كتابات معاصرة

لا أخاف ركوب الطائرة على الإطلاق

أحب مراقبة ربان الطائرة ومساعده. أحب رؤية وجهيهما، هيئتيهما، اكتشاف مدى تفاهمهما في ما بينهما (عرفت أن الربان عند وصوله يقوم بتمييز مساعده)، النظر في ما إذا كان أحدهما في مزاج رائق، لم يمض ليلة سيئة..
 أركب في الغالب الطائرة. أكره ذلك. أحب الأسفار لكنني أمقت وسائل النقل. أكره المطارات بدكاكينها الممتازة، نوع من شوكولاطا ما قبل نهاية الحياة، أكره المرور عبر نظم الأمن التي تم فرضها على كوكبنا من جورج والكر بوش بعد الحادي عشر شتنبر.
 تضع حاسوبك، ثم الحزام، ساعتك، معطفك، تخلع حذاءك، باختصار يتم التخلص من كل ما يمكن استعماله لارتكاب عمل إرهابي، حتى قنينة ماء صغيرة تم الشروع في استهلاكها. نعم، ينبغي وضع كل شيء، وحذار، ينبغي أن تكون جعبة معجون الأسنان صغيرة، باختصار بمجرد انتهاء امتحان التفتيش، يطلق سراحك لأجل الركوب.
 أحب الجلوس على المقعد الأمامي، في الجناح وليس قرب النافذة. ليس من أجل الوصول قبل الآخرين ولكن للتمكن من مراقبة الربان ومساعده. أحب النظر إلى وجهيهما، هيئتيهما، اكتشاف مدى تفاهمهما في ما بينهما (عرفت أن الربان يميز عند وصوله مساعده، ليس كما هو الحال في سباق السيارات)، النظر في ما إذا كان أحدهما في مزاج رائق، لم يمض ليلة سيئة، في ما إذا لم يكن قد تشاجر مع زوجته أو زوجها، إذا لم يكن قد نسي نظاراته لقراءة الخريطة، إذا لم يكن قد تناول دواءه في حالة إصابته بضغط الدم الشراييني أو الكولسترول. باختصار، أحاول دراسة الشخصية التي وضعت حياتي في عهدته، كما حال كل الركاب الآخرين.
 هم يتهكمون من ذلك ربما. لست أنا. أقول لنفسي متى كان آخر فحص طبي لهم. هل تم فحصهم بشكل جيد؟ هل هم في صحة جيدة؟ ثم، ما عمرهم؟ بعد إقلاع الطائرة، أتابع بكل حذر، أتابع كل نأمة لأنني أعرف بالتحديد ضجيج البوينغ 737، الإيرباص 320 وأجهزة أخرى. أنتبه إلى خروج الغازات وأستنشق حين يتم المرور إلى السرعة الانعطافية، حين ترتفع الطائرة إلى الأعلى في السماء، فوق الغيوم تماما.
عند ذاك تبدأ سلسلة أخرى من التساؤلات:  وإذا أصاب الربان شلل دماغي؟ لا يمكن التكهن دائما بهذا النوع من الحوادث. وإذا أصيب بأزمة قلبية. طبيبي الاختصاصي في أمراض القلب أخبرني بأن القلب يمكن أن يتوقف في أي وقت وفي أي مكان، حتى عندما لا نكون مصابين بمرض القلب. وإذا لم يحترم مساعد الربان من يفوقه رتبة؟ وإذا تبادلا الضرب؟
في الوقت الذي أطرح على نفسي كل هذه الأسئلة، الربان، كأنه يريد أن يتحداني، خرج من قمرة القيادة وأخذ يمشي بهدوء بين الممرات. نعم، هناك مساعد الربان. نعم، هناك النظام الأوتوماتيكي. سواء في حادثة  ريو- باريس أو برشلونة – دوسلدوف، الربان كان خارج القمرة. في حالة ما، تصاب الآلة بعطب، في حالة أخرى، الإنسان هو من يصاب بنوبة جنون تقوده إلى قتل الجميع.
 لا أحب رؤية الربان خارج قمرة القيادة. لا أحب الاضطرابات التي يقوم بالتخفيف من وقعها. لا أحب الأخبار التي يعلنونها لنا من أجل طمأنتنا.  
يقال إن العديد من الحوادث تقع بالخصوص أثناء الإقلاع والهبوط. صحيح، لكن ننسى الحالات الأخرى، غير المفهومة في الغالب كما هو الحال بالنسبة لطائرة 777 الماليزية التي اختفت إلى الأبد. على العموم، شركات الطيران نادرا جدا ما تفصح عن نتائج التحقيق حول كوارثها. لا ينبغي على الخصوص توجيه أصابع الاتهام إلى حالة هذه الآلة أو تلك. يفضلون دائما نسب الحادثة إلى العامل البشري. إنقاذا للشرف. ليس خطأ الآلة، إنه خطأ مساعد الربان الذي كان قد أصيب بلوثة جنون.
إذن، لا أخاف من السفر في الطائرة، فقط أقوم بردود فعل إنسانية لمسافر متعود على ضجيج المحرك، والذي يظل منتبها لأبسط تغير في الإيقاع والتوقيت.
في النهاية، بسبب كل ذلك لا أنام قط في الطائرة، لأنني أحشر نفسي بداخل جلد الربان وأراقب الطريق. أبدي إعجابي بهؤلاء الذين، ما أن يجلسوا على مقاعدهم، حتى يغلقون عيونهم ويغطون في نوم عميق. معهم حق. البقاء في حالة يقظة، لم يحدث أن أنقذ أحدا من السقوط.

بقلم: الطاهر بنجلون

ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top