تناولت الندوة التي أقيمت ضمن البرنامج الثقافي للدورة الثالثة والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، موضوع صناعة الإرهاب وآليات المواجهة الفكرية، بمساهمة الباحثين محمد بلكبير ومحمد المنتار، وتسيير عبد الحق التيجاني.
وجاء في أرضية نقاش هذه الندوة أن موضوع الإرهاب يجسد أحد مظاهر التحولات السلبية الكبرى التي يشهدها عالم اليوم، مما لا شك فيه أن ظاهرة صناعة الإرهاب وما باتت تجسده كفكر نكوصي تدميري ودموي عابر للقارات، باتت تفرض، ليس على المغرب فقط، وغنما أيضا على كل ذوي الضمائر الحية والفكر المستنير، صياغة أجوبة حقيقية لمواجهته، وللحد من انتشاره وتفشي مسبباته، أولى مداخل هذه المواجهة التي تحظى بأولوية قصوى، تتمثل في تفكيك خطاب التطرف، باعتباره النواة الأساسية التي تتهدد العقل وتشيع نموذجا تدميريا لخطاب التسامح وتكامل قوى العالم الحي.
عرف الباحث محمد بلكبير التطرف من الناحية اللغوية باعتباره ابتعادا عن الاعتدال، وأن هذا الابتعاد قد يكون سلبيا مثلما أنه قد يكون إيجابيا، وهو في كل الأحوال مقبول اجتماعيا، غير أنه حين يصير عنيفا، يتولد عنه الإرهاب ويتحول بالتالي إلى ظاهرة إشكالية.
ولفت الباحث الانتباه إلى الغموض أو الخلط الذي يقع فيه بعض المترجمين حين ترجمتهم لمفاهيم من أصلها الأجنبي إلى العربية، فعلى سبيل المثال: كلمة السلفية قد تكون مقبولة اجتماعيا، لكن حين ترجمتها عن طريق الخطأ يمكن أن تحمل بعدا عنيفا، مثلما هو الشأن مع كلمة إسلامي التي تحيل على التطرف، والتي لا ينبغي الخلط بينها وبين المسلم. وبالتالي لا بد من الاحتياط عند الترجمة.
وأوضح المتدخل بعد ذلك أن الإرهاب سلوك يتم صناعته ولا علاقة له بما هو جيني، وأن صناعته تتم في مختبرات داخل تنظيمات إرهابية.
وميز بين فئتين من الإرهابيين: فئة تتمثل في أصحاب التصورات الإرهابية الكبرى، وفئة تتشكل من المجندين الذين يشكلون حطبا يلقى به في أتون الإرهاب.
واعتبر أن الانخراط في ذلك يتم عن جهل وعن تأويل خاطئ للنصوص الدينية، وأن سد الباب أمام التنظيمات الإرهابية لا يمكن أن يتم إلا عن طريق التثقيف والتحصين.
وأشار كذلك إلى أن التنظيمات الإرهابية تعتمد في إيصال خطاباتها على الفيديو وعلى مختلف الوسائط التكنولوجية الحديثة، وتلجأ في عملية الاستقطاب إلى دغدغة العواطف والتبشير بالجنة عبر تأويل مغلوط للنصوص الدينية، من ذلك على سبيل المثال أن بلوغ مرحلة الصفاء والطهر لا يتأتى بالجهاد وتثبيت أركان دولة الخلافة.
ووصف المغرر بهم داخل هذه التنظيمات الإرهابية بأنهم تعرضوا لتغيير في خرائطهم الذهنية، وفقدان التوازن النفسي، معتبرا بذلك أن الهشاشة هي الأساس الذي يحرك الإرهابيين.
وتحدث المتدخل بعد ذلك عن الأسلوب الذي تعتمده الشبكات الإرهابية في تدبير أمورها: بحث عن التمويلات، التكوين المستمر، تقسيم العمل حسب تخصصات كل فرد، مواكبة حثيثة لكل ما يطرح في ساحة التكنولوجيا.. ليخلص بذلك إلى أن الإرهاب صناعة لها خبراؤها، ومن أجل مواجهتها، ينبغي أن تكون لنا صناعة تقوم على أساس بث القيم الرافضة للتطرف المبنية على الحجة وتبيان الحقائق.
وركز في هذا الإطار على ضرورة اعتماد المواجهة الفكرية التي تقوم على تفكيك الخطاب الراديكالي، لإعادة قراءة الخطاب التعنيفي والإرهابي، تفكيك يقوم على خلخلة الخطاب الإرهابي من خلال البرهنة على اختلال في بناء جهازهم المفاهيمي، وإعادة قراءة المفاهيم التي يبني عليها الإرهابيون دعاواهم.
واعتبر الباحث محمد المنتار أن المعركة مع الجماعات المتطرفة تمتد إلى بداية تاريخ الإسلام، وأنها ناشئة عن تأويل فاسد للقرآن والحديث.
وبين كيف أن التنظيم الإرهابي لا يتوافق مع منظومة الإسلام المؤطر بمقاصد حفظ الحياة والكرامة والعقل.. كما بين طرق اشتغال هذا التنظيم، حيث الاعتماد على الوسائط الالكترونية الحديثة، وبالتالي فإن مواجهة هذا الفكر المتطرف ينبغي أن تقوم على منصات علمية إلكترونية.
ودعا المتدخل إلى ضرورة سد الفراغ من أجل عدم السماح للمتطرف بالإقامة بيننا، وذلك عن طريق اعتماد مقاربة فكرية واقتصادية تنموية وجرد للمفاهيم التي يتم تأويلها بشكل خاطئ، وتعميق الوعي بزيف الأحلام التي يتم الترويج لها من خلال اعتماد مضمون علمي سهل الفهم والوصول إلى الوجدان، ويأخذ بعين الاعتبار استهداف فئة الشباب والأطفال، كما شدد على دور المؤسسات التربوية في ملء الفراغ.
متابعة: عبد العالي بركات > تصوير: عقيل مكاو
صناعة الإرهاب وآليات المواجهة الفكرية
الوسوم