لا زال قطاع صحة الأسنان بالمغرب، يعرف تواجدا مكثفا للدخلاء، الذين ينتشرون بين الدروب والأزقة، متخذين محلات تجارية، وشقق متخفية، تتضمن لوحات وهمية حول طب وصناعة الأسنان، فضاءات لاستقبال ضحاياهم، وفي هذا الصدد، تعرضت المواطنة المغربية المقيمة بإسبانيا، نجاة زهيد، لمضاعفات صحية حادة على مستوى الفك الأعلى لفمها، بعد تطفل إحدى “صانعات الأسنان” على عملية تقويم بعض ضروس الضحية.
وتقدمت نجاة زهيد بشكاية لدى رئيس المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء، تشتكي فيها مما تعرضت له على يد صانعة الأسنان “و.و”، إلى جانب وضع شكاية أخرى، لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء، في شأن انتحال صفة “طبيب” من قبل “صانعة الأسنان” المذكورة، التي تتخذ من “مدرسة للتكوين”، فضاء لاستقبال ضحاياها الذين توهمهم بأن هذا المحل، يتوفر على طاقم طبي متخصص في صحة الأسنان، علما أنه لا يمكن الجمع بين مؤسسة للتكوين وعيادة لجراحة الأسنان.
وإيمانا بضرورة وضع حد لتجاوزات المعنية بالأمر، التي قد تعرض صحة مواطنين آخرين للخطر، تقدمت نجاة زهيد بشكاية لهيئة أطباء الأسنان الوطنية- المجلس الجهوي جنوب بالدار البيضاء، بتاريخ 17-04-2023، حيث عرفت جلسة الاستماع التي ترأستها الدكتورة “ن.م”، حضور مفوض قضائي لدى محاكم الدار البيضاء، الذي تكلف بتحرير تقرير حول تفاصيل ما جاء في الجلسة التي حكت فيها المشتكية قصة تعرضها لحادث أثر على استقرارها الأسري والعملي، لاسيما وأنها تشتغل بالديار الإسبانية.
وحكت نجاة زهيد لجريدة بيان اليوم في شكاية لها، قصة تعرض فكها العلوي للالتهابات الحادة والتي تستمر إلى اليوم، وتتطلب تكاليف مالية باهظة لعلاجها، سببت لها صداعا بليغا في الرأس، وكانت بداية الحكاية، باتصالها بـ “و.و” عبر الهاتف من إسبانيا تطلب نصيحتها، بشأن ما تعانيه من مشاكل في أسنانها الخلفية (الأضراس)، قبل أن تكشف لها بأنها “طبيبة” وتعمل بمدرستها رفقة طبيب آخر DENTIROLOGUE، ولديها كرسي خاص بطب الأسنان في مدرستها المسماة Ecole Marocaine Professionnelle Priveé، ومن ثم ستتكفل شخصيا بجميع إجراءات تقويم أسنان فمها، مع وضع تخفيضات هامة لها.
وأوضحت نجاة زهيد في تصريح للجريدة أنها سألت “و.و” حول إمكانية إزالة “العرق” (الخاص بالضروس) بإسبانيا، فكان جوابها بالرفض، لأن جميع العلاجات ستتم بـ”العيادة” ! أو “مدرسة التكوين” !، كما أنها ستتكفل ببرد الأسنان وأخذ القياسات لتركيب “البردج”، في الوقت الذي كانت فيه زهيد ترغب في وضع حد لمشاكل الأضراس الخلفية فقط.
وكشفت المشتكية، أنه بالفعل بدأت العلاج بـ”المدرسة” أو “العيادة”، التي يطرح ألف سؤال حول الترخيص الممنوح لها من قبل المصالح المختصة بذلك، وهل الأمر يتعلق بترخيص لـ”عيادة” أو “مدرسة”، حيث قامت “و.و” إلى جانب زميلة لها، بإزالة العرق وبرد جميع الأسنان والأضراس العلوية، لتفاجئ الضحية بعد استيقاظها من “البنج” (التخدير) أثناء الحصة العلاجية الأولى، بوجود زوج “و.و”، باعتباره مدير المدرسة، وبحضور طلاب “المعهد”!، الذين كانوا أمام درس تطبيقي على فم حقيقي لإنسان حي، وليس فم اصطناعي مصنوع من البلاستيك أو مادة أخرى!.
وبعد الحصة الأولى، اقترحت “الطبيبة” الوهمية “و.و”، على نجاة زهيد التوجه نحو مدينة المحمدية من أجل استكمال العلاج في عيادة صديقتها التي رافقتها في الجلسة الأولى، بحكم توفر هذه العيادة التي توجد بمدينة الزهور على كافة المعدات التقنية، لإنجاح عملية الحصول على فم سحري بأسنان براقة، والحال أن هذه الرحلة كانت تخبأ لنجاة زهيد حادثا حزينا، كانت ستكون في منأى عنه لو أنها توجهت إلى طبيب مختص، عوض تقديم فكي فمها لأشخاص من المفترض أن لا يلمسوا أسنان المغاربة.
ومباشرة بعد عودة نجاة زهيد إلى إسبانيا، بفم جديد يضم “البريدج”، ستتفاجئ بعد مرور أسبوع، بظهور مضاعفات وأورام وتعقيدات في فكها العلوي، وهو ما دفعها إلى الاتصال بشكل مستعجل بـ “و.و”، لإخبارها بهذا المستجد، وحاولت إقناعها بأن الأمر جد عادي، وطلبت منها عبر “الواتساب” (تطبيق التراسل الفوري)، أخذ بعض الأدوية لمدة 15 يوما، علما أن الطبيب وحده من يمنح المريض الأدوية اللازمة للعلاج بعد المعاينة المباشرة وليس الافتراضية.
وكشفت زهيد للجريدة، أنه بعد مرور بضعة أيام اضطرت إلى العودة للمغرب قسرا، متخلية عن عملها، نظرا للخوف الذي انتابها من مضاعفات الإصابة الحادة التي أصبح عليها فمها، وكانت وجهتها مرة أخرى “المدرسة” أو “المعهد” أو “العيادة”، حيث تلقت الحصة العلاجية الأولى في مسار هذا العذاب المارثوني، الذي استنزف طاقتها الجسدية والمادية، واقترحت “و.و” عليها أثناء هذه العودة، تلقي العلاج مرة أخرى في “المدرسة”، بيد أن الضحية رفضت أن تمس “الطبيبة” المزورة في فمها.
وبعدما أحست “و.و” أنها باتت في ورطة حقيقية، اقترحت على نجاة زهيد التوجه نحو طبيب للأسنان يدعى “ا.ح” بالدار البيضاء، الذي سيحاول أن يصلح ما أفسدته أيادي “و.و” وصديقتها، وبذلك، استقبل الطبيب المذكور، بتاريخ 16-03-2023، المعنية بالأمر إلى جانب “صانعة الأسنان”، واتضح له بأن الأمر جد خطير، ويتطلب القيام أولا بفحوصات بالأشعة (الراديو والسكانير)، قبل اتخاذ أي خطوة تهم عملية التنظيف والتنقية، وإجراء عملية جراحية على اللثة.
وعقب إجراء نجاة زهيد للفحوصات بالأشعة التي تكفلت بمصاريفها بشكل شخصي، بعد تنصل “و.و” من سدادها، اتضح للطبيب “ا.ح”، بأن الأمر يتعلق بإصابة بليغة في عظم فك الفم (اختراق العظم)، حيث قام بتحرير تقرير، بتاريخ 25-03-2023، للمصابة، واستفسرها حول هذا الحادث الصبياني، بيد أن “و.و” حاولت إيهام دكتور الأسنان المتخصص، بأن الأمر نتج بعد تدخل طبيبة أسنان مبتدئة، خلال تلقي تدريبها في “مدرستها الخاصة”، قبل أن تكشف نجاة زهيد “ل.ح” خلال جلسة علاج خاصة عرفت غياب “و.و” (الحصة الخامسة)، بأن الأخيرة وصديقتها، هما بطلا هذا الحادث الأليم.
وتطالب نجاة زهيد رئيس المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء، بإجراء معاينة وإثبات حال، بواسطة مفوض قضائي، قصد الانتقال إلى عيادة “طبيبة الأسنان” المزورة، من أجل البحث معها عن صفتها الحقيقية؛ هل الأمر يتعلق بـ”طبيبة الأسنان” أم “صانعة للأسنان”؟
وفي سياق متصل، طالبت وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء، بفتح تحقيق وإجراء بحث في الموضوع، لاسيما وأن “و.و” تستمر في استقطاب ضحايا جدد لـ”مدرستها”، وهو ما يهدد بوجود حالات اعتداء أخرى على مواطنين، ذنبهم الوحيد أنهم يثقون في كل ما هو مرتبط بـ”المدرسة” و”المعهد” و”الأستاذية”.
ويذكر أن نجاة زهيد قامت بعديد خطوات للحد من خطورة ترامي “و.و” على صحة المواطنين المغاربة، من قبيل توجيه شكاية للمندوبية الجهوية للتكوين المهني بالدار البيضاء، بتاريخ 14 أبريل الماضي، إلى جانب وضع شكايات أخرى لدى المصالح الترابية التابعة لوزارة الداخلية، غير أنه لحد الآن لم يتم التحرك بعد في هذا الموضوع.
****
كشفت مصادر جريدة بيان اليوم من داخل هيئة أطباء الأسنان الوطنية، أن هذه الأخيرة وضعت شكاية لدى وكيل جلالة الملك بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، استنادا إلى المادة 86 من القانون 05-07 المتعلق بهيئة أطباء الأسنان الوطنية، ومن المرتقب أن تستمع الضابطة القضائية للهيئة خلال الأسبوع المقبل.
وعبرت المصادر ذاتها، عن حنقها من استمرار اشتغال المؤسسة المذكورة، التي تدعي تدريس شعبة Denturologie غير معترف بها من قبل المؤسسات العلمية الوطنية، نظرا لعدم وجود نصوص قانونية تنظم هذه الشعبة التي لا تعوض بأي شكل من الأشكال “طب الأسنان” الذي يدرس في كليات الطب بالمغرب.
وكشفت مصادرنا، أن هذه المؤسسة يستحيل أن تكون حاصلة على ترخيص من قبل مؤسسات التكوين المهني، أو البحث العلمي، داعية السلطات العمومية والمندوبية الجهوية للتكوين إلى وضع حد لتجاوزات القائمين على هذه “المدرسة”.
وترفض هيئة أطباء الأسنان، التساهل مع مثل هذه المؤسسات، التي تتحول إلى عيادات تستقبل المواطنين، الذين لا حول لهم ولا قوة، أمام ضعف قدرة التمييز بين الدخلاء على القطاع بالبلاد، حيث يتوجهون لمثل هكذا فضاءات لعلاج وتقويم أسنانهم، قبل أن يكتشفوا في الأخير أنهم كانوا ضحية للوهم والخرافة والدجل.
يوسف الخيدر