عرضا بعد عرض، يتأكد أن الدورة 18 هي دورة إشكالات حقيقية في الحياة المسرحية الوطنية، ذلك أن عروض المهرجان، وبهاء الأفق الذي تحرك فيه المبدعون المسرحيون، ومقترحاتهم الفنية، لم يصنعوا فقط فرجات، بل طرحوا من خلالها مواقف من المسرح ولغاته ووظائفه. وخلقوا طقوسا جديدة للتلقي، تنتشي خلال انسياب متواليات العرض، وتستمر بعده.
ويعتبر المخرج أمين ناسور، واحدا من هؤلاء.. فبعد محاولات خلال سنوات التخرج، ظل أمين يتقدم بخطوات وئيدة، وفي كل خطوة يلفت إليه النظر، لتتضح علامات اتجاهه المسرحية داخل فرقة “إنجي”، والتي تشكل مشروعا يمكن اعتبار أمين أحد تمثلاته الممكنة والتي لها تفردها الخاص.
في السنة الماضية قدم أمين نسور للمسرح مسرحية “نايضة” الحائزة على الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني في دورته الـ 17، كما أخرج مونودراما “كلام الصمت”، وفي هذه السنة يقترح علينا عملين مسرحيين: مسرحية “اللعب” مع فرقة ستيلكوم التي قدمها بالأمس ومسرحية “بيريكولا” التي سيقدمها مع فرقة تفسوين من الحسيمة/ الريف.
في كل هذه المسرحيات نجد عالم أمين الخاص على مستوى كادر العرض، ثوابث يرى أمين أنها تؤكد على أسلوبه الخاص، سواء في تقنيات العرض أو في شكل الأداء التمثيلي متعدد المناهج والاتجاهات، والميل نحو الغروتيسك.
في مسرح أمين ناسور يموت النص بمفهومه التقليدي ليحضر العرض بجلاله، حاملا نصه الخاص. يصير الكلام في العرض تنويعة من تنويعات الكلام الممكن، قد يرتد أحيانا إلى مجرد كلمة. جملة تقال وتعاد، بأشكال متعددة، كل ذلك، يتم في الغالب، وفي الخلفية موسيقى حية تنبع من أنامل عازف غيتارة، تنوع على جملة لحنية أساسية وواحدة..
الصورة أهم من الكلمة. والأشكال أبقى وأكثر خلودا لأنها بذاتها الكلام والكلمة، تلك مرتبة المسرح هنا والآن.
في عرض “اللعب”، تستطيع أن تلمس هذه الحقيقة. تستقل الصورة عما يقال، ويدفعك المخرج والممثل دفعا حد الإجهاد لتتبع نصوص تتداخل وتدور وتدور وتدور، الكلمة تقال وتقال وتقال، بأشكال تضاعف المعنى وتجاوره وتفارقه.
وفي ذلك يبدو الممثل رهانا في عرض اللعب، ممثل متعدد الأبعاد في وجود العرض، الممثل المؤدي الذي يبدو القول عنده مجرد مستوى من مستويات تعبيره.
لهذا يمكن أن نقول إن عرض “اللعب” هو عرض التمثيل بامتياز.
الشخصيات التي يقدمها العرض تبدو بسيطة، وكأن صانع العرض لا يريد أن نشغل بالنا كثيرا بها، فمنذ البداية أنت أمام ثلاث شخصيات/ مقولات: الديكتاتور – المتمردة – الحربائي. في حالة من البوح / التصريح.
وهذه الشخصيات/ المعنى، تمنحك ذاتها لتحررك من أي انشغال بحياتها، فهي حالة موجودة بالشكل الذي تقدم به نفسها، الديكتاتور لا يداور حقيقته فهو “احنا ولكن انتوما ما شي أنا. أنا الذكر الوحيد…”؛ والحربائي لا يهمه إلا “المرقة”، لأن مجتمعه مجتمع مرقة، المصلحة الخاصة والشخصية؛ بينما المتمردة غارقة في أناشيد الثورة والتمرد بحنينية قاتلة وبإحساس بالعجز(يا صاح راني وسط الحملة).
لا يبدو أن هناك أفقا لهذه الشخصيات، فالطغيان والتمرد والانتهازية ستظل ترافق البشر مهما تغيرت أشكال الحياة وتنوعت الإيديولوجيات، ففي العالم سيتغير اللاعب ولكن اللعبة ستظل هي هي، إنه لأمر دال أن يتصير الحربائي هو الديكتاتور، يعيد إنتاج نفس الخطاب، نفس الكلام دون أي شعور بالذنب أو تبرير فج، فإن الحياة هي سؤال غير يقيني: “واش احنا ولا محال يا قلبي”.
السؤال ليس سؤال الشخصيات، بل سؤال صناع العرض.
“اللعب la3b”… مسافة دائرية مرهقة، ويزيدنا فيها إرهاقا ضيقها، ينتظم فيها اللهات وتظل الإيقاعات هي ذاتها تتمطى وتتمدد وتتكرر إلى ما لا نهاية…
* قدمت هذه الورقة في جلسة مناقشة العرض المسرحي في إطار فعاليات الدورة 18 للمهرجان الوطني للمسرح (تطوان 3 دجنبر 2016)
> بقلم: بوسرحان الزيتوني
في ملامسة صدى عرض مسرحية “اللعب” لفرقة ستيلكوم
الوسوم