمتها التراجيدية، أسست لمجراها الشعري الخاص داخل اللغة التي غدت لينة، مطواعة، منطلقة في توغلها. كما أن توارد الحالات، أفضى إلى حضور سرد يمتح من النفسالقصصي المرتبط بعرض تفاصيل الحدث المسرود. لكنه في المجموعة قيد التناول سرد يجنح للداخل وتقديم الحالات. وهي إمكانية تتحول معها القصيدة إلى حكاية مليئة بالانكسارات، من خلال وصف شعري يخلق توترات عديدة في وظائف اللغة المألوفة. بل قد يمتد هذا الخرق المتنوع إلى الروابط اللغوية، حيث تنتصب “الواو” شامخة شموخ الوردة فتلعب دور الربط السريع بمعنى جديد، كأن الحالات تقع دفعة واحدة. ناهيك عن حضور المشيرات المحددة للمعالم كأسماء الإشارة، مثل “هذا”. فضلا عن مموقعات مكانية من قبيل”إلى وفي”. كما أن الأساليب اتخذت بعدا غير حقيقي، من خلال التوظيف والسياق من قبيل الاستفهام و النهي. نفتح نفس المجموعة عل نص بعنوان “زغاريد نار خرساء”:
“وحدك ترحل كالسنونو الغريب
يخرق صمتك الأهوج
رفيف طيف أريب
يفتح في هجمة الريح
كتاب المراثي
ليقرأ عن فتوحات
النمل الساغب
ملامح التشريد
والعطب”.
أتابع مسيرة هذا الرجل، محطة بعد أخرى. فلمست جدية شعرية، تجلت في الوعي بآليات الكتابة الشعرية. منها حضور الأنا وبعده، والتفاعل بحرقة مع قضايا أمته.
فتتم المزاوجة بين الهموم الواقعية وهموم الشعر . وهو يقوم بعمله الشعري هذا، لا يذهب للنقد أو المؤسسات.. بل يقيم في خلوته، بعبدا عن الأضواء الزائفة دون وهم. والنص وحده كفيل بالتمدد والعيش الشعري الكريم. ولكم واسع النظر.
بقلم: عبد الغني فوزي