قارئ يحاول التخلص من مكتبته

قارئ نهم. يكاد نصف راتبه الشهري يذهب في شراء الكتب. لا يكتفي بشراء الكتب الحديثة الصدور، بل يحرص كذلك على الحصول على تلك المستعملة، وإن كانت ممزقة.
يقول إنه في كثير من الأحيان، يجد بعض الكتب المستعملة أغلى سعرا من تلك الصادرة حديثا. مع ذلك لا يتردد في اقتنائها. إنه يعرف قيمتها المعرفية والإبداعية ولذلك يدفع ثمنها دون أن يشكو من ارتفاع سعرها.
يمكن أن يضحي بثمن ركوب العودة إلى بيته من أجل إتمام كلفة كتاب ما أعجبه. يعود مشيا على قدميه وهو يقرأ في الكتاب نفسه الذي كان قد اشتراه لتوه.
حدسه كان دائما صائبا. الكتاب الذي يقرر شراءه بأي ثمن لا يخيب ظنه فيه. وإن لم يكن قد اطلع مسبقا عن إعلان عنه محفز على قراءته.
إنه لا يثق في الإعلانات التي تنشر هنا أو هناك، حول جديد الإصدارات. ولذلك لا يضيع وقته في قراءتها. يقول إن أغلبها كاذب. يعرف بعض النقاد بحكم الصداقة التي تجمعه بهم، لا يقرأون الكتب التي يعدون قراءات نقدية لها. إنهم يكتفون بالاطلاع على العتبات، ثم يستحضرون ما درسوه منذ زمن بعيد حول النظريات النقدية ويطبقونها على كل كتاب ينقدونه. قراءاتهم متشابهة، وإن تعددت الكتب التي تنصب عليها هذه القراءات في حد ذاتها.
حدسه لا يخونه أبدا. عندما يقول إن هذا الكتاب أو ذاك جيد، يقرر في الحين شراءه، ويجده بالفعل جيدا.
صار يملك مكتبة كبيرة في محل سكناه. كتب على الرفوف، فوق الطاولات، تحتها، في غرفة الضيوف، في المكتب، في الفراش، في غرفة النوم، على حافة النافذة، في المطبخ، الكتب في غرفة الحمام كذلك. على الرف نفسه، الكتب جنبا إلى جنب مع أدوات الحلاقة. كتب في علب. كتب في الخزانات والأدراج. كتب كتب كتب..
بات يشعر بالضجر. لم يعد بمقدوره قراءة الكتب بالوتيرة نفسها التي اعتادها.
لم يعد لديه شغف شراء الكتب كما في السابق. يبرر ذلك بأن عددا وافرا من الكتب التي يمتلكها، لم يتمكن بعد من الشروع في قراءتها. لم يتجاوز الكلمة المطبوعة على ظهر الغلاف، وفي أفضل الأحوال، المقدمة إن وجدت.
يشعر بأنه لم يعد له متسع من العمر.
يزداد لديه الشعور بضرورة التخلص من كل هذه الكتب، كلما نظر إليها في غياب الرغبة في القراءة.
فكر في أن يكتري محلا تجاريا ويعرض فيه مكتبته. إنه لا يفهم في أمور التجارة. بدا له أنه قد يصاب بالضجر أكثر إن هو أمضى النهار كله بين الكتب في انتظار من يخلصه منها.
هو يريد أن يتخلص منها دفعة واحدة. لا يهمه الثمن الذي سيقبضه في مقابل ذلك. سيكون عليه انتظار أيام وأيام قبل نفاد سلعته. بينما هو يريد التخلص منها بأقصى سرعة ممكنة. في يوم واحد، في يومين، في أسبوع واحد على أبعد تقدير.
ينظر إلى الكتب المحيطة به في بيته المتواضع.
شعور باليأس يتملكه.
يخاطبها قائلا: مستحيل التخلص منك يا كتبي العزيزة.

> عبد العالي بركات

Related posts

Top