نظمت فيدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب، مؤخرا، ندوة علمية لمناقشة مستجدات قانون محاربة العنف ضد النساء، الذي ينتظر أن يدخل حيز التنفيذ في الأشهر القليلة المقبلة. المائدة المستديرة التي احتضنتها الرباط، تأتي في إطار مشروع “باراكا: من أجل ثقافة المساواة والحق في حياة خالية من العنف”، والذي يهدف إلى المساهمة في نشر ثقافة المساواة بين الرجال والنساء، والفتيات والفتيان في المغرب، من خلال التحسيس، والمرافعة، والتعبئة الاجتماعية.
افتتحت أشغال اللقاء بكلمة لطيفة بوشتوى رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب، شرحت من خلالها أسباب اختيار تنظيم اللقاء لقراءة القانون 103.13 لمناهضة العنف ضد النساء، كونه “خيب آمال الرابطة والحركات النسائية، لأنه ليس قانونا إطارا شاملا، يشمل الحماية وجبر الضرر، وهي المفاهيم التي استنبطناها من الجانب المعرفي للاتفاقيات الدولية، وكذا من خلال العمل الميداني للرابطة”. كما أنه قانون لم يُبن على المقاربة الحقوقية ومقاربة النوع الاجتماعي، ليكون قانونا موجها للعنف ضد النساء. وقلص دور الجمعيات النسائية والحقوقية في الترافع حينما اشترط توفر المنفعة العامة، كما أن أغرق تشكيل خلايا العنف بمسؤولين قطاعيين مما قد يحد من نجاعتها. ومن جهتها، وجهت فتيحة شتاتو، أمينة مال فيدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب، ورئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، انتقادات أخرى للقانون الجديد لأنه :”لا يتدخل إلا بعد وقوع الضرر، في حين أننا نطالب دائما بالوقاية” ، مضيفة، “هذا القانون أيضا لم يُجب عن وضعية الأبناء المنحدرين من الاغتصاب، وكذا ظاهرة الاغتصاب الزوجي”، وهي نقاط أساسية تشكل عنفا رمزيا ضد المرأة.
في نفس السياق، ركزت كلمة ممثل المجلس الوطني لحقوق الانسان، عبد الرزاق الحنوشي عن مذكرة المجلس التي سبق ان تقدم بها حول مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء والتي لم تتم الاستفادة منها في القانون الجديد.
وقدم رئيس مصلحة قضايا المرأة والطفل بمديرية الشؤون الجنائية والعفو، بوزارة العدل رشيد مزيان مداخلة سلط فيها الضوء على المكتسبات التي أقرها القانون الجديد والتي تمثلت في تحديد إطار مفاهيمي محدد ودقيق من شأنه مساعدة المتدخلين لتمييز وحصر الأفعال والسلوكيات المدرجة في مجال العنف ضد النساء، من خلال تحديد مفهوم العنف ومختلف أشكاله، حيث اعتبر مرتكب جريمة التحرش الجنسي، مثلا، كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أوغيرها، سواء بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، أو بواسطة رسائل مكتوبة أوهاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، وتضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أوغيرها؛ الى جانب تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررا بالمرأة، كالامتناع عن إرجاع الزوجة المطرودة من بيت الزوجية، والإكراه على الزواج، والمساس بحرمة جسد المرأة، وتبديد أو تفويت أموال الأسرة بسوء نية.. وتجريم التحرش الجنسي، مع تشديد العقوبات عليه في حالة ارتكاب الفعل في ظروف معينة ومن طرف أشخاص محددين، كأحد الأصول أو المحارم، وزميل في العمل، وشخص مكلف بحفظ النظام، وتشديد العقوبات على بعض الأفعال الموجهة ضد “نساء في وضعية خاصة”، كالعنف ضد امرأة في وضعية إعاقة أو قاصر أو حامل، أو ضد الزوجة أو الطليقة بحضور الأبناء أو الوالدين؛ فضلا عن اعتماد تدابير حمائية جديدة، كإبعاد الزوج المعتدي، وإنذار المعتدي بعدم الاعتداء، في حال التهديد بارتكاب العنف مع تعهده بعدم الاعتداء، وإرجاع المحضون مع حاضنته إلى السكن، ومنع الاقتراب من الضحية أو من سكنها، وإشعار المعتدي بمنعه من التصرف في الأموال المشتركة للزوجين…والتنصيص على عنصر الفورية في اتخاذ التدابير الحمائية، مع تقرير عقوبات على خرقها؛ واعتماد إطارات مؤسساتية للتنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال مناهضة العنف ضد النساء وحمايتهن، مثل السلطة القضائية، والأمن الوطني، والدرك الملكي، والقطاعات الحكومية المعنية… وكذا إحداث منظومة آليات للتكفل بالنساء ضحايا العنف وتخصيص باب للوقاية، حيث أصبحت السلطات العمومية ملزمة بحكم القانون باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة للوقاية من العنف ضد النساء، معتبرا أنه من السابق لأوانه تقييم قانون جديد لم يدخل بعد الى حيز التنفيذ.
وقدم الدكتور أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب قراءة في الجوانب التي أغفلها قانون مكافحة العنف ضد النساء، والتي اعتبر أن المجال ما يزال مفتوحا لتداركها من خلال ورش إصلاح القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية وعدة تشريعات أخرى، معتبرا أن تعريف الاغتصاب الوارد حاليا في القانون الجنائي أصبح متجاوزا لأن المعايير الدولية تفرض ضرورة أن يكون شاملا دون تحديد للنوع الاجتماعي، ومتضمنا لجميع أشكال الاعتداء الجنسي بالاكراه على أي جزء من جسد الضحية، بما في ذلك الإيلاج باستخدام أدوات، وأن يشمل أيضا الاغتصاب الزوجي، كما ينبغي إعادة النظر في المقتضيات المتعلقة بجريمة هتك العرض باستعمال العنف الواردة في القانون الجنائي وهو وصف غير دقيق وواسع يتنافى مع مبدأ الشرعية الجنائية والذي يفرض ضرورة التفسير الضيق للنص الجنائي، مضيفا بأن جريمة هتك العرض في التشريع الحالي تتراوح بين مجرد القبلة والعلاقة الجنسية الكاملة التي تتم دون الإيلاج المهبلي .
ومن المقترحات التي قدمها ضرورة إدراج التعديلات المرتقبة لمقتضى يقضي بإلزامية التحقيق في جرائم العنف ضد المرأة، وتمديد نطاق قانون حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين، ليشمل جرائم العنف ضد المرأة، وإدراج مقتضى يقضي بتمتيع الضحايا والناجيات من العنف بالمساعدة القضائية بقوة القانون، بما في ذلك الحق في تنصيب محامي ومجانية مصاريف الدعوى والتي تشمل نفقات التبليغ والخبرات التي تأمر بها المحكمة، الى جانب إحداث صندوق ائتماني لصرف معونات ومساعدات مالية للضحايا والناجيات من العنف اللواتي لا يتوفرن على دخل قار ويوجدن في وضعية صعبة، وفرض إلزامية التبليغ على جرائم العنف ضد المرأة، لأن القانون الحالي لا يعاقب على عدم التبليغ عن الجريمة إلا إذا تعلق الأمر بجناية.
أشغال اللقاء عرف مشاركة السيدة زينب فرحات، وهي ناشطة في جمعية النساء الديمقراطيات في تونس، اعتبرت في مداخلتها بأن الأهم خلق الحدث في لقاءات، لحمل رسائل ضد كل أنواع التمييز التي تشجع العنف ضد المرأة. وأكدت على أن وصول رسائل جمعية النساء الديمقراطيات، التي تنتمي لها، ينبني على الوصول إلى الأفكار والدراسات حول العنف ضد النساء، والتي يجب أن تصل الرأي العام، عبر الثقافة والصحافة والمسرح.
بيان اليوم