اهتمت الصحافة الفرنسية بموضوع ترشيح المغرب لاحتضان نهائيات كأس العالم في كرة القدم لسنة 2026، في منافسته للقوى العظمى الممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، والمدعومة بكل من كندا والمكسيك.. اهتمام الصحافة الفرنسية، والمتمثلة في مجلة “فرانس فوتبول” المتخصصة في الرياضة والواسعة الانتشار، تركز حول إبراز بعض نقاط القوة في الملف المغربي، دون إغفال مكامن الخلل والضعف، هذا الاهتمام يأتي من قيمتها واطلاعها على أكبر ملفات الرياضة العالمية، بل وتأثيرها في صنع أهم القرارات.
دعم إفريقيا والقرب من أوروبا وخطة قطر
بخصوص نقط القوة، فقد حددتها المجلة الفرنسية في عودة المغرب القوية للواجهة الإفريقية، واعتبار ترشيحه باسم قارة بأكملها، والعلاقة القوية التي تربط بين رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) أحمد أحمد ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع، وتأكيد الأول على أن المغرب هو أفضل سفير للقارة الإفريقية، دون إغفال عامل آخر، وهو القرب الجغرافي من أوروبا، مما يشجع أكبر عدد من المشجعين على السفر إلى المغرب، خاصة مع سهولة التنقل بين المدن المحتضنة للتظاهرة.
ودائما في إطار نقط القوة، أبرزت الصحفية الفرنسية المطلعة على أكبر الملفات التي تهم الرياضة العالمية، الدعم الذي أعلنه بعض نجوم القارة للملف المغربي، وفي مقدمتهم الإيفواري ديديه دروغبا والكاميرني صامويل إيتو باعتبارهما أبرز سفراء للملف المغربي على الصعيد الدولي، دون أن تغفل مسألة الاستعانة بخدمات مؤسسة “فيرو” المتخصصة في التواصل، والتي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها، وهي نفسها التي كانت مكلفة بالترويج لملفي مونديال قطر 2022، وأولمبياد ريو دي جانيرو 2016.
في نظر الصحيفة الفرنسية، فإن وجود ستة ملاعب غير كاف، ألا أن هناك متسعا من الوقت يسمح للمغرب خلال السبع السنوات القادمة بفتح أوراش كبيرة لبناء ملاعب جديدة، وإعادة صيانة المركبات المتوفرة والرفع من طاقتها الاستيعابية، وهي نفس الخطة التي نهجها القطريون لاقتناص تنظيم المونديال نسخة 2022، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية الاستعانة بتجهيزات مونديال 2022 بقطر، خاصة تلك القابلة للتفكيك، وهو ما أشار له مسؤولو الملف المغربي خلال الندوة التقديمية.
فضاء مغربي مغر للاستثمار وأخطاء ترامب
من نقط قوة الملف المغربي في مواجهة ما يتوفر عليه الملف الثلاثي المتكامل والجاهز للمنافسة على أعلى مستوى، خاصة على مستوى التجهيزات الأساسية والبنيات التحتية والموارد المالية ودعم كبريات الشركات العالمية، نجد إمكانية استمالة القطاع الخاص بمجموعة من الدول الأوروبية وخاصة فرنسا، إسبانيا، البرتغال، بلجيكا، ايطاليا، وحتى ألمانيا، نظرا للأوراش الكثيرة المنتظر أن تفتح بالمدن الأربعة عشرة المرشحة لاحتضان المنافسات في حالة نجح الملف المغربي في كسب ثقة الدول الـ 207 التي ستعود لها مسألة الاختيار بين الملفين المرشحين.
والقطاع الخاص الذي اشتغل بكفاءة عالية بمختلف التظاهرات الكبرى التي احتضنها القارة العجوز في العقدين الأخيرين، سيجد في المدن المغربية مجالا أرحب لكسب صفقات مربحة، عكس أمريكا وكندا، مادامت كل التجهيزات متوفرة وبزيادة في هذين البلدين المتقدمين، وبالتالي فإن فرص الاشتغال والربح منعدمة بالمرة من جهة، ومصلحة أوروبا في احتضان بلد جار تظاهرة كبرى تتطلب استثمارات ضخمة إنجاز بنيات تحتية مهمة، تفتح مجالات الاشتغال والترويج وضمان مناصب شغل من جهة أخرى.
بالإضافة إلى العامل الاقتصادي المهم، هناك عوامل سياسية مهمة تقوي حظوظ الملف المغربي، ومن بينها الاستغلال الذكي للأخطاء المرتكبة من طرف الرئاسة الأمريكية، وإذا كان الجانب المغربي يحرص على عدم الدخول في مواجهة مفتوحة، وغير متوازنة مع الولايات المتحدة، فإن اللوبي الداعم للترشيح المغربي، لن يترد في استغلال كل صغيرة وكبيرة، من أجل كسب أصوات ومساندين لملف يقدم باسم القارة الإفريقية، والتي سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن وصف دولها بأقبح النعوت.
وهذا يعد في الحقيقة تكتيكا ذكيا، يجنب المغرب أي مواجهة مفتوحة مع الطرف الآخر، وبصفة خاصة أمريكيا في ظل اختلال موازين القوى بين الجانبين، وتفادي الدخول في صراع يتعدى الجانب الرياضي، يكون فيه المغرب بالضرورة الخاسر الأكبر، خاصة، وأننا رأينا كيف يتم الضغط حاليا على الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، حتى يحد من تحركات المغرب، حتى داخل القارة التي ينتمي لها ويحظى بدعم واسع داخلها.
سلبية دبلوماسية الخصم ونفوذ الروس والصين
صحيح أن استغلال أخطاء الفادحة الرئيس الأمريكي يمكن أن تلعب لصالح الملف المغربي، وتساهم في كسب أصوات الدول سواء المعنية أو المتعاطفة مع قضايا الدول الإفريقية والعربية والإسلامية وهذا معطى مهم ركزت عليه بصفة خاصة الصحافة الأمريكية، وأسهبت في إبراز جوانبه السلبية والمؤثرة على صلابة الملف الثلاثي الأمريكي.
فمن الأوصاف القدحية في حق البلدان الإفريقية، مرورا بقضية القدس، وصولا إلى قضايا الهجرة والمهاجرين، تتعدد أخطاء أمريكا في عهد ترامب، وهذه نقط مهمة وحاسمة، لكن الجانب المغربي يتجنب الدخول في مثل هذا الصراع المفتوح على الأقل من الناحية العلنية، ومسؤولو الملف الثلاثي يعرفون جيدا أن الأخطاء المرتكبة على امتداد التاريخ أثرت على شعبية أمريكا بجل القارات، خاصة على مستوى دول العالم الثالث.
ففي كل عمليات التصويت التي تشهدها مؤتمرات الأمم المتحدة تتعرض الولايات المتحدة الأمريكية لهزائم مدوية، عكس ما هو حاصل بمجلس الأمن الذي تسيطر عليه الدول الدائمة العضوية، ولنا في قضية القدس خير مثال، فرغم تهديدات ترامب، فإن الأغلبية ساحقة صوتت ضد خطته بنقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المقدسة بالنسبة لكل الديانات السماوية، وهذا درس بليغ ومستوعب من طرف مسؤولي الملف الثلاثي، ويأخذونه بعين الاعتبار.
هناك أيضا الدور الروسي المؤثر في أبرز القضايا المطروحة على الصعيد الدولي، وسعي الكرملين لإعادة المفقود في العلاقات الدولية منذ انهيار المعسكر الشرقي، ينضاف إليه دور الصين الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، والرغبة التي عبر عنها الرئيس الصيني في ضرورة احتلال بلاده لمكانة بارزة في خريطة كرة القدم العالمية، بصفتها مجالا من المجالات التي أصبحت مؤثرة في الحياة السياسية والاقتصادية للدول، وجزء أساسيا من النظام الاجتماعي الجديد الذي برز في السنوات الأخيرة.
إذن هناك عوامل سياسية وأخرى اقتصادية يمكن أن تلعب دورا حاسما في عملية التصويت يوم 13 يونيو القادم خلال مؤتمر الاتحاد الدولي بالعاصمة الروسية موسكو على بعد يوم فقط من انطلاق المونديال، والأمريكان يعرفون هذا جيدا، وعلى هذا الأساس فان الضغوطات كثرت على الاتحاد الدولي لكرة القدم، كما أن المؤسسات التجارية الأمريكية والصحافة التابعة لها تمارس هجمة قوية على ملف دولة صغيرة تطالب فقط بالإنصاف وجعل كرة القدم في خدمة الشعوب…