يترقب الشارع الأردني مرحلة دستورية جديدة من مراحل إقرار قانون “الجرائم الإلكترونية” الذي أثار جدلا واسعا في البلاد؛ لما اعتبر أنه “تضييق على الحريات”. وتتمثل المرحلة الأخيرة في التصديق الملكي على مشروع القانون، قبل إعلانه بالجريدة الرسمية، ليصبح قانونا ساري المفعول.
ورغم المطالبات الشعبية والحزبية والنقابية والبرلمانية برد القانون، نفت الحكومة أن تكون الغاية منه “الحد من الحريات”، وقالت إنه يهدف إلى معالجة مشكلات انتشار “المعلومات المضللة” و”خطاب الكراهية” و”التشهير عبر الإنترنت”. ويتألف مشروع القانون من 41 مادة، إلا أن المواد 15 و16 و17 كانت الأكثر جدلا؛ لما احتوته من عقوبات مشددة تتعلق باستخدام الفضاء الإلكتروني.
وتفرض المادة 15 من مشروع القانون “عقوبات بالحبس والغرامة على أفعال عدة، منها إرسال أو إعادة إرسال أو نشر الأخبار الكاذبة قصدا، أو قدح أو ذم أو تحقير أيّ شخص عبر الشبكة المعلوماتية أو من خلال منصات التواصل الاجتماعي”. وتنص عقوبة المادة 15 بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة تتراوح بين 5 آلاف و20 ألف دينار (نحو 7 آلاف ـ 28 ألف دولار) عقب تخفيضها من 40 ألف دينار (نحو 56 ألف دولار).
وبعد أن أقر البرلمان بشقيه (النواب والأعيان) مشروع القانون إثر مناقشات وتعديلات، ما زال بعض المعارضين والمنتقدين للقانون يأملون في تدخل الملك عبدالله الثاني برده من خلال صلاحياته الدستورية. ويقلل بعض المراقبين من الرهان على موقف إيجابي من العاهل الأردني برد القانون، معتبرين أن الهدف الأساسي من القانون هو منع استهداف الملك عبدالله الثاني وأسرته المباشرة.
ويشير المراقبون إلى أن الأسرة الحاكمة التي كانت تتكتم على تفاصيل عيشها، ولا يسمح للإعلام الأردني بالحديث عنها ولو بالتلميح، باتت عاجزة عن وقف التسريبات حول أخبارها الداخلية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أخبار الخلافات، لافتين إلى أن قانون الجرائم الإلكترونية هو محاولة للسيطرة على هذه التسريبات التي باتت تزعجها.
وتريد السلطات أن توقف مختلف الانتقادات من خلال هذا التفسير للوحدة الوطنية، مع التلويح بعقوبات قاسية على المغرّدين الذين يستمرّون في التعريض بالأسرة أو تناقل أخبار الخلافات.
ورجّح ليث نصراوين، أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية (حكومية)، ألا يتم رفض مشروع القانون لاسيما في ظل المادة 93 من الدستور الأردني. وقال للأناضول “تصديق الملك على مشاريع القوانين مقيد بحكم الدستور الأردني الذي حدد مدة الموافقة بفترة زمنية معينة، وهي 6 أشهر للتصديق على مشروع القانون من عدمه”.
وأضاف أن “رفض الملك التصديق على مشروع القانون، يلزمه في المقابل أن يبرر أو يبين أسباب عدم التصديق”. وتابع “في حالة رفض التصديق، يعود مشروع القانون مجددا إلى البرلمان بشقيه”، موضحا أنه “في حالة إصرار مجلسي الأعيان والنواب على موقفهما من مشروع القانون يجب على الملك عندئذ التصديق عليه وإصداره”.
وأشار نصراوين إلى أنه في حالة انقضاء مدة الستة أشهر المحددة دستوريا للملك دون التصديق على مشروع القانون أو رفضه “يعتبر نافذا وبحكم المصدق عليه”. أما عن توقعاته بشأن موقف الملك من مشروع القانون، فلفت نصراوين إلى أنه “من المتوقع أن يصدّق الملك عليه، ولا يمكن القياس على الحالة الدستورية السابقة التي رفض فيها الملك التصديق على مشروع التقاعد المدني عام 2013″.
وأردف “الظروف المحيطة بمشروع القانون الحالي مختلفة، فمجلس الأعيان المعين من قبل الملك، أدخل تعديلات جوهرية على مشروع القانون، لذلك من غير المتوقع أن يقوم الملك برفضه”.
أما صالح العرموطي البرلماني والقانوني المخضرم فتوقع أن “يستجيب الملك لنبض الشارع وتطلعاته حفاظا على وحدة الصف والمكتسبات الحقوقية في البلاد”. وأوضح “الملك قال أنا الضامن للتعديلات الدستورية والتنمية السياسية والإصلاح في البلاد، وإقرار هذا القانون يتعارض مع هذه الضمانات، ولا يبشر بأيّ إصلاح سياسي”. وأشار إلى أن التصديق على القانون سينتج عنه “العزوف عن الانتخابات القادمة”، لما يفرضه المشروع من “قيود وتضييق على عقل المواطن الأردني وفكره”.
وعن توقيت إقرار مشروع القانون، اعتبر العرموطي أنه “مسألة خطيرة في ظل ترقب العالم والمنظمات الدولية التي وصفت مشروع القانون بأنه إعدام للحريات”. ولفت إلى “وجود مطالبات نقابية وشعبية وحزبية، بالإضافة إلى ثقة الناس بالملك، التي تؤهله بأن يستخدم صلاحياته برد القانون”. ورأى البرلماني الأردني أن “الملك سيستجيب لنبض الشارع، وسينحاز إلى الشعب، لاسيما في ظل الظروف السياسية التي تشهدها المملكة والمنطقة”.
وأردف “المطلوب وحدة كلمتنا، وإذا ما أقر القانون فسيمزق وحدة الصف”، واصفا مشروع القانون بأنه “يسيء لشخص الملك دوليا”، وفق تقديره. واستدرك “هذا المشروع يعود بنا عشرات الدرجات إلى الوراء في المجالات الحقوقية، ونحن في غنى عن كل ذلك، وأطالب الملك بممارسة صلاحياته ورد القانون”.
وتعرض مشروع القانون لانتقادات منظمات دولية حقوقية، كما أدانته وزارة الخارجية الأميركية. واعتبرت الخارجية الأميركية في بيان، أن مشروع القانون “يقوض جهود الإصلاح السياسي والاقتصادي المحلية، ويقلل من الحيز المدني المتاح أمام عمل الصحافيين والمدونين وغيرهم من أفراد المجتمع المدني في الأردن”.
وكشف حسين محادين أستاذ علم الاجتماع بجامعة “مؤتة” الحكومية أن عمق النقاشات وتعدد مضامينها تجاه القانون “يشير ضمنا إلى تنافس أصحاب الرأي من التيارات المختلفة”. وقال “هناك من يرون أن الحرية يجب أن تكون مطلقة عبر الفضاء الإلكتروني، بينما يرى تيار آخر أن فكرة إبقاء الفضاء الإلكتروني دون ترويض أو ضبط قانوني يمكن أن يقود إلى ذوبان علاقات الاحترام”.
ورغم تعدد الآراء والنقاشات، شدد محادين على أن “الملك وحده الذي سيقرر إقرار القانون من عدمه”. وفي السياق، انتقد محادين “تدخل دول أجنبية (لم يسمّها) في هذه القضية”. وأردف “هناك دول أجنبية للأسف تدخلت في شأن أردني وطني محض، فالقانون بالمعنى الدستوري وتشريعاته، هو جزء مطلق من سيادة الدولة التي نعتز بها”.
يذكر أنه في 2018، قررت الحكومة الأردنية السابقة برئاسة عمر الرزاز الموافقة على مشروع قانون معدل لقانون الجرائم الإلكترونية، وإرساله إلى مجلس النواب، للسير بإجراءات إقراره وفق القنوات الدستورية.