ماكرون لولاية ثانية…

نجحت فرنسا في النجاة من حكم اليمين المتطرف، وذلك بعد أن تمكن الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون من الفوز بولاية ثانية، أول أمس الأحد، عقب هزمه في الدور الثاني مرشحة التجمع الوطني مارين لوبين، وشرع المراقبون، بعد ذلك، في رسم معالم المرحلة القادمة، وأيضا استعراض ما يلفها من تحديات داخلية وخارجية، والتأكيد على أنها لن تكون سهلة بالنسبة لساكن الإليزيه.
فوز ماكرون بالولاية الثانية ساهم في تحقيقه اصطفاف قوى سياسية مختلفة لدعمه، وسد الطريق أمام مرشحة اليمين المتطرف، وبالتالي قرار أوساط عديدة من الطبقة السياسية الفرنسية باعتماد تصويت مجدي، ولكن ذلك لم يمنع مارين لوبين من حصد نسبة لافتة وغير مسبوقة من الأصوات تجاوزت الأربعين في المائة.
وإذا أضفنا إلى هذه النسبة عدد الأصوات التي كان قد حصدها المرشح إيريك زمور في الدور الأول، فهذا يبرز حجم تنامي أفكار اليمين المتطرف وسط المجتمع الفرنسي، وأيضا المخاطر والتحديات المطروحة أمام فرنسا في السنوات المقبلة.
انتخابات فرنسا لهذه السنة كشفت تشرذم المشهد الانتخابي والسياسي وضعفهما العام، وهو ما جسدته النتائج الكارثية التي حصدها الحزبان التقليديان، الجمهوري والاشتراكي، في الدور الأول، فضلا عن افتقاد اليسار الفرنسي بشكل عام لأي توافق انتخابي أو رؤية مشتركة، ومن ثم غياب بديل انتخابي مقنع، وأدى كل ذلك، وعوامل أخرى، لفوز ماكرون، بالرغم من عديد انتقادات كانت وجهت من قبل لمواقفه وسياساته المتصلة بالتدبير السياسي الداخلي، وبعمله الديبلوماسي الدولي…
وتبعا لما سبق، يبدأ الرئيس الفرنسي عهدته الثانية وسط استمرار الكثير من التحديات الداخلية والخارجية التي رافقت ولايته الأولى، وخصوصا تواصل الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها على بلاده، العمل الأوروبي المشترك، علاقات فرنسا وأوروبا مع واشنطن وسياساتها ومواقفها، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الداخلية وتداعيات ما بعد الجائحة وأسعار الطاقة وغير ذلك…، وكل هذا سيفرض ربما تغيير مواقف وأساليب عمل واصطفافات…
من جهة ثانية، يتطلع المراقبون إلى الانتخابات التشريعية المرتقبة في فرنسا، وهي تمثل تحديا رئيسيا لماكرون وأيضا للفرقاء الآخرين، ذلك أن رئيس الجمهورية سيكون أمام امتحان الحصول على أغلبية برلمانية تتيح له إعمال برنامجه الانتخابي، أو أن معارضيه سيحققون الفوز في هذا الاستحقاق، ومن ثم سيفرضون اتفاقات أخرى، ويرسمون قواعد جديدة للوضع السياسي والمؤسساتي المقبل في فرنسا.
نتيجة الاقتراع التشريعي القادم إما أنها ستكرس انتصار ماكرون وفريقه وتدفعه (إلى الأمام)، أو أنها ستعيد صفحة (التساكن) من جديد، أو أيضا ستتيح توافقات مضادة للرئيس المنتخب، وكل الخيارات واردة، خصوصا إذا استحضرنا النتائج الانتخابية الأخيرة لمرشحة اليمين المتطرف لوبين أو أيضا للمرشح اليساري ميلانشون في الدور الأول، وكذلك نسبة الامتناع عن التصويت خلال الاقتراع الرئاسي…
على صعيد بلادنا وقضاياها الأساسية، الرئيس الفرنسي الجديد/ القديم تصرف، خلال ولايته الأولى، بحذر واضح تجاه علاقات بلاده مع المغرب، وبقيت باريس، على عهده، متخلفة عن موقف إسبانيا، وأيضا ألمانيا، من تطورات ملف وحدتنا الترابية مثلا، وهذا يفرض عليه اليوم بذل جهد أكبر للسعي نحو تعزيز العلاقات الثنائية المغربية الفرنسية، كما أن الديبلوماسية المغربية مدعوة، من جهتها، كي تستحضر دروس ومعطيات الحراك الانتخابي والسياسي الفرنسي في بلورة محددات مواقفها وأهدافها في المرحلة المقبلة.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top