في حوار مع الشاعرة إمهاء مكاوي

الأديبة والباحثة والإعلامية إمهاء مكاوي فراشة المغرب تعانق وريقات أزهار الربيع ومنها تستمد إلهامها الشعري والإبداعي والفني الحسي في شهر رمضان المعظم .. في هذا الحوار تبوح شاعرتنا بكل التفاصيل، وتسافر معنا في مساراتها الشعرية واختياراتها الفنية عبر مسالك اللغة والأسلوب والمضامين.. محبة للطبيعة، عاشقة للفلسفة، ناقمة على نقد المحاباة ونفاق المجاملات..
إمهاء مكاوي، الصوت الأدبي القادم بشموخ من أعالي الشمال المغربي، تعشق الكتابة حتى الجنون، وتتماهى قصائدها ومقالاتها ومتونها مع ذاتها وقناعاتها الخاصة.. فهي تنتصر للعلاقة الجدلية الوطيدة بين الشكل والمضمون وتسعى لإسعاد جمهور قرائها ومعانقة قضايا الإنسانية عبر أنساق جمالية إبداعية متفردة ومتميزة..
إليكم الحوار..

<حاورتها: نوال برغيتي

< كيف ولجت فراشتنا إمهاء عالم الشعر والفن والإبداع؟ وكيف كانت بداياتها؟
> لكل مثقف وفنان بدايات ونهايات لإبداعاته، سأبدأ بنهاياتي، لن يفارقني عن الكتابة إلا الردى والموت ومهد بداياتي تناسب مع الصدفة والموهبة الربانية مع عامل الحظ والفرصة… صعدت إلى المنصة وأنا إبنة 5 سنوات حيث ألقيت على مسامع الحضور الكريم، أغاني وقصائد الأطفال.. وبعدها، خطوة خطوة.. نمت وتوهجت التجربة الإبداعية والفنية في كتابة الشعر ونسج القصيدة مع إلقائها في المحافل والمناسبات الثقافية والفنية والوطنية.. وتوالت الدعوات لحضورها من طرف المنظمين وذلك لما عرفت به “الطفلة الموهوبة” بمدينتي تطوان الحمامة البيضاء.

< ما هي جمالية البناء الشعري بالنسبة لك؟
> جمالية البناء الشعري هي سلسلة لا تنتهي من الومضات والتأملات التي لا يمكنني العيش بدونها والتي تتحول من الخيال العميق الإبداعي إلى جمالية خلاقة بتعدد التكوينات والألوان والرموز الفكرية والإبداعية التي تهيم مع بعضها البعض لتذوب وتنصهر مكونة الشطر ومن تم القصيدة، يعني أكثر من علاقة ثقافية بيني وبين البناء الشعري، هي علاقة روحية أدبية ووجدانية من ثغر أعماق الكيان أو لوحة تفتن الخيال وتنجب ألفة واضحة وملغزة وصداقة وارفة بيني وبين البناء الشعري لتخلق القصيدة الوهاجة لا على مستوى صياغة الرؤية إنما أيضا داخل ذلك الخيط الناظم الذي أخطه منذ وقت مبكر لأنسج الكتابة الشعرية وغيرها من المجالات الفنية المشرقة.

< ما هي مصادرك الشعرية والفنية خصوصا في هذا الجو الربيعي المصادف لشهر رمضان المعظم؟
> مصادر الإبداع الشعري والفني الحسي التي أعتمد عليها هي بالأساس في تفكيري الذي أركز عليه حسب المواقف والمصادفات التي نمر بها في حياتنا من علاقات إنسانية واجتماعية.. والإلهام الشعري هو المصدر الإبداعي الحقيقي بالنسبة لي أستمده من الطاقة الطبيعية بمعنى لكل ما هو وجودي بالطبيعة من زهر وورد بعبقه الذي يبعث الإلهام الوجداني من ثغر فؤادي خصوصا في رمضان هذا الشهر الفضيل المعظم أهله الله علينا وعليكم بالخير والصحة والعافية والسعادة وطول العمر… وأشتهي خضرة الروابي والروضة الخلابة التي أعشقها…، أكره كل الكره تقليد الآخر والاقتباس منه، فهذا الإجراء أعتبره ضعف الشخصية عند الأديب ويتبعه بعض المبدعين، أحب شخصيتي وأفضل أن أقدم ما يعكسها في شعري وأن أعطي الجديد للحضور وللجمهور وأن أعرض على الجمهور ما لم يسمعه من قبل.. وأحب التفرد والندرة في الكتابة، كما أحب الإثارة الشعرية والحركة في أبيات القصيد التي تلهم القارء للتطلع أكثر بعيدا عن الركود والجمود في بناء الصدر والعجز.. أعشق قافيتي وترتيب قصائدي على الأوزان والبحور الشعرية حين ألقيها بسلاسة وانسيابية مع المعاني المدرجة بأبيات القصيد.

< ماهو رأيك فيما يخص النقد الأدبي؟
> أشكرك على هذا السؤال الرائع.. بالفعل أصبح النقد الأدبي فقط مجاملات ونفاقا مقابل المصالح المشتركة والمتبادلة بين الأفراد في غالب الأحيان. والحقيقة المطلقة تقال فقط للطالب المتسابق بالمجالات الأدبية الذي لا حول له ولا قوة ولا نفود له، أما الأديب الكبير المشهور جدا، حتى ولو تفوه بالخزعبلات والتطبيل فستسمى بحكمة عظيمة ويتم تأطيرها بخط سميك رغم تفاهتها، فالناس تنظر للشكل وليس للمضمون، والطبقة المثقفة تطرح سؤال من كَتَب؟ وليس ماذا كُتِب؟ وتقدر الكتابة حسب قيمة صاحبها، قليلا ما نرى نقدا حقيقيا مبنيا على الواقع والحقيقة، لذا لا يسعني إلا أن أتأسف لما وصل إليه المجتمع الأدبي من نفاق ولافتقاره لثقافة الاعتراف لمن هو أهل لذلك وجدير به، دون مصلحة وغالبا ما لا يعترف بالمبدع ولا يتم تكريمه إلا بعد مماته أو بعد عجزه، وهذا الإجراء لن يفرحه ولن يسعده طبعا لأن روح المبدع أصبحت في يد الجلل الأحد، بقدر ما ستسعد عائلته فقط، ولكن هل سيسحب منه ذلك الإحساس بالهوان والقهر الذي كان يشعر به قيد حياته؟ وأنه لم ينل قدره من ثقافة الإعتراف قيد حياته. كما أننا سنجد نفس الأشخاص يتكررون في محافل التكريم، ربما حسب نسبة معارفهم العالية، رغم الخمول الأدبي والثقافي عند بعضهم بدون أن أعمم، وسنجد فئة أخرى تكتب الإفادة وقلمها وحبرها لا ينضب من العطاء ولكن معارفهم محدودة، لهذا السبب سيظل إبداعهم مطموسا إلى يوم الدين، وإذا صح التعبير مدفونا تحت الأنقاض ولا من يلتفت إليهم، ولا من يبرز ويظهر قدراتهم الأدبية، أقول هذا لأبين أن الحقيقة لا تظهر، ليس في النقد الأدبي فحسب، بل في العديد من الحقائق الخفية في المجال الأدبي والثقافي.

< ما هي طرائق كتاباتك الشعرية الإبداعية على مستوى الأساليب الفنية؟
> أحب الكتابة الهائمة لأسبح في ملكوت الإبداع الروحي والنابع من ثغر الفؤاد مع جمالية الإلقاء الحركي المسرحي، لا أحب الانطواء في زاوية من مكاني وألقي قصائدي، أعبر بما أملك من قوى وإحساس دينامي حركي مع لغة الجسد في تلاحم بين الروح والجوهر والجسد وبما هو وجودي من نوع الطبيعة (الخضرة، الزهر، العبق، الكون….) وكذلك تولد في مخيلتي كتابة إنسانية حسب المواقف الاجتماعية مع تشابكات في الآراء والنبرة التي توجد بداخل الأشخاص من شر وخير وما يجمع بين الأضداد من عوامل نفسية في قالب فلسفي تفسيري، ومن هنا تبرز براعة المبدع في إظهاره هذه العوامل المؤثرة غمار أبياته الشعرية بطريقة فنية واحترافية لتصوراته مع نسجها لتصبح كتابته سامقة وانسيابية سلسة المعنى.. كما تبرز كذلك كتابتي الرومانسية للشعر حسب الإحساس والشعور وخيال كينونتي الداخلية في الزمان والمكان مع العواطف والمشاعر الجياشة لتنعكس بالقصيدة حسب مظاهر الحزن والأسى أو الفرح والسعادة.

< ما هي أنواع الكتابة التي تنتقينها في اختياراتك؟
> بعدما تتشبع مخيلتي بفكرة أحببتها، أشرع مباشرة بأخذ القلم وأبدأ بالنسج والكتابة التي يمكن أن تكون نثرا أو شعرا من جذور الشعر التقليدي المقفى أو الشعر العمودي الموزون والمقفى أو الشعر الحر أو هايكو أو مقالة أو قصة أو زجل باللهجة التطوانية أو حكم…. لهذا السبب أعشق وأعتز بكوني أديبة وأفتخر بها، لكني أعتبر أن الثقة الزائدة بالنفس مضرة والتقليل منها مذلة، فخير الأمور أوسطها، ومن الضروري تقييم المبدع الفنان لنفسه قدر ما يستطيع، أعشق الكتابة والتعبير بطرائق فنية جميلة على أساس أن تكون نابعة من صميم فؤادي وأحس كأنني أسبح في الفضاء إلى جانب المجرات والكواكب والنجوم أو أبحر في أعماق البحار مع الحوت والديلفي أو أحلق مع الشواهين في سماء الإبداع..

في الختام هلا أتحفتنا بأشعارك لنغوص معك في جمالية الحروف ونسبح سويا في أعماق الإبداع الخلاق..

***

مختارات من ديوان الشاعرة إمهاء مكاوي

1
أيقونة الفلك

– بين دروب الأشجان
تسمو رؤى إلهامي
على سطور الخيال الروحي
بعدما ازدادت
جرعات وجعي منذ
الأزَلْ

************

لا وجود لغصة غمار
أضلعي تضاهي
الأحزان، وها أنا أترافع
ولا أكترث، و..
أطل أحيانا على جرتي
نظرة متقزمة ثاقبة
وبجعبتها المتدفقة في حشا
الدَّجَلْ

*********

وهي حبلى بالسِّحْرِ
المفتعل أو
الشعوذة والمؤامرات الدنيئة
والبليدة المقززة لا
شعور ينتابني سوى
المَلَلْ

********

الحسد والغبطة
نهاياتها الرفعة لبطلة
السلسلة برضا وقدرة الله
الجَلَلْ

*********

لا غالب إلا رب العباد
العلي العظيم و
من ادّعى القوة و
المعرفة العظيمة
قد كفر و
جَهَلْ

********
فالحياة كماء البحر المالح كلما
ازددت منها شربا ازددت عطشا!
حتى آخر ذرة أوكسجين
نستنشقه لنطرق باب
الآجَلْ

********
ذكرت جدتي في كتابها
قبل أن تجرفها المنية:
إذا لم تجدين حاقدا وراءكِ
يا بنيتي فأنت على الأرجح
ظللت طريق
النجاح والصواب
وتحتسي من ينبوع
الفَشَلْ

********

قصائدي من فلك
آخر أقودها رغم
أنف البعض من الجلادين
في مسار رنين
أجراس المجد وأبوح
بالصدق ولن أتمتم نفاق
البروتوكول وأعلن الخشية و
الخَجَلْ

**********
لن أثق بنشوة عطر
الرحيق وأحاول
استنشاقه متناسية
وأغض النظر عن
المبدأ والمنطق
وأسترخي مع
كل نطفة هوجاء من
الغَزَلْ

*********

حتى وإن تمنيتُ كف يد
صافية حميمية تغمرني بدفء
نواعم الثقة بالحياة مجددا،
دون أوزان على ظهر
جَمَلْ

******

منالي وأفضل
كف يدي الأخرى
لأصافحها و
لتمسك بمنديل مطرز
بطعم التفاؤل
يحن ويذيب
دموع شموع
المآسي لينجب ويلد
الأَمَلْ

2
ملكني..

 

يهيمُ الشَّوْق في ذكرى
بها تنقاد أشجاني
وكان النّجم نشوانا
أحاسيسٌ بوجداني
سَهَرت الليل حيرانا
كقنديلٍ بألوانِ
وأضحى سِحْر أحلامي
سمعت الهمْس أحياني
وبدري يلْمَع اُلْكون
وصوت اللّحن أنساني
وإبحاري لأشعاري
بأوتارٍ وأوزاني
وهمس الشعر تأريخا
ووهج الحب إيماني
سلو قلبي من العشْقِ
ويسقي غور أحزاني
وأجري دمعة حرّى
وكان الحزن أبكاني
أعدّ الزّهر كي أغفو
لأطفي شوق نيراني
متى يوفي بعهده؟
ملكْني مثْل أوطاني

Related posts

Top