طلاق على الطريقة الصينية

صدرت عن منشورات المتوسط – إيطاليا، بالتعاون مع مؤسسة بيت الحكمة للثقافة والإعلام -القاهرة، رواية “طلاق على الطريقة الصينية” للروائي الصيني ليو جين يون، الكاتب الذي يوصف بـ “الرجل الأخف دما في الصين”، لكن، النقاد لا يتوقفون كثيرا عند صفتي السخرية والمرح، إنما يتحدثون عن حرفة ليو جين يون في تحليل المجتمع، من خلال طبقاته الدنيا، وتفكيك سمات الشخصية الصينية.
ترجم الرواية عن الصينية كل من المُترجميْن المصرييْن: أحمد السعيد، ويحيى مختار، إذ يُعتبر العمل الكتاب الثالث ضمن مشروع مشترك بين المتوسط وبيت الحكمة، لنقلِ روائع الأدب الصيني إلى العربية، بعد روايتيْ “نهر الزمن” و “العصر الذهبي”.
 
تبدو رواية “طلاق على الطَّريقة الصِّينيَّة”، كما جاء في مقدمة المترجمين، رواية خفيفة كشطيرة جبن، يمكنك تناولها في عدة قضمات، لكنها تحمل من الدَّسَم ما يحمله خروف مَشويٌّ، تستغرق أيَّاماً لهَضْمِهِ. القصَّة الرَّئيسة، كما يبدو من العنوان العربي، تدور حول واقعة طلاق، أو كما يبدو من العنوان الصِّيْنيّ، “لستُ بان جين ليان”، حول واقعة خيانة، وهذا إن كان يبدو صحيحاً، فإنكَ ستكتشف أن الأمر أكبر من ذلك، فنحن هنا بصدد نملة صارت فيلاً، وحبَّة سِمْسِم صارت بِطِّيْخَة ضخمة، ونعيش داخل سَرْد مثير وسريع مع قصَّة سيِّدة تسبَّبت لنفسها بالأذى في عَرْضها على زوجها فكرةَ الطلاق المُزيَّف، لغرض ما، ثمَّ تحوَّل موقف زوجها، وَجَعَلَ الطلاق المُزيَّف حقيقياً، وسَعْي الزوجة من السطر الأوَّل في القصَّة حتَّى نهايتها إلى إثبات أن الحقيقي كان زائفاً، وأن الزائف يجب أن يكون حقيقياً. ولكنَّ الحكاية ليست بهذه البساطة عندما يكون راويها هو ليو جين يون، الذي يتفنَّن بذكائه ومراوغته في سَحْبنا داخل القصَّة، لنجول داخل الشَّخصيَّة الصِّينيَّة في مواقف مُختلِفة، وعلى مستويات متعدِّدة، وننتقل مع البطلة لي شيوليان. وبالمناسبة، فكلُّ اسم ذَكَرَهُ المؤلِّف في العمل يعني في اللغة الصِّينيَّة معنىً يتضادُّ مع ما يتعلَّق بصاحبه، فنحن نُبحر داخل متاهات صِينيَّة، يرسمها لو جين يون بين أروقة المحاكم والمكاتب الحكومية، ونبدأ من قاضٍ في قرية صغيرة ليلة عرسه، ونصل إلى واحد من مسؤولي الدولة الكبار الذين يُسيِّرون شؤون الحُكْم، مروراً بالمُحافِظ والعُمدَة وحاكم المدينة وحاكم المُقَاطَعَة في تسلسل هَرَمِيٍّ، كلُّ مصطبة من مصاطبه تحمل قصَّة وشخصية وشكلاً من الفساد أو التَّمرُّد أو الخوف أو الطموح، وكأننا نطالع داخل تلك المتاهة خريطة تحليل نَفْسيٍّ موازية، تجذبُنا للمتاهة أكثر، وتشغلُنا بشخوصها. 
لي شيوليان تعاني وتضحِك وتبكي، في قصة عن التظلم ضد كل شيء، تحسبه ظلم الأقارب، لكنكَ تكتشف أنه ظلم أكبر، تحسبه فساد الصغار، فتجده عَفَنَاً أضخم.
نحن أمام طلاق على الطريقة الصينية، نعيش معه داخل هرم، بناه الراوي والسارد، طبقاته متعدِّدة، وشخوصه كثيرة، وخلفياته متداخلة ومعقَّدة، ونرى علاقة الصِّيْنيّ بالدِّيْن، وعلاقته بالدولة، وعلاقته بمن حوله، ونرى علاقة البيروقراطيين فيما بينهم، وكيف هي هشة مناصبهم التي يحسبون أنها ضاربة بجذور كراسيها.

Related posts

Top