في ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية حول: “الموارد المائية: أي حكامة لمواجهة الندرة والتغيرات المناخية؟”

أجمع عدد من الخبراء في التغيرات المناخية وقطاع الماء أن المغرب، مثل مجموعة من الدول، مقبل على ندرة في الماء بسبب التغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض.
وسجل المتدخلون، في لقاء مناقشة، نظمه حزب التقدم والاشتراكية الخميس الماضي بالرباط، حول “الموارد المائية: أي حكامة لمواجهة الندرة والتغيرات المناخية؟” (سجلوا) أن المغرب يقع ضمن موقع جغرافي يجعله إلى جانب بلدان عديدة مهددة بالتغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة وندرة المياه.
وأوضح المتدخلون من أساتذة وخبراء في المناخ والماء، أن هناك حاجة لسن سياسات استباقية لتدبير هذه الأزمات المحتملة، خصوصا نقص الماء الذي أضحى وشيكا في ظل السنة الحالية بسبب تأخر التساقطات المطرية، والتراجع المهول في حقينة السدود.
ودق المتدخلون ناقوس الخطر حيال هذه التغيرات التي تحتاج إلى قرارات فعلية وناجعة للمحافظة على الأقل على المخزون المائي الوطني وعدم استنزاف الفرشة المائية.
ونبه الأساتذة المشاركون في الندوة إلى بعض السياسات الإنتاجية التي تمس بالأمن المائي من قبيل الإنتاج الفلاحي لأنواع من الفواكه والخضروات التي تستنزف الفرشة المائية ومخازن السدود الكبرى، خصوصا المنتجات الفلاحية التصديرية.

محمد نبيل بنعبد الله: الماء قطاع حيوي يجب أن يكون ضمن الأولويات إلى جانب الصحة والتعليم

في هذا الصدد، قال محمد نبيل بنعبدالله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن قطاع الماء يكتسي أهمية بالغة خصوصا في ظل التحولات المناخية التي يعرفها العالم.
وتابع بنعبدالله الذي افتتح سلسلة “لقاءات الخميس” التي ينظمها حزب التقدم والاشتراكية طيلة شهر رمضان، والتي انطلقت بلقاء المناقشة حول الموارد المائية، (تابع) أن التغيرات الدولية والوطنية تفرض على المغرب أن يجعل قطاع الماء على رأس الأولويات.
وأبرز بنعبدالله أن المرحلة تقتضي إلى جانب اعتبار التعليم والصحة على رأس الأولويات، ضرورة تحيين الأولويات وإضافة السياسة المائية، بالنظر لكونها أولوية حقيقية، داعيا إلى تأمين الأمن المائي المغاربة وتجنيب البلاد أزمة عطش وشيكة في المستقبل.
وأضاف بنعبدالله أن مسألة الماء تأتي على رأس الأولويات بالنظر لما ينتظر القطاع من تحديات بالنسبة لحاضر ومستقبل المغرب، مبرزا أن هذه الأولوية هي التي تدفع حزب التقدم والاشتراكية إلى الاهتمام المتواصل بموضوع الماء سواء خلال فترة تدبير القطاع أو قبلها وبعدها، حيث ذكر في هذا الصدد، بمواقف وبيانات الحزب حول الماء.
وبعدما أكد على التحديات المتعلقة بالماء والمطروحة سواء بالمجال القروي والمجال الفلاحي، وفيما يخص الماء الشروب، أورد بنعبدالله أن هناك أزمة على مستوى الموارد المائية خصوصا مع تأخر التساقطات خلال هذه السنة، مردفا أن التساقطات الأخيرة ساهمت في إعطاء صبغة إيجابية للأوضاع.
وزاد بنعبد الله أنه بالرغم من الصبغة الإيجابية للتساقطات الأخيرة إلا أن نسبة ملء السدود لم تصل سوى لـ 35 بالمئة خلال السنة الحالية مقارنة بـ 51 خلال السنة الماضية، مشددا على أن التحدي مطروح على المغرب في الأفق، حيث دعا زعيم حزب “الكتاب” إلى سن خطة متوسطة وبعيدة الماء لإيجاد حلول ناجعة للقطاع.
وحول السياسة العمومية الموجهة لقطاع الماء، قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن قضية الماء تحتل مكانة رئيسية في النموذج التنموي الجديد، مردفا أنه بالرغم من ذلك لم يتم تسجيل أي تحركات أو قرارات واضحة تتماشى بما جاء به تقرير النموذج التنموي، مجددا دعوته إلى استدراك هذا التأخير والتعجيل بقرارات حقيقية كفيلة بتجاوز الأزمة.
وحذر بنعبد الله من الاستمرار في إعطاء الأولوية لبعض الفلاحات التصديرية على حساب الفرشة المائية ومخازن السدود، مشيرا إلى أن الأمر سيؤدي إلى استنزاف المخزون المائي والمس بالأمن المائي للمغاربة.
إلى ذلك، أوضح بنعبد الله أن اللقاء الذي ينظمه حزب التقدم والاشتراكية يندرج ضمن سلسلة من اللقاءات الرمضانية التي أطلق عليها الحزب “لقاءات الخميس” والتي قال إنها تهدف إلى إطلاق نقاش حول أهم القضايا الوطنية في ظل التحولات الراهنة.

شرفات أفيلال: السياسة المائية الحالية بلغت مداها ونقص الماء يهدد السلم الاجتماعي

من جهتها، وفي كلمة تأطيرية لها باسم الحزب، قالت شرفات أفيلال عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ووزيرة الماء السابقة والخبيرة في الموارد المائية، إن السياسة المائية الحالية بالمغرب بلغت مداها واستنفذت أهدافها وذاتها.
وأضافت أفيلال، خلال الندوة التي سيرت أطوارها حورية التازي صادق رئيسة التحالف المغربي من أجل الماء والقيادية بالمجلس العالمي للماء، أن الدراسات العلمية الموثوقة تؤكد على أن السياسة المائية للمغرب استنفذت وجودها وأضحت هناك الحاجة لسياسة ومقاربة جديدة، مشيرة إلى أن ما يؤكد ذلك هو صعوبة العثور على موقع جغرافي وجيولوجي ملائم لبناء سد كبير، معتبرة أن الأمر أصبح عسيراً ونادراً اليوم، على عكس ما كان عليه الأمر منذ عقود.
وشددت وزيرة الماء السابقة أن الاختيارات المعتمدة إلى حدود الآن، وجب وضعها مَوْضِعَ تساؤلٍ وتقييم، بمنطق علمي وسياسي واقتصاديا واجتماعي وإيكولوجي، خصوصا حول الجدوى من النموذج الفلاحي المُعتَمَد حاليا، والذي يتمحور حول التوسيع، عوض التثمين، وحول الفلاحة التصديرية.
وتساءلت المتحدثة عن معنى تبنِّي تنمية فلاحية، في صيغتها الحالية، غير متلائمة نهائيا مع القدرات المائية للبلاد، وكذا الأهداف والجدوى من وراء تشجيع السقي لبعض المنتوجات المستهلكة للماء في مناطق معروفة أو مهددة بالجفاف البنيوي.
كما تساءلت عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عن الاستمرار في نفس النهج وعدم التصدي، بالجدية اللازمة، لضرورة تأهيل منظومات السقي وقنوات التوزيع التي تعرف ضياعا مهولا للماء.
في نفس السياق، ذهبت أفيلال للتأكيد على ضرورة اتخاذ قرارات لازمة من أجل إقرار العدالة والمساواة في الولوج إلى الماء مجاليا واجتماعيا، وكذا البحث عن بدائل جديدة، وغير تقليدية، لتجاوز ندرة المياه.
واستفسرت أفيلال عن الاستثمارات الضرورية التي يتعين تخصيصها من أجل البنيات التحتية المائية، خصوصا في ظل وضعية الجفاف التاريخية التي يشهدها المغرب خلال هذا العام، بالإضافة إلى كونه من البلدان المهددة في المستقبل.
إلى ذلك، سجلت أفيلال أن السنة الهيدرولوجية الحالية، باستثناء التساقطات المطرية الأخيرة، تتسم بضعف شديد انعكس على المخزون المائي الذي تراجع في كل الأحواض المائية، ووصل في بعضها إلى مستويات منذرة.
وأوضحت المسؤولة السابقة عن تدبير قطاع الماء أن السدود الكبرى وعلى الرغم من التحسن الطفيف المسجل مؤخرا في مخزونها المائي، فإنَّ نسب ملئها بلغت مستوياتٍ هي الأدنى منذ سنواتٍ طويلة. كما أن الفرشات المائية بأغلب الأحواض صارت تعاني من الاستنزاف المُفرط، والذي يدعو فعلا إلى دق ناقوس الخطر.
وقالت أفيلال إن هذا الوضع أفضى إلى المساس المباشر والمُقلق بمنظومة التزويد بالماء الصالح للشرب، وباتت مدنٌ كبرى كوجدة والناظور والدريوش ومراكش، معنية بالعطش وبهشاشة منظومة الماء الشروب، منبهة من أن نقص المياه في المغرب من شأنه أن يشكل خطرا كبيرا يتهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي، حيث ترى المتحدثة أن المؤشرات الحالية تدعو إلى سن إجراءات قوية وعاجلة واستثمارات أساسية.
هذا، وقدمت المتحدثة مجموعة من النماذج الدولية التي سارعت إلى البحث عن سياسات مائية جديدة وعلى رأسها المعالجة الفعالة للمياه العامة وإعادة استخدامها، داعية إلى البحث عن بدائل حقيقة وناجعة وسن إجراءات كفيلة بضمان حق الماء للجميع.
وشددت أفيلال على أن الماء يجب أن يحظى بالأولوية في السياسات العمومية، خصوصا وأن المستقبل يجعل منه بلدا مهددا بالعطش بحكم موقعه الجغرافي، الذي يقع في منطقة تُصَنَّف دوليا ب”البقعة الساخنة”، حيث التقلبات المناخية وتغيراتها صارت تأخذ منحىً مقلقا.
في نفس الصدد، أثارت أفيلال موضوع التغيرات المناخية التي قالت إن الظواهر القصوى، الناتجة عنها كلها تتسارع في منطقة المتوسط، على وجه التحديد، كالارتفاع المهول لدرجة الحرارة؛ والجفاف؛ والفيضانات الطوفانية؛ والحرائق؛ وارتفاع مستوى البحار والمحيطات؛ وذوبان المناطق الجليدية؛ وغيرها. مسجلة أن عدم التحرك العالمي الجماعي والمتضامِن والوازن إزاءَه التغير المناخية من شأنه أن يؤدي إلى مآسي طبيعية واجتماعية واقتصادية وإيكولوجية، من بينها ما صار يُعرف ب”الهجرة المناخية أو النزوح المناخي”.

فاطمة الدريوش: احتمال كبير بانخفاض تساقط الأمطار وحدوث جفاف بالمغرب

من جانبها قالت فاطمة الدريوش الخبيرة الدولية في التغيرات المناخية وعضو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية GIEC إن من واجب العلماء تسليط الضوء على جميع التغيرات المناخية الحالية.
وأضافت الدريوش أن تغير المناخ يعطي فكرة عن صعوبات التدبير والتحديات التي تنشا الآن وكذلك في المستقبل، فهذه التغيرات، حسب المتحدثة، هي واسعة النطاق وسريعة ومكثفة، مبرزة أن كل منطقة تشهد تغيرات خاصة بها والتي تختلف عن المناطق الأخرى.
وأوضحت الخبيرة الدولية في التغيرات المناخية أن في الشمال تتميز هذه التغيرات بزيادة هطول الأمطار مما يشكل بعض المخاطر المرتبطة بها، في حين تشهد مناطق أخرى مثل حوض البحر الأبيض المتوسط انخفاضا في معدلات تساقط الأمطار وبالتالي زيادة نسبة الجفاف.
وحسب الدراسات العلمية للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ(GIEC) ، سجلت الدريوش أن التأثير البشري هو المسؤول عن الطريقة التي يتغير بها المناخ والتأثيرات المصاحبة له، “فبحديثنا عن تغير المناخ فإننا نتحدث عن زيادة درجات الحرارة وما لها من تداعيات وخيمة على صحة الإنسان والنظم البيئية الطبيعية والبشرية”، تقول المتحدثة.
وعلى مستوى المغرب وبعد تحليل البيانات التي سجلتها هيئة الأرصاد الجوية الوطنية خلال فترة طويلة، أفادت الدريوش أن هناك احتمالا كبيرا لانخفاض تساقط الأمطار وزيادة احتمال وقوع الجفاف.
وأوضحت المتحدثة أنه في حال استمرار الاحتباس الحراري، وإذا لم تكن هناك جهود وطنية مبذولة للحد من تأثيره، وذلك من خلال التقليل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فان التوقعات ليست مطمئنة وذلك بحسب آخر تقارير للهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ.
وترى الدريوش أن التخفيف من هذه التغيرات هو محاولة من أجل عدم جعل الوضع أسوء ومحاولة لإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية.
وعن الآفاق بعد الاحتباس الحراري، لفتت المتحدثة نفسها إلى أن اتفاقية باريس تتحدث عن الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين وربما إلى درجة مئوية 1.5، مشيرة إلى أن هذا الأمر يتعلق بالاحتباس الحراري العام وليس الجهوي، “ومع ذلك فان الاحترار يختلف من منطقة إلى أخرى” حسب الخبيرة في التغيرات المناخية التي أضافت أن الاحترار في المنطقة التي يتواجد بها المغرب يتمركز دائما في مستوى أعلى من المتوسط العالمي والذي يتحدد في 2 درجة مئوية أو 1.5 درجة مئوية.
إلى ذلك، سجلت الدريوش أن انخفاض تساقط الأمطار بالمغرب يبقى أمرا حتميا، حيث أوضحت أنه بقدر ما يتعلق الأمر بحوض البحر الأبيض المتوسط الذي يسجل في أفضل السيناريوهات (1.5 درجة مئوية) ينبغي توقع انخفاض بنسبة 10 بالمئة في هطول الأمطار، في حين رطوبة التربة تنخفض ويجب أن تزداد مع زيادة الغازات المسببة للاحتباس.
وخلصت المتحدثة أن مع زيادة تأثير الظواهر الحارة على المياه سيرتفع مستوى الطلب عليه، الشيء الذي سيشكل تحديا من حيث إدارة الموارد المائية.

أبو بكر الصديق الكداري: مشكل الماء هيكلي والحل يكمن في تحلية مياه البحر

من جهته قال أبو بكر الصديق الكداري المفتش العام السابق بوزارة الفلاحة والمدير العام السابق لإدارة الهندسة القروية أن مشكل الماء ليس مشكلا ظرفيا بالنسبة للمغرب وإنما هو يتعلق بما هو هيكلي ويمتد إلى العقود السابقة.
وأضاف الكداري أن المغرب وغداة حصوله على الاستقلال في منتصف الخمسينيات بدأ في التفكير في أساليب لتوفير مخزون مائي وكني والنهوض بالإنتاج الفلاحي.
وبالنظر لموقع المغرب الجغرافي الذي يجعل 80 بالمئة من أراضيه تعرف تساقطات مطرية أقل من 200 ملم في السنة المتوسطة، ارتأى المغرب حسب الكداري، أن يتوجه صوب سياسة مائية تقوم على السدود من أجل توفير الماء الشروب لعدد من المناطق وكذا لمنظومة الري في المجال الفلاحي من خلال توفير الري لمليون هكتار، وذلك بالنظر لكون النسبة الكبيرة من الأراضي قاحلة وشبه قاحلة.
ويرى الكداري أن هذه السياسية في بداية الأمر أعطت نتائج إيجابية للمغرب، إلا أن الأمور بدأت تتغير لاحقا، خصوصا مع بداية الثمانينات التي بدأت تعرف فترات جفاف طويلة وحادة، كما بدأت التساقطات المطرية تتراجع تنازليا بشكل مهول حيث بلغت 28 منذ ذلك الحين، فيما تراجع أيضا المخزن المائي بحوالي 40 بالمئة.
هذه المتغيرات، جعلت الكداري ينبه إلى أن التعاطي مع الموارد المائية لا يجب بأي من الأحوال معالجته بنظرة شمولية عالمية، حيث قال إنه من الخطأ التعامل مع مسألة الموارد المائية بطريقة عالمية لأن الأرقام العالمية تخفي بيانات مهمة، بل وقد تكون مضللة.
كما يرى المفتش العام السابق بوزارة الفلاحة أن التعامل مع مسألة الموارد المائية يجب أن تبقى على مستوى كل حوض على حدة، وذلك من أجل رؤية واضحة لوضعية الموارد المائية الوطنية، مشيرا إلى أن نسبة ملء السدود التي تقول الجهات المسؤولة إنها بلغت 35 بالمئة خلال الشهر الجاري تعني أن نسبة الملء بحوض لوكوس أو سبو مثلا تفوق 50 و54 بالمئة مثلا، وكذا أزيد من 40 بالمئة بحوض أبي رقراق، لكن أحواض أخرى لم تتجاوز 12 و13 و15 بالمئة، مشددا في هذا السياق، على الحاجة إلى تكوين فكرة واضحة عن أساسيات الإدارة والحكامة التي تتعلق بالموارد المائية.
إلى ذلك، وجه الكداري انتقادات إلى مجموعة من القرارات التي تمت في السابق والتي أثرت بشكل هيكلي على الموارد المائية بالمغرب، وخصوصا بعد تدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في التوجهات الوطنية المتعلقة بالفلاحة، خصوصا في خطة الإصلاح الزراعي.
وقال الكداري إنه بناء على توصية هذه الهيئات، تخلى المغرب عن خططه وتوجهاته الفلاحية المتعلقة بإنتاج السكر والحبوب والألبان والمنتجات الزيتية، حيث وبحسب هذه المنظمات، لم يكن المغرب بحاجة إلى إنتاج الحبوب والحليب والسكر والمنتجات الزيتية في الداخل، وكان من الأفضل له الحصول عليها في السوق الدولية.
وذكر المتحدث بقرار المغرب بناء سد الوحدة، الذي عارضه حينها البنك الدولي بسبب وجود محصول مهم من قصب السكر في منطقة الغرب، بداعي أن السد غير مربح بالنظر إلى سعر السكر في السوق العالمية.
ولفت المتحدث إلى أنه في عام 1960 كان هناك حديث عن 20تعبئة مليار متر مكعب، الذي ارتفع في 1970 إلى 25 مليار متر مكعب، وإلى 30 مليار متر مكعب في 1980، ثم انخفض إلى 22 مليار متر مكعب في 2005، وإلى 15 مليار متر مكعب في 2014، مشيرا إلى أن وزير الماء تحدث بداية أبريل الجاري عن تعبئة 20 مليار متر مكعب يمكن تعبئتها، معتبرا ذلك
وخلص الكداري إلى أن المغرب في حاجة إلى تدعيم المنتجات الفلاحية التي لا تستهلك الكثير من الموارد المائية والتي تشكل منتجا أساسيا للاستهلاك في الداخل، في إشارة إلى عدم إعطاء الأولوية للفلاحة التصديرية على الفلاحة المحلية، وكذا لترشيد الموارد المائية وعدم استنزافها.
كما خلص المتحدث إلى أن قطاع الماء وسياسة بناء السدود يواجهان حاليا العديد من العقبات، بحيث استنفذت هذه السياسة مداها، وأن الحل للبلاد قد يكمن في تحلية مياه البحر لتلبية الاحتياجات.

محمد صابر: الغطاء النباتي أساسي في جودة الماء وتراجعه يشكل خطرا

من جهة أخرى، وفي ما يتعلق بالتدبير الغابوي وإنتاج مياه ذات جودة، قال محمد صابر الأستاذ الجامعي والمدير العام السابق للمدرسة الوطنية للمهندسين الغابويين إن المغرب غني بالتنوع البيولوجي وغطاءه الغابوي.
وأضاف صابر أنه من الضروري إعطاء جميع النظم البيئية القائمة مزيدا من الاهتمام، “لأنه بدون الغطاء النباتي ستكون المياه ذات نوعية رديئة بل قد يشكل الأمر خطرا”، وفق تعبيره.
ويرى الأستاذ الجامعي أن تراجع الغطاء النباتي واستنزافه من شأنه أن يؤدي إلى خطرين اثنين، الأول يمكن في ارتفاع نسبة الفيضانات الخطيرة، والثاني ينبع من حقيقة أن المياه ستؤدي إلى تآكل التربة، بالإضافة إلى تراكم الطمي في السدود الذي يتسبب في خسارة الدولة سدا واحدا في المتوسط كل سنة.
وفي تعامله مع إدارة الغابات، اعتبر المدير العام السابق للمدرسة الوطنية للمهندسين الغابويين أن فقر السكان يعيق في أي تحسين في الحكامة بهذا القطاع، حيث أن استنزاف الثروة الغابوية يؤدي إلى تدهور المراعي والغابات ويزيد من احتمالية وقوع الفيضانات الخطيرة.
وزاد الأستاذ صابر أن هذا المشكل يؤثر أيضا بشكل سلبي على الفرشة المائية، حيث في ظل غياب الغطاء النباتي والغابوي تنخفض احتياطات الماء وتصبح غير منتظمة.
وشدد المتحدث ذاته على ضرورة التدخل من أجل إيجاد حلول لتنمية المناطق الجبلية والأرياف، بما يجعل ساكنة هذه المناطق تساهم بدورها في حماية الغطاء النباتي والغابوي ولا تكون هي السبب في اندثاره، وذلك من خلال التشجيع على الانتقال إلى غابة اجتماعية، وإلى تنمية محيطها من خلال توفير الممرات للسكان، وكذا حطب التدفئة، والنهوض بأوضاعهم الاجتماعية، فضلا عن التوعية بأهمية الحفاظ على الغطاء الغابوي والنباتي في الحماية من الفيضانات وفي جودة الهواء والماء أيضا، حيث كلما كان الغطاء النباتي والغابوي متميز توجد المياه العذبة وترتفع جودة الهواء.
وذكر المتحدث بمجموعة من البرامج التي تم إقرارها في 1996 والتي تروم تعزيز الغطاء النباتي والغابوي عند منابع السدود وعلى طول مجرى الأنهار وذلك قصد حماية البنى التحتية الهيدروليكية في اتجاه مجرى النهر، وكذا الحفاظ على الموارد الطبيعية وتنميتها.
وشدد الأستاذ صابر على ضرورة سن إجراءات مستعجلة من أجل تدعيم الغطاء الغابوي والنباتي، وإجراءات لتثمين المزارع وتكثيف الزراعة والثروة الحيوانية، وتطوير الغابات والمناطق الرعوية، ومعالجة مناطق الانجراف، وتدعيمها ببنية تحتية وذلك لتجنب خطر توحل السدود وانجراف التربة وتلوث المياه الجوفية.

عبد السلام الصديقي: مخطط المغرب الأخضر يرهن البلاد ويستنزف الثروة المائية ويجب إعادة النظر فيه

إلى ذلك، وفي شق يتعلق بنموذج التصدير الزراعي واستنزاف الموارد المائية، قال عبد السلام الصديقي الأستاذ الجامعي والوزير السابق إن مخطط المغرب الأخضر أدى بشكل مباشر إلى استمرار تبعية البلاد، من خلال تشجيعه الفلاحة التصديرية مقابل إهمال المواد الأساسية التي يستهلكها المغاربة وعلى رأسها الحبوب التي يتم استيرادها لتغطية الخصاص.
ويرى الصديقي أن مخطط المغرب الأخضر لا يستطيع ضمان الأمن الغذائي للمغاربة، كما يساهم بشكل كبير في تراجع الموارد المائية من خلال تخصيص جزء كبير منها لري المنتجات الفلاحية الموجهة للتصدير والتي تعرف بكونها تحتاج كميات كبيرة من الماء.
وذكر الصديقي بدوره، بخطة الإصلاح الزراعي لعام 1987 التي جاءت بإملاءات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث قال إن هذا المخطط ارتكز بالأساس على تحويل الزراعات من ما هو محلي يلبي الحاجيات الوطنية، إلى ما هو موجه للتصدير.
وأوضح الوزير السابق وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أن هذا التوجه شكل منعطفا في الزراعة الوطنية، إذ منذ ذلك الحين لا يستطيع المغرب ضمان احتياجاته الداخلية من الحبوب والسكر والمنتجات الزيتية وغيرها من الأساسيات.
وقال المتحدث “لو وجهنا الزراعة نحو تلبية احتياجات المجتمع لكنا تجنبنا الوقوع في الفخ الذي نجد أنفسنا فيه الآن”، مضيفا أن السياسة الزراعية التصديرية بلغت ذروتها في عام 2008 باعتماد مخطط المغرب الأخضر، الذي لم يحدد لنفسه، حسب المتحدث، هدفًا يتمثل في ضمان الأمن الغذائي للبلاد.
وعاب الصديقي على المخطط الأخضر اكتفاءه بإثراء أقلية من رجال الأعمال والفلاحين الكبار على حساب احتياجات المجتمع، مشيرا إلى أن أرقام رسمية تبين أن عدد المصدرين لا يتجاوز 4000، منهم 1000 فقط على مستوى المنتجات الفلاحية والزراعية، مؤكدا على أنه لا يمكن القبول بإغناء هذه الفئة القليلة على حساب حاجيات المجتمع، وعلى حساب المواد المائية الوطنية.
وعن سياسة السدود الكبرى والري، قال الصديقي إن الري يبقى ضروريا لأي زراعة، داعيا إلى ابتكار أساليب جديدة وموارد مائية أخرى، والاعتماد على الطاقة الكهرمائية، مشيرا إلى أنه يتحفظ على سياسة السدود الكبرى وسياسة ري مليون هكتار التي كانت في 1960، حيث اعتبرها بداية للرأسمالية الزراعية على حساب الزراعة المواطنة والزراعة الوطنية.
إلى ذلك، دعا الصديقي إلى إعادة النظر في مخطط المغرب الأخضر، مستندا على مجموعة من الدراسات التي أكدت على أنه لا يستجيب للحاجيات الوطنية وأثبت فشل أهدافه، ولكونه يمس بشكل كبير بالموارد المائية الوطنية ويهدد الملايين بالعطش في مناطق مختلفة.
يشار إلى أن ندوة “الموارد المائية: أي حكامة لمواجهة الندرة والتغيرات المناخية؟” تندرج ضمن لقاءات الخميس الرمضانية التي أطلقها حزب التقدم والاشتراكية والتي تروم خلق النقاش حول القضايا والمستجدات الحالية.
ومن المرتقب أن يحتضن المقر الوطني للحزب بالرباط اللقاء الثاني يوم الخميس المقبل حول “الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة” وذلك بتعاون مع حركة ضمير، فيما يرتقب أن يحتضن الخميس الذي يليه ندوة ثالثة حول “الإعلام والبناء الديمقراطي”.

< محمد توفيق أمزيان
تصوير : رضوان موسى

Related posts

Top