في لقاء مفتوح مع الفنان مصطفى حفيظ: الرسم هو جوهر التشكيل و سر جاذبيته

> حدثنا عن أبرز منعطفات تجربتك الإبداعية داخل الأوساط المغربية و الديار البولونية خصوصا في إطار المؤسسة الجمعوية للفنانين التشكيليين ببولونيا ؟
< من جميل الأقدار أن أحظى بتكوين فني عال رفقة مبدعين معاصرين كبار بأكاديمية الفنون الجميلة بفارسوفيا، حيث تعزز تكويني النظري و التطبيقي بالإشراف الفعلي لكل من الفنانين العالميين أرتور ناش سامبوركي و بلينا، كما أنني  تابعت حلقات فنية معمقة بمحترف الفنون الغرافيكية في إطار دورة تدريبية لاستكمال مهاراتي الإبداعية تحت إشراف الفنان الألمعي باكولسكي. بعد ذلك واصلت مسيرتي الفنية في مجال الإبداع التشكيلي و التعليم الفني بكل من المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، و المدرسة العليا للإخراج السمعي البصري بالدار البيضاء، و معهد الحسن الثاني للإعلام السمعي البصري بالدار البيضاء. في عام 1980 ، توليت بالنيابة شؤون إدارة مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء. لقد مكنتني عضويتي داخل الجمعية التشكيلية للفنانين البولونيين (APAP ) من المشاركة في عدة معارض و تظاهرات إبداعية بكبريات الأوساط الفنية الدولية صحبة رفيقة دربي الوجودي زوجتي  الفنانة البولونية أنا دراوس خريجة أكاديمية الفنون الجميلة بفارسوفيا عام 1968، و التي تعتبر من رموز فن السجاد على الصعيد العالمي، خصوصا و أنها استفادت من التأطير التقني لمحترف هذا الفن الوظيفي على يد سلدزيفسكا في الفترة الممتدة ما بين 1964 و 1968 . عملي الإبداعي تكريم رمزي و اعتباري لمسارها الفني و الوجودي بكل من بلدها الثاني المغرب و بولونيا. أذكر أنني عرضت إلى جانبها ما بين 9 و 21 ماي 1978 بمقر مسرح الدار البيضاء رفقة الفنانين البولونيين خروسطوفسكا و بيوتروفيتش (لوحات غواش و حفر).

> عملك الفني مساهمة نوعية في تحديث اللغة التشكيلية ؟
< بشهادة نقاد الفن و مؤرخيه، حاولت أن أصوغ أسلوبا تشكيليا يندرج ضمن تيار التعبيرية التجريدية بعيدا عن سجلات التشكيل الوثائقي و الواقعية الفوتوغرافية. فقد تفاعلت مع تجارب الحداثة التشكيلية العالمية خاصة مع صولاج و بيسيرو مانيسي  و غيرهم. إن عملي الفني حصيلة تكوين أكاديمي في مجال التصوير الصباغي و الحفر و الليتوغرفيا.  فأنا أومن بتلقائية المعالجة اللونية، و حرية المواد و الأشكال. يستلزم عملي الفني ملاحظة طويلة و تأملا عميقا من طرف المتلقي حتى يتمكن من إدراك عوالمي  التخييلية. أعتز كثيرا لكون أعمالي الفنية عرضت إلى جانب أعمال الفنان العالمي جاكوب دومنيك (أستاذ بأكاديمية الفنون الجميلة ببولونيا ) و يان دوفسكي. عرضت بقاعة  ‘الفنانون البولونيون” حيث أعرب  لي المستشار الثقافي الراحل تشوتوفسكي عن تقديره لأصالة منجزي الإبداعي. فأنا أرسم حتى في لوحاتي التجريدية، لأن الرسم هو جوهر التشكيل و سر جاذبيته. كما أنني عرضت برواق بيكاسو (اشتغل فيها هذا الفنان العالمي خلال الحرب العالمية الثالثة بمناسبة المؤتمر الدولي للشباب). أتأسف كثيرا  لأنني قضيت 42 سنة بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء و زوجتي دراوس 35 سنة، بدون تقاعد و تغطية صحية، و هذا واقع مر يسيء لصورة التعليم الفني بالمغرب. يجب إعادة النظر في هذا الوضع الشاذ. لقد قضيت نصف قرن من الإبداع التشكيلي، و ظل انشغالي الجمالي دائما منصبا  حول قماش القنب تكريما لخالتي و لفضاءات الخيمة  و أجواء الساحل و عوالم الجلباب و ” الشواري ” و ” التليس ” و ” البردعة ” و  الحبال . حلمي هو  أن أعيش ما تبقى من عمري في عالم البادية محاطا بالرعاة أو الحيوانات الأليفة، و متفاعلا مع حميمية  الأسواق الشعبية. إنه حنين رومانسي إلى الطفولة و تكريم لذاكرة خالتي و أزمنتها الشعبية. ما يحز في نفسي هو أن معظم مقتني اللوحات الفنية يشترون ‘الحوار” على حساب القيمة الإبداعية . فهم طيبون لكن تعوزهم الثقافة التشكيلية.

> شهادة في حق الفنان الراحل أحمد الشرقاوي الذي يعتبر رائدا في مجال التصوير العلاماتي والتجريدي بالمغرب ؟
< أحمد الشرقاوي ابن روحي لمنطقتي الصوفية أبي الجعد، حيث تشرب بالتربية الروحية والقيم النبيلة والأصيلة. فهو أولا وقبل كل شيء من أوائل الفنانين الذين طرحوا إشكالية الهوية الثقافية بالمغرب بعد الاستقلال، كما أنه عرف كيف يحقق تركيبا بين ثقافته الخاصة وتكوينه التشكيلي بفرنسا وبولونيا. عرفته شخصيا بمحترفه الخاص بفن الخط بدرب السلطان بالدار البيضاء بعد إقامته الفنية بالأوساط التربوية الفرنسية. التقيت به أيضا بمناسبة معرض جماعي في إطار صالون الخريف بالدار البيضاء بعد عودته من تدريب بأكاديمية الفنون الجميلة بفارسوفيا، جالسته بفضاء روتوند بمرس السلطان، وأخبرته بحصولي على منح بكل من باريس، وموسكو وفارسوفيا. سألني عن الوجهة التي اخترتها . بعد دراسة وتمعن، أجبته على التو وبدون تردد : “بولونيا”. استحسن أحمد الشرقاوي هذا الاختيار وأعرب لي عن رجاحته، مؤكدا بأنه استفاد كثيرا من إقامته الفنية ببولونيا على الصعيد الإبداعي. بنبرة أخوية خاطبني : “اسمع يا ابن عمي، البرد قارس ببولونيا غطي جسدك جيدا، خاصة جهة الرأس”.
إبان مختتم مرحلتي الدراسية عام 1966 نظمت معرضا فرديا بحضور سفير المغرب بفارسوفيا عبد السلام العراقي. في تضاعيف دليل المعرض ورد اسمي “مصطفى حفيظ الشرقاوي”. بعد علمي برحيل الفنان أحمد الشرقاوي عبر منابر الإعلام الدولية (لوموند، لومانتي، ليتر فرونسيرز) وجه لي السيد السفير رسالة تعزية عن طريق كتابته الخاصة. بمجرد عودتي من بولونيا، بدأت مساري في التعليم الفني كأستاذ بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، وأقمت عام 1973 معرضا كبيرا برواق باب الرواح. كتب نصوص دليل هذا المعرض المهندس المعماري الكبير مراد بن مبارك . دعوت السيد محمد الشرقاوي زوج الأميرة للامليكة سلمت له كتابين : كتاا فارسوفيا وكتاب باب الرواح. كم عبر لي السيد محمد الشرقاوي عن تقديره وامتنانه لكوني حذفت من اسمي صفة “الشرقاوي”، حتى لا يختلط الاسمان، احتراما وعرفانا بمكانة الرائد أحمد الشرقاوي داخل المشهد الفني الدولي.

> كيف تتلقى الأوساط الفنية البولونية تجربتك الإبداعية ذات الخصوصية الأسلوبية المتميزة على مستوى اللون والتركيبة وسند قماش القنب ؟
< لابد من التذكير بأنني كنت من الفنانين المغاربة المشاركين في ذكرى 220 سنة (1792 – 2012) من العلاقات الثقافية والعلمية بين بولونيا والمغرب التي احتضنتها المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط ما بين 3 و 15 ماي 2012، حيث كانت أرضية هذا المعرض بتعبير وزير الثقافة محمد أمين الصبيحي مؤلف جان بوتوكي “رحلة في إمبراطورية المغرب عام 1791” المنشور بفارسوفيا عام 1792، وهو وصف دقيق لهذا المهندس والكاتب البولوني الذي زار المغرب إبان حكم السلطان العلوي مولاي اليازيد، حيث كتب عن إعجابه الكبير بطيبوبة الناس، وبجمالية المناظر وأصالة المدن التي حل بها. فقد كان المهندس الأول للعلاقات الثقافية المغربية – البولونية التي تعمقت مع توالي الأزمنة بناء على تبادل التجارب والكفاءات. لقد تلقت كل معارضي الفنية ببولونيا استحسانا لافتا، حيث يدرج اسمي دائما ضمن قائمة المبدعين المعاصرين ذوي الصيت الدولي، كما أن لوحاتي تعرض داخل أشهر القاعات  الفنية في إطار الفن الحداثي.   
>  حاوره : عبد الله الشيخ

Related posts

Top