فنانون ومبدعون من مختلف المشارب يودعون الفقيد العربي اليعقوبي

 ودع فنانون ومبدعون مغاربة من مختلف المشارب الثقافية والفكرية، بمقبرة سيدي اعمر بطنجة، فقيد المسرح والسينما المغربيين الفنان محمد العربي اليعقوبي إلى مثواه الأخير في موكب جنائزي مهيب يعكس قيمة الراحل في نفوس عشاقه ومحبيه وأصدقائه.
 وكان المرحوم محمد العربي اليعقوبي قد توفي يوم الثلاثاء الماضي بإحدى مصحات مدينة  طنجة، عن سن يناهز 86 عاما.
 وأجمع رجال الثقافة والسينما، في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، على أن  وفاة العربي اليعقوبي كأحد أبرز الأسماء المغربية في عالم المسرح والسينما، يعد خسارة كبيرة للفن السابع كما لأب الفنون وباقي الإبداعات الفنية، لما أسداه الراحل  من خدمات جليلة للثقافة المغربية رفع رايتها خفاقة في مختلف المحافل خاصة منها  الدولية.
 وفي هذا السياق، قال المدير السابق للمركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل إن عشاق السينما فقدوا برحيل محمد العربي اليعقوبي فنانا موهوبا من جيل الرواد  قادته عطاءاته إلى التربع على كرسي الريادة سواء في المسرح أو في السينما، كما فقدوا إنسانا وديعا شكلت أياديه الممدودتان طيلة مساره السينمائي والمسرحي الحافل حضنا دافئا لكل من يشق طريق التألق.
 وقال رئيس جمعية النقاد السينمائيين بالمغرب، خليل الدامون، إن الفنان الراحل العربي اليعقوبي كان بمثابة الذاكرة الحية لتاريخ المسرح والسينما المغربيين بفضل مساره المتألق ومجايلته لرواد السينما العالميين والمغاربة، وبصمته الخاصة في مكونات السينما والمسرح تشخيصا وتصميما للملابس والديكور بأيادي مبدعة قادته إلى العالمية من بابها الواسع على مدى أزيد من نصف قرن، حيث شكل طيلة حياته مزارا لمبدعي السينما والمسرح من أجل النهل من تجاربه.
 وأكد الكاتب العام لاتحاد كتاب المغرب والإعلامي سعيد كوبريت أن المغرب فقد بوفاة محمد العربي اليعقوبي أيقونة من الأيقونات البارزة للمسرح والسينما المغربيين، ضحى بصحته ووقته وماله، ضمن كوكبة متميزة من جيل الرواد، من أجل أن  يتبوأ الإبداع المغربي بكل روافده أعلى المراتب، وهو مثال يحتذى به في التضحية ونكران الذات للرقي بالثقافة المغربية وإيصالها إلى ما وصلت إليه من مجد وعطاء.
 وقال المخرج والشاعر المغربي لحسن زينون إن الراحل محمد العربي اليعقوبي يعد من بين الشخصيات المغربية المتألقة التي جاد بها الزمن الثقافي الجميل، إذ اجتمع فيه ما تفرق في غيره من طباع إنسانية نبيلة وأداء سينمائي ومسرحي راق وسخاء في العطاء لا يكل ولا يمل.
 وقال المندوب الإقليمي لوزارة الثقافة بعمالة طنجة أصيلة العربي المصباحي إن الفقيد كان من العلامات البارزة في المشهد الثقافي المغربي، وعلما من أعلام الفن النبيل، معتبرا أن وفاته تشكل خسارة للثقافة والإبداع الفني والسينمائي المغربي  لمكانته الكبيرة في قلوب الأسرة الثقافية وعشاق الإبداع الراقي.

بروفايل

> إعداد: كريمة نادر
ممثل. تشكيلي. موسيقي. مصمم ملابس. سينوغرافي… كذا هو العربي اليعقوبي.. متعدد الأخيلة والأحلام من أجل حقيقة واحدة: الحرية.
في طنجة الكوسموبوليتية، سنوات الأربعينيات والخمسينيات، وقف العربي في البرزخ الفاصل بين البحرين، وأشرع رئتيه للرياح اللواقح التي كانت تهب بقوة من أوروبا وأمريكا، محمَّلة بصنوف الهيبيين وكتّاب «جيل البِيت»   Génération Beat تسكع العربي رفقة كتاب من العيار الثقيل ارتبطت أسماؤهم ومساراتهم بمدينة طنجة…

عُشُّ اللقاءات المدهشة..

في مارس 1930، ولد العربي اليعقوبي بطنجة، حيث نشأ منبهرا بألوان الحياة والأجناس التي كانت تتلبس المدينة آنئذ. كان مسار العربي في المدرسة القرآنية بالمدينة العتيقة قصيرا، «كان الفقيه كلما لمح من النافذة سياحا أجانب يقتربون من الساحة المقابلة للمسيد، يرتب هندامه ويشير علينا بالخروج إلى الساحة حيث يصطف إلى جانبنا، مُعرِّضا نفسه وإيانا لعدسات السياح تسحبُ منّا الصور وتنفثها في سماوات العالم». هنا كبرت طموحات العربي لتتجاوز مجرد تواصل عابر مع الكاميرا إلى جوار دائم.
مكن تعلم العربي المبكر للغات في مدرسة “Poncet” الفرنكو- عربية، من اكتشاف الثقافات الأوروبية الأكثر حضورا في طنجة الدولية. ولدى عودته من الرباط، التي قصدها للدراسة، لم يجد العربي أدنى صعوبة في الانصهار وسط الكتاب والشعراء والموسيقيين والتشكيليين الأوروبيين والأمريكان، المقيمين في طنجة والعابرين. «كان جون جوني مرارا يقول لي بأنه مولع بطبخ العربي اليعقوبي، وبأناقته، وبنمط عيشه.. العربي كان من أكثر الأشخاص قربا إلى قلب صاحب (مذكرات اللص)”، يحكي الشاعر الطنجاوي عبد اللطيف بنيحيى.
غير بعيد عن البيت الصغير الذي سكنَته بحي القصبة، سيلتقي العربي اليعقوبي الكاتبة الأمريكية جين آور، زوجة بول بولز. «كانت جين في الثلاثينيات من عمرها، مليئة بالحياة، تعيش منفصلة عن بول، وكثيرا ما كانت تستقبل أصدقاءها في بيتها، في أماسي تخصص لحديثٍ بلا حدود أو سقوف عن الفن والأدب.. هناك بدأت صداقتي مع تينسي وليامز» يقول العربي، ويضيف بنيحيى: «منزل بول بولز كان مفتوحا للعربي، يمضي فيه سهرات ويلتقي العديد من الكتاب والفنانين مثل صمويل بيكيت ووليام ورووز، الذي كان بولز يلقبه برجل العصابات، لاستهلاكه المفرط للمخدرات. كان العربي يندس بخفة وسط أحاديث هؤلاء بعشق وأناقة وخفة لافتة».
بابتسامة صغيرة، يتذكر العربي تسكعه رفقة وتينسي وليامز في السوق الصغير، وأحاديثه مع بيكيت، جونيه، بوروز، زفزاف، خير الدين، شكري.. حول كأس نبيذ أو شاي بمقهى سنطرال ملتقى الفنانين والهائمين حينها.
يسترجع العربي بعض مشاهد من سهراته مع محمد شكري، وهما يستمعان فيها لـ «جيمنوبيديا» إيرك ساتي.. «شكري بالرغم من مزاجه الحاد، كان يحمل للعربي مشاعر عميقة. كان يحب الفنان الذي بداخله.. معجبا بذوقه الرفيع»، يحكي بنيحيى مستطردا: «العربي جمعته صداقة متينة بمحمد زفزاف أيضا.. لقد كان الإثنان يفيضان حكمة وخفة روح، في آن».

عشق للحياة..

منذ البداية كانت الحكاية. «حكايات والدتي وحكايات المدرسة عن عنترة وصلاح الدين.. هي ما قادني إلى المسرح. كنت أقلب البيت رأسا على عقب وأنا أعرض مسرحياتي.. أختار النصوص، أعدها، ثم أختلس شراشف وستائر أمي، أصنع منها ملابس وديكور مسرحياتي، وأشرع في تدريب أصدقائي على أداء أدوارهم» يحكي العربي.
سنة 1950 سيحصل العربي اليعقوبي على الشهادة الابتدائية وسيلتحق بإعدادية مولاي يوسف بالرباط. هناك سيلتقي المسرحي عبد الصمد الكنفاوي. كان هذا اللقاء هو «البداية الحقيقية لمغامراتي الفنية والمسرحية»، بعدها سيلتحق اليعقوبي بفرقة مسرح المعمورة وسيتمكن من صقل أدائه وحضوره على الخشبة.
سنوات قليلة بعد ذلك، سيعمل العربي «بار مان» لدى المخرج الأمريكي الشهير أورسون ويلز، بينما كان هذا الأخير يصور فيلمه «عطيل»، الذي حاز على السعفة الذهبية لمهرجان «كان» لسنة 1952. «لقد بذل سكان مدينة الصويرة قصارى جهدهم لتمكين ويلز من إتمام فيلمه، مدّوه بالأقمشة والديكورات والملابس والخياطين والتقنيين»، يحكي العربي، مضيفا: «أندري أزولاي كان يشتغل ضمن فريق الفيلم حينما التحقت به.. حيث تمت ترقيتي مساعدا خاصا لأورسون ويلز.. طيلة مدة التصوير كنا لا نفترق، كنت أمسك بيدي قنينة الكونياك وبالأخرى علبة سيغار كوبي، جاهزا لإشارة من ويلز.. كان ذينك الشهران مثل حلم في حياتي».
سنة 1957، التحق العربي اليعقوبي بوزارة الشبيبة والرياضة كمسؤول عن الإنتاج المسرحي. في غضون سنة اقترح على الوزارة تأسيس دور الشباب، ليصبح، في 1959، مدير أول دار شباب بطنجة. العربي سرعان ما سيترك هذا العمل ومعه الجمل بما حمل، بعدما تمت محاسبته على مغادرته مقر العمل، «بالرغم من أن الوزارة هي التي جعلتني أتفرغ للتعاون مع المخرج السوري مصطفى العقاد، لاختيار أماكن التصوير» يقول العربي.
خلال نفس السنة التي ارتاح فيها اليعقوبي من عبء الإدارة، سيُستدعى رفقة فرقة موسيقية كان قد أسسها بطنجة، للمشاركة في مهرجان بمدينة فارو البرتغالية، ليجد نفسه يؤدي «دويتو» غنائيا مرتجلا رفقة نجمة موسقى «الفادو» العالمية، أماليا رودريغيز. لم يلتق العربي مجددا بأماليا سوى مرة واحدة سنوات بعد ذلك، خلال حفل خاص أقامه الحسن الثاني.
في 1961، سيعرف مسار العربي اليعقوبي، كمصمم ملابس للسينما، قفزة نوعية، حين سيشتغل رفقة مصممة أزياء السينما الشهيرة فيليس دالتون في فيلم «لورنس العرب»، وكذا مع المخرج ديفي لينش. «فيليس دالتون كانت موهوبة ومحترفة، لكنها لم تكن على دراية بنوعية الملابس الملائمة للحقبة الزمنية التي تدور فيها أحداث فيلم لورانس العرب.. إذ ذاك كنت أرسم الملابس ثم أشرف على إعدادها حالما توافق عليها فيليس» يقول العربي.
سنة 1974 سيعمل العربي كمشرف أول على تصميم ملابس فيلم «عودة الحصان الأسود» من إخراج فرانسيس فورد كوبولا، ثم في فيلمي مصطفى العقاد الشهيرين: «الرسالة» في 1976 و»عمر المختار» سنة 1977.. ولاحقا سنة 1984 سيصمم أزياء الممثلين في فيلم «آخر محاولات المسيح» لمخرجه مارتن سكورسيز.
في عام 2000، وبعد غياب سنوات عن المسرح، قرر العربي اليعقوبي العودة إلى عشقه الأول وساهم كسينوغرافي ومصمم أزياء في العديد من المسرحيات المغربية.
واجه العربي المرض ورتابة اليومي، وقلة هم الأشخاص الذين كانوا يواظبون على مؤازرته في محنته. أحد هؤلاء الشاعرة والمصورة وداد بنموسى، التي تحكي «العربي اليعقوبي رجل من الزمن الجميل.. في رقته وأناقته، يحمل ذكريات ألف ليلة وليلة بطنجة».. مضيفة «ذات غروب في مقهى كاب سبارطل ونحن نتأمل انصهار الشمس في الأفق، التفت إلي العربي وقال: أحيانا يساورني إحساس كأني لازلت على قيد الحياة».

عن موقع “الأول”

***

العربي اليعقوبي: الفنان الأنيق

> وصال الشيخ

لا بدّ لكل زائر لمدينة طنجة المغربية، من تفقّد زنقاتها وفسحات بيوتها وساحاتها المطلّة على البحر، ولا بدّ له أيضًا من الصعود صوب حي مرشان ليكتشف فيه أحد أهم الفنانين المغاربة؛ العربي اليعقوبي، الذي شكّل حالة استثنائية في تصميم الملابس لأفلام عالمية وفي إنشاء مسرح مغربي ما يزال صداه يترّدد حتى اللحظة.
على مهل، وفي ظلّ الياسمين المطلّ من بيوت الحيّ، نصل إلى بيت العربي اليعقوبي. بيت مهول في صمته ودفئه ورحابته المتسعة منذ زمن الإسبان. ولد اليعقوبي سنة 1930 حين كانت طنجة واقعة تحت الحماية الدولية، وشهد أوضاع المدينة التي كانت القوى الدولية تتنافس في السيطرة عليها، إلى درجة أن العائلات كانت تتنافس أيضًا فيما بينها، ما أدّى إلى خلق نمط عيش خاص فيها.

 
طنجة ذاك الزمان

أوضاع طنجة وقتذاك كانت محور حديثنا مع اليعقوبي، الذي وصف كيف كانت “المدينة مقسومة على عائلات، وكل عائلة واقعة تحت حماية دولة محتلة معينة، الأمر الذي أدّى إلى حدوث الانشقاق وإلى نوع من الفرقة، فضلًا عن عدم وجود مجتمع منسجم مع نفسه، ومحبّ للآخر”. وتابع وصفها قائلًا إنها نوع من “الطغيان، فمن كان لديه وقاية شبه جنسية، وتحت حماية القنصلية البريطانية، راح يظنّ نفسه أعلى شأنًا ممن هم تحت الحماية الإسبانية مثلًا. وقد انتهز الإسبان الظروف في فترة الحرب العالمية الثانية، فهاجموا المدينة عسكريًا”.
في ذلك الوقت كان اليعقوبي يعيش داخل أسوار القصبة أو المدينة القديمة، ويشهد من موقعه ما يحدث لها. ناسٌ كثر واحتجاجات مغاربة ضدّ الاحتلال، وجنسيات بريطانية وأميركية وألمانية وفرنسية تتمشى في الشوارع. ومكتبات ومسارح وصالات سينما عديدة تأسست في تلك الفترة أيضًا. كما نبغ كُتّاب مغاربة، وكتّاب آخرون أتوا وصنعوا أدبهم من مدينة “البيتلز”.
يتذكر اليعقوبي ذلك الجو المختلط والثقافي، من خلال الكاتب المغربي عبد القادر الشاط، الذي ذاع صيته بسبب روايته “فسيفساء باهتة” التي كتبها بلغة فرنسية أنيقة، ونشرت في باريس سنة 1932، يقول عنه: “كان جاري، واشتهر بقصته تلك لمدة طويلة”. كانت جاذبية طنجة ذاك الزمان لا تقاوم، كذا شارك في طابعها الثقافي المميز مثقفون عالميون، مثل الكاتبة الفرنسية مارغريت يورسنار والأميركي بول بولز والمغربي محمد شكري وغيرهم.

الشغف بالمسرح ولقاء ويلز

شغل المسرح بال اليعقوبي، عندما مثّل الأكاديمية الفرنسية المشهورة لمدة عامين في المغرب، ونظّم لها أعمالها وعروضها في مختلف مدن المغرب، يقول: “كبرت الصداقات وتشاركت الأسرار خلال الجولات المسرحية. كان الجو لطيفًا خفيفًا. تقاربنا وانسجمنا. وأصبح جون دافيه والممثل السينمائي والمسرحي الفرنسي جيرار فيليب من أصدقائي. كنّا نمثّل في سينما موريتانيا، ومسرح سيرفانتس- المكانان أصبحا أطلالًا -، فقد مثّل جيرار دور البطولة في قصة تحكي عن ملك قشتالة، وعن دفاعه عن ابنة الملك ضدّ أحد أبناء النبلاء. هذا الدور دفع راسين للكتابة عنه، وجعل مؤسس حزب الاستقلال والزعيم الوطني علال الفاسي يصرخ في الجمهور الصامت آنذاك لجمالية المسرحية، وكان جينيه آندريه فالكون من بين الممثلين أيضًا”.
تحول الشغف بالمسرح إلى وجهة تأسيسية صلبة. وإذ سئل اليعقوبي عن أسباب شغفه بـ “أبو الفنون” أجاب: “يلقن المرء الإلقاء والفصاحة والتكوين وكيفية الوقوف على الخشبة، والسكوت عن تأثّر الجمهور، والهدوء، والتغلب على الخوف الممزوج بالاطمئنان، الاطمئنان إلى أن المرء أصبح ممثلًا، مما يبعثه على القراءة والدراسة وإلى مجهود كبير واجتهاد، أما الجزء الثاني فهو يتعلق بالخوف من الجمهور وتلعثم اللسان، وارتعاد الفرائص، إلا أنه مع الوقت يتمكن المرء من كلّ ذلك”.
في أحد الأيام، جاء إلى مدينة الصويرة، المخرج الشهير أورسون ويلز صاحب فيلم “عطيل” (1952) المقتبس عن مسرحية وليم شكسبير الشهيرة، واختار اليعقوبي كي يتكفّل بسيجاره وصبّ نبيذه الفرنسي القديم “فيم نابليون”. كانت تلك “مهمّة” اليعقوبي، إلا أنه لم يفوّت فرصته الذهبية في التعلّم من ويلز، يتذّكره قائلًا: “كنت أتابع ويلز في تفسير أدوار الممثلين وإخراج فيلم “عطيل” الذي حصل على السعفة الذهبية بالمهرجان وأهداها للمغرب آنذاك”.
وفضلًا عن أثر ويلز والأكاديمية الفرنسية، إلا أن أثر عذوبة الممثل المصري بشارة واكيم كان حاسمًا، يقول اليعقوبي: “أظنّ لولاه، لما اعتنقت المسرح. كانت تعجبني نبرة صوته وأناقته، كان شخصية عذبة”.
تألّفت فرقة “المعمورة” من خمسين عضواً، لكل فرد فيها مهمة خاصة. إلا أنها لم تستمر: “هناك من ذهب في سبيله وهناك من ذهب إلى قبره”، يقول اليعقوبي، الذي تابع كاشفًا أجواء ما قبل “المعمورة” في طنجة: “كان الطنجاويون في الأعياد مثلاً يذهبون للمسرح احتجاجًا على الاحتلال الدولي للمدينة، من خلال مظاهرات منظمة وأناشيد وطنية. أحيانًا كانت الشرطة البلجيكية تتدخل لتشتت الجمع. وكنا نطلق عليه اسم “المسرح الوطني” فيما بيننا”.

السينما وتصميم الأزياء

بعد خشبة المسرح، انتقل اليعقوبي إلى السينما، فبرز متفردًا بتصميم الأزياء. يجلس اليعقوبي ممعنًا النظر في الناس التي تمضي في الشارع أو تجلس على أطراف المقاهي أو تمرّ من أمامها. ويعلّق على شغفه بالهندام قائلًا: “يعتقد القسيسون الكاثوليك خصوصًا، أن الهندام لا يجعلك قسيسًا، ولكنني أقول يجعلني قسيسًا وكل شيء. كنت أدوّن ملاحظاتي عن الهندام، خاصة أن الكتب التاريخية العربية تفتقر لمثل هذه الأمور، وعندما نجد فعل خلع بالعربي، لا يتبعه وصف، خلع عنه ماذا؟ عندما نتكلم عن القلنسوة لا نعرف أنواعها ولا أصلها، وهي نوع من الطرطوش جاءتنا من البندقية”.
قام اليعقوبي بتصميم الأزياء لكثير من الأفلام العالمية، لعلّ من أشهرها فيلم “الرسالة” لمصطفى العقاد. يؤمن اليعقوبي أن لكل فنان أسلوبه وأدواته، ويتذكّر أجواء التحضير والتصميم لفيلم الرسالة، وأنه احتاج إلى “أسبوع من التفكير في القصة وبلباس ممثليها، وبملامح وجوههم”، وأردف قائلًا: “ممثل دور حمزة كانت لحيته بيضاء ناصعة وكأنها فضية، أصبح الأمر صعبًا. ويجب على اللباس أن يكون متقنًا، فوجدت طريقة، طلبت من الخيّاط الذي كان يرافقني، أن يمزج بين اللونين الأزرق القاتم والبني القاتم. لذلك، فإن البحث والكتب والإلهام والتصانيف كلها ضرورية، فالسينما تكره الخشونة في اللباس، خاصة إذا كان فيلما تاريخيا، تهوى اللبس الأنيق والذي يمتد على ذات الإنسان ويعطيها قيمتها، ولكل دور لباسه”.
صمم العربي اليعقوبي المغرم بالهندام البريطاني على فوضويته، ملابس أفلام درامية وتاريخية، منها فيلم “الوقت المسروق” أو “التايم باندتس” لمخرجه البريطاني تيري غيليام، إضافة لفيلم “الإغراء الأخير للمسيح” للمخرج الأميركي مارتين سكورسيزي (1988)…
بقي اليعقوبي وفيًّا لأناقته في الهندام، حين نراه جالساً في مقهى “باريس” التي تقع في زاوية شارع “الحرية” يدخن سيجارته، نلمحه مرتديًا قبعة، ومنديلًا يلّف عنقه، وزيًّا متسقًا ومتناسبًا. هذه الأناقة تطغى أيضًا على طريقته في الطهو، وطلاء البيت وترتيبه بحيث يليق بإطلالته على البحر وبتاريخه.

عن العربي الجديد

 

Related posts

Top