قبل أربعين عاماً اصطف المغاربة حول أجهزة الراديو للإستماع إلى صوت المذيع، وهو يصف أعظم إنجاز شهدته كرة القدم الوطنية على مر التاريخ، حيث لم يكن هناك لا تلفزيون ولا إنترنت، ليقتصر الأمر بكل بساطة على صوت أحمد الغربي، المذيع الراحل، حيث ذاع صيت هتافاته وهو يزف للمغاربة فوز المنتخب الوطني الأول بكأس الأمم الأفريقية أثيوبيا 1976.
في مثل 14 مارس الجاري، وقبل أربعين سنة تحديداً كان التعادل 1-1 مع غينيا في أديس أبابا يعني التتويج بكأس الأمم الأفريقية، كانت الكأس الإفريقية الوحيدة والأخيرة إلى حد الآن في تاريخ الكرة المغربية، وكان لاعب الوسط والقائد أحمد فرس جزءا أساسيا في التتويج بهذه البطولة الوحيدة.
وقد كشف من منزله في أكادير عندما زاره موقع “فيفا.كوم” عن ذكرياته في البطولة، حيث قال: “لم يكن الفوز بتلك الكأس بالأمر السهل، كانت غينيا في حاجة إلى الفوز في حين كنا مطالبين بالتعادل لنرفع اللقب الغالي..كانت غينيا توصف ببرازيل أفريقيا، لقد عذبونا طيلة دقائق المباراة، بل كانوا السباقين للتسجيل، حينها بات التتويج أمرا صعبا..”
وأكمل الأسطورة ذو التسعة والستين من العمر:”عشنا لحظات من الصدمة، قبل أن نستفيق في الشوط الثاني، لنلعب بكل ما أوتينا من طاقة، لتأتي الدقيقة 86 حينها قدت المبادرة من وسط الملعب متقدما نحو الدفاع الغيني، فإذا بي أسمع صوتاً يناديني، ويتوسلني كي أمرر له الكرة، وهو ما لم أتردد في فعله، كي تجد تمريرتي زميلي أحمد مكروح (الشريف) الذي سدد الكرة من على بعد 25 متراً باتجاه المرمى مسجلاً هدف التعادل..ويعلن الحكم الزامبي بعد بأربع دقائق عن نهاية المباراة بالتعادل وتتويج المغرب باللقب”.
مرض مفاجئ
مرّ أحمد فرس وهو يقود المنتخب المغربي لرفع لقب كأس الأمم الأفريقية، بمراحل عصيبة خاصة الجانب الصحي. فقبل أيام من مباراته الأولى في البطولة أمام منتخب السودان أصيب بحمى “التيفوئيد”، وقد نزل المرض كقطعة ثلج برد باردة، لأن فرس كان القائد الذي يعول عليه الجميع. وقال فرس عن تلك الواقعة: “قبل أيام من إجرائنا للمباراة الأولى أحسست برعاش وصداع تبين في ما بعد أنه داء التيفوئيد، منع عني الطبيب التدريبات طالباً مني التزام الغرفة وتناول الأدوية. لقد تبخر حلمي حينها برفع الكأس، انتهى كل شيء بالنسبة لي فمشاركتي في البطولة باتت من المستحيل”.
وأضاف “لكن في صبيحة المباراة حدث ما لم يكن في الحسبان حيث زارني رئيس الوفد المغربي الكولونيل المهدي بلمجدوب، مخاطباً إياي بالقول ’استجمع قواك… ستقود زملائك أمام السودان ولن يحس أي منهم بأنك مريض‘..وبالفعل لحقت بالمباراة وقدمنا مباراة كبيرة أمام منتخب كبير من حجم السودان”.
كان فرس اسماً على مسمى في تلك الحقبة، فجميع المنتخبات الأفريقية كانت تهابه لما كان يملكه من مؤهلات تقنية، وهو ما يفسر إشراكه في جميع مباريات المنتخب المغربي في البطولة على الرغم من عدم تماثله للشفاء، فكان للمغرب لقب البطولة، بتسجيله في الدور الأول لفوزين أمام كل من زائير (جمهورية الكونغو) ونيجيريا وتعادل أمام السودان وفوزين في الدور الثاني، على مصر ونيجيريا قبل الوصول إلى مباراة غينيا.
لم يكن حينها لاعبو المنتخب المغربي يبحثون عن المال بقدر ما كان يهم رفع العلم المغربي عالياً وإهداء لقب تاريخي للكرة المغربية. فمنحة البطولة لم تكن بالشيء الكثير، حيث قال عنها “نحن جيل ليس له مثيل، فقد كان همنا هو القميص الوطني، لقد كنا نضحي بالغالي والنفيس من أجل أن نحقق شيئاً عظيما للكرة المغربية، أتذكر أنه قبل البطولة، سلمونا ما قدره 50 دولار كمنحة تحفيزية، وبعد التتويج بالبطولة وبعد مرور ثلاثة أشهر من الإنجاز منحونا مكافأة مالية قدرها 1000 دولار.”
الكرة الذهبية
سطع اسم فرس في السبعينات، فرغم صغر سنه حينها، إلا أنه نجح في قيادة المنتخب المغربي إلى المشاركة في ثلاثة نهائيات أفريقية وبلوغ مسابقة كرة القدم في الألعاب الأوليمبية في ميونيخ 1972 التي سجل فيها ثلاثة أهداف دون إغفال مشاركته في كأس العالم 1970 المكسيك، لكي تكون خلاصة هذه المسيرة الناجحة، تتويجه بلقب الكرة الذهبية الأفريقية في عام 1975 كأول لاعب عربي ومغربي يتوج بهذا اللقب الفخري.
وشرح فرس الأسباب التي كانت وراء اختياره من طرف مجلة “فرانس فوتبول” الفرنسية، لنيل جائزة أفضل لاعب أفريقي في عام 1975 حيث قال: “في عام 1975 فزت مع فريقي شباب المحمدية ببطولة الدوري وكأس العرش، وكأس المغرب العربي، وقدت لبلادي انتصارات متتالية وبلوغ نهائيات كأس الأمم الأفريقية أثيوبيا 1976، لقد كان عاماً مثالياً بالنسبة لي”.
إنجازات عديدة يأمل الهداف التاريخي للمنتخب المغربي بمجموع 42 هدفاً، أن يصل إليها الجيل الحالي بتعزيز خزينة المغرب بلقب قاري ثاني، في عهد كل الظروف فيه تؤدي إلى التألق الكروي.