كانت مناضلة متحمسة لحقوق الإنسان وقضية النساء في الإسلام
فقدت الساحة الثقافية والسياسية الوطنية يوم الاثنين الماضي، أحد أشهر وأهم المثقفات في المغرب والعالم العربي – الإسلامي ومناضبة متحمسة للقضية النسوية، الكاتبة وعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي التي توفيت في أعقاب معاناة طويلة مع المرض.
وقد خصصت عالمة الاجتماع، المعترف بكتاباتها على الصعيد العالمي والمعروفة بكفاحها ونضالها المستميت من أجل حقوق
النساء في بلدها ولكن أيضا في العالم العربي، على مدى حياتها
في كتاباتها للتنديد بالبطرياركية في الثقافة الإسلامية. ودخلت في معارك طويلة دفاعا عن القضية النسوية التي كانت قريبة إلى فكرها من خلال إحداث “القوافل المدنية” أولا سنة 1981 ثم تجمع “نساء، عائلات، أطفال”.
وقد بصمت فاطمة المرنيسي، وهي كاتبة غزيرة الإنتاج ومناضلة متحمسة لحقوق الإنسان وقضية النساء في الإسلام، الساحة الثقافية والفكرية في المغرب على مدى نصف قرن.
وتسجلت فاطمة المرنيسي، المتحدرة من مدينة فاس حيث رأت النور سنة 1940 “داخل حريم”، حسب قولها، في إحدى أولى المدارس الخاصة المختلطة وتابعت دراستها بالرباط، ثم بجامعات في فرنسا والولايات المتحدة، قبل أن تعود إلى بلدها لتدريس السوسيولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط منذ الثمانينات.
والمرنيسي، التي كانت أيضا عضوا في مجلس جامعة الأمم المتحدة، هي مؤلفة حوالي عشرين كتابا وبحثا ورواية حصلت على عدد من الجوائز، من بينها الجائزة الإسبانية المرموقة “أميرة أستورياس” سنة 2003، إلى جانب سوزان سونتاغ وجائزة إيراسموس (2004) في البلاد المنخفضة. ومن بين مؤلفاتها العديدة بالخصوص “آيت ديبروي” و”حلم النساء” و”هل أنتم محصنون ضد الحريم” و”الخوف حداثة” و”العالم ليس حريما” و”سلطانات منسيات” و”شهرزاد ليست مغربية” و”الحريم والغرب” و”السندبادون المغاربة، رحلة في المغرب المدني”.
ومن خلال هذه المؤلفات المتعددة، دعت السوسيولوجية المغربية، التي كانت سنة 2013 أول مغربية ضمن 100 امرأة الأكثر تأثيرا في العالم العربي حسب مجلة “أرابيان بيزنس”، إلى تحديد إشكاليات النساء المغاربيات في جدلية إنقاذية تستدعي أيضا النساء الغربيات.
ومنذ كتابها الأول المعنون بـ”جنس ، إيديولوجيا، إسلام”، فرضت المسألة النسوية نفسها في صلب بحث تتخلله سخرية لاذعة. ولكن في بحثها الثاني “الحريم السياسي”، عادت فاطمة المرنيسي إلى الجذور الإسلامية للمجتمع الإسلامي وبرهنت من خلال تحقيق دقيق كيف أن “السلطة الذكورية، القوية بكتاب السيرة، نزعت من التاريخ الرسمي الدور السياسي الذي قامت به النساء”. كما تساءلت في هذا الكتاب عن مكانة النساء في أرض الإسلام بتركيزها على أنه في القرن الثامن كانت “زوجات الرسول يتحدثن في السياسة ويذهبن إلى الحرب”.
وفي كتاب “سلطانات منسيات”، سردت الكاتبة أيضا الحياة “المضطربة” للنساء المسلمات اللواتي حكمن في أرض الإسلام في ما بين القرن الثامن والقرن الرابع عشر.
ولم تتوقف فاطمة المرنيسي، وهي مثقفة ذات صيت دولي، وباحثة بالولايات المتحدة وأستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط، عن الطواف ببلدان القارة الأوروبية لتنشيط محاضرات ومناظرات في الموضوع.
وأحبت الكاتبة أيضا مساءلة مسار نساء مغربيات من خلال مواجهتهن بمسارات نظيراتهن الأوروبيات، في سياق عولمة يهيمن عليها الرجال الغربيون.
وبفقدان هذه القامة الشامخة، يفقد المغرب إحدى أشهر كاتباته وإحدى المثقفات في العالم العربي والإسلامي اللواتي طبعن بكتاباتهن المشهد الثقافي.