الفضاء العمومي المشترك في البلدان المتحضرة، ليس مزينا فقط بالنصب التذكارية والديكورات الجميلة وما إلى ذلك، بل نصادف في العديد من زواياه أشياء أخرى مدهشة، من قبيل صناديق الكتب، وهي عبارة عن خزانات موضوعة بداخلها عدة كتب، في متناول المارة وعابري السبيل بالمجان، بإمكانهم أن يلتقطوا منها الكتاب الذي يعجبهم وينصرفوا، دون أن يحاسبهم أحد، ولهم الاختيار في أن يضعوا مكانه كتابا ما أو لا يضعوه، ومن الأحسن أن يضعوا بدله كتابا آخر، أي كتاب كيفما كان، انسجاما مع الهدف الذي أنشئت من أجله فكرة صناديق الكتب بالأماكن العمومية، وهي تقاسم متعة القراءة.
***
إن الكتاب يطبع ليس من أجل أن يظل سجين الرفوف، بل من الأفضل أن ينتقل من مكان إلى آخر، ومن شخص إلى آخر، حتى يتم تعميم الاستفادة منه والاستمتاع به على نطاق أوسع، إنه بهذه الصورة يبدو أكثر حيوية وأكثر فعالية.
وهذا ما انتبهت له العديد من البلدان المتحضرة، في أوروبا وفي غيرها من القارات. تجد إضافة إلى نظافة المكان العمومي واخضرار مساحاته، صناديق للكتب، من أجل تقاسم متعة القراءة بين عموم الناس.
على لافتة، أمام إحدى صناديق الكتب هاته: نقرأ الخطاب الآتي:
مكتبتنا بالشارع
لنتقاسم لنأخذ لنعطي
كتاب ما أعجبك؟
خذه، اقرأه
عوضه، عوضه
(أو لا تعوضه) في أحد صناديق الكتب.
الكتب خرجت من المحيط التجاري لكي تعيش حياة جديدة
مع مرور الوقت بفضلكم
قافلة قراء محترمين ستوازن بين المخزون والمستعار
اقفلوا الصندوق جيدا
حتى لا تؤدي الأمطار والرياح إلى إتلاف الكتب.
قراءة ممتعة.
***
حين قمت بنشر مجموعة من الصور لصناديق الكتب هاته، المنتشرة في الشوارع العمومية ببعض البلدان المتحضرة، ودعوت إلى انتشارها في ساحاتنا العمومية، من أجل تقاسم متعة القراءة، توصلت بالعديد من التعاليق، منها ما استحسن الفكرة ومنها ما عبر عن استغرابه لإمكانية تحققها في وسطنا الاجتماعي:
– فكرة جميلة ولكنها ستنهب وستخرب. هناك شعب مختص في التخريب والهدم والسرقة والاغتصاب.. للأسف.
– أين هي الساحات والحدائق العمومية ؟ العقار أكل كل شي. لكن يبقى الحلم.
– يجب أن نحب القراءة أولا، وأن نجد وقتا لها، قبل أن نفرج الناس على بؤسنا. انظر إلى المكتبات كيف هي فارغة على عروشها، بل جرب أن تهدي كتابك بالمجان للناس والتق بهم بعد سنة واسألهم هل قرأوه، سيفاجئونك بأنهم لا يذكرون حتى العنوان.
– اللصوص لا يقرؤون، ولكنهم يسرقون، كيف نضمن بقاء الكتب في الصناديق؟
***
هناك نوع من الإحباط يدب في الكثير من النفوس التي كانت تتوق على مدى عقود، إلى أن تخرج بلادنا من وضعها المتخلف، فأصيبت بخيبة الأمل، مع ذلك لا ينبغي أن نترك المجال لهذا الشعور السلبي بأن يقضي علينا، بل من المفروض أن نظل متشبثين بأمل التغيير نحو الأحسن، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
عبد العالي بركات