سجلت النائبة خديجة أروهال، عضوة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، وجود شرخ كبير بين ما جاء في البرنامج الحكومي، بخصوص السياسة الثقافية ببلادنا، وما جاء على لسان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أثناء جوابه على سؤال محوري أول أمس الاثنين بمجلس النواب.
وقالت خديجة أروهال “ونحن نتابع كلامكم، السيد رئيس الحكومة، خيل لنا أننا نعيش في مغرب آخر، لأن الخطاب الذي نسمعه اليوم، بينه وبين ما جاء في البرنامج الحكومي، هوة كبيرة جدا”، مشيرة إلى أن الرصيد الثقافي المغربي المتميز، لا تزال السياسات العمومية عاجزة عن استثماره اقتصاديا، وعن تحويله إلى صناعة حقيقية قائمة الذات، وما يؤكد على ذلك، بحسبها، هو أن بلادنا، للأسف، لا تحتل رتـبا مطمئـنة على صعيد البنيات التحتية التي تتطلبها الصناعات الثقافية والإبداعية، كما على صعيد عدد من المؤشرات، من قبيل مستوى الإنفاق على الثقافة، والإقبال على القراءة، وإنتاج الكتب، وضعف الاستثمار في الصناعات السينمائية والفن المسرحي.
وترى النائبة أروهال، في إطار تعقيبها على جواب رئيس الحكومة، أن النهوض بالثقافة والإبداع هو صمام أمان وجواب موثوق ضد مخاطر كافة أشكال التطرف والانحراف والجريمة، حيث لا تكفي المقاربة الاقتصادية والأمنية لوحدها، تضيف المتحدثة التي أكدت على ضرورة الاستثمار في الصناعات الثقافية والفنية والإبداعية، باعتبارها أمرا منتجا يتيح خلق فرص الشغل والدخل، وإنتاج القيمة المضافة التي تصل في بعض البلدان إلى حوالي 6 في المائة من الناتج الوطني.
وانتقدت عضوة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، حكومة عزيز أخنوش، على اعتبار أنها لا تملك رؤية سياسية واضحة وجريئة، بخصوص السياسة الثقافية في بلادنا، لأن ذلك، في نظرها، يحتاج إلى حكومة قادرة على توفير الشروط الملائمة للنهوض بأدوار المثقفين والمبدعين والمفكرين في إنتاج الأفكار والقيم، والتعبير الحر عنها، وتبادلها، كما يحتاج ذلك إلى حكومة لا تنظر إلى المسألة الثقافية كعبء مجتمعي ومالي، بل كرافعة لقيمة شعبنا بين الشعوب، وكفضاء منتج.
وفي السياق ذاته، أوضحت خديجة أروهال، أن ما تقوم به حكومة عزيز أخنوش، هو مجرد إعلان نوايا إزاء الفضاء الثقافي، بدل العمل على مضاعفة الجهد الميزانياتي في هذا المجال الحيوي، مشيرة إلى أن هذه الحكومة لا تملك الذكاء السياسي الكافي لاستحضار خصوصية الإنتاج الثقافي الذي يجمع في آن واحد ما بين الطابع القيمي والطابع التجاري، بالإضافة إلى أن هذه الحكومة، تورد النائبة البرلمانية، تفتقد إلى الإرادة والشجاعة في دعم المشاريع الثقافية والفنية، والتدخل لحماية الصناعات الثقافية والإبداعية من المنافسة الدولية الشرسة.
وأعربت أروهال عن أملها في أن يتجاوب رئيس الحكومة مع مقترح حزب التقدم والاشتراكية الذي اقترح آلية تمويلية جديدة لتقوية وتنويع العرض الثقافي وتقريب الجمهور الواسع من الفنون، وفتح آفاق جديدة للمبدعين الشباب، ويتعلق الأمر، تضيف المتحدثة، برصد نسبة مئوية من ميزانية استثمار الهيئات والمؤسسات والمقاولات العمومية للأعمال الإبداعي.
وبحسب النائبة البرلمانية، فإنه، على الرغم من المجهودات المبذولة، على مدى السنوات الأخيرة، لا تزال ثقافتنا تعاني من قلة الاهتمام بالمكونات والروافد الحضارية والتاريخية المغربية بأبعادها المختلفة، والدليل على ذلك تضيف أروهال، أوضاع الثقافة الأمازيغية التي لطالما طالب حزب التقدم والاشتراكية بالعناية بها، منذ سنوات نشأته الأولى، وهو لا يزال وفيا لهذا الموقف، من منطلق مبدئي واعتقاد راسخ، وليس على سبيل التوظيف السياسوي الضيق للمسألة الأمازيغية.
وكانت النائبة نادية التهامي، عضوة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، قد سألت رئيس الحكومة حول وضع آليات منظومة متكاملة لتعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية ببلادنا، وحول الإجراءات المزمع اتخاذها لرد الاعتبار للسياسة الثقافية، خاصة في ظل ما أظهرته الظروف الاستثنائية والعصيبة التي تمر منها بلادنا كما باقي بلدان العالم جراء جائحة كورونا، وحجم الأضرار الذي تعرض له قطاع الثقافة والفنون والإبداع والسينما والمسرح وغيرها، ببلادنا كما باقي دول العالم، باعتباره كان من القطاعات الأكثر تضررا عالميا.
وترى النائبة نادية التهامي أن الثقافة مسألة عرضانية تستدعي مقاربة قائمة على التفاعل والالتقائية ما بين القطاعات الحكومية “الثقافة والاتصال، التعليم، السياحة، الصناعة التقليدية، العلاقات الخارجية…” بالإضافة إلى الجماعات الترابية والقطاع الخصوصي والمجتمع المدني، بغرض تطوير اقتصاد الثقافة وتقوية إشعاع المغرب وخدمة قضاياه عبر العالم، مؤكدة على الأدوار التي تضطلع بها الثقافة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على اعتبار أنها تساهم في دعم تقاسم القيم والشعور بالاعتزاز بالتراث المشترك والتواصل باللغات الأم واللغتين الرسميتين وباللغات الأجنبية والانفتاح على الآخر.
وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قد أقر في معرض جوابه على أسئلة النواب، بوجود نقص في مجال السياسة الثقافية ببلادنا، مشيرا إلى أن البرنامج الحكومي يسعى إلى وضع لبنات سياسة ثقافية مندمجة كرافعة للتنمية ومنصة لخلق فرص الشغل وإعادة الإعتبار لمختلف التعابير الفنية والثقافية، هدفها الأساس المحافظة على هويتنا الجامعة والتشبث بقيمنا الوطنية.
وأشار رئيس الحكومة إلى أن اللجنة الملكية للنموذج التنموي سبق أن وقفت على مجموعة من الاختلالات الفارقة التي تطبع السياسة الثقافية في المجتمع المغربي، منطلقة من تسجيل ضعف ثقافة الحوار وندرة فضاءات الإبداع والمشاركة في الفضاء العمومي، فضلا عن تبخيس صورة الفنانين والمبدعين كوسطاء ومنشئين للرابط الاجتماعي داخل المجتمع، ونقص إمكانيات التكوين والمعاهد والمؤسسات المرتبطة بالنشاط الثقافي.
محمد حجيوي