عبد اللطيف أعمو: التقدم والاشتراكية يعتبر تقنين القنب الهندي قضية مجتمعية تطرح عددا من الأسئلة المرتبطة بفحوى المبادرة

قال عبد اللطيف أعمو مستشار حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين، إن حزب التقدم والاشتراكية يعتبر تقنين “الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي” قضية مجتمعية تخترق المجتمع المغربي، وتطرح في كثير من جوانبها عددا من الأسئلة والتساؤلات المرتبطة بفحوى هذه المبادرة.
وأكد عبد اللطيف أعمو في مداخلة مشتركة مع مستشار حزب التقدم والاشتراكية عدي الشجيري، خلال جلسة الدراسة والتصويت على مشروع قانون رقم 13.21 “المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي”، أول أمس الثلاثاء بمجلس المستشارين، أن حزب التقدم والاشتراكية، بقدر ما يعتبر التعبير عن التخوفات المتعلقة ببلورة النص المذكور على أرض الواقع ظاهرة صحية، يجدد التأكيد على أهمية طرح مشروع القانون للنقاش، مشيرا إلى أن هذه الخطوة إيجابية ومقدامة. وفيما يلي التفاصيل الكاملة لمداخلة عبد اللطيف أعمو وعدي الشجيري:

السيد الرئيس،
السيدان الوزيران،
السيدات والسادة المستشارون،
إن هذه الجلسة العامة تشكل محطة تشريعية هامة وتحولا نوعيا في النقاش حول الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، ولو أن هذا النقاش المتمحور حول تقنين نبتة الكيف ليس بجديد ببلادنا.
وهو ما يعتبر مؤشرا عن استعداد الحكومة لطرح قضايا مجتمعية، ولو معقدة، للنقاش العمومي، انطلاقا من البرلمان، في أفق معالجتها، وفقا لتطور المجتمع والتحولات التي تخترقه. وهي قضايا عديدة تتطلب المعالجة الجيدة والجريئة الصائبة.
ونحن في حزب التقدم والاشتراكية نعتبر أن هذه القضية هي قضية مجتمعية تخترق المجتمع المغربي، وتطرح في كثير من جوانبها عددا من الأسئلة والتساؤلات المرتبطة بفحوى هذه المبادرة.
فهل أشفى النقاش الدائر داخل لجنة الداخلية والجماعات الترابية والبنيات الأساسية… غليلنا في التعبير عن تخوفاتنا، من منطلق أن هاجسها الأول خدمة مصالح المزارعات والمزارعين وتحسين ظروف عيشهم، والمساهمة في تنمية المنطقة؟
بالتأكيد لا، لأن التسرع في الحسم في الموضوع، وضيق الزمن التشريعي لم يسمحا بمناقشة مشروع القانون هذا بشكل أعمق وأدق، باعتبار أن حساسية موضوع القنب الهندي قد تستدعي مقاربة تشاركية أوسع وأشمل، لتجنب هفوات السرعة في التشريع.
فبعد قرابة شهر (19 أبريل – 21 ماي 2021) بمجلس النواب، وحوالي أسبوعين بمجلس المستشارين، ظلت تساؤلاتنا وتخوفاتنا على حالها.
بالتأكيد، أن رفع لجنة مكافحة المخدرات في الأمم المتحدة الصفة الجرمية عن القنب الهندي يشكل مناسبة للدفع في اتجاه تقنين زراعته واستخدامه في المغرب. وقد سبقتنا في هذا المسار قرابة عشرين (20) دولة، في استثمار الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع، وتموقعت العديد من الدول بشكل جيد، في السوق الدولية للصناعات الطبية وشبه الطبية والتجميلية، وغيرها. وهي سوق واعدة من المتوقع أن يرتفع نموها إلى 55.8 مليار دولار في أفق سنة 2025.
ولا نظن أن كل هذه الدول الرائدة ستستقبلنا بالأحضان، إذا لم نبادر إلى القيام بقفزة نوعية تندرج في إطار مسايرة التدرج الذي عرفه القانون الدولي من منع استعمال نبتة القنب الهندي إلى الترخيص باستعمالها لأغراض طبية وصناعية، خصوصا وأن الجانب الطبي والتقني لهذا المشروع يجعلنا إزاء الحديث عن توظيف مواد طبيعية وكيماوية، والتي تتطلب معايير دولية دقيقة وصارمة لاستعمالها، مع توفر إمكانية التأكد من الضبط والحصر والتحكم في شروط وظروف استعمالها.
وهو ما يستدعي تأهيلا علميا وتقنيا واجتماعيا ونفسيا قويا لمسايرة كل التحولات المصاحبة لهذا المشروع، من أجل تنمية سلسلة فلاحية وصناعية تعنى بالقنب الهندي مع الحرص على تقوية آليات المراقبة والمتابعة والضبط.
وتقتضي كذلك تعزيز وتقوية برامج التكوين المهني والتكوين المستمر لفائدة فلاحي المنطقة تحديدا ومزارعي نبتة الكيف التقليدية، لضمان تحول سلس إلى منظومة جديدة وحديثة للزراعة والاستغلال والتسويق، مع تأطير الساكنة المحلية بالأساس.
كما يقتضي الانخراط القوي لمراكز البحث العلمي الوطنية ولمهنيي صناعة الدواء، بهدف استغلال الفرص الجديدة التي سيتيحها اعتماد قانون جديد يخص زراعة القنب الهندي، لتطوير صناعة الأدوية التي تعتمد في إنتاجها على هذه المادة، (خصوصا وأنه قد تم إحصاء حوالي 40.000 استعمال للنبتة، سواء تعلق الأمر بالبذور graines أو الألياف fibres أو المادة الصمغيةrésine )… والعمل على تعزيز التعاضد والتعاون والشراكة جنوب جنوب، وخصوصا على المستوى القاري، باستغلال الدينامية التي أطلقتها وانخرط فيها المغرب على هذا المستوى.

السيد الرئيس،
السيدان الوزيران،
السيدات والسادة المستشارون،
هل مناطق الريف، وخصوصا أقاليم شفشاون والحسيمة، تتوفر اليوم على بنيات تحتية مؤهلة وقادرة على استقبال الوحدات الصناعية والبنيات الاقتصادية الجديدة، وعلى مؤسسات قادرة على توظيف الرساميل الضخمة والإمكانيات اللوجيستية الكبرى؟
وهل لديها اليوم القدرات على الرفع من شروط التأهيل، إذا لم يتم مواكبة التنمية المحلية ودعمها بشكل جدي، وبمنهجية تشاركية تجعل من زراعة القنب الهندي مدخلا للتنمية بالمنطقة،وبشكل يسمح بإحداث أقطاب صناعية وبنيات اقتصادية جديدة. واستحضار التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال؟… وهو ما سيحفز على التنمية الشاملة للمنطقة، وسيشكل قطيعة مع الماضي.
فماذا أعددنا، اليوم قبل الغد، من تكوين وتأهيل للمزارعين في المناطق المعنية؟ وماذا أعددنا على المستوى الاجتماعي لضمان الحد الأدنى من العيش الكريم للمزارعين الصغار، وإكسابهم نوعا من الحرية والاطمئنان، بدل حالة الخوف المستمر وعدم الاطمئنان الذي ظلوا يعيشون تحت وطأته جراء تجريم زراعة القنب الهندي؟
وهنا لا بد من التنويه بفتح المجال للمزارعين للانخراط في التعاونيات الفلاحية، مع الإلحاح على ضرورة مرافقتها وحسن تأهيلها حتى تشق طريقها في مسار التحديث والعصرنة في المجالات المرتبطة بالزراعة والإنتاج والتصنيع والنقل واللوجيستيك وفي مجالات الانفتاح على الخارج من تسويق وتصدير واستيراد للقنب الهندي ومنتجاته.
كما أن المصالحة مع الذات تقتضي التركيز بالأساس على المناطق التاريخية لزراعة هذه النبتة، واعتماد التمييز التنموي الإيجابي في حقها، وتقتضي كذلك الشجاعة لطرح الإشكاليات الدقيقة والمؤرقة، كمشاكل الوعاء العقاري للمزارعين، والمنازعات مع إدارة المياه والغابات والتحفيظ الجماعي للأملاك القروية، وطي ملف المتابعات القضائية، وفتح صفحة جديدة مبنية على الثقة المتبادلة، مع الانتباه بشكل عام لوضع المناطق الجبلية ببلادنا (سلاسل الأطلس وسلسلة الريف) وتثمينها والاستثمار الجيد والمنتج لمواردها الطبيعية وفك العزلة عنها وإلحاقها بركب التنمية دون تلكؤ أو تهرب أو التماس أعذار.

السيد الرئيس،
السيدان الوزيران،
السيدات والسادة المستشارون،
إن العديد من التدابير والإجراءات رهينة بجودة النصوص التنظيمية والمراسيم المنتظرة واللآحقة. فتحديد مجالات إنتاج القنب الهندي التابعة لنفوذ الأقاليم من جهتها ستحدد بمرسوم (المادة 4)، كما أن تحديد النسبة من مادة رباعي كانابينول (THC) المخدرة ستحدد بنص تنظيمي (المادة 6)، وتحديد وتقنين نوعية البذور والشتائل المعتمدة من لدن الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي سيحدد كذلك بنص تنظيمي (المادة 8)، وتحديد كيفيات منح الرخص (مادة 3) سيحدد بنص تنظيمي (المادة 25)، إلى غير ذلك…
وكل هذه النصوص المنتظرة (8 نصوص تقريبا) تجعل المشروع إطارا عاما، ينقصه التدقيق في جوانب عديدة… مما يجعله نصا موغلا في العموميات، ويحتاج إلى تفصيل وتدقيق أشمل باعتماد نصوص تنظيمية ومراسيم مصاحبة جيدة، وفي مستوى طمأنة الرأي العام حول غايات المشرع.
فضرورة فتح نقاش مجتمعي موسع ومسؤول حول موضوع “الكيف”، وما بعد تبني مشروع قانون رقم 13.21 يشارك فيه مختلف الأطراف، والفاعلون المعنيون إقليمياً، وجهوياً، ووطنياً، ما زالت قائمة.
وفي هذا طموح مشروع في أفق اعتماد حلول واقعية، واتخاذ تدابير اقتصادية ناجعة، وإجراءات اجتماعية بديلة، وواقعية، من شأنها وضع حد لمعاناة الفلاحين، الذين وجدوا أنفسهم، تاريخياً، يعيشون من زراعة القنب الهندي، وفي حالة سراح مؤقت جراء معاناتهم النفسية والاجتماعية من المتابعة والملاحقة والتضييق.

السيد الرئيس،
إننا في حزب التقدم والاشتراكية، بقدر ما نعتبر التعبير عن التخوفات المتعلقة ببلورة النص المذكور على أرض الواقع ظاهرة صحية، نجدد تأكيدنا على أهمية طرح مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي للنقاش، ونعتبر هذه الخطوة إيجابية ومقدامة، من شأنها إخراج هذا الموضوع من عتمة التردد إلى فضاء النقاش العام المفتوح، منبهين في ذات الوقت إلى ضرورة مُراعاة كافة أبعاد هذا الموضوع الحساس، ووجوب الإنصاتِ لمختلف الآراء المُعبر عنها بخصوصه من طرف الأوساط السياسية والمدنية والأكاديمية على حد سواء، رغم محدودية التعاطي الإيجابي مع التعديلات “البـنـاءة المقدمة من طرف البرلمانيين”، ومن ضمنها تعديلات حزب التقدم والاشتراكية.
كما ندرك في ذات الوقت، أهمية الفرص الاجتماعية الاقتصادية والتنموية التي يمكن أن يتيحها تقنين الاستعمال المشروع للقنب الهندي، إذا ما أحسنا الإنصات لنبض المجتمع المحلي بهذا الخصوص، والإشراك الواسع والبناء لمختلف الهيئات ومكونات المجتمع المدني والباحثين والمهتمين بالمجال.
وهو ما يستدعي، من منظورنا إحاطة الموضوع بكافة الضمانات القانونية والعملية التي تكفل عدم الانحراف عن الغايات الإيجابية من مشروع القانون 13.21، مع ما يقتضيه ذلك من حرص شديد على التصدي لأباطرة المخدرات، ومحاربة زراعتها أو الاتجار فيها بشكل غير مشروع، ومواكبة عشرات الآلاف من المــزارعين المعنيين، والنهوض الفعلي بأوضاعهم الاجتماعية وحمايتهم من الاستغلال، وضبط تنظيمهم في إطار تعاونيات تتمتع بالاستقلالية الحقيقية، وتوفير شروط التسويق النافع لمنتوجهم، وإلغاء المتابَــعات القضائية المرتبطة بزراعة القنب الهندي في حقهم، وتمكينهم من فرص شغل ضامنة للكرامة.
وهو ما يقتضي بالدرجة الأولى، حرص الدولة على ضبط الأنشطة ومختلف مراحل سلاسل الإنتاج وتعزيز آليات المراقبة والمتابعة والتقييم والتقويم.

السيد الرئيس،
السيدان الوزيران،
السيدات والسادة المستشارون،
إننا في حزب التقدم والاشتراكية مهتمون كذلك بالإدماج الفعلي والقوي للبعد البيئي في معالجة الموضوع، بالنظر إلى “الاستنزاف الخطير” الذي تعرضت له الموارد الطبيعية في المناطق زراعة القنب الهندي. كما نؤكد على ضرورة ضمان شروط الحكامة الجيدة لهذه المقاربة، والتدبير الأمثل لمختلف مراحل تنفيذها.
ونتمنى أن يتم إدراج البعد البيئي وجعله من العناصر الأساسية لاستدامة منظومة الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي ومنتجاته ككل، انطلاقا من الأنشطة المتعلقة بالزراعة والإنتاج والتصنيع إلى أنشطة النقل والتسويق والتصدير والاستيراد.

السيد الرئيس،
السيدان الوزيران،
السيدات والسادة المستشارون،
يبدو أن فكرة تقنين الكيف الصناعي قد نضجت الآن وحان قطافها. ويتم الحديث اليوم عن نبتة جديدة وعن بذور جديدة مستوردة من الخارج،  فما هو مصير البذور التقليدية والنبتة التقليدية أو “البلدية” أو نبتة “الكيف” وعن استعمالاتها التقليدية؟
وهنا لا بد من التذكير بضرورة إحداث بنك للبذور المحلية حفاظا على الموروث البيئي للمنطقة، والتزاما بالمواثيق الدولية في هذا المجال، خصوصا وأن المغرب صادق على مجموعة من الاتفاقيات الدولية، من ضمنها: بروتوكول ناغويا بشأن الحصول وتقاسم المنافع، والتي تستند إلى اتفاقية التنوع البيولوجي وتدعم تنفيذها، وكذلك اتفاقية حماية التراث الثقافي والبيئي بجانب اتفاقية جنيف لسنة 1969 والتي تسمح بتغيير مجموعة من البنود في الاتفاقيات الدولية، ومن بينها اتفاقية 1961 الوحيدة حول المخدرات،  حيث تسمح بموجبها للساكنة المحلية باستعمال النبتة التقليدية. وهنا لابد من التأكيد على ضرورة الترافع من أجل إدراج الاستعمالات التقليدية للقنب الهندي، وتثمين نبتة “الكيف” الأصلية.
وعموما، يتعين إدراج عملية التقنين هاته في إطار مقاربة متناسقة ومتكاملة، من شأنها القضاء على الفقر والإقصاء والتهميش بالمجالات الترابية المعنية، من خلال سياسة عمومية تنموية جدية وواضحة المعالم، قوامها الإقلاع الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والإنصاف المجالي ومراعاة البعد الإيكولوجي.
ورغم العديد من الملاحظات والتخوفات، فتعزيزا منا لهذه اللحظة الديمقراطية المتميزة، التي ستساهم في كسر إحدى الطابوهات المعمرة ببلادنا لعقود مضت، سنصوت بالإيجاب على هذا النص.

Related posts

Top