فرصة للوضوح

الخرجة الشاردة الأخيرة لزعيم العدالة والتنمية تفيدنا اليوم على الأقل في تسليط الضوء على مشهدنا الحزبي ككل.
لقد انبرت العديد من الأحزاب لاستنكار أقوال بنكيران التي جسدت منطق تفكير جماعته، وهو أمر كان دائما واضحا في أدبيات الحركة الأصولية ومسلكياتها، وهذه الهبة الجماعية تبقى مع ذلك إيجابية، عندما تقترن بوضوح أيديولوجي وفكري وبرنامجي، يجعل من الدفاع عن الديمقراطية اختيارا متأصلا لدى كل هذه الهيئات وبشكل مستمر. من هذا المنطلق، فإن بنكيران مكننا من فرصة فعلا، لتحديد اصطفافات مشهدنا الحزبي، حتى لا تبقى مواقف بعض الأحزاب مجرد «إشارات» لتأكيد الثقة …
اليوم عندما نعلن اصطفافنا داخل دينامية الدفاع عن مجتمع ديمقراطي حداثي، فهذا يعني رفض أي تحالفات محلية أو وطنية مع المتخندقين جهارا في الموقع النقيض، أما عندما يخرج البعض بتنظيرات وتكييفات غير مقنعة لتغيير التاكتيك أو لممارسة تخويف متوهم بالاقتراب من أطراف حزبية لا ناظم معها، فهنا يوجد الاختلال، ويتربع على كرسي الوضوح مجسدا تخلف ممارستنا الحزبية بامتياز.
الرأي هنا ليس للإقصاء أو للاستئصال، إنما بغاية الوضوح، قناعة أن ذلك هو ما ينقص حياتنا الحزبية بالدرجة الأولى.
تحتاج أحزابنا إلى الوضوح في التفكير وفي المواقف، وإلى الشجاعة في التعبير عنها  والالتزام بها وتحديد التحالفات على ضوئها، ثم تحتاج إلى التحلي بطموح في حجم بناء وطن.
الأحزاب الديمقراطية الحقيقية قالت دائما بأن الفكر الأصولي بطبيعته يناهض الديمقراطية والتعددية، واستنكرت دائما الهوية المزدوجة للتيارات الحاملة للفكر المذكور، وممارستها  «التقية» في علاقتها بالمؤسسات وبالعمل الديمقراطي، واليوم عندما  يقدم لنا زعيم التيار ذاته فرصة تأكيد هذه القناعة، فإن الطبقة السياسية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالوضوح في الرؤى وفي التحالفات وفي المواقف.
الديمقراطية والحداثة  تجسدان قيما أولا وقبل كل شيء، وهي قابلة للتراجع وللضمور متى تراجعت قوة الأحزاب والمؤسسات الحاملة لها والمدافعة عنها، ومن هذا المنطلق فإن نجاح المغرب في اختياراته الإستراتيجية مرتبط بتقوية الهيئات المدافعة عنها، وبالتالي القضاء على ما يقر به الكل اليوم من خصاص في الشرط الذاتي المتمثل في أحزاب وقوى الصف الديمقراطي الحداثي.
ورطة بنكيران اليوم، فرصة لهذه القوى لإثارة الأسئلة الكبرى ذات الصلة بحقلنا الحزبي وممارستنا السياسية، من حيث الميكانيزمات، والتحالفات، ومن حيث وضوح المواقف والأفكار وشجاعة التعبير عنها باستمرار والالتزام الأخلاقي بها من دون حسابات صغيرة.
ورطة بنكيران اليوم، فرصة للديمقراطيين جميعا لتجديد الانكباب على أسئلة مغرب المستقبل، أي مغرب نريد؟ أية إصلاحات نحن في حاجة إليها؟ أية اختيارات كبرى سيتمحور حولها بنياننا المجتمعي؟
وهنا لا مكان لاختلاط الأمور…

Top