في ظل عدد من المتغيرات التي يعرفها العالم، وفي غياب الوعي لدى عدد كبير من الآباء، وفي ظل نشوء فراغ تربوي وثقافي ومعرفي وفكري يؤطر الشباب؛ أصبح اللجوء إلى التفاهة يحظى بالإقبال الزائد. فكل من أراد أن يتسلق الدرجات ويحظى بالمناصب العليا ويحصد الأموال الطائلة عليه أن يصنع التفاهة وينشر التهكم وينغمس في الهزل في غياب الحد الأدنى للمواكبة الجدية اللازمة في اختيار الأعمال الفنية والثقافية الموجهة لعموم الشعب. فبمجرد من أن يطلَق كلام لا معنى له في منصة ما، أو يكتب شيء تافه في منبر ما، أو يُقدَّم مشهد مخل بشروط الجودة أو مخل بالحياء في قناة ما؛ فإنه يحظى بالإعجاب الكبير، وتتلقفه النظرات التائهة، وتستدعيه المنابر المتنوعة، ويحصد الجوائز القيمة.
وبذلك أصبحت الأعمال الجادة والمواضيع الهادفة وكل ما من شأنه أن يفيد المجتمع غير مرغوب فيه. بل أصبح لا يجدي نفعا؛ إنما النفع أضحى في الخوزعبلات، وفي الانغماس في براثن الجهل. ليسوّروا المجتمع بأسوار التفاهات المضللة التي تُعطل الطاقات النشيطة، وتنشر التأثيرات السلبية. وهي مأساة أشد فتكا بالمجتمعات التي لا تعي خطورة هذا الوضع.
وأمام هذه الظروف المتردية، البعيدة عن العلوم وعن الثقافة الرصينة وعن التربية السليمة، تضيع العديد من القيم، ويتيه الشباب في مستنقع خطير قد يعود على المجتمع بالآفات من انحرافات خطيرة، لأن هذه التفاهات تجر إليها ملايين المعجبين الذين فقدوا البوصلة وساروا في دوامة الجهل على عدة مستويات. وهي مسؤولية الجميع، من مدرسة وبيت ومجتمع مدني لتقويم سلوك الأفراد والجماعات في هذا النطاق، وتنوير الطريق نحو مستقبل مشرق تسود فيه العلوم والمعارف والفكر والثقافة الهادفة، وتطغى فيه بشائر التطور والتقدم والرقي.
< د. محمد البندوري