عزف وجعي المقدس

ها أنا من جديد أسرق هدوء الليل، يطاردني فحيح تعبي ينشر راحتيه إذا اختلى بي، فيورق الوهم  دون علمي، أستحضرك لأستعيدك من غربة روحك  علك تسكن روحي بسلام .
استفقت من شرودي، على عتبات أقسى اللحظات، وأكثرها بخلا شراسة، رفعت فوق كفي الصباح ما لا أعلم،  ليتهاوى ذاك القدر  متعبا مثقلا بهواجسه، يرمقني بنصف نظرة، ودخان سيجارته يتطاير بهدوء هنا وهناك فيقبل سهوا خصلاتي الذهبية، تراءى حائرا لوهلة ولم يفك أسر لسانه، ولم ينبثق منه حتى لغة عشوائية  تفي برغبتي في اقتحام عالمه واحتضان صمته، تبثت نفسي فوق مقعدي، وسرب من الأفكار يتناسل بداخلي، لأتحسس حيرته بعيون شاردة ، وهو يرتشف قهوته مع كثير من القلق، أسافر مع السراب وألون صور الأحلام في ذاكرتي، علني أغير دفة أفكاري وصوت القلب يهمس على استحياء «ارحلي»  حتى لا يراك ويخدش ملامح السكون .
 تبا لتوترك، ما كل هذه الهواجس، لا أستطيع تحرير نفسي بمجرد تمتمات عابرة….
تتوالى الصور على مخيلتي فتجمعني وإياه في الزوايا المهجورة، أصب الصمت على الجرح فينزف ذاك الحلم، الذي كان مؤقتا فأضحى قتيلا بيننا وأمل مقعد مدى الحياة يتجول بذاتي،  لأوهم نفسي أني تحررت من قيامته، أنحني، أعفر خدي على صدر الورق، عساني أتطهر من ذنوب الغياب .
   وفي ذاك الركن المنزو، يراقبني وقد ترك قبلة طليقة تجوب أرجاء المكان، ضجت الشموع حول وجهه، وعبق سيجارته عانق عطري الفرنسي،  فتخيلت لوهلة أن طيفه يأنس حيرتي.. 
لا شيء،  إنه الحلم يا سادة!!
الذي أتى به بعد نيف و أأه  من العشق المتربص لأضلعي، لأشهد نفسي بقوة أنه وحده قدري وعزف وجعي المقدس .
عادة لا أهرب، لكن علي أن أخط أشعار رغبتي، ففكرة الاقتراب من الشمس والسماء تدفعني أكثر إلى الهروب نحو طريق أصعب، لكن ذات صهيل من شفاه الشوق، ارتج القلب بنا دون صراخ، وزمهرير الغربة بداخلنا جعل كل حرف أحمله ينثر على مدراج الحلم بصوت لا يجيد الاختباء خلف رجفة همسي .
 يستلذ الشوق ارتعاشا، ليرشدني في سفري إلى ثرى أحلامي، أستقر طويلا مكاني بين هروبي وضياعي، أتوضأ بدموعي أعبرني إلى دهاليز الوقت ، وما عاد شيء يشبهني سوى ملامحي على حبات المطر ..
رمقني بنظرة خاطفة، كمن ألقى على درب الفرار ذنوبه، ثم ارتداها عائدا، فيقول حبيبتي كوني، كي تكون وفي الحلم تسبقه، ويحي لا داعي لكل هذه الثرثرة، فأنا مجرد نسخة لقديسة عشقه، ولدت من ثغر البكاء لتجعل من شوقها الدفين مهنة كل مساء ..
أحكي له عن شآبيب القدر وكيف ألهتني، أتعرى تحت وابله، فأتهادى حرفا طازجا تائها، ينعي المسافات ويتدفق على ركح أوراقي لحنا ميتا، يدس شقاوته  بين ضلوعي، كلما أفرغ الليل جيوبه المنسية، فما عدت أرى أطياف الصباح تغرد باسمي  وتهمس باسمه، فقط أريد التطهر من لعنة الغياب ، لأقرر إدراجه ضمن قائمة «المهملات»، لم يكن سوى اسما باليا وخرافة قديمة ذكرها التاريخ، وتبعها حدسي، وصدقتها عقيدتي، فليتني كنت أعلم أنه بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، كي لا أختزل وجوده في طقس شعائري،  فأحترق  بنار شوقي.. هذا قدري وانتهى ..

بقلم: هند بومديان

الوسوم , ,

Related posts

Top