غابات حوض البحر الأبيض المتوسط تحترق.. ونجاعة التدخلات الاستباقية للجنود المغاربة تحد من الخسائر

راكمت عناصر القوات الملكية الجوية، خلال العشر سنوات الأخيرة، الكفاءة والخبرة التقنية في مجال مكافحة الحرائق من خلال تدخلاتهم الاستباقية الناجعة سواء بكورسيكا، إسبانيا، إيطاليا، البرتغال، أو في المغرب شمالا، وفي الجنوب الشرقي، لحماية الغابات والواحات  والتنوع البيولوجي المتفرد للمغرب. وشكل حريق غابة “سوكنا” بالمنتزه الطبيعي بوهاشم بإقليم شفشاون مناسبة لإبراز أداء ونجاعة طائرات كانادير والتي يتوفر المغرب على أسطول منها يضم خمس طائرات، ولإبراز استباقية فرق التدخل التي استطاعت تطويق الحريق في وقت وجيز وبأقل الخسائر. وهي فرصة أعطى فيها المغرب الدرس للجميع مبرزا عن مدى استعداده لمثل هذه الكوارث المناخية، وعن مدى استعداد جنوده الشجعان الأشاوس من المديرية العامة للأرصاد الجوية إلى المياه والغابات والوقاية المدنية والقوات المساعدة والقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والسلطات المحلية، دون أن ننسى المجتمع المدني والساكنة المحلية التي كانت أول من  أبلغة عن البؤرة الأولى للحريق عشية يوم السبت 14 غشت 2021.

 هذا في الوقت الذي تعرف فيه العديد من بلدان البحر الأبيض المتوسط حرائق تاريخية حطمت الأرقام القياسية من حيث الحجم والمدة الزمنية التي استغرقتها التدخلات لإخمادهما. انطلقت الحرائق من تركيا ثم اليونان، فإيطاليا وفرنسا والبرتغال، وبلغت فلسطين وتونس ثم المغرب. وفي الوقت الذي كانت  تكافح فيه دول الحوض الأبيض المتوسط الحرائق المندلعة فيه منذ أسابيع، كشفت مسودة تقرير هيئة علماء المناخ التابعة لهيئة الأمم المتحدة أن منطقة الحوض الأبيض المتوسط تعيش لحظة تاريخية لكونها أصبحت مركزا للتغير المناخي حيث من المرتقب أن تشهد كل البلدان موجات حر غير مسبوقة قياسية من حيث درجات الحرارة ومن حيث طول مدة موجة الحر، وكذا الجفاف والحرائق الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، مما يهدد بفقدان التنوع البيولوجي لدول الحوض الأبيض المتوسط.

 ويفصل تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، المقرر نشره شهر فبراير من العام المقبل، التداعيات المستقبلية للتلوث الكربوني على المنطقة التي شهدت موجات حر ودرجات حرارة تتجاوز المعدلات، خصوصا في المغرب الذي عرف خلال الأسبوع الماضي تدخلا ناجحا وناجعا وبروح بطولية قوامها العمل الاستباقي والمنسق لفرق التدخل البرية والجوية، للقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية وعناصر المياه والغابات، وبفضل المساهمة المتميزة لطائرات كنادير إذ يعد المغرب من البلدان القليلة التي تمتلك هذا النوع من الطائرات، حيث استطاع المغرب بفضل فريق مكون من 520 عنصر وبفضل التكوينات التي يخضعون لها السيطرة على الحريق الذي اندلع  في غابة سوكنا وخلف مساحة متضررة تقدر بنحو 1100 هكتار، 60 في المائة منها هي عبارة عن نباتات ثانوية والباقي هو عبارة عن غطاء غابوي جاف مكون من أشجار الصنوبر والبلوط الفليني والأرز.

ولا يخفى على أحد أن المغرب بلد غني بثرواته النباتية والحيوانية، وموارده الطبيعية، ولا سيما رصيده الغابوي. وفي هذا الإطار يتوفر المغرب على خطة وطنية للحماية من حرائق الغابات ومكافحتها تحدد بدقة دور كل متدخل والإجراءات التي يجب اتخاذها. كما أن سياسة تشييد السدود المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد سمحت بتزويد طائرات كنادير بالمياه بسرعة قصوى وساهمت بشكل كبير في تسريع عملية إخماد الحريق، بالطبع تبقى أهمية التنسيق بين جميع المتدخلين هي النقطة الأساس في برنامج عمل التدخلات الميدانية، فالتعاون الجيد بين جميع الفرقاء يسرع بحماية الأشخاص والممتلكات، والحفاظ على التنوع البيولوجي للثروة الغابوية للمغرب.

هل ستزيد النيران من حدة التغيرات المناخية؟

وبشكل عام يمكن القول بأن الأرض التي نعيش فيها قد تشهد في المستقبل مزيدا من الحرائق، لكن هل ستزيد هذه النيران من حدة التغيرات المناخية؟ في مقابل ذلك من المرتقب أن تقل الحرائق في حوض البحر الأبيض المتوسط في أفق 2040 بسبب تناقص الغطاء الغابوي والنباتي كنتيجة للحرائق المتتالية والتي يعتبر الاحتباس الحراري هو المسبب الرئيسي لها، لأنه يرفع درجة الحرارة في الكثير من المناطق ويجعلها أكثر جفافا وعرضة للاحتراق، كما يتسبب أيضا في ارتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الهواء الذي تحتاجه النباتات لنموها.

 ولمعرفة ما إذا كانت التغيرات المناخية ستتسبب في مزيد من الحرائق خلال الخمسة والعشرين سنة المقبلة، قامت كلوستر وفريق عملها بمحاكاة على الكمبيوتر وتوصلت إلى أن “نسبة الحرائق ستتضاعف بمستوى خمس مرات حتى عام 2040 مقارنة بالحرائق المسجلة حاليا”، غير أن الباحثة المناخية تؤكد على أن نسبة الحرائق ستتفاوت من منطقة إلى أخرى وتضيف: “في الغابات الاستوائية قد تزداد الحرائق، في حين ستقل في مناطق البحر الأبيض المتوسط، بسبب قلة الغطاء النباتي هناك، وبالتالي ضعف انبعاث الغازات المساعدة على الاحتراق”، فالمناخ يؤثر على الحرائق ويتأثر بها أيضا، فكلما ازدادت الحرائق ارتفعت بالمقابل نسبة ثاني أوكسيد الكاربون في الهواء لكن كلوستر ترى بأن: “الحرائق لا تفرز ثاني أوكسيد الكربون فحسب، وإنما تفرز غازات أخرى مثل غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري، إضافة إلى ذلك تنتشر جزيئات الغازات الدفيئة في الهواء التي تمتص ضوء الشمس وبالتالي ترفع من مستوى حرارة الجو”، من جهة أخرى تؤكد الخبيرة في المناخ على أن الجسيمات العالقة في الهواء، الناجمة عن الحرائق تساهم في بعض الأحيان في تلطيف الجو من خلال تحولها إلى غيوم تقوم بدورها بتبريد الغلاف الجوي من خلال عكسها لأشعة الشمس الحارة، عندما يتعلق الأمر بالحرائق خصوصا تلك المدمرة منها مثل التي عاشتها غابات الأمازون وغابات استراليا طيلة السنوات الثلاث الماضية والتي جعلت المنظومات البيئية الغابوية الهشة اتجاه تغير المناخ تفقد  العالم حوالي 10 في المائة من مجموع رئة كوكب الأرض، بينما نعيش اليوم وطيلة أشهر الصيف موجة حرارة استثنائية امتدت من كندا وغرب أمريكا متجاوزة هذا العام جميع الأعوام السابقة من حيث عدد بؤر الحرائق وحجم المساحات الغابوية المحروقة من سيبيريا إلى تركيا فاليونان وقبلها بلدة ليطون في غرب كندا التي سجلت رقما قياسيا من حيث درجات الحرارة، ويرجع الخبراء السبب الرئيسي لهذه الحرائق إلى ظاهرة الاحتباس الحراري التي تتمظهر  في الجفاف ونذرة  الموارد المائية وعدم انتظام التساقطات المطرية التي تأتي تارة عبارة عن فيضانات مدمرة فتأتي على الأخضر واليابس،. نفس الشيئ أكدته تقارير علماء المناخ بخصوص حرائق الغابات التي اجتاحت أستراليا في عامي 2019 و 2020 حيث أكدت التقارير أن هذه الحرائق كانت مدفوعة بشكل واضح بظاهرة الاحتباس الحراري هذا في الوقت الذي تواصل فيه دول حوض البحر الأبيض المتوسط جهودها للسيطرة على حرائق الغابات، بالطبع الاستعداد يكون على طول السنة قبل مواجهة موجة الحرائق عبر وضع استراتيجية وبرنامج عمل يتماشى والظروف المناخية والمواقع الجغرافية لكل منطقة غابوية سواء كانت ساحلية أو جبلية، حيث يلعب فتح المسالك الطرقية الغابوية وتوفير نقط جلب الماء داخل المنتزهات والفضاءات الخضراء وتكوين فرق التدخل السريع لإطفاء النيران بأقل الخسائر، وعبر اقتناء طائرات كبرى لإطفاء الحرائق بالإضافة إلى التعاون مع الدول ذات الخبرة والتجربة في المجال من أجل تقاسم الخبرات، كما تلعب التقنيات المعلوماتية اليوم من تقييم الوضع عبر المسح الرقمي بالأقمار الاصطناعية للمساحات الغابوية المتضررة أو تلك المهددة بالحرائق غير المرتقبة. وللمغرب تجربة كبيرة في التعامل المثالي مع هذه الحرائق عبر وضع خطة للتكيف مع التغيرات المناخية ما بوأ المغرب مركز الريادة على صعيد حوض البحر الأبيض المتوسط من حيث النتائج المحققة، بل وبات عدد من الدول يستعين بتجربة المغرب في هذا المجال نظرا لما يتمتع به المغرب من خبرة وتجربة تقاسمها عالميا مع مجموعة من الدول الصديقة كما سبق للمغرب أن وفر الخبراء المغاربة لمحاربة حرائق كوستاريكا مؤخرا، ويتوفر المغرب على مركز وطني لتدبير المخاطر المناخية  يساهم في التدبير الناجع والسيطرة على حرائق الغابات عبر وضع برامج للتكيف مع الحرائق وتجميع المعطيات الرقمية من أجل تدخلات استباقية ناجعة و بأقل الخسائر.

التأثير الإيجابي للحرائق على البيئة

الأثر البيئي للحرائق ليس دائما سلبيا بل يعتبره العلماء ضروريا في بعض الأحيان لتحقيق التوازن البيئي. الإيجابي في الأمر أنه قد تتجدد النباتات ما يعزز التنوع البيولوجي في المناطق المهددة بالحرائق بينما مع بمرور الوقت يتكيف السكان مع الظروف المناخية ومع الحرائق وبشكل أفضل مع المتوسط السنوي لحرائق الغابات في المناطق الحارة والجافة فضلا عن أن تبني استراتيجيات متقدمة لمنع حرائق الغابات مما يؤدي الى انخفاض معدل الحرائق سواء بتقليل شدتها أو عددها لكن الملاحظ في السنوات الأخيرة تسارع قوة شدة الحرائق وتجاوزها المعدل الطبيعي، الشيء السلبي في الحرائق هو أنها أصبحت وسيلة لنقل الأوبئة حيث يؤكد العلماء على قدرة الميكروبات والفطريات على البقاء على قيد الحياة بأعداد ضخمة وسط سحب الدخان ويظل رجال الإطفاء الأكثر عرضة لهذه الاوبئة المنتقلة عبر الأدخنة المتناثرة في الهواء بالإضافة إلى الساكنة المجاورة للفضاءات والمنتزهات الغابوية التي تهدد الحرائق سلمها وأمنها اليومي، فحرائق الغابات الصيفية الكبيرة التي تؤثر على خطوط العرض الوسطى تولد السحب التي تتكون فوق مصدر للحرارة الشديدة حيث خلال الأحداث الشديدة يمكن أن تصل هذه السحب أحيانا إلى طبقة الستراتوسفير السفلى حيث تبقى نواتج الاحتراق التي تحتويها لعدة أشهر ويمكن أيضا نقل هذه المنتجات عبر مسافات كبيرة، وأعقب حرائق الغابات الأكثر شدة في العقد الماضي في كندا في عام 2017 وأستراليا في 2019-2020 عمليات حقن كبيرة من الدخان في طبقة الستراتوسفير بسبب الحمل الحراري، حيث دمرت حرائق الغابات الأسترالية التي استمرت قرابة 10 أشهر  أكثر من 18 مليون هكتار. بعد هذا الحدث الكبير وجد الخبراء أن بعض الدخان أنتج ذاتي التنظيم في دوامات عالية الضغط استمرت لمدة شهر إلى ثلاثة أشهر  وارتفعت إلى ارتفاع 35 كم دارت السحابة حول الأرض في نصف الكرة الجنوبي أكثر من مرة خلال اثني عشر أسبوعا، ظاهرة لم يسبق لها مثيل، وبعد الاكتشاف شرع الباحثون في مختبر الأرصاد الجوية الديناميكي في تحديد ما إذا كان هذا الحدث غير مسبوق أو ما إذا كان قد حدث في الماضي –  وفي هذه الحالة لن يتم رصد أعمدة الرماد هذه، لذلك ركزوا على حرائق الغابات الأخرى الأكثر شدة في العقد الماضي: تلك التي ضربت كولومبيا البريطانية في صيف عام 2017. في ذلك الوقت، تم حرق أكثر من 12000 كيلومتر مربع وكان لا بد من إجلاء 65000 شخص ومن جهة أخرى تساعد حرائق الغابات على انتشار الأوبئة وتهدد الموائل الطبيعية للأنواع البرية وتحذيرات من الآثار الخطيرة لـفقدان التنوع البيولوجي على البشرية بما في ذلك انهيار الغذاء والصحة.

غابات العالم تحترق

فقد بات مشهد اندلاع حرائق الغابات حول العالم أشبه بسيناريو يتكرر كل عام دون أن يحرك ساكنا لمنعه من التكرار؛ فتونس الخضراء تعاني من خطر “الاصفرار” بعدما أتت الحرائق على كثير من أشجار الزيتون، وحتى روسيا التي تعد أحد أكثر بلدان العالم برودة باتت مسرحا لحرائق دمرت ملايين الأراضي، وتشير أحدث التقديرات إلى أن بؤرة الجفاف والحرائق في منطقة الأمازون أدت إلى مقتل 2.5 مليار شجرة وكرمة، في حين تسبب الجفاف الكبير وحرائق الغابات في غابات الأمازون المطيرة في مقتل مليارات الأشجار والنباتات، وتحويل أحد أكبر مصارف الكربون في العالم إلى أحد أكبر مصادر التلوث، وتسببت ظاهرة “النينو” التي ضربت العالم في 2015-2016 في جفاف شديد ارتبط باندلاع حرائق ضخمة تسببت في انبعاث 495 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من منطقة تمثل 1.2% من كامل غابات الأمازون المطيرة البرازيلية، و1% من المنطقة الأحيائية بأكملها، ما أثر سلبا على الجهود العالمية للسيطرة على توازن الكربون في الغلاف الجوي، إذ إن إجمالي انبعاثات الكربون من الجفاف والحرائق في منطقة “تاباجوس السفلى” وحدها كان أعلى من إزالة الغابات لمدة عام كامل في منطقة الأمازون بكاملها، ونتيجة للجفاف والحرائق، أطلقت تلك المنطقة ما يزيد على فترة ثلاث سنوات مثل انبعاثات الكربون السنوية التي تصدرها بعض البلدان الأكثر تلويثا في العالم، متجاوزة انبعاثات البلدان المتقدمة مثل المملكة المتحدة وأستراليا والصين واليابان وكندا، وتحدث ظاهرة “إلنينو” بشكل طبيعي وتنطوي على تقلب في درجات الحرارة السطحية للمحيط الهادئ الاستوائي، ويصحب ذلك تغيرات في دوران الغلاف الجوي فوق المنطقة، وتؤثر هذه الظاهرة تأثيرا كبيرا على أنماط الطقس في أنحاء كثيرة في العالم.

تهديد الموائل الطبيعية للأنواع البرية

تهدد عمليات إزالة الغابات الموائل الطبيعية للأنواع البرية التي تحتضنها بيئة الأمازون على مساحة قدرها ستة ملايين كيلومتر مربع. وتعد غابات الأمازون المطيرة أكثر الأنظمة البيئية غنى وتنوعا في العالم إذ تحتوي على عدة ملايين من أنواع الحشرات والنباتات والطيور والحيوانات، وأشكال الحياة الأخرى التي لا يزال العديد منها غير مكتشف بالكامل، كما أن قرابة 400 قبيلة تضم أكثر من مليون شخص من سكان أمريكا الجنوبية الأصليين، تتخذ غابات الأمازون موطنا لها، بينما يبقى الإجهاد الذي يلحق بالنظم البيئية المحلية نتيجة إزالة الغابات وموسم الجفاف، وزيادة حدوث الحرائق قد يكون مسؤولا عن هذه الانبعاثات الكربونية المرتفعة في شرق الأمازون، وهو ما قد تكون له عواقب بيئية سلبية دائمة على كل من توازن الكربون في المنطقة وهشاشة نظمها البيئية”. وتغطي الغابات قرابة 30.6% من مساحة اليابسة، وتوفر الغابات الاستوائية موائل لما بين 50 إلى 90٪ من جميع الأنواع البرية، كما أنها موطن لعدد غير معروف من الكائنات الممرضة التي تهرب مع إزالة الغابات، ما قد يفسر انتشار بعض الأوبئة التي وقعت في السنوات الأخيرة، و تؤدي الغابات عددا من الخدمات البيئية المهمة، مثل عزل الكربون وتخزينه وحماية التنوع البيولوجي، فضلا عن صيانة النظام البيئي من خلال الأشجار التي تعد إزالتها أحد أهم مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما تمثل أشجار المانجروف 0.7% من إجمالي الغابات الاستوائية في العالم، وتتمتع غابات المانجروف بنظام إيكولوجي فريد يسهم في حماية السواحل، إذ تعمل كمنطقة عازلة تحمي الأرض من أضرار الرياح والأمواج، وتحول دون تسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية، كما تحد من وطأة تغير المناخ، إذ تحتجز نحو 75 مليار طن من الكربون، وتأوي العديد من الحيوانات البرية والبحرية.

الأنشطة البشرية السبب الرئيس في تغير المناخ وحرائق الغابات

إن الأنشطة البشرية غيرت بشكل كبير ثلاثة أرباع سطح الأرض وثلثي مساحة المحيط، وإنه بين عامي 2010 و2015 فقط، اختفى 32 مليون هكتار من الغابات، وفي الـ150 سنة الماضية، تم تخفيض غطاء الشعاب المرجانية الحية بمقدار النصف، كما يذوب الغطاء الجليدي بمعدلات مدهشة بينما يزداد تحمض المحيطات، مما يهدد إنتاجيتها، وتختفي أنواع الحياة البرية الآن عشرات إلى مئات المرات أسرع مما كانت عليه في الـ10 ملايين سنة الماضية، ونحن على وشك الانقراض الجماعي، فتحذيرات الأمم المتحدة تتفق مع نتائج كثير من الدراسات التي حذرت من خطر الانقراض الذي بات يهدد كثيرا من الحيوانات التي تتخذ من الغابات موطنا لها، ولا يمكن بالطبع تجاهل الدور الذي تقوم به الحرائق التي تنتدلع في غابات الأمازون بصورة موسمية، وتحذر دراسة حديثة من أن نسور “هاربي” –أحد أكبر أنواع النسور في العالم- باتت تكافح من أجل إطعام ذرياتها في مناطق غابات الأمازون بسبب إزالة الغابات، مشيرة إلى أن حوالي 35٪ من شمال ولاية “ماتو جروسو” البرازيلية أصبحت غير مناسبة لتربية نسور “هاربي”، وربما تسبب هذا في انخفاض أعداد أزواج التربية بمقدار 3256 منذ عام 1985، ويقول الباحث المشارك في الدراسة إيفرتون ميراندا: تتغذى نسور “هاربي” على الثدييات التي تعيش على الأشجار وخاصة الكسلان والقرود والسناجب، وحددنا 306 عنصرا من الفرائس التي تعتد عليها النسور في غذائها؛ وكانت 49.7 منها عبارة عن كسلان ثنائية الأصابع وقرود كابوتشين بنية اللون وقردة صوفية رمادية اللون. وهي فرائس بات العثور عليها صعبا بسبب إزالة الغابات ما جعل النسور تتضور جوعا.

على الصعيد العالمي تهدد الحرائق البشرية المنشأ بقاء الحياة البرية التي تقتل أو تصاب بسبب الاحتكاك المباشر بالدخان واللهب أو التي تعاني من تدمير كبير لموئلها، ومع ذلك من الصعب معرفة التأثير الدقيق الذي سيكون على كل نوع خاصة تلك المهددة بالفعل كما يضيف كريج هيلتون-تيلور رئيس القائمة الحمراء للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة تسرد هذه القائمة الأنواع الحيوانية والنباتية وفقا لخطر الانقراض: “هناك الكثير من الحرائق التي يستحيل معها معرفة الخطورة التي سيكون لها تأثير”، وهو ما يعتمد أيضا على قدرة الأنواع على الفرار أو مقاومة النيران، والتي قد يزدهر بعضها بعد اندلاع حريق، ووفقا للملاحظات الأولى للصندوق العالمي للطبيعة فقد تعرضت غابات وجبال مقاطعتي موغلا وأنطاليا حيث تعيش الأنواع الأيقونية للكاراكال أو الوشق في الصحراء والقطط والماعز البري لأضرار كبيرة، هذه المناطق هي أيضا موطن لأنواع مستوطنة من القوارض، وعشب الليمون الصوفي، يواصل الصندوق العالمي للطبيعة، وقالت المنظمة غير الحكومية: “ربما تأثرت أعداد محلية من 121 نوعا مهددا بالانقراض في أنطاليا و87 نوعا مهددة بالانقراض في موغلا بما في ذلك خمسة أنواع من البوم وخمسة من نقار الخشب و21 من الزواحف والبرمائيات”، ويتحدث الصندوق العالمي للطبيعة عن “الكوارث الكبرى” ويضيف: “حرائق الغابات الأخيرة التي ضربت النظم البيئية الحيوية وعدد لا يحصى من الحيوانات البرية والداجنة”، “أتيكا الشمالية هي المنطقة الوحيدة في جنوب اليونان التي لا يزال يعيش فيها الغزلان الأحمر المهددة بالانقراض” في البلاد و عانت أكبر غابات عنق الرحم في أوروبا من الصيد الجائر وتدمير الموائل، هذه المنطقة هي أيضًا موطن لقطعتين من الذئاب الرمادية وهي من الأنواع المحمية على المستوى الأوروبي وهي منطقة مهمة للحيوانات التي تعيش في الغابات الصنوبرية: الثعالب والسناجب وطائر الغابة.

في إيطاليا شهدت حديقة أسبرومونت الوطنية التي تمتد عبر معظم منطقة كالابريا العديد من الحرائق، فهي موطن من بين أشياء أخرى قوارض صغيرة نادرة متوطنة في المنطقة وأشجار عمرها مائة عام، أما في سردينيا وهي واحدة من أكثر المناطق ثراء في التنوع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط تهدد النيران أيضا بقاء العديد من الأنواع المستوطنة كما يقلق الصندوق العالمي للطبيعة بما في ذلك غزلان ساردو كورسيكان التي تم إنقاذها من الانقراض في الثمانينيات وحجل غامبرا، وتسببت الحرائق أيضا في مقتل عدد كبير من الزواحف بما في ذلك السلاحف الحدودية، إن أي تدمير لموائل الغابات في وسط وجنوب إيطاليا مثل تلك التي دمرتها النيران في أبروتسو وسردينيا وبوغليا وصقلية له تأثير قوي على الحياة البرية والنظم البيئية المهمة المهددة بالفعل بالتفتت وتحويل الأراضي والصيد والصيد الجائر وغير القانوني أما في فرنسا دمر حريق عنيف في الجنوب جزئيا محمية بلين دي موريه الطبيعية وهي واحدة من آخر المواقع لإيواء سلحفاة هيرمان آخر سلحفاة برية في أوروبا، أما في روسيا تشتعل النيران بالغابات الشاسعة في جمهورية ياقوتيا السيبيرية التي تهدد العديد من الحيوانات الكبيرة التي تعيش في المناطق المحمية بالمنطقة وهي أنواع شائعة في هذه المنطقة مثل الأيائل والرنة البرية والغزلان، الدب، ولفيرين، والوشق، والسنجاب الطائر والأنواع النادرة مثل أيل المسك، التي يمكن التعرف عليها من خلال الأنياب العلوية في شكل أنياب طويلة مدببة، خروف الثلج، نوع من جرذ الأرض الرافعة الديكي، الرافعة السوداء والصقر شاهين والنسر الأبيض والنسر الذهبي.

تقرير هيئة علماء المناخ التاريخي حول حوض البحر الأبيض المتوسط

كشفت مسودة تقييم وضعتها هيئة علماء المناخ التابعة لهيئة الأمم المتحدة  أن منطقة المتوسط تعد مركز التغير المناخي إذ ستشهد موجات حر غير مسبوقة وجفاف وحرائق ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، ويفصل تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المقرر نشره العام المقبل التداعيات المستقبلية للتلوث الكربوني على المنطقة، التي شهدت الأسبوع الماضي درجات حرارة تتجاوز المعدلات، وأفاد الفصل المكرس لحوض البحر الابيض المتوسط في مسودة تقرير مجموعة العمل الثانية التابعة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بشأن التداعيات المناخية والمقرر نشره رسميا في شهر فبراير 2022 أن سكان منطقة المتوسط البالغ عددهم أكثر من نصف مليار يواجهون مخاطر مناخية مترابطة للغاية، وجاء في التقرير أن دواعي القلق تشمل مخاطر على صلة بارتفاع منسوب البحر وخسارات في التنوع الإحيائي البري والبحري ومخاطر مرتبطة بالجفاف وحرائق الغابات وتغير دورة المياه وإنتاج الغذاء المعرض للخطر والمخاطر الصحية في المستوطنات الحضرية والريفية جراء الحرارة الشديدة وتبدّل ناقلات الأمراض، وتتوقع المسودة أن ترتفع درجات الحرارة في أنحاء المتوسط أسرع من المعدل العالمي في العقود القادمة، ما يهدد قطاعات الزراعة والثروة السمكية والسياحة التي تعد حيوية للغاية، وسيواجه عشرات ملايين السكان الإضافيين خطرا متزايدا جراء شح المياه والفيضانات والتعرّض لدرجات حرارة شديدة قد تكون مميتة، بحسب التقرير.

ويشير التقرير إلى أن بعض مناطق المتوسط قد تشهد تراجع غلات المحاصيل التي تنتجها الأمطار بنسبة 64 في المائة، بناء على مدى السرعة التي تتمكن البشرية من خلالها من ضبط انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة، ويفيد التقرير بأن 71 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معرض لضغط ناجم عن شح المياه بدرجة عالميا أو عالية جدا، كما أن الأمر ذاته يؤثر على 61 في المئة من سكان المنطقة، ويتوقع أن تزداد مساحة الغابات المحترقة بنسبة تصل إلى 87 في المائة في حال ارتفعت درجات الحرارة على سطح الأرض لدرجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وبنسبة تصل إلى 187 في المائة في عالم ترتفع الحرارة فيه بثلاث درجات مئوية، وفيما لا يتوقع أن تكون المنطقة الأكثر تأثرا بارتفاع درجات الحرارة في العالم، تصنف مسودة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ منطقة المتوسط على أنها أصبحت مركزا للتغير المناخي، ويخلص التقييم، وهو الأشمل، إلى أن الحد من الاحترار العالمي ليبقى ما دون الدرجتين مئويتين وهو الهدف الأساسي لاتفاقية باريس الموقعة عام 2015 وحده قادر على الأرجح على المحافظة على المستوطنات الساحلية ومواقع التراث الثقافي والأنظمة البيئية البرية وفي المحيطات بوضع قابل للحياة في معظم أجزاء حوض البحر الابيض المتوسط، ورغم أنه يصعب تحميل درجات الحرارة المرتفعة المسؤولية المباشرة عن الحرائق كتلك التي تشتعل في اليونان وتركيا، إلا أن موجات الحر والجفاف التي يسببها التغير المناخي تزيد احتمالها، وقال المدير المساعد في معهد جامعة أكسفورد للتغير البيئي فريدريك أوتو: “كل موجة حر تحصل اليوم تصبح مرجّحة أكثر وأشد بفعل التغير المناخي الذي يتسبب به البشر”، وتابع: “تعد موجات الحر من أنواع الظروف الشديدة حيث يعد التغير المناخي المبدل الفعلي لقواعد اللعبة وهي طريقة رئيسية للكيفية التي تجسد من خلالها التغير المناخي على مدى سنوات حتى الآن، وأفاد أوتو، الرئيس المشارك لخدمة “إسناد الأحوال الجوية العالمية” التي تقيس تداعيات التغير المناخي على أحداث الطقس، أن الحر الشديد من بين التهديدات الأخطر التي تواجهها منطقة المتوسط في حين أن موجات الحر تعد “إلى حد كبير الأحداث الشديدة الأكثر فتكا في أوروبا”، وتتوقع مسودة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأن ما يصل إلى 93 مليون شخص إضافي في شمال المتوسط قد يواجهون ضغطا جراء حرارة مرتفعة أو مرتفعة للغاية بحلول منتصف القرن، واشتعلت النيران في العديد من المستودعات والمنشآت الصناعية على طول الطريق السريع بين أثينا وشمال سالونيكا، ووقعت العديد من الانفجارات ودعت الحكومة السكان في مالاكاسا وسفيندالي إلى مغادرة المنطقة، في تحذيرات عبر الرسائل النصية القصيرة، وانتقل أفراد الأمن من منزل إلى آخر للتأكد من مغادرة جميع الأشخاص، وتم الإعلان عن عمليات إجلاء أخرى في أوروبوس، وهي بلدة تقع على بعد حوالي 25 كيلومترا شمال أثينا، وواجهت اليونان تمددا في حرائق الغابات المستعرة منذ أيام، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير معتاد والرياح القوية الغربية اليوم الجمعة في زيادة اشتعال تلك الحرائق.

الحرائق تساهم في تغير المناخ

يتأثر المناخ بعوامل كثيرة مثل ارتفاع درجة الحرارة وانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وارتفاع مستوى مياه المحيطات، غير أن هناك عاملا آخر لم يحظ بالاهتمام الكبير: إنها الحرائق التي تجتاح الكثير من الغابات والمناطق الخضراء، لقد أصبح الخبراء يدركون تدريجيا وجود أثار سلبية للحرائق على المناخ تساهم في التغيرات المناخية، وحسب سيلفيا كلوستر من معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية، فإن مساحة الغابات التي تتعرض للحرائق تقدر بـ 400 مليون هيكتار سنويا وهي مساحة أكبر من مساحة الهند. وفي أغلب الأحيان تتم هذه الحرائق نتيجة صواعق طبيعة كالبرق الذي يتسبب في اشتعال الخشب واندلاع النيران في الغابات، أو بسبب الإنسان الذي يقوم بحرق أجزاء من الغابات لتحويلها إلى أراضي زراعية.

بقلم: محمد بن عبو

Related posts

Top