ضد المنع

كثفت بعض التعبيرات الشبابية المندمجة ضمن حركات 20 فبراير، إلى جانب بعض الأوساط الأصولية، حملاتها عبر الانترنيت وبواسطة العرائض من أجل المطالبة بإلغاء المهرجانات الفنية، كما وجه البعض نداءات إلى الفنانين الأجانب والمغاربة برفض المشاركة.
ويفرض هذا الانزياح المطلبي نقاشا حقيقيا وجديا، ضمن الحرص على وضوح الرؤى وتبيان الاختيارات المجتمعية والخلفيات التي تؤسس، منطقيا لكل المطالب والنداءات. لا شك أن العديد من المهرجانات، تستدعي فعلا إصلاحا أو تغييرا أو حتى لجان تحقيق، ولا شك كذلك أن قضايا التمويل والصرف واختيار الفنانين، والتفضيل المبالغ فيه أحيانا للأجانب على المغاربة، كل هذا يطرح عديد أسئلة ومهمات سبق لفنانين ومثقفين وصحفيين أن عبروا عنها منذ سنوات، وطالبوا بتعزيز الشفافية وحرفية التنظيم.
كل هذا صحيح، ونحن متفقون، لكن المطالبة بالمنع، هذا شيء آخر، ونحن نرفضه.
الخطاب والتحريض المواكب للحملات المذكورة يتسم بحيثيات غارقة في الإطلاقية، وأيضا تطفح بكثير من الشعبوية، من قبيل ربط تنظيم المهرجانات بتشغيل العاطلين وبمعاناة سكان أنفكو وبإقامة المشاريع التنموية، كما أنه يختلط بدعوات أصولية سابقة لاحتلال منصات مهرجان، ويربط الدعوة برفض الفساد والاستبداد.
لقد بدأت الحملة ضد «موازين» في الرباط، وتواصلت ضد «كناوة» في الصويرة، وأحدهم دعا إلى الاحتجاج غدا في وجدة ضد «مهرجان الراي»، ومنظمو «أزالاي للموسيقى الإفريقية» قرروا من جهتهم إلغاء دورة هذا العام بحجة ضعف التمويل أو … الخوف، ونخشى أن ينتقل الأمر، كما بدأت تبين ذلك بعض الإرهاصات والشعارات، إلى تأطير ثقافي وفكري و»إيديولوجي» ظلامي وماضوي لمنظومة مطالب الشباب، وهنا سيتحول الهجوم إلى استهداف واضح لقيم التحديث والانفتاح في المجتمع..
من جهة ثانية، إن المهرجانات الفنية تمثل أيضا مجالا لتوفير فرص شغل لعدد من فنانينا ولكثير من المهن المرتبطة بالميدان، وإن المطالبة بإصلاح المهرجانات وتطويرها وتكريس الشفافية داخل بنياتها وتقوية حضور الفنانين المغاربة في برمجتها، يرمي أساسا إلى تمكين هؤلاء الفنانين من فرص عمل، ومن فرص لصقل تجاربهم وتطوير مهاراتهم، وإنماء مقدراتنا في الصناعة الثقافية والفنية التي باتت مجالا اقتصاديا واستثماريا له مردودية وسوق وتقنيات، لكن المطالبة هكذا بمنع كل شيء هو حكم على عشرات الفنانين والتقنيين بالعطالة والحرمان، فضلا على أن المنع الإطلاقي هو أقرب إلى أنماط التفكير الاستبدادية منه إلى العقل الديمقراطي المنفتح.
وعلى شبابنا في 20 فبراير، وفي غيرها من الشهور والتواريخ، أن يختاروا موقعهم، فالأمر أبعد وأخطر من مجرد «كليك» على حاسوب.

Top