مع ارتفاع حدة انتشار فيروس كورونا، ضاق القطاع العام ذرعا بعدد الحالات المتوافدة على المستشفيات العمومية، التي أضحت مكتظة وتعيش على وقع أزمة كبيرة في تقديم الخدمات الصحية.
أزمة الاكتظاظ التي تعرفها المستشفيات العمومية قبل سنوات، استفحلت بشكل أكبر وواسع مع ظهور وباء كورونا، حيث أصبح هم وزارة الصحة هو محاربة الفيروس وتقديم العلاجات للمرضى، خصوصا الموجودين في حالات الخطر، إلا أن انتشار الوباء قلص عدد الأسرة الموجودة، كما أن تفشي الوباء أدى إلى الزحف على الخدمات الطبية المقدمة للمرضى الحاملين لأمراض مزمنة أخرى.
ولخلق التوازن والتخفيف من حدة الاكتظاظ بالمستفشيات العمومية كانت وزارة الصحة قد لجأت في غشت الماضي إلى برتوكول “العلاج المنزلي”، لكن مع الارتفاع الكبير في عدد الوفيات وعدد الحالات الخطيرة التي تحتاج إلى التنفس الاصطناعي، قررت الوزارة نهاية غشت الترخيص لعدد من المصحات الخاصة لاستقبال مرضى كوفيد.
هذا الاختيار الذي اسبتشر به المواطنون خيرا، خصوصا أولئك الذين يعانون مضاعفات جراء إصابتهم بالوباء ولم يجدوا سريرا بالمستشفى العام، انقلب إلى شر يؤذيهم ويؤذي عائلاتهم بسبب ارتفاع التكاليف وانتشار سلوكات لا أخلاقية ببعض المصحات الخاصة التي تعتبر نفسها خارج القانون.
ويشتكي المئات من المغاربة من جشع هذه المصحات، التي كانت في البداية تعلن انخراطها بدون قيد أو شرط في مواجهة الوباء، قبل أن تنخرط، في مواجهة جيوب المغاربة عبر تكاليف باهظة تتراوح بين 50 ألف درهم وأزيد من 150 ألف، لاسيما بمدينة الدارالبيضاء التي تعرف انفجارا في الوضع الوبائي.
“بيان اليوم” تفتح ملف “المصحات الخاصة” وتبحث في التهم الموجهة إليها بالجشع، حيث تقدم في هذا الملف شهادات لمواطنات ومواطنين اكتووا بنار غلاء الأسعار، بعضهم فقد أحباءه بسبب الفيروس، لكنه لم يسلم هو الآخر من فيروس “التكاليف الباهظة”، الذي ينتشر في أوساط عدد من المصحات الخاصة ويضرب جيوب عائلات المرضى.
كما يقدم الملف حوارات مع مختصين حول هذا الارتفاع وأسبابه، وهل يمثل جل المصحات الخاصة أم بعضها، وكذا المسؤول عن ما آلت إليه الأوضاع الصحية.
في حوار مع عبد الحفيظ ولعلو*
هناك “تجاوزات” ببعض المصحات وكل من تعرض لها عليه أن يتوجه للقضاء أو المؤسسات الرقابية المعنية
قال عبد الحفيظ ولعلو الصيدلي المختص في العلوم البيولوجية والوبائية خريج معهد باستور بباريس إن الأزمة التي اندلعت بين المصحات الخاصة من جهة والمواطنات والمواطنين من جهة تحتاج إلى تدخل من قبل وزارة الصحة.
وأوضح ولعلو أن بعض المصحات قامت بتجاوزات وضاعت سعر العلاجات في غياب تام للمراقبة، داعيا الوزارة إلى الاضطلاع بدورها الرقابي عبر مصالحها، وأساسا المفتشية العامة التابعة للوزارة، قصد رصد الخروقات والضرب بيد على يد من حديد على مقترفيها لإعادة الثقة للمواطن والمريض في المستشفى العمومي وأيضا في المصحة الخاصة.
وسجل رئيس جمعية المبادرة المغربية للوقاية والتغطية الصحية، في حواره مع بيان اليوم، أن تجاوز هذه الأزمة رهين يتكثيف المراقبة، ورهين بإيجاد حلول جذرية للمستقبل وأولها تعميم التغطية الصحية كما دعا إلى ذلك جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش وخطاب افتتاح السنة التشريعية الأخيرة، إذ أكد ولعلو الذي كان عضوا سابقا في اللجنة الوطنية للتغطية الصحية بين 1992 – 1996، أن تعميم التغطية الصحية يساهم في منع كثير من التجاوزات، في مقدمتها “شيك الضمان” غير القانوني، كما سيضمن التطبيب لمختلف الفئات المجتمعية، مسجلا في ذات الحوار أن أزيد من 60 بالمئة من المغاربة اليوم بدون تغطية صحية.. فيما يلي نص الحوار:
< اليوم، نعيش أزمة كبيرة على المستوى الصحي، خصوصا في ظل تفشي “كوفيد – 19″، هذه الأزمة تفاقمت بالقطاع العام الشيء الذي جعل وزارة الصحة ترخص للمصحات الخاصة لتقديم العلاجات لمرضى كوفيد، كيف ترى هذه الخطوة؟
> نظرا للضغط الكبير الذي عرفه القطاع العام، ولمواجهة هذه الجائحة ومواجهة العدد الكبير والخصاص الحاصل بمستشفيات القطاع للتكفل بمرضى كوفيد في مصالح الإنعاش والمستعجلات والتنفس الاصطناعي، تأكد للوزارة وبعد شهور من ظهور الوباء أن القطاع العام لوحده لا يستطيع مواجهة الفيروس، وبناء على ذلك، تم اللجوء للقطاع الخاص (أطباء القطاع الخاص، الصيادلة، المختبرات الطبية، المصحات)، كما أن القطاع الخاص دوره كان يريد منذ البداية المساهمة في التعبئة لمواجهة الوباء وتقديم العلاجات، وبالتالي يمكن القول إنه كانت هناك رغبة مشتركة من قبل القطاع العام والخاص بمباركة من الوزارة الوصية لمواجهة هذه الجائحة، وفعلا انتقلنا من 20 مختبر بالقطاع العام إلى 30 مختبرا بالقطاع الخاص إضافية، وهو ما مكننا من رفع عدد الفحوصات اليومية، وذلك في إطار احترام المرجعيات التي حددتها الوزارة على مستوى دفتر التحملات، منها على سبيل المثال 300 درهم كسعر مرجعي للفحوصات PCR بمختبرات القطاع الخاص، كما أن المصحات الخاصة تمكنت من توفير أسرة طبية إضافية، لاسيما بأقسام الإنعاش، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المصحات الخاصة توفر 23 ألف سرير على الصعيد الوطني، فيما القطاع العام لا يتوفر سوى على 10 آلاف سرير.
< هل تعتقدون أن اللجوء لعلاج مرضى كوفيد بالمصحات الخاصة سيكون ناجعا؟ أم أنه سيشكل تراجعا في مواجهة الوباء؟
> القطاع الخاص يلعب دورا مهما ومكملا إلى جانب القطاع العام وأيضا إلى جانب هيئات الضمان الصحي، سواء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي – Cnops، وهو ما جعل وزارة الصحة كما ذكرنا سابقا تلتجئ إليه قبل أسابيع أو شهور قليلة، لكن الأمر تم وفق شروط خاصة، وأساسا بالنسبة للمصحات الخاصة، لاسيما فيما يتعلق بشروط تقديم الخدمات الصحية لمرضى كوفيد والتي يجب أن تبقى معزولة عن باقي الخدمات الصحية الأخرى.
المشكل المطروح اليوم، في اللجوء للقطاع الخاص، يكمن حول التكلفة اليومية للتكفل بهؤلاء المرضى، وهو ما يطرح أسئلة كثيرة حول الإعلان عن تعريفة العلاجات والتي يجب أن تكون واضحة للعموم في مراكز الاستقبال كما ينص على ذلك القانون، كما أن هذا الأخير يمنع بشكل قاطع أن تتسلم المصحات ما يسمى بـ “شيك الضمان”.
< بعض المصحات تطلب الملايين مقابل الخدمات الصحية لمرضى كوفيد، الشيء الذي أغضب مئات وآلاف الأسر، خصوصا في ظل غياب المراقبة، من المسؤول عن هذا الوضع بنظركم؟
> من المسؤول عن هذه الوضعية، يمكننا القول إن وزارة الصحة ومن خلال مجموعة من الآليات تتحمل المسؤولية، من خلال الوكالة الوطنية للتغطية الصحية التابعة لها، والتي تشرف على وضع اتفاقيات بين القطاع العام (الوزارة) وباقي الهيئات الطبية والصيدلانية الخاصة، والتي يعهد كذلك بالقيام بعملية المراقبة إلى جانب المفتشية العامة لوزارة الصحة، في هذا الإطار وفيما يخص الوكالة، تمت مراجعة التعريفة الوطنية المرجعية TNR التي تضبط التكلفة المالية للعلاجات، سواء خلال التكفل بالمرضى في المصحات أو المستعجلات، أو الإنعاش، وبالضبط في 13 يناير الماضي، بين الوكالة الوطنية للتغطية الصحية والهيئات الطبية، ومنها الهيئة التي تمثل المصحات الخاصة بالإضافة إلى هيئات التأمين الصحي، وذلك تحت إشراف الوزارة، وتم توقيع هذه الاتفاقية قبل انتشار وباء كورونا بالمغرب، حيث كان من المفترض وحسب ما هو معروف أن تتراجع هذه التعريفة، كما هو الحال بالنسبة لسنة 2006 والتي بدورها جرى فيها توقيع اتفاقية في هذا الصدد، ثم سنة 2009، لكن مع الأسف ومنذ 2009 لم تتم عملية المراجعة إلى حدود بداية السنة الجارية.
عملية مراجعة التعريفة تشمل المصحات الخاصة وأطباء القطاع العام والخاص في جميع التخصصات، مع الالتزام باحترام هذه التعريفة الوطنية، والتي يتجلى الهدف منها في تخفيف العبء عن المريض والمؤمن وتقليل تكلفة الخدمات الصحية التي يتحملها، لأنه وحسب الإحصائيات فالمؤمن يتحمل 56 بالمئة من النفقات الصحية، ويمكن القول إن الأسر بصفة عامة تدفع الملايير، وتبقى التعريفة منذ 2006 لا ترقى إلى الانتظارات..
بالرغم من وجود اتفاقيات، إلا أن هناك عشرات التجاوزات جرى تسجيلها، كيف تعلقون على ذلك؟
للتذكير فوزير الصحة وبنفسه، سبق أن دعا في نونبر 2019 إلى التبليغ عن التجاوزات التي يتعرض لها المواطنون أو يلاحظونها في المصحات الخاصة، وأساسا المتعلق بطلب تقديم “شيك ضمان” وتوجيهها عن طريق المفتشية العامة لوزارة الصحة، التي يناط بها دور الرقابة، حيث وفي هذا الإطار، سبق لهذه المفتشية أن راقبت 62 مصحة خاصة و21 عيادة طبية خاصة سنة 2019، وبناء على هذه العملية أصدرت قرارا بإغلاق مصحتين وقرار بإغلاق جزئي لمصحتين أخريتين، إذ أن عملية المراقبة تتم وفق إمكانيتها ووفق ما تصرح به، كما أن القانون 131.13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب يلزم الأطباء بإعلان أسعار الخدمات والعلاجات، كما يلزم المصحات الخاصة بعدم فوترة الأدوية المرجعة للمرضى، والالتزام بالسعر المعمول به في المستشفيات العمومية، والذي يكون بثمن أقل بكثير من الصيدليات، كما أن نفس القانون ينص بالإعلان بشكل واضح عن كل المعلومات المتعلقة بخدمات المصحات الخاصة، وإذا كانت هناك أي شكايات في هذا الصدد، يجب أن توجه إلى المفتشية العامة لوزارة الصحة أو الوكالة الوطنية للتغطية الصحية، فضلا عن هيئات التأمين الصحي الأساسي، ويمكن أيضا اللجوء للقضاء في حالة تعلق الأمر بطلب “شيك الضمان” وأيضا ما يسمى بـ “النوار” والذي يرقى لدرجة الرشوة..
< لكن بالرغم من هذه الهيئات، إلا أن العديد من المصحات لا تراعي ذلك وتطلب “الملايين” مقابل الخدمات الصحية لمرضى كوفيد؟
> دفتر التحملات واضح في هذا الشأن والمطلوب اليوم هو أن تتحلى المصحات الخاصة بالمواطنة وأن تحترم القوانين، فبالرغم من توقيع اتفاقية المراجعة يناير 2020، ما زلنا مع كل أسف نسجل خروقات كثيرة من قبل عدد من المصحات، دون نسقط في التعميم، لأن هناك مصحات مواطنة التي أظهرت حسن نية كبير خلال الجائحة وتعاملت بمهنية والتي لا يمكننا إلا التنويه بها، لذا فجميع التجاوزات التي تتم يجب أن يتم وضعها في إطارها القانوني والتعامل معها بحزم أكبر.
< ألا ترون أن الترخيص للمصحات الخاصة أحدث أزمة، لاسيما مع ارتفاع التكلفة في ظل غياب الأسرة بالمستشفيات العمومية ؟
> المقاربة بين القطاع الخاص والعام، هي مقاربة يجب تشجيعها، فالكل ينادي بشراكة قوية بين القطاعين معا، في إطار دفتر التحملات وما يؤطره القانون، وذلك خدمة لمصلحة المواطنات والمواطنين، وضمان التطبيب للجميع.
مع الأسف هذه التجاوزات موجودة ومستمرة، خصوصا طلب شيك الضمان، ويجب على كل من تعرض لها أن يتوجه للقضاء أو المؤسسات المعنية، لكن لنكن صريحين أيضا، المصحة هي مقاولة خاصة واستثمار وتوازن مالي، موارد بشرية، إكراهات مالية، لها هدف ربحي، لكن بالمقابل يجب أن تكون هناك اتفاقيات وهذا هو الجوهر، اتفاقيات تحدد التعريفة بشكل دقيق، وفي إطار احترام القانون، كما أن الفاتورة التي تعطى للمريض يجب أن تكون مفصلة، التطبيب، الكشف بالأشعة، الفحوصات الطبية، تكلفة الأدوية ووصفاتها وأسعارها، وأساسا استرجاع هذه النفقات بالنسبة للمؤمن لهم، وذلك قصد التعاون مع المريض للتوجه نحو المصحات والاستعانة بدعم مؤسسات الضمان الاجتماعي.
< وكيف يمكن ضبط هذه التجاوزات من قبل المواطنين ووزارة الصحة صامتة ولم تقدم أي توضيحات كما أن مصالحها غائبة في ظل ارتفاع وتيرة الغضب؟
> يجب تكثيف المراقبة، لأن هذا القطاع مختلف، فمصالح الإنعاش ليست عادية في المصحات الخاصة، كما أن تكلفتها جد مرتفعة )يصل إلى 10 آلاف درهم عن كل يوم(، لذا وجب على الوزارة التدخل وتحديد السعر اليومي، خصوصا وأن هذه العملية كما سبق وأن قلنا مكلفة وتتم على مدار 24 ساعة، فضلا عن التجهيزات الطبية والأدوية، أيضا قطاع المستعجلات هو الآخر مكلف بالنسبة للمصحة والمريض، لهذا نسمع عن 50 و60 ألف درهم وأثمنة أخرى باهضة، لكن السؤال المطروح هنا، إذا كانت هذه التكلفة هي مرتفعة حتى بالنسبة للأشخاص المنخرطين في هيئات الضمان الاجتماعي، فماذا بالنسبة للعائلات التي ليس لها تغطية صحية، وتلجأ إلى التضامن الأسري أو الأداء نقدا وهي أمور موجودة بكثرة، كيف سيواجه هؤلاء النفقات المرتفعة للتطبيب في القطاع الخاص.
في هذا الجانب، كيف يمكن بنظركم معالجة هذا الوضع؟
هنا نقف على التوجه الملكي السامي حول التغطية الصحية الشاملة التي نادى بها صاحب الجلالة في خطاباته السابقة، حيث أعطى أوامره السامية للحكومة من أجل تعميم برنامج الحماية الاجتماعية في أفق 2022.
إذا نجحنا في هذا الورش سنحد بشكل كبير من هذه التجاوزات، خصوصا بعض التجاوزات القانونية كطلب “شيك الضمان”، وستكون العلاقة بين المواطن أو المريض والمصحات الخاصة مؤمنة بواسطة هيئات الضمان، حيث سيصبح من حقه أن يحضى بالتكفل الصحي.
إلى جانب ذلك، الرقمنة أصبحت ضرورية من أجل إنجاح هذا الورش، فالمصحة ستكون على علم مسبق بوضعية المريض، هذا الأخير سيتوفر على دفتر صحي، يتضمن الأدوية التي يتابعها المريض أو التحليلات الطبية، وغيرها.. مما سيسهل عملية المراقبة الطبية على الهيئات المختصة في العلاج.
< تنزيل هذا الورش الملكي يحتاج إلى إصلاح قطاع الصحة، ما رأيكم في ذلك؟
> فعلا، نحتاج إلى إصلاح جذري للمنظومة الصحية، وهو المدخل الوحيد والحل الشامل والكامل لوقف عدد من التجاوزات وحتى الإكراهات التي يعرفها القطاعين العام والخاص معا، هذا الإصلاح يجب أن يتم بشكل جذري بدون ترقيع الذي يهدر الوقت، فكم من إستراتيجية، وكم من خطة سنتها وزارة الصحة على مدى السنوات والعقود الماضية لكن كثير من الإكراهات ما تزال قائمة.
نحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وسياسة حكومية قوية لإصلاح المنظومة الصحية وتأهيل المستشفى العمومي، وأيضا القطاع الخاص في إطار الوضوح والشفافية، ويكون المواطن مؤمن له ويلج المستشفيات والمصحات بكرامة وفي ظروف أفضل، وهو ما نتمنى تحقيقه لتفادي العديد من الاختلالات التي تنخر المنظومة الصحية الوطنية.
< بالحديث عن التغطية الصحية، كم تبلغ اليوم في المغرب النفقات الصحية التي تؤديها الأسر؟
52 إلى 56 بالمئة من النفقات الصحية الأساسية على حساب الأسر وهذا أمر غير معقول، كما أن التعويضات عن النفقات هي تعويضات غير كافية، وفي بعض الحالات يؤدي المواطن من جيبه 60 إلى 70 بالمئة من هذه النفقات، في حين منظمة الصحية العالمية تقول إن التكلفة لا يجب أن تتعدى 20 – 25 بالمئة من جيوب العائلات، وهذا يعكس فشل ذريع للقطاع الصحي.. وبالرغم من المجهودات وبعض الإصلاحات التي نعترف بها طبعا ولا نتجاوزها، لكن يجب أن ننبه إلى الاختلالات، لذا ارتأينا في الأسابيع القليلة الماضية أن نؤسس إطارا للترافع عن إصلاح هذه المنظومة الحيوية وهي “جمعية المبادرة المغربية للوقاية والتغطية الصحية” والتي كان لي شرف ترأسها، وهذه المبادرة لها أهمية وراهنية كبرى.
< ما الهدف من هذا الإطار الجديد الذي أسستموه ؟
> الهدف من هذه المبادرة هو مواكبة قرار تفعيل التغطية الصحية التي نادى بها جلالة الملكـ، أيضا المبادرة ركزت على الوقاية، بالنظر لكونها جد مهمة وهي الإستراتيجية التي يجب أن نشتغل عليها ونعطيها الأولوية عوض التركيز على العلاج فقط، فأكثر من 50 بالمئة من الأمراض يمكن تجاوزها بالوقاية بما في ذلك أمراض القلب والشرايين، السكري، وعدد من الأمراض المزمنة التي يمكن التقليل بها بنسبة كبيرة جدا عبر الوقاية، ولعل هذا ما أكدته جائحة كورونا، التي يواجهها العالم بالوقاية فقط في ظل غياب اللقاح أو أدوية للقضاء عليها. إذن فالوقاية والتغطية الصحية من شأنها أن تحفظ كرامة المواطنات والمواطنين وأن تضمن لهم التطبيب ولولوج للعلاجات بالنسبة للجميع.
المبادرة نريد لها أن تكون فضاء للحوار بين مكونات المجتمع المدني والعاملين في قطاع الصحة، وكذا المنتخبين لإعادة النظر في القوانين والتشريعات، وإخراج القوانين التي ما تزال عالقة في رفوف مجلس المستشارين، كما هو الأمر بالنسبة لمنظومة التعاضديات التي ما تزال راقدة في الغرفة الثانية بدون مصادقة، ونفس الأمر بالنسبة للتغطية الصحية للتجار وأصحاب المهن الحرة الذين يفوق عددهم أزيد من 14 مليون، والتي يجب اليوم إخراجها، خصوصا بعد دعوة جلالة الملك لإنجاح ورش الحماية الاجتماعية في أفق 2020.
< هل ترون أن النموذج الحالي للحماية الاجتماعية ضعيف؟ وكيف يمكن إنجاح ورش التغطية الصحية في غضون 2022؟
> 93 بالمئة من النفقات الصحية التي تدخل في إطار التغطية الصحية الأساسية تذهب للقطاع الخاص من مصحات، صيدليات، مختبرات، أطباء القطاع الحر.. ، في حين لا يستفيد القطاع العام سوى من حوالي 6 بالمئة، وهو ما يعني أن التعويضات التي تصدرها هيئات التأمينات يستفيد منها القطاع الخاص بأزيد من 9 مليار درهم، فيما القليل للقطاع العام، وهذا أمر غير مقبول.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فشل منظومة “راميد” منذ 2015، نظرا لأن هذا البرنامج لم يعرف حكامة جيدة أو تمويل بصفة دورية، كما أن الأرقام، تظهر بأنه من غير المعقول أن نبقى في هذا الوضع.
يجب أن يتعبأ الجميع لإنجاح ورش التغطية الصحية، فاليوم لدينا أزيد من 60 بالمئة من المغاربة محرومون من التغطية الصحية، وهي النسبة الأدنى بين عدد كبير من الدول، التي تراعي لهذه المسألة بشكل أساسي، وكوفيد أظهر بجلاء أن القطاع الصحي أساسي ويجب أن يتم التفكير فيه وأن يتم إصلاحه بشكل جذري بعيدا عن سياسة الترقيعات، التي يجب القطع معها والقطع مع الماضي وإعطاء الأمل لإعادة الثقة للمستشفى العمومي.
* صيدلي مختص في العلوم البيولوجية والوبائية، خريج معهد باستور ببارس، رئيس جمعية المبادرة المغربية للوقاية والتغطية الصحية، عضو سابق في اللجنة الوطنية للتغطية الصحية 1992 -1996
****
خروقات المصحات الخاصة.. شيك ضمان و”النوار” يؤججان غضب المرضى
بيان اليوم
مع انتشار وباء كورونا وارتفاع الضغط على المستشفيات العمومية التي تتكلف بالحالات، ارتأت وزارة الصحة أن تشرك المصحات الخاصة في تقديم العلاجات، خصوصا في ظل ارتفاع عدد الحالات المسجلة بشكل يومي والذي فاق 6000 حالة يوميا بالمغرب.
هذا التوجه الذي أقرته وزارة الصحة، ومع أن الجميع كان ينادي به للدور الريادي الذي يلعبه القطاع الخاص، وكذا مساهمته في بداية الجائحة بأسرة لفائدة المرضى وكذا تكفله ببعض الحالات المرضية الأخرى غير المرتبطة بكوفيد، (هذا التوجه) أصبح محط انتقاد الجميع، فمن كان بالأمس يشيد بمواطنة المصحات الخاصة أصبح ينتقده بشدة بالغة، والسبب واحد هو “الجشع”.
هذا الجشع، وثقته “كاميرات” عدد من المواطنات والمواطنين، الذين طلبت منهم المصحات الملايين مقابل الأكسجين، في صورة أقرب للتجارة من الطب والبعد الإنساني الذي تكتسيه هذه المهنة النبيلة..
جشع بعض المصحات
بالرغم من الإشادة والاستحسان الذي أبداه الكثيرون اتجاه القطاع الخاص، إلا أن عدد من الفاعلين في هذا القطاع وأساسا منهم “المصحات الخاصة” لم تستطع مواكبة هذه الدينامية والحفاظ على الثقة التي تشكلت في بداية الجائحة بينهم وبين المواطنات والمواطنين، الذين أصبحوا اليوم يشتكون جشع هذه المصحات التي تطلب الملايين قبل بداية معالجة مرضى كوفيد – 19.
وحسب ما رصدته “بيان اليوم” في حديثها مع عائلات متضررة، فإن مجموعة من المصحات تستهدف جيوب الأسر بشكل مباشر، حيث تلجأ بعضها إلى ابتزاز الأسر بأثمنة باهظة، وتقيدم “شيكات” بمبالغ كبيرة كضمان، وبعض المصحات تشترط أن يكون هذا “الشيك” في اسم لإداري يعمل بالمصحة وليس باسم المصحة، وذلك للتهرب من أي مساءلة، في ظل منع المصحات من طلب شيط الضمان مقابل العلاج بقوة القانون.
وسبق لوزير الصحة السنة الماضية 2019، أن دعا المواطنات والمواطنين إلى التوجه إلى مصالحها التي تعنى بالمراقبة أو القضاء في وجه المصحات التي تطلب منهم إصدار شيك ضمان لصالحها، لكن وبالرغم من ذلك يستمر هذا الوضع وسط صمت من قبل مختلف المؤسسات والمصالح التي يناط بها حماية المريض، وأساسا حماية المواطن.
نجاة.. طلبوا مني شيك ضمان بـ 60 ألف درهم لتطبيب زوجي وبعض المصحات رفضت الحالة
تحكي نجاة لـ بيان اليوم بحرقة رفض حالة زوجها الذي أصيب في بداية أكتوبر الماضي بوباء كورونا، في أكثر من مصحة، وتقول نجاة، إنه وبعد علم زوجها بإصابته اختار في البداية التوجه إلى المستشفى العمومي، قبل أن يواجه بأول رفض بمتشفى مولاي يوسف بالدارالبيضاء بداعي امتلاء الأسرة الخاصة بالمرضى ولكون حالته لا تستدعي ولوج المستشفى وأنه بإمكانه متابعة علاجه بمنزله.
تضيف نجاة “لكن حالة زوجي ساءت بشكل أكبر، خصوصا بعد شعوره باختناق على مستوى صدره، الأمر الذي جعلني أحمله إلى مستشفى خاص بالمدينة، في البداية تم رفضه بأكثر من مصحة وتحت أكثر من عذر، بعضها بسبب امتلاء الأسرة وآخر تحت ذريعة النقص في الموارد البشرية من أطباء وممرضين.. إلى أن تم استقبالنا بإحدى المصحات، تم إدخال زوجي إلى غرفة خاصة معدة لاستقبال مرضى كوفيد لإعطائه جرعة من الأكسجين، فيما بقيت مع الإداريين لمناقشة السعر، وهنا كانت المفاجئة، حيث طلبت مني إدارة المصحة أداء “شيك ضمان” بقيمة 60 ألف درهم.. فوجئت بهذا الثمن ولم أكن مستعدة لذلك، كما أنني لا أحمل أي شيك معي.
بعد نقاش طويل مع الإدارة واستعطافهم، تتابع “نجاة” تم خصم 10 ألاف درهم فقط، وتم إجباري على تقديم شيك ضمان بالقيمة المطلوبة أو الأداء نقدا، وهو ما لم يكن متوفرا حينها، الشيء الذي جعل المسؤولين بالمصحة يقومون بإخراج زوجي مع مطالبتنا بأداء واجب الساعات التي قضاها بالمصحة.. لأختار بعد ذلك العودة للمنزل على أمل أن يشفى زوجي من هذه المحنة بالأدوية فقط..
محسن: رفضوا استقبال والدتي
بمصحة خاصة بفاس
من جهته، يحكي محسن قصة إصابة أمه التي تعاني من مرض القلب، حيث يحكي محسن أن طبيب القلب وقبل استقبال أمه في إحدى الجلسات العلاجية طلب منه إجراء تحليل للكشف عن الفيروس، حيث أجرت اختبار الدم الذي جاء سلبيا لحالاتها، إلا أن طبيب القلب وخلال استقباله لحالة والدته تبين له أنه تعاني بعض الأعراض الطفيفة للوباء الشيء الذي جعله يحيلها على مصحة خاصة..
بعد كثير من الإجراءات، وقوبل حالتها بالمصحة جرى إجراء اختار الكشف بالأشعة، والتي أكدت أن السيدة مصابة على مستوى الرئة بنسبة 25 بالمئة، لكنها رفضت استكمال علاجاتها بذات المصحة، وهو ما جعل محسن يستعطف المسؤولين والإداريين الذي أكدوا له أنهم لا يستقبلون الحالات التي تحتاج إلى الإنعاش الطبي بشكل مطلق.
ويقول محسن إنه بعد رحلة شاقة بين عدد من المصات الخاصة بمدينة فاس، قررت التوجه إلى المستشفى العمومي، حيث ذهبنا إلى مستشفى ابن الخطيب “كوكار”، حيث جرى استقبال حالة والدتي هناك، وتم إعادة إجراء اختبار الكشف عن الفيروس عبر PCR، والذي أكد هو الآخر إيجابية حالتها، حيث تمكنا من إدخالها في وقت مبكر إلى الإنعاش، لتعود بعد 5 أيام فقط إلى حالتها الطبيعية وتشفى من هذا الوباء.
مصحات ترفض تقديم العلاجات
لأصحاب التأمين الصحي
وحسب ما أدلى به بعض المواطنين لـ “بيان اليوم” فإن عدد من المصحات الخاصة بمدينة الدارالبيضاء ترفض التكفل بالمرض الذي تتيحه هيئات التأمينات الصحية كالـ CNSS وCNOPS، حيث سجل الكثيرون أنه جرى رفض طلباتهم مقابل مطالب بأداء شيك ضمان مع تسعيرة تفوق 10 درهم لليلة الواحدة بقسم الإنعاش.
إبراهيم، يحكي لـ “بيان اليوم”، قصة منعه من إدخال زوجته إلى مصحة مشهورة بالدارالبيضاء، وعدم قبول التغطية الصحية، إذ أصرت إدارة المصحة على تقديم شيك ضمان بقيمة 100 ألف درهم أي 10 ملايين سنتيم..
وبعد تساؤله عن ارتفاع السعر، قدمت له الإدارة التوضيحات التالية: وهي أن الخدمات المقدمة تصل إلى ما يزيد عن هذا الثمن، حيث يتم احتساب 10 ألف درهم لليلة الواحدة في الإنعاش بالإضافة إلى 4000 قيمة الأدوية التي تساعد على التنفس، فضلا الإيواء الذي يصل بدوره إلى أزيد من 2000 درهم لليلة الوحيدة ، في حين الحالات المستعجلة تتطلب مبلغ 10 ألف إلى 15 درهم لليلة الوحيدة، إذ أن تكلفة 5 أيام من العلاج لوحدها تساوي أو تفوق مبلغ 100 ألف درهم الموضوع في “شيك الضمان”..
ويضيف إبراهيم أنه ليس الوحيد الذي طلب منه هذا الأمر، حيث وجد عشرات الأسر تعاني من نفس المشكل بنفس المصحة، حيث طلب منهم شيك ضمان بقيمة 100 ألف درهم، مشيرا إلى الخطير في الأمر يكمن في مطالبة المصحة لبعض الأسر بتسديد مستحقاتها كي تتسلم جثامين ذويهم الذين توفوا بسبب “كوفيد” داخل المصحة”.
أداء المستحقات مقابل تسليم جثمان المتوفين
نفس القصة تحكيها “فتيحة” التي فقدت أمها بإحدى المستشفيات الخاصة بالدارالبيضاء، التي تعاني انفجارا في الوضع الوبائي، حيث تقول فتيحة إنها أدخلت أمها إلى إحدى المصحات الخاصة بالدارالبيضاء بعد تسهيل في الأداء، حيث طلب منها تقديم 15 ألف درهم تسبيق لقبول حالة والدتها، لكنها لم تتمكن من رؤيتها طيلة 6 أيام بسبب الإجراءات قبل أن يتم إخبارها بوفاة والدتها..
صدمة فتيحة ستزيد بعد مطالبة إدارة المصحة لها بتسديد ما قيمته 70 ألف درهم كمستحقات العلاج، وذلك مقابل تسليمها جثمان أمها، الأمر الذي طالبت المتحدثة من الإدارة بتوضيحه، وكيف قفزت الأثمنة إلى هذا المستوى، وهل فعلا استفادت والدتها من خدمات الإنعاش والأكسجين بالشكل الكافي أم أنها تعرضت للإهمال..
***
حوار مع الدكتور شراف لحنش رئيس التنسيقية النقابية للأطباء العامين بالقطاع الخاص
- القطاع الخاص مهم.. وهناك غياب للثقة بين المواطنين والمصحات الخاصة ووزارة الصحة مطالبة بإيجاد الحلول
قال الدكتور شراف لحنش رئيس التنسيقية النقابية للأطباء العامين بالخاص إن القطاع الخاص يحظى بأهمية كبرى، ويعد مكملا للقطاع العام، خصوصا فيما يتعلق بالاستشفاء، حيث يوفر هذا القطاع عدد من الأسر المهمة، والموارد البشرية والبنيات التي تساهم في استقبال مرضى مختلف التخصصات والتخفيف عن الضغط الذي تعرفه المستشفيات العمومية.
وأضاف الدكتور شرف في حوار مع “بيان اليوم” أن الأزمة التي توجد اليوم بين المصحات الخاصة والمواطنين، ليست وليدة اللحظة، حيث رد الأمر إلى سنوات مضت، حيث وقبل جائحة كورونا كانت كثير من الأوساط المجتمعية تشتكي ارتفاع تكاليف القطاع الخاص.
واعتبر المتحدث أن الحل يكمن في يد وزارة الصحة لإيجاد بدائل ترضي المصحات الخاصة وترضي المواطنين، من خلال ضبط التكاليف لكلا الطرفين، حيث شدد المتحدث على أن المصحات الخاصة بدورها تعرف تحديات مالية من حيث الاحتياجات المادية والدوائية وكذا الضرائب والموارد البشرية وغير من الإكراهات التي تؤدي إلى ارتفاع نفقات العلاج على المواطنات والمواطنين.. فيما يلي نص الحوار:
< يعيش القطاع على وقع انتقادات واسعة، خصوصا في ما يخص العلاجات المقدمة لمرضى كوفيد – 19، وأساسا في ما يتعلق بالتكلفة الباهظة، ما تعليقكم أنتم كأطباء على الوضع؟
> صحيح، هناك مجموعة من الانتقادات التي توجه، وأساسا كما ذكرت فيما يتعلق بالتكلفة الباهظة، والتي تبقى محددة من طرف المصحات، وليس الأطباء، لكن الجميع لديه الرغبة اليوم من مواطنين ومهنيين على تقنين الأوضاع بالقطاع الصحي، خصوصا في ظل تواتر الانتقادات وفي بعض الحالات تناسل “الإشاعات” أيضا، وهذه أمور لا أحد راض عنها طبعا وتضر بسمعة الطب ليس الخاص فقط وإنما المنظومة الصحية والطبية ككل.
لكن بالمقابل هناك بعض التجاوزات الموجودة تؤثر سلبا على علاقة المرضى بالمصحات وتعطي انطباعا سيئا عن القطاع الخاص؟
بالفعل هناك تجاوزات كما سبق الذكر، وهناك ممارسات لا ترضينا جميعا في القطاع، لكنها أكيد صادرة عن البعض فقط، ولا يمكن تعميم الأمر بكون جميع المصحات تتجاوز القانون، ثم إن الطب لديه تكلفة، فالمصحات الخاصة ليدها التزامات، وهي أساسا مقاولة يعني لها تحديات مالية، ولها أهداف، ومن ضمنها الربح، يعني فالحديث عن مجانية العلاج في المصحات الخاصة على سبيل المثال أمر غير ممكن، لكن يجب أن تظل جميع الأسعار واضحة وهذا ما يجب أن يكون من خلال الإعلان عن ذلك، ويمكن على سبيل المثال تحديد الأسعار وفق المصحات، من حيث الخدمات التي تقدمها والتي يجب أن تكون في المستوى وأن تكون متنوعة، سواء الخدمات الصحية أو حتى فيما يتعلق بخدمات الإيواء داخل المصحات التي لها معايير خاصة وتختلف من مصحة لأخرى..
< من جهتكم، ما الحل الجذري لهذه الأزمة وكيف يمكن إعادة الثقة بين المواطنين والقطاع الخاص؟
> بنظري، على الوزارة أن تتدخل، وهناك مؤسسات تابعة لها يناط لها دور المراقبة، وعليها أي الوزارة أن تقوم بإيجاد حل لهذا المشكل مع المصحات، التي كما سبق وأن ذكرنا لها تحديات مالية، لذا يجب تضافر الجهود بين الجميع لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف، ويكون ملائما لقدرات المواطنات والمواطنين للولوج للخدمات الصحية التي يوفرها هذا القطاع.
< اليوم القطاع الخاص يلعب دورا كبيرا في استقبال مرضى كوفيد والتخفيف عن الضغط الذي عرفته المستشفيات العمومية، كيف هي ظروف العمل في ظل هذه المتغيرات ؟
> بالطبع منذ انتشار الوباء وظروف اشتغال المصحات انقلب رأسا على عقب، وهذا طبعا ليس في المغرب فقط، وإنما في مختلف دول العالم التي بدورها استعانت بالقطاع الخاص، وإلا فإن المنظومة الصحية العمومية كانت ستنهار بشكل سريع، لكن بالتعاون والرغبة المشتركة بين العام والخاص تم تحقيق نجاح على مستوى التعاطي مع الوباء من خلال توفير آلاف الأسرة الإضافية بالمصحات الخاصة، كما أنه ومنذ بداية الأزمة وبسبب انتشار الوباء وتكفل المستشفيات العمومية الحالات، كان هناك بالمقابل ضغط لأشخاص الذي يعانون من أمراض أخرى، خصوصا الأمراض المزمنة، بحيث استقبلت المصحات الخاصة هذا الضغط للتخفيف عن المستشفى العمومي، وهذا أمر مهم لإبراز حيوية هذا القطاع.
< أنتم كأطباء، كيف تمارسون اليوم مهامكم في ظل هذه الظروف الصعبة؟
> ظروف الاشتغال قاسية، خصوصا في ظل غياب وسائل الحماية، فاليوم نحن نشتغل بما يوجد ولا يمكن إخلاء الساحة للوباء، رغم ذلك الجميع يقوم بدوره من الأطر الطبية والصحية، رغم صعوبة الأمر على المستوى النفسي والجسدي، فالأمر ليس بالسهولة التي نراها، فالحالات المرضية اليوم، بما في ذلك حالات كوفيد أصبحوا يتوجهون إلى المصحات الخاصة تخوفا من المستشفيات العمومية التي فاق بعضها الطاقة الاستيعابية، الشيء الذي خلق تخوفا من إمكانية نقل العدوى بالنسبة لباقي المرضى الذين يعانون من أمراض أخرى.
< أمام ارتفاع عدد الحالات المتوافدة، كيف تتعاملون مع حالات مرضى كوفيد ومنع انتشار الوباء داخل المصحات؟
> كما قلت، فإن الأوضاع الحالية، خصوصا مع ارتفاع تسجل الإصابات بشكل يومي يجعلنا نشكل في جميع الحالات، فأي مريض دخل المصحة ببعض الأعراض نعتبره حامل للوباء إلى أن يثبت العكس، يعني أن التعامل معه يكون وفق البرتوكول الصحي بهذا الشأن، إلى أن تثبت النتائج إيجابية الحالة من سلبياتها، ولعودة للموضوع الأول، فإن الإشكال في غلاء الأسعار لعلاجات كوفيد والانتقادات المصاحبة له، ليست وليدة اللحظة بالمناسبة، فمنذ سنوات والأزمة موجودة بين القطاع الخاص والمواطنين، خصوصا من حيث النفقات الطبية وجاءت “كورونا” وزادت من حدة هذه الأزمة، التي كما سبق وأن ذكرت يجب أن تحل من قبل وزارة الصحة، التي عليها إيجاد حلول ناجعة سواء لتخفيض الأسعار على المواطنين، من خلال آلية معينة بتنسيق مع المصحات الخاصة، أو من حيث مراقبة التجاوزات التي تقوم بها بعض المصحات القليلة.
< وهل ترون أن بعض الأسعار معقولة في بعض المصحات التي تطلب الملايين مقابل تقديم العلاجات لمرضى “كورونا”؟
> العلاقة، كما ذكرت، هي علاقة متوترة منذ سنوات طويلة، فالثمن كله مضاعف فيما يخص بعض الخدمات، كما أنه لم يمض وقت طويل على بداية تكفل المصحات الخاصة بمرضى كوفيد وهو ما يطرح صعوبات أيضا على هذه المؤسسات من قبيل الموارد البشرية وبرتوكول العمل في ظل استقبال باقي الحالات الصحية الأخرى، وبالتالي أعتقد أن هناك إشكالا بين في العلاقة التي تربط المريض بالمصحة، والتي يغيب بها مع الأسف عنصر مهم مع الأسف، وهو عنصر “الثقة”، لذلك نجد ممارسات مثل “شيك الضمان”، “النوار”.. إلخ، لكن هذا يتعلق فقط ببعض المصحات، فيما هناك مصحات تحترم القوانين، وإن كانت هناك تكلفة مرتفعة، ترتبط بإكراهات المواد الأولية والموارد البشرية، كما هو الحال للإنعاش والأكسجين بالمصحات الخاصة، وهذا ما يدفعنا للقول إنه يجب تقنين الأمور، ووضع أثمنة مرجعية واضحة وأن تتدخل وزارة الصحة في هذا الإطار لخلق نقاش حول الموضوع بين مختلف الفاعلين من جمعيات مدنية وأطباء وأصحاب المصحات الخاصة، وذلك لإيجاد حلول ممكنة ترضي جميع الأطراف، لأن الطب في نهاية المطاف له بعد إنساني سامي.
*******
“صمت رسمي” وغضب بـ “الفيسبوك” والقضية تصل إلى البرلمان
بالرغم من الجدل الذي أحدثته المصحات الخاصة بأثمنتها الخيالية التي تطلبها مقابل تقديم خدمات العلاج لفائدة مرضى كوفيد، إلا أن وزارة الصحة ظلت صامتة صمت القبور إزاء المخالفات والتجاوزات التي وثقفها البعض بالفيديو، خصوصا في مدينة الدارالبيضاء التي تعرف ترديا في الوضع الصحي مع ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بشكل مضطرد.
وتعيش أكثر من مدينة على صفيح ساخن بسبب الوضع الصحي المتردي وارتفاع كلفة العلاجات التي تقدمها المستشفيات الخاصة والتي تصل إلى 140 ألف درهم وأكثر في بعض المدن، كما هو الحال بالنسبة لمدينة الدارالبيضاء.
صمت وزير الصحة
وأمام موجة الانتقادات هذه، وحالة السخط التي يعبر عنها العشرات بشكل يومي بمواقع التواصل الاجتماعي، اختار خالد آيت طالب الانحناء للعاصفة التي خلقها ارتفاع تكاليف العلاج في المصحات الخاصة من فيروس كورونا، صمته الذي ما يزال مستمرا إلى اليوم إزاء عدد من التجاوزات كسره بشكل عابر في لقاء جمعه بالمهنيين بالقطاع الخاص والجمعية المثل لأصحاب المصحات الخاصة، حيث وعوض اختار الوزير أن يثني على أداء المصحات وتعاونها في ظل هذه الظرفية الصحية الحساسة.
وبشكل سريع، قال الوزير خلال ذات اللقاء إن التعريفة والأسعار التي حددتها الوزارة هي التي يجري العمل بها وأنه سيتم التعاون بشكل مستمر لضبط هذه الأسعار وتوحيدها.
غضب بـ “فيسبوك”
تصريحات وزير الصحة خلال اللقاء الذي جرى منتصف الأسبوع الماضي أججت حدة الانتقادات التي وجهها عشرات المدونين والنشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا موقع “فيسبوك”، الذين سجلوا بكل أسف ما وصفوه باصطفاف وزير الصحة إلى جانب أصحاب المصحات الخاصة، متسائلين عن دوره ودور الوزارة في المراقبة والانتصار للمواطنات والمواطنين أمام هذا الجشع الذي أرخى بظله على مرضى كورونا، الذين يجري ابتزازهم علانية لعلاجهم.
واعتبر عدد من المواطنات والمواطنين في تدوينات لهم عبر “فيسبوك” أن المصحات الخاصة تغولت على المرضى، وضربت بالقيم الإنسانية عرض الحائط مقابل المال والابتزاز.
وبالرغم من التأكيدات التي خرج بها وزير الصحة إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال فيديوهات موثقة، تداولت التجاوزات التي تقع بعدد من المصحات، خصوصا بمدينة الدارالبيضاء، التي أضحت بؤرة فيروسية، وبؤرة أيضا لتفشي بعض الممارسات الابتزازية في حق المرضى.
التقدم والاشتراكية يدخل على الخط.. ويساءل وزير الصحة بالبرلمان
هذا الجدل، دفع المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية لمسائلة وزير الصحة في سؤال كتابي وطلب تدخل خلال الجلسة وجهته النائبة عائشة لبلق، في موضوع “استغلال المصحات الخاصة لمرضى كورونا”، خلال جلسة الأسئلة الأسبوعية، وذلك في سياق العديد من شكايات المواطنات والمواطنين الذين كانوا ضحية لجشع هذه المصحات، وما تناولته الصحافة الوطنية ومواقع التواصل الاجتماعي بهذا الخصوص.
وبادرت المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية إلى توجيه سؤال كتابي في الموضوع ذاته إلى وزير الصحة، تسجل من خلاله “ارتفاع كلفة استشفاء مرضى كورونا بالمصحات الخاصة، وتضخيم فواتير العلاج بها”، وذلك من خلال ما وصفته رئيسة المجموعة، عائشة، التي وقعت السؤال، “بالاستغلال الفاضح للارتفاع المهول في عدد حالات الإصابة بالفيروس التاجي في الآونة الأخيرة”.
ووقفت المجموعة في سؤالها على ما يتعرض له المرضى في هذه المصحات، خصوصا منهم الذين يعانون من أمراض مزمنة، والذين يكونون أكثر تأثرا بالتداعيات الخطيرة للفيروس، في انتهاز لفرصة “محدودية الطاقة الاستيعابية للمستشفيات العمومية في معظم المدن التي تشهد تزايدا كبيرا لهذا الفيروس”.
وتساءلت لبلق عن “التدابير والإجراءات التي ستتخذها الحكومة لحماية المواطنات والمواطنين من جشع بعض المصحات الخاصة التي تلتجئ إلى هكذا أساليب، والبدائل الممكن لها اتخاذها لتوفير العلاجات الضرورية لمرضى كوفيد 19.
الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك تنبه بدورها، نبهت جمعية حماية المستهلك التي التجاوزات الحاصلة في أسعار المصحات والفواتير المكلفة والضخمة التي يتم توجيهها للمرضى مقابل العلاج.
ودفعت ممارسات المصحات الخاصة الجامعة الوطنية لجمعيات حماية المستهلك لإصدار بلاغ تنتقد فيه ارتفاع أسعار الاستشفاء، و”استغلال المواطنين” لتحقيق الأرباح في فترة الجائحة.
وقالت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، إن “شكاوى المواطنين من بعض المصحات الخاصة، توالت منذ موافقة وزير الصحة، وإعطائه الضوء الأخضر لهذه المصحات لمعالجة مرضى كوفيد 19، هذه المصحات التي صارت تُلزم زبائنها بدفع مبالغ خيالية كتسبيق عن العلاج”.
وأضافت الجامعة التي تعنى بحماية المستهلك أن “معاناة مرضى كوفيد 19، مع المصحات الخاصة لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن بعضها اتجه إلى حد رفض تسليم الفواتير والتقارير الصحية للمرضى، وهو ما يعتبر مخالفة للقرارات المتخذة من طرف السلطات العمومية في ظل الجائحة”.
وطالبت الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، في بلاغها، وزير الصحة بإعطاء الرأي العام توضيحات في هذا الشأن، والتدخل للحد من “غطرسة” هذه الفئة من “الموردين الجشعين” الذين يتصيدون الفرص ولو على حساب صحة وسلامة المستهلك المغربي، وفق تعبيرها.
كما طالبت الجامعة، السلطات بمراقبة التجاوزات وبذل مجهود أكبر لمحاربة هذه الظاهرة، وإلزام المصحات الخاصة بتطبيق القانون، وخصوصاً المقتضيات التي تهم المستهلك، فضلا عن مطالبتها كل المستهلكين، بتحمل مسؤولياتهم، والتبليغ عن جميع من يتلاعب بصحة وسلامة المواطن، عبر جميع الوسائل المتاحة له، لاسيما البوابات الوطنية لتقديم الشكايات.
< إنجاز : محمد توفيق أمزيان < تصوير: أحمد عقيل مكاو