كفانا إحباطاً.. “في ضوء واقعة مباراة المحاماة”

منذ سنوات، بل منذ عقود، تراكمت علينا الإحباطات واستقوت بتواطؤات من هنا وهناك، لاسيما من لدن سلطات القرار وناهبي المال العام، فارتفعت مؤشرات النهب والاستهتار بالمصلحة العامة، وتشجع الناهبون بغياب المساءلة والمحاسبة وندرة معاقبة من ثبت ضلوعهم في هذا المسلسل الذي طال واستطال. بل لم يتوان الضالعون عن مد الأيادي وآليات الفساد والإفساد إلى قطاعات حيوية وضرورية للمواطنات والمواطنين لاسيما قطاعات التعليم والصحة والعدل والشغل والسكن…. التي استشرى فيها الفساد بكل بشاعة، شجعها ضُعف بل غياب المساءلة وعقاب من ثبت عليهم/هن الضلوع في الخروقات.

وقد عرى زمن كورونا على الكثير من الممارسات المسيئة للمواطن/ة بل والمحتقرة لكيانه وإنسانيته، ثم استكملت حرب أوكرانيا مظاهر الإجهاز على الاستقرار الاجتماعي بارتفاع الأسعار بشكل خيالي مس كل شيء وبنسب مائوية صادمة ولم تخطر على البال، بل محبطة إحباطاً موجعاً.

في ظل هذه الدوامة جاءت مباريات كأس العالم (قطر 2022) التي تألق فيها الفريق الوطني المغربي بشكل متميز أعاد بعض الأمل وأشاع في أوصال الوطن والمواطنين الفرح والاستبشار ونسيان الخيبات وضنك العيش….

لكن قبل أن تجف دموع الفرح بإنجازات الفريق الوطني حتى تفجرت قنابل مباراة المحامين… حيث غطى عليها وعلى تداعياتها المُفرحة والمنعشة… زلزال نتائج هذه المباراة من لدن من لم يجدوا أسماءهم ضمن الناجحين وشككوا في صدقية النتائج المعلنة وأدلوا بـآراء تطعن في مخرجات المباراة، وهكذا أثار الإعلان عن  نتائج مباراة الولوج إلى مهنة المحاماة غضبا واسعا طولا وعرضا، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي واحتجاجات ميدانية تستنكر وتطالب بفتح تحقيق بشأن هذه النتائج، ورواج اتهامات وادعاءات بوجود تزوير وتلاعب في النتائج، وقام وزير العدل عبد اللطيف وهبي بخرجات إعلامية متعددة ومتسرعة صبت الزيت (رغم غلاء أسعاره) على نار الغضب واسع النطاق في كافة الجبهات. وفي التفاصيل أظهرت نتائج الامتحان الكتابي المعلن عنها، أن عددا من الناجحين يحملون ألقابا عائلية متشابهة تنتمي إلى عائلات لها صلة بالمهن ذات الصلة بالعدالة، ومرتبطة بمسؤولين سياسيين وقضاة ومحامين…، مما فجر اتهامات بـ “المحسوبية” وبـ “عدم مصداقية” نتائج الامتحان الذي سجل نجاح 2081 شخصا من بين حوالي 70 ألف مرشحٍ/ متبارِ، وبممارسة ما اعتبره عدد من المتبارين “إقصاء” بخلفيات نفعية. وقد أكثر وزير العدل من التصريحات المتسرعة، اضطر بعدها لتخفيف لهجته وتلمس أعذار لم يقتنع بها الكثيرون.

ومن جهة أخرى خرجت احتجاجات غاضبة من المتبارين الراسبين في المحطة الأولى من الامتحان الكتابي لمزاولة مهنة المحاماة أمام مقر البرلمان بالرباط مطالبين بفتح تحقيق في هذه النتائج وإبطالها وإعادة تصحيح الأوراق، وبوجود عيوب وتجاوزات شابت الامتحان، وخاصة الأسئلة التي تم طرحها، وبوجود شبهات محاباة وتدخلات زبونية أثرت على النتائج المعلن عنها.

وحبلت مواقع التواصل الاجتماعي، بـ “هاشتاغ #مباراة المحاباة وليس المحاماة”، حيث شككوا من خلاله في نزاهة الامتحان وفي صدقية النتائج.

وهكذا انتقلنا من أجواء مباريات الفريق الوطني في كأس العالم بدولة قطر إلى إقصائيات متبارين في ملعب الولوج إلى المحطة النهائية لمهنة المحاماة، المهنة النبيلة التي كانت، قبل عقود وسنوات، نبراسا يضيء ساحة العدل والمحاكم والدفاع عن حقوق الإنسان وقيمها النبيلة، لتتحول إلى مهنة تشوب أركانها شائبات كثيرة وبكل الألوان غير المُبهجة….

إنه إحباط جديد ينضاف إلى إحباطات كثيرة، في هذا الزمن المغربي الرديء، فهل تمتلك الحكومة الحالية شجاعة عدم إخفاء رأسها في الرمال، مثل النعام، وتقوم بالكشف الشجاع عن الإجراءات اللازم اتخاذها في شأن الاختلالات التي اعتبر الكثيرون أنها طالت نتائج الاختبار الكتابي لامتحان الحصول على الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة؟؟؟.

بقلم: بوشعيب دوالكيفل

Related posts

Top