تقديم
إن أحزاب الاستقلال، والأصالة والمعاصرة، والتقدم والاشتراكية، المؤمنة بقيم الحرية والعدالة والديمقراطية والمشاركة، وهي تستحضر مسارات التطور السياسي والدستوري والمؤسساتي ببلادنا، ونضالات الشعب المغربي من أجل توطيد الديمقراطية الحقة ، وإقرار الحريات العامة وحقوق الإنسان، وبناء الدولة الوطنية القوية، تجد نفسها اليوم كذلك مطوقة بأمانة تحصين المكتسبات الديمقراطية والحقوقية والسياسية التي تحققت في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، و مواصلة العمل على التثبيت النهائي للديمقراطية، وتقوية دولة القانون والعدل والمؤسسات.
لقد شكل دستور 2011 لحظة مفصلية في تاريخ المغرب، بالنظر إلى أهمية الإصلاحات الكبرى التي أقرتها الوثيقة الدستورية على مستوى الحقوق والحريات وإقرار العديد من المبادئ المؤطرة لعلاقات السلط فيما بينها على أساس الفصل والتكامل والتعاون ، وترسيخ الاختيار الديمقراطي كأحد الثوابت الدستورية للمملكة.
ولقد لعبت الأحزاب السياسية الوطنية أدوارا مهمة في دينامية الإصلاح الديمقراطي ببلادنا، من خلال نضالاتها التواقة لإقرار الحرية والديمقراطية، جسدتها مختلف مذكرات الإصلاح السياسي والدستوري التي رفعتها إلى جلالة الملك، والتي كان لها أثر مباشر على تطور المتن الدستوري ، والمسار الديمقراطي ببلادنا.
إن بلادنا تعيش مرحلة دقيقة من تاريخها، جراء وجود تحديات داخلية مرتبطة بضرورة التجاوب مع سقف مطالب المجتمع وانتظارات الشباب، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وتحديات خارجية تتمثل في المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة سواء ذات الطبيعة الأمنية أو الجيواستراتيجية أو الاقتصادية، مما يستدعي تقوية الدولة الوطنية الديمقراطية، بمؤسساتها السياسية والدستورية والمنتخبة، وتحصين مناعتها وجبهتها الداخلية، والعمل على رفع سقف مشاركة المواطنات والمواطنين في الشأن السياسي والانتخابي، والقيام بالإصلاحات السياسية والمؤسساتية، وتقوية الأدوار الدستورية للأحزاب السياسية باعتبارها شرطا وجوديا للديمقراطية.
وعليه، واستحضارا لمضامين الفصل الأول من الدستور الذي ينص على الاختيار الديمقراطي كأحد الثوابت الجامعة للأمة المغربية، إلى جانب الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية،
وانسجاما مع مقتضيات الفصل السابع من دستور المملكة المغربية، الذي يقر بأن وظائف الأحزاب السياسية تتمثل في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، والمساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية،
واستحضارا لمضمون الفصل الحادي عشر من الدستور الذي ينص على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، وعلى تجريم المس بها.
وعلى أن السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم،
وعلى الحق في الولوج المنصف للأحزاب السياسية لوسائل الإعلام العمومية،
وعلى إلزام السلطات العمومية باتخاد الوسائل الكفيلة بالنهوض بمشاركة المواطنات والمواطنين في الانتخابات.
وعليه، وانسجاما مع المرجعيات السياسية والإيديولوجية للأحزاب الثلاثة، والتي تجعل من المسألة الديمقراطية ركنا أساسيا في مشروعها السياسي، فإن رؤيتها لا تنحصر في المسألة الانتخابية فقط، على الرغم من أهميتها، بل تؤكد على ضرورة معالجة أزمة السياسة وأزمة الثقة في الفاعل السياسي وفي المؤسسات المنتخبة، في أفق صياغة تعاقد سياسي جديد، ببنيات سياسة ومؤسساتية قوية، وبقواعد ديمقراطية صلبة.
لذلك، فإن هذه المذكرة، تتضمن محورين أساسيين: يتعلق الأول بالإصلاحات السياسية والديمقراطية، والثاني بالإصلاحات الانتخابية.
المحور الأول : الإصلاحات السياسية والديمقراطية
لقد قامت أحزابنا بتحليل دقيق وموضوعي لحالة السياسة والديمقراطية ببلادنا، وخلصت إلى أن المشهد السياسي أصبح يعاني من حالة الترهل والإجهاد على جميع المستويات، جراء أسباب ذاتية مرتبطة بطبيعة اشتغال الفاعل الحزبي والمؤسسات السياسية، وبروز ممارسات تهيمن عليها حسابات الربح والخسارة عوض المضمون السياسي والفكري والإيديلوجي، إلى جانب عدة أسباب موضوعية تتعلق بغموض وتداخل أدوار الفاعلين في النسق السياسي المغربي، في ظل عدم قدرة الأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة على أداء وظائفها الدستورية والسياسية، وبالتالي فإن حالة الترهل هاته، تطرح علينا تساؤلات كبيرة حول المستقبل السياسي والديمقراطي لبلادنا، في ظل التحولات المجتمعية المتسارعة.
وبالرغم من أن بلادنا حققت مكتسبات سياسية ودستورية وديمقراطية هامة بفضل الإرادة القوية لجلالة الملك ونضالات الأحزاب الوطنية والقوى الحية بالمجتمع، إلا أن فكرة الديمقراطية ما زالت تعتريها عدة أعطاب هيكلية ووظيفية، في ظل وجود ممارسات تحاول تقويضها وتحول دون تطورها الطبيعي، أضف إلى ذلك، ضعف تملك الثقافة الديمقراطية وعدم ترجمتها في الفعل والسلوك السياسي، وتراجع دور المؤسسات المنتخبة وعدم قدرتها على التجاوب مع انتظارات المواطنين، واستمرار تغليب منطق التحالفات الهجينة على حساب مخرجات العملية الانتخابية إلى غير ذلك من الممارسات التي تعرقل التطور السياسي والديمقراطي ببلادنا.
كما يلاحظ أن الفاعل الحزبي وكذا الفاعل العمومي في المجال السياسي لم يتجاوبا بالشكل الكافي مع روح الديمقراطية التي جاء بها الدستور، حيث لم تتم أجرأة هذا الاختيار بكامل جرعاته في العمل السياسي وفي تدبير الشأن العام، حيث استمر الاعتماد على بعض الممارسات والآليات التقليدية التي لم تمكن من تجديد النخب وتقوية المؤسسات، وإفراز خريطة سياسية قوية، وإعطاء نفس ديمقراطي جديد لبلادنا.
لقد أصبح المشهد السياسي موسوما بالغموض والضبابية، بفعل عدم احترام قواعد ومبادئ الديمقراطية، والهروب من تحمل المسؤوليات السياسية في تدبير الشأن العام، حيث أصبحت الأغلبية الحكومية تمارس خطاب المعارضة للحفاظ على مكتسبات انتخابية، بينما وجدت المعارضة نفسها في تماهي كبير مع هذا الخطاب، وأصبح المواطن لا يستطيع التفريق بين المواقف، وبين من يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار، وازدادت العبثية والصراعات السياسية، وساد عدم الانسجام والتصادم بين مكونات الأغلبية الحكومية ، ودخلنا بالتالي في المنطقة الرمادية من مسارنا السياسي والديمقراطي.
وعلى مستوى آخر تستمر آلة تبخيس دور الأحزاب وتهميشها ، وترويج خطاب يحملها مسؤولية كل الإخفاقات والمشاكل التي تحصل في المجتمع، وصناعة صورة نمطية سيئة عن الأحزاب والمؤسسات المنتخبة لدى الرأي العام، علما أن استمرار اشتغال هذه المنهجية لا يضر بالأحزاب فقط ، بل يستهدف التوجه الديمقراطي و البناء المؤسساتي لبلادنا.
و يلاحظ أن وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية لم تستطع أن تواكب التحولات السياسية والديمقراطية والدستورية لبلادنا ، ولم تعرف انفتاحا حقيقيا على الأحزاب وعلى المجتمع، واستمرت في أداء أدورها التقليدانية، في الوقت الذي يصنع الرأي العام لنفسه فضاء افتراضيا جديدا للتعبير الحر، غير خاضع لأية ضوابط أو قواعد واضحة.
لقد أدى تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال إلى بروز فاعلين جدد في الفضاء العام الافتراضي، وانتقل النقاش العمومي من الفضاءات العمومية إلى الفضاءات الافتراضية، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا مهما في صناعة القرار السياسي، كما أنها سمحت في نفس الوقت بالصعود المتزايد للشعبوية، ولخطابات الكراهية والعنف، وبروز الهويات الضيقة والحصرية.
لقد كان طبيعيا أن تؤدي كل هذه الأعطاب وغيرها من الاختلالات التي يعرفها الحقل السياسي المغربي إلى أزمة السياسة ببلادنا ، الموسومة بضعف ثقة المواطنين في الأحزاب وفي المؤسسات المنتخبة محليا وجهويا ووطنيا، وبظاهرة العزوف عن المشاركة السياسية و بحالة من الإحباط في صفوف الشباب إلى درجة بروز بعض الدعوات لمقاطعة الانتخابات.
إن تراجع “السياسي” أصبح اليوم مُعَطـِّلًا ومصدرَ انحسار للنموذج التنموي الحالي، بعد أن كان محركا وسندا أساسيا في التنمية خلال تجارب الإصلاح الدستوري، والانتقال الديمقراطي، والتناوب التوافقي، والمصالحات الكبرى منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي.
إن بلادنا مقبلة على تحولات كبرى سواء على مستوى تبني مشروع النموذج التنموي الجديد، الذي دعا اليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، أو على مستوى إصلاح هياكل الدولة، وإعادة تحديد أدوارها ووظائفها، وتوطيد الجهوية الموسعة وتقوية اللامركزية واللاتركيز الإداري.
لذلك فإن الأحزاب الثلاثة تعتبر أن نجاح النموذج التنموي الجديد الذي تنشده بلادنا يتطلب تقوية البنيات المؤسساتية والسياسية ، وإنتاج نخب جديدة، ومجالس منتخبة محلية وجهوية ووطنية قادرة على تملك الكفاءة والإرادة السياسية الكفيلة بأجرأة مضامين النموذج التنموي الجديد على أرض الواقع ، وتنفيذ الأوراش الإصلاحية المرتبطة به.
إن التداعيات الكبيرة لجائحة كورونا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ببلادنا ، وما نتج عنها من تعميق للفوارق الاجتماعية والمجالية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، واتساع دائرة الفقر، وارتفاع البطالة إلى مستويات قياسية، ستزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي ببلادنا ومن احتمال تصاعد الحركات الاحتجاجية، وتصاعد موجات التعبيرات السياسية الشبابية الجماعية في الفضاءات العمومية .
واعتبارا لدقة المرحلة التي تمر منها بلادنا، والموسومة بالتحديات الداخلية والخارجية المتعددة الأبعاد، وما تقتضيه الظرفية من تحصين بلادنا وتقوية مناعتها عن طريق استكمال توطيد الديمقراطية، وتقوية أدوار المؤسسات السياسية والديمقراطية، ومواصلة الانخراط في المنظومة الدولية المعيارية لحقوق الإنسان، وتقوية البناء الديمقراطي والمؤسساتي .
إن النظام التمثيلي في الدول الديمقراطية اليوم يعرف اختبارا حقيقيا في ظل صعود آليات الديمقراطية المباشرة من خلال تعبيرات الشارع و فضاءات التواصل الاجتماعي، لذلك فإن الأحزاب السياسية في بعض هذه الدول وجدت نفسها أمام واقع سياسي جديد لم تعد بالضرورة هي الفاعل الأساسي فيه، وأصبحت في كثير من الأحيان متجاوزة بفعل التعبيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المباشرة للمواطنين، مما أضعف من وظائفها ومن قدرتها على القيام بالوساطة داخل المجتمع.
لذلك، فإننا مطالبون بالقيام بقراءة جيدة لهذه المتغيرات، والانكباب على ورش الإصلاح السياسي، و تقوية دور الأحزاب وتأهيلها، وتجديد آليات اشتغالها، وتوطيد الآليات الديمقراطية ، وإقرار مصالحة المواطن مع الشأن السياسي.
وعليه، فإن الأحزاب الثلاثة تدعو إلى ما يلي :
1 – إبرام تعاقد سياسي جديد، واستثمار المنسوب العالي للوطنية الذي أفرزته جائحة كورونا، وتبلور بشكل واضح بالالتفاف الجماعي للشعب المغربي حول جلالة الملك حفظه الله ،على أساس أن يكون المدخل الأساسي لهذا التعاقد هو القيام بالإصلاحات السياسية والمؤسساتية، وتقوية الأدوار الدستورية للأحزاب، وإحداث القطائع الضرورية مع بعض الممارسات المسيئة للمسار السياسي والديمقراطي.
2 – تعزيز الاستقلالية والتعددية الحقيقية ، وتوضيح الرؤية السياسية، وتوضيح أدوار السياسي والتكنوقراطي في الحياة العامة، وإقرارالتكامل بين السياسي والمجتمع المدني، وتطوير المفهوم الجديد للسلطة، لمواكبة تطورات الحقل السياسي والدستوري، وتوطيد التعاون والتكامل مع أدوار الاحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة.
3 – ضرورة توفير المناخ العام والشروط السياسية الضرورية الكفيلة بإحداث انفراج سياسي وحقوقي، والعمل على تقوية تموقع الأحزاب في الفضاء العمومي والمؤسساتي، وتمكينها من كافة الوسائل والظروف للقيام بمسؤولياتها الدستورية والأخلاقية تجاه المجتمع.
4 – ضرورة مراجعة القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، بما يجعله قادرا على استيعاب روح الاختيار الديمقراطي الذي جاء به الدستور، ويحقق التمكين السياسي للأحزاب، ويعزز وظائفها السياسية و الدستورية في تأطير المواطنين، وممارسة الوساطة بين الدولة والمجتمع.
5 – التفعيل السريع لتوجيهات جلالة الملك حفظه الله، الواردة في خطابه السامي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية لسنة 2018، والرامية إلى الرفع من الدعم العمومي الموجه للأحزاب قصد مواكبة الهيئات السياسية وتحفيز العمل السياسي، وتخصيص جزء منه للكفاءات الحزبية في مجال التفكير والابتكار.
6 – إعادة صياغة علاقة وسائل الإعلام العمومية بالأحزاب السياسية على أساس تدعيم التعددية السياسية، والانفتاح على مختلف تيارات الرأي والتعبير، وتقوية حضور الإعلام السياسي في البرامج والمجلات الإخبارية، وتغيير الطريقة النمطية في معالجة المادة الحزبية والسياسية، ومواكبة راهنية الحقل السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتفاعلاته المختلفة.
7 – ضرورة قيام الأحزاب السياسية بتأهيل بنياتها التنظيمية، وتجديد نخبها، وتشجيع حضور الشباب والنساء في هياكلها ، وتطوير آليات اشتغالها، وتقوية الديمقراطية الداخلية.
8 – إعطاء المدلول الدستوري والديمقراطي لبرامج الأحزاب السياسية عبر الالتزام ببلورتها في إطار السياسات العمومية ، وتكريس المنهجية الديمقراطية بالربط بين نتائج التنافس الانتخابي بين الأحزاب السياسية وتحمل مسؤولية قيادة المؤسسات المنتخبة، وتقوية الشفافية و تفعيل مبدأ تقديم الحساب.
9 – تجسير الهوة بين الناخب والمنتخب وإعطاء المدلول الديمقراطي لإرادة الناخب في اختيار ممثليه وعكس ذلك على التحالفات ما بعد الانتخابات، وكذا تمكينه من كافة الوسائل لمساءلة المنتخب ، ومحاسبة هيئته السياسية بعد نهاية فترة الانتخابات.
10 – إقرار التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، والعمل على تبسيط الإجراءات والشكليات المتعلقة بتقديم العرائض والملتمسات من طرف المواطنين، وتنظيم وتوضيح العلاقات بين مؤسسات الحكامة والمؤسسات الدستورية الأخرى.
المحور الثاني : إصلاح المنظومة القانونية المؤطرة للانتخابات
إن الانتخابات ليست هدفا في حد ذاتها، بل هي آلية ووسيلة لإفراز مؤسسات منتخبة تعكس إرادة الناخبين واختياراتهم، باعتبارها أداة للتعبير السياسي الحر ومدخلا رئيسيا للممارسة الديمقراطية .
وعلى الرغم من أن التجربة الانتخابية ببلادنا انطلقت منذ بداية ستينيات القرن الماضي، إلا أن المشهد الانتخابي ما زال يعاني من عدة إكراهات واختلالات تحد من نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها، بالرغم من المجهودات المقدرة التي تم القيام بها في السنين الأخيرة.
لذلك، فإننا نعتبر أن الاشتغال على ورش نزاهة الانتخابات وشفافيتها، هو أحد الأوراش الرئيسية التي ينبغي الانكباب عليها، من أجل تعزيز و حماية العملية الانتخابية وإحاطتها بكافة الضمانات القانونية، والإدارية، والقضائية، والسياسية، والعمل على توفير كل الشروط والآليات لتجرى العملية الانتخابية في أجواء يسودها التنافس السياسي الحر بين الأحزاب، و تفعيل مبدأ تقديم الحساب وعدم التهرب من المسؤوليات ، والقطيعة مع بعض الممارسات المسيئة المتمثلة في استعمال المال من طرف بعض المرشحين، وتقديم الإغراءات العينية، واستعمال الوسائل العامة في الحملات الانتخابية، والحياد السلبي للإدارة، إلى غير ذلك من الممارسات التي تفرغ العملية الانتخابية من مدلولها الديمقراطي، وتؤثر بشكل كبير على أداء ومردودية المؤسسات المنتخبة، وتسمح بصعود نخب ضعيفة الكفاءة والقدرات، مما يعكس صورة سلبية عن الفاعل السياسي، ويضعف ثقة المواطنين في الأحزاب وفي المجالس والمؤسسات المنتخبة.
وعليه، فإن اقتراحاتنا فيما يتعلق بالإصلاحات الانتخابية، تهدف إلى ما يلي :
أولا : تشجيع المشاركة السياسية للمواطنات والمواطنين
ثانيا: ترسيخ الشفافية والنزاهة وتخليق الممارسة الانتخابية
ثالثا: تقوية الأحزاب السياسية للقيام بأدوارها الدستورية
رابعا: توطيد الديمقراطية وتقوية فعالية المؤسسات المنتخبة
ومن أجل ذلك، نقترح عددا من الإصلاحات والتدابير وهي كما يلي:
أولا : الهيئة المشرفة على الانتخابات
1 – إحداث اللجنة الوطنية للانتخابات بقانون كهيأة مكلفة بالتنسيق والتتبع ومواكبة الانتخابات، تكون ذات طابع مختلط، تتكون، بالإضافة إلى ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية الممثلة في البرلمان، من ممثلي الحكومة والسلطة القضائية. وتكون بمثابة آلية للتشاور والإعداد والتتبع ويعهد برئاستها لممثل السلطة القضائية، على أن تتكلف الحكومة بالتدبير الإداري للانتخابات.
2 – تحدث لدى اللجنة الوطنية للانتخابات ولنفس الغرض لجان إقليمية على صعيد كل عمالة أو إقليم
ثانيا: التقطيع الانتخابي
1- اعتماد المنهجية التشاركية بخصوص مشاريع التقطيع الانتخابي ، وعرضها وجوبا على اللجنة الوطنية للانتخابات واللجان الإقليمية.
2 – ضرورة مراعاة خصوصية بعض الاقطاب الحضرية الجديدة في التقسيم الترابي والتقطيع الانتخابي.
3 – ضم بعض الجماعات الترابية المتقاربة والمتجانسة.
ثالثا : نمط الاقتراع
1 – الحفاظ على نظام الاقتراع المزدوج: أحادي / لائحي، في الانتخابات الجماعية
2 -اعتماد الانتخابات باللائحة في الجماعات التي يفوق عدد سكانها 50.000 نسمة، وكذا في الجماعات التي تقل ساكنتها عن هذا العدد شرط وجود مقر العمالة فوق ترابها، واعتماد الاقتراع الأحادي الإسمي في باقي الدوائر الانتخابية.
3 – تقوية مشاركة النساء والشباب باعتماد لوائح جهوية للنساء، والشباب ذكورا وإناثا، بدل اللائحة الوطنية، مع رفع عدد المقاعد التي كانت مخصصة للائحة الوطنية، في أفق تحقيق المناصفة بالنسبة للنساء، و مراعاة تمثيلية الأطر والكفاءات، وكذا الجالية المغربية بالخارج.
4 – اعتماد لائحة نسائية في الجماعات ذات الترشح الفردي.
5 – التنصيص القانوني على تمثيلية النساء في مجالس العمالات والأقاليم والغرف المهنية.
6 – العمل على ضمان الآليات الكفيلة بضمان تمثيلية المرأة في الانتخابات الجماعية بنسبة الثلث على الأقل.
7 – تقوية تمثيلية الشباب في الانتخابات الجماعية بمختلف الآليات كاعتماد لائحة للشباب مثلا.
8 -إحداث صندوق لدعم المشاركة السياسية للشباب على غرار صندوق دعم القدرات السياسية للنساء.
رابعا : اللوائح الانتخابية
1 – تشجيع الشباب على المشاركة في الانتخابات وذلك عن طريق :
*القيد التلقائي للبالغين 18 سنة في اللوائح الانتخابية من طرف السلطة، مع القيام بحملة لتمكين الشباب من البطاقة الوطنية.
*إعفاء المصوتين من الشباب من أداء واجبات التنبر للحصول على بطاقة التعريف الإلكترونية؛
*إعفاء جزئي من واجبات التنبر للحصول على جواز السفر البيومتري؛
*اعتبار التصويت شرط ترجيحي عند تساوي المرشحين في الولوج إلى الوظيفة العمومية أو التعيين في المناصب العليا؛
*اعتبار التصويت شرط ترجيحي للاستفادة من الخدمات والبرامج الاجتماعية، كالسكن الاجتماعي، الإنعاش الوطني، الدعم والتكافل الاجتماعي.
2 – تقديم طلبات القيد وتغيير القيد طيلة السنة عبر الأنترنيت.
3 -التشطيب التلقائي على المتوفين باللوائح الانتخابية باعتماد تصاريح الوفاة المسجلة لدى السلطات المحلية.
4 – تفعيل المقتضيات القانونية المتعلقة بضمان إشعار الأشخاص المشطب عليهم من اللوائح الانتخابية، بكافة الوسائل، وداخل الآجال القانونية.
5 – تمكين الأحزاب من اللوائح الانتخابية بداية شهر يناير من كل سنة وشهر قبل التاريخ المحدد للانتخابات مع التوزيع حسب المكاتب.
6 – توفير إمكانية إضافية لسحب الجداول النهائية للوائح الانتخابية مبوبة وجوبا ( وليس قدر الإمكان) حسب مكاتب التصويت لمجموع الدوائر الانتخابية من قبل الأحزاب السياسية وطنيا و مركزيا من وزارة الداخلية، وبناء على طلب واحد يقدمه الأمين العام للحزب، عوض الاقتصار فقط على تقديم طلبات على صعيد الجماعات والعمالات والأقاليم وسحبها محليا.
خامسا: الحملة الانتخابية
1.عدم اعتبار وجود الرموز الوطنية والنشيد الوطني وكذا اللونين الأحمر والأخضر في المنشورات والمطبوعات الدعائية أو استعمالها في مهرجانات الحملات الانتخابية من موجبات الطعن
2 – تقليص مدة الحملة الانتخابية إلى عشرة أيام (بدل 14 يوما).
سادسا : تاريخ الاقتراع
1 – يحدد تاريخ الاقتراع في إطار اللجنة الوطنية للانتخابات بعد الحوار والتشاور مع الأحزاب السياسية
2 – تنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية مرة واحدة و في نفس التاريخ، للرفع من نسبة المشاركة، ولترشيد المواد المالية والبشرية، خصوصا أمام تداعيات جائحة كورونا.
سابعا : يوم الاقتراع
اعتماد الاقتراع يوم الأربعاء عوض الجمعة شريطة منح كل الموظفين والمستخدمين في القطاع العام والخاص رخصة تغيب استثنائية مؤدى عنها ولا تقتطع من الإجازة السنوية بين يوم وثلاثة أيام حسب المسافة بين مقر العمل ومكان مكتب التصويت لأداء الواجب الوطني شريطة الإدلاء بشهادة المشاركة في عملية التصويت يسلمها له رئيس مكتب التصويت.
ثامنا: عملية الاقتراع
1 – تخفيض عدد المكاتب المتواجدة داخل المدن و المتقاربة على أساس 700 ناخب بكل مكتب
2 – الاكتفاء بالإدلاء بالبطاقة الوطنية أو جواز السفر أو أي وثيقة ذات قيمة إثباتية قانونية رسمية من طرف الناخب لرئيس مكتب التصويت وعدم إلزامية الإدلاء ببطاقة الناخب، وعند الخلاف يرجع إلى الرقم 27.27 المعتمد رسميا للتأكد من تسجيل الناخب بالمكتب الانتخابي الذي سيصوت فيه.
3 – تسلم نسخة من محضر مكتب التصويت في ساعته وفي عين المكان إلى ممثل المرشح أو الحزب السياسي .
4 – تسلم نسخ من مجموع محاضر مكاتب التصويت الفرعية والمركزية والمحضر النهائي برسم الدائرة الانتخابية إلى ممثل المرشح أو الحزب السياسي داخل أجل 24 ساعة من إيداع الطلب.
5 – ضرورة توقيع وبصمة الناخبة والناخب في ورقة الحضور
6 – جعل مكاتب التصويت سهلة الولوج، خاصة بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة.
7 – تعيين رؤساء مكاتب التصويت من موظفين تابعين لمختلف القطاعات، وبمقاربة تشاركية ضمن آليات التنسيق والتشاور وأساسا اللجان الإقليمية للانتخابات. مع ضرورة الإعلان الرسمي عن لائحة رؤساء مكاتب التصويت ومنح حق التعرض للمترشحات والمترشحين لدى السلطة الحكومية المكلفة بالانتخابات إذا لزم الأمر.
تاسعا : طريقة احتساب الأصوات
احتساب القاسم الانتخابي على أساس اعتماد الأوراق المعبر عنها: (الصحيحة) و(الملغاة) و(الأوراق البيضاء) و(الأوراق المتنازع فيها).
عاشرا : فرز الأصوات وحفظها
1 – اعتماد الفرز الإلكتروني لأوراق التصويت
2 – تحفظ جميع أوراق التصويت إلى حين انتهاء القضاء من البت في الطعون الانتخابية.
إحدى عشر: تصويت وترشيح المغاربة
المقيمين بالخارج
1 – العمل على تفعيل مقتضيات الفصل 17 من الدستور الذي يكفل حق المغاربة المقيمين بالخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات.
2 – ضمان تمثيلية الجالية المغربية بمجلس النواب، عن طريق ترشيحات تقدم في إطار اللائحة الجهوية المشار إليها سابقا.
إثنى عشر: تعزيز نزاهة الانتخابات
1 – جعل حق تقديم الطعن في الانتخابات من اختصاص رئيس اللجنة الإقليمية للانتخابات
2 – تعزيز أدوار هيئات الملاحظة الانتخابية وأدوار المجتمع المدني.
ثلاثة عشر: العتبة الانتخابية والمالية
توحید العتبة الانتخابیة والمالیة في 3 في المائة. وهو ما یعني أن اللوائح الانتخابیة التي تشارك في توزیع الأصوات في جمیع الانتخابات الجماعیة والجهویة والتشریعیة وانتخابات مجالس العمالات والأقالیم والغرف المهنیةهي اللوائح التي تحصل على الأقل على نسبة 3 في المائة من الأصوات بصرف النظر عن حجم وطبیعة الدائرة الانتخابیة المعنیة.
ويقترح حزب الأصالة والمعاصرة حذف العتبة الانتخابية
أربعة عشر: حق الترشح لرئاسة المجالس المنتخبة
1- اقتصار حق الترشح لرئاسة الجماعات على وكلاء اللوائح الأربعة الأولى من أجل تقوية مصداقية العملية الانتخابية وإعطاء المعنى الديمقراطي للانتخابات، واحترام إرادة الناخبين.
2 – تكوين مكاتب المجالس المنتخبة داخل أجل 7 أيام تبتدئ من تاريخ الإعلان عن النتائج.
خمسة عشر: نظام تمویل الأحزاب السیاسیة وكیفیات مراقبة النفقات الانتخابية
1 – مراجعة منظومة الدعم العمومي المخصص للأحزاب السياسية.
2 – إحداث فرع جديد ضمن الباب الرابع في القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية تحت عنوان : “الدعم المالي السنوي الجزافي الإضافي المخصص للتأطير”.
* يتم تقسيم 90 في المائة من الدعم المالي السنوي الجزافي الإضافي المخصص للتأطير بالتساوي بين الأحزاب الممثلة في مجلس النواب التي غطت 30 في المائة على الأقل من الدوائر التشريعية، وحصلت على أكثر من 1 في المائة من الأصوات برسم الانتخابات التشريعية العامة.
* تستفيد الأحزاب غير الممثلة في البرلمان من 10 في المائة من هذا الدعم.
3 – تعديل المادة 32 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية على النحو التالي:
تمنح الدولة للأحزاب السياسية المؤسسة بصفة قانونية دعما سنويا للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها، وذلك وفق القواعد الآتية بعده:
أ) تخصص حصة سنوية جزافية لجميع الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة التشريعية والتي غطت نسبة 30 في المائة على الأقل من عدد الدوائر الانتخابية المحلية الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس النواب، وحصلت على نسبة 1 في المائة من الأصوات على الأقل، توزع بالتساوي فيما بينها؛
ب) تستفيد من مبلغ إضافي يعادل الحصة الجزافية السالفة الذكر الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب والتي حصلت على الأقل على 1 في المائة دون ان تصل إلى 3 في المائة من عدد الأصوات المعبر عنها في الانتخابات العامة التشريعية، برسم مجموع نفس الدوائر الانتخابية المشار إليها في البند أعلاه؛
ج) يخصص دعم سنوي للأحزاب السياسية التي حصلت على نسبة تساوي او تفوق 3 من عدد الأصوات المعبر عنها في الانتخابات المشار إليها أعلاه، و يوزع هذا المبلغ على أساس عدد المقاعد و الأصوات التي حصل عليها كل حزب سياسي خلال نفس الانتخابات.
4 – الرفع من قيمة التبرعات لفائدة الأحزاب السياسية إلى500.000 درهم سنويا عوض 300.000 حاليا.
5 – إدراج عائدات استغلال العقارات المملوكة للأحزاب ضمن مواردها المنصوص عليها في المادة (31) من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية.
6 – تمكين الأحزاب السياسية من امتلاك وإنشاء شركات للتواصل و الأنشطة الرقمية ومن أجل استثمارها في أنشطتها و الحصول على عائدات مالية من خدماتها .
7 – الترخيص للأحزاب السياسية بجمع تبرعات من قبل أشخاص ذاتيين أو معنويين بمناسبة عقد لقاءاتها و تجمعاتها على أساس تحديد سقف مالي خاص بها .
8 – إعادة النظر في طريقة مراقبة النفقات الانتخابية وذلك بمراجعة نظام المحاسبة العمومية المطبق على الأحزاب السياسية فيما يتعلق بالانتخابات بتبسيط الأدلة الإثباتية للنفقات الانتخابية.
9 – إلزام المرشحات والمرشحین في جمیع الانتخابات بتقدیم تصريحا بجرد لنفقات حملاتههم الانتخابیة للمجالس الجهویة للحسابات داخل آجال معینة، تحت طائلة متابعتهم قضائیا في حالة عدم قيامهم بذلك.