عددهم لا يقل اليوم عن ثلاثة ملايين ونصف من المغاربة، وسيصيرون خلال سنة 2030 ربع ساكنة البلاد، إنهم المتقاعدون الذين قضوا سنوات عديدة في بناء المؤسسات وإنجاح مشاريعها في القطاعين العام والخاص، قبل أن يجدوا أنفسهم بعد سن 60 بدون مسؤوليات يومية في العمل، حيث يصبح المنزل والمسجد والساحات العامة للأحياء أكثر الأماكن استقطابا للقاءاتهم وتجمعاتهم.
فئة قليلة منهم من تتوفر على سيولة مادية تمكنها من إحداث بعض المشاريع الصغيرة، لملء الفراغ، وتوفير بعض الدريهمات للاستجابة للحاجيات اليومية، لاسيما وأن معاشات بعض المتقاعدين لا تتجاوز 500 درهما في الشهر، ستتقلص بعد الوفاة لتصير 250 درهما ستستعين بها الأرامل في تأمين أغراضهن المعيشية، واليوم هناك مطالب بجعل هذه المعاشات ثابتة حتى بعد الوفاة، نظرا للتكاليف المرتفعة للحياة المعيشية.
وضعية تطرق لها بالشرح والتفسير وزير التشغيل الأسبق والعضو الشرفي بفيدرالية الجمعيات الوطنية للمتقاعدين بالمغرب، عبد الواحد سهيل الذي عبر، في عرض حول “إشكالية التقاعد والمتقاعدين بالمغرب”، في افتتاح المؤتمر الوطني الثالث للفدرالية، عن أسفه للأوضاع المادية والمعنوية للمتقاعدين المغاربة، الذين “يمسون، مباشرة بعد تقاعدهم، مهمشين، من طرف المجتمع والدولة على حد سواء، هذه الأخيرة التي قامت مؤسساتها على أكتاف ومجهودات المتقاعدين الذين أفنوا عمرهم في عملهم وقدموا جهدهم الكامل من أجل تطوير البلد”.
وأضاف عبد الواحد سهيل، في مداخلته، بمناسبة انعقاد المؤتمر الثالث للفيدرالية، المنظم أول أمس الأربعاء، بالدار البيضاء، تحت شعار “من أجل تضامن وطني مع المتقاعد ومؤازرته في تحسين ظروفه ومأسسة تدبير شؤونه”، أن “المتقاعد يجب أن يرد له الاعتبار وأن يحترم، ويكرم، ويقدر، ويصبح قدوة للشباب والأجيال الصاعدة، كما أنه في حاجة ماسة إلى من يدافع عن مصالحه ووضعيته المادية والمعنوية، في المؤسسات التشريعية؛ مجلس النواب، ومجلس المستشارين، ثم المؤسسات الخدماتية، كصندوق الضمان الاجتماعي، والصندوق المغربي للتقاعد..”.
وحث سهيل كل الجمعيات المنضوية تحت لواء الفيدرالية، إلى “الاتحاد والتكتل من أجل المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية لكل المتقاعدين في مختلف القطاعات، لأنهم في حاجة إلى العيش بكرامة، عوض المعاناة من تردي أحوالهم مباشرة بعد إحالتهم على التقاعد”، موضحا أن المعيشة اليوم ارتفعت ويجب أن يواكب هذه الارتفاعات الصاروخية، إصلاح المنظومة الاقتصادية للمغرب، بتبني نموذج اقتصادي اجتماعي يأخذ بعين الاعتبار الفئات الأخرى من المجتمع.
وطالب المتحدث ذاته، “بعدم تسييس وضعية هذه الفئة الهشة من المجتمع التي لا تتعدى معاشات أغلبيتها في الوقت الراهن 3000 درهما، مما يتطلب فسح المجال لحوار اجتماعي بناء ولرؤية مستقبلية واضحة يتوخى من ورائها العناية بالوضعية المادية والمعنوية للمتقاعدين وإشراكهم في مسلسل التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي”.
ونوه عبد الواحد سهيل، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، بالأدوار التي تقوم بها الفيدرالية في الدفاع عن المتقاعدين، وإسماع صوتهم للمسؤولين بمختلف المؤسسات العامة والخاصة، “المسؤولة عن بعض الملفات الاجتماعية لهذه الفئة، التي في حاجة إلى من يفكر فيها ويسمع صوتها”، مناديا بتمثيلية خاصة بها في البرلمان كباقي كل الأطراف الأخرى التي لها مقعد في مجلس المستشارين.
وانتقد عبد الواحد سهيل، “عدم تجديد القوانين التي يتم التعامل بها مع وضعية المتقاعدين، التي تعود إلى سنة 1960، خصوصا في طريقة احتساب المعاشات”، والسبب في نظره هو “غياب المسؤولية والشجاعة والبرودة في التعامل مع ملف المتقاعدين الذين يعانون في صمت وفي حاجة إلى من ينصفهم”.
وطالبت فيدرالية الجمعيات الوطنية للمتقاعدين بالمغرب، في شخص رئيسها، العربي العزاوي، بضرورة مأسسة تدبير شؤون المتقاعدين، وإيجاد الآليات الكفيلة بتحسين وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية والحفاظ على كرامتهم.
وشدد العزاوي، في كلمته بالمؤتمر الثالث للفدرالية، على أهمية إحداث مؤسسة عمومية تنفرد بمسؤولية ولاية وإدارة شؤون المتقاعدين وذلك على شاكلة كتابة للدولة أو مندوبية سامية أو غيرهما، موضحا أنه “في انتظار بلوغ هذا المبتغى، فالفيدرالية ترسم من ضمن أولوياتها تخفيض العبء الضريبي على المتقاعد وذلك برفع العتبة غير الخاضعة للضريبة من 30 ألف درهم المطبقة في الوقت الراهن إلى 50 ألف درهم، مع الرفع من نسبة الخصم الضريبي المعمول بها حاليا من 40 في المائة إلى 55 في المائة في أفق تحقيق الإعفاء الضريبي بشكل نهائي”.
ودعا رئيس فيدرالية المتقاعدين المغاربة “إلى رفع الحد الأدنى من المعاشات بشكل تدريجي في أفق التساوي مع الحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى تمكين الأرامل من نفس قيمة المعاش التي كان يستفيد منها المتقاعد الزوج قيد حياته عوض الـ 50 في المائة حاليا”.
وطالب العربي العزاوي، في هذا السياق، بإعادة تقييم المعاشات وتوافقها مع الغلاء المعيشي والتضخم الاقتصادي”، مجددا التأكيد على ضرورة تفعيل تمثيلية الفيدرالية على مستوى مختلف أجهزة صناديق التقاعد، وكذا على مستوى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى جانب منحها صفة المنفعة العامة.
وعرف المؤتمر استعراض مجموعة من الإنجازات التي تحققت بفضل الاستراتيجية التي تعتمدها الفيدرالية، رغبة منها في أن تكون الناطق الرسمي والمخاطب الوحيد في معالجة مختلف القضايا ذات الصلة بشريحة المتقاعدين، وذلك حفاظا على مكتسباتهم المادية وغيرها من المكاسب والامتيازات الاجتماعية.
جدير بالذكر، أن الفيدرالية تعود نشأتها لسنة 2005 وتضم حاليا نحو 150 ألف متقاعد من المنضوين تحت لواء 36 من جمعياتها الممثلة بمختلف القطاعات العمومية وشبه العمومية والخاصة، ومعظم أطرها ممن مارسوا في قطاع الفوسفاط والسكك الحديدية والتعليم والنقل الجوي والتبغ والسكر والبنوك والماء والكهرباء والفلاحة والمالية والصحافة والإعلام.
> يوسف الخيدر