> حاوره: الحسين الشعبي
< ماهو جديد هذه الدورة؟
> كما تعلمون فإن الدورة الأولى كانت تأسيسية، ونحن نسعى لأن تكون الدورة الثانية حاملة لقيمة مضافة كي نكرس هذا المهرجان بمدينتنا بشكل منتظم ومتنام، وكذا كي نساهم بدورنا في ترسيخ تقاليد مسرح الشارع في بلادنا.. والعمل على تطوير هذا النوع من الفنون الحية وتنميتها لما لها من أهمية في تحقيق التواصل المباشر والسلس مع الناس في الفضاء العام.. إذن لا بد أن نكون حريصين أن نأتي بالجديد خصوصا في الجانب المتعلق بالبرمجة.. بحيث سيتمتع الجمهور، خلال الدورة الثانية، بتتبع فرجات متنوعة من مختلف أصناف فرجات الشارع، حتى لا نقتصر فقط على المادة المسرحية.. وكذلك من مختلف الآفاق الثقافية.. لذا اتسعت هذه السنة رقعة الفرجة لتشمل، بالإضافة إلى المسرح، ألعاب فنون السيرك، وعروض الثماثيل الحية، وأشكال جديدة في التعاطي مع الموسيقى في علاقتها بالتعبير الجسدي وفن التمثيل.. ومن ثمة ارتأينا أن تكون الندوة الفكرية لهذه السنة متمحورة حول موضوع الفرجات الفنية في المجال العمومي.. وفي هذا المجال الثقافي أيضا نحرص على الإتيان بالجديد، يتجلى ذلك في أننا ولأول مرة في الصحراء المغربية استطعنا أن نستقطب شراكة علمية في غاية الأهمية، ويتعلق الأمر بالمركز الدولي لدراسات الفرجة الذي يوجد مقره في طنجة وله أبعاد أكاديمية دولية، ولعل تواجده في مدينة طنجة فيه إشارة رمزية هامة تتمثل في تعميق جسور العلاقة والمودة بين أبناء الوطن الواحد من أعالي البوغاز في الشمال إلى تخوم الصحراء في الجنوب.. ومن دون شك، مشاركة هذا المركز الدولي المعروف بجدية أعضائه وخبرائه ستضفي على مهرجاننا ألقا وبهاء ثقافيين من خلال قيمة الدكاترة والباحثين الذين عينهم المركز لتأطير ندوة الدورة ومن خلال باقة جميلة ومفيدة من الإصدارات التي أنتجها المركز في مجالات المسرح والفرجات والدراسات النظرية..
< عاش مهرجانكم في دورته الأولى صعوبات تتعلق بالتمويل وقلة الدعم، كيف تأتى لكم أن تتغلبوا على هذه الصعوبات في هذه الدورة الجديدة؟
> في الحقيقة كل ما يتعلق بالجانب المالي ينطوي على كثير من الصعوبات، على عكس الجوانب الأخرى.. ففي الوقت الذي وجدنا في السنة الماضية أريحية كبرى لدى وزارة الثقافة والمسرح الوطني محمد الخامس، والفنانين والفرق المسرحية والأطر المشاركة في الأنشطة الثقافية الموازية، حيث تفهموا ظروفنا وإكراهاتنا المالية، وجدنا صعوبات كثيرة في إقناع الشركاء والمدعمين المفترضين.. ونحن بدورنا كمنظمين تفهمنا هذه الوضعية وقلنا لعلها ضريبة البداية.. إلا أنه نتوقع أن يكون المسؤولون، خصوصا محليا وجهويا، قد أدركوا قيمة ما نقوم به بعدما عاينوا عن كثب وعن طريق وسائل الإعلام حجم هذه التظاهرة والاستقبال الذي خصصه لها الجمهور والإعلام بمختلف أطيافه، خصوصا وأن الشخصية الفنية التي وقع عليها الاختيار السنة الماضية لتحظى بتكريم المهرجان لم تكن سوى الفنانة الكبيرة ثريا جبران التي خلقت الحدث بصعودها إلى منصة التكريم يوم الافتتاح والمكوث بمدينة العيون طيلة أيام المهرجان رفقة سائر الضيوف والمشاركين.. فنحن، أمام النجاح الذي شهدته الدورة الأولى، والإشعاع الذي حققته، نتوقع أن تثق فينا السلطات العمومية والهيئات المنتخبة وباقي المؤسسات هنا في العيون، وأن تخصنا برعايتها ودعمها، خصوصا في هذه الظرفية الدقيقة والهامة بعدما سجل العالم النجاح الكبير والهائل الذي عرفته الزيارة الملكية لأقاليمنا الجنوبية والنهضة التنموية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك في سائر الأقاليم الصحراوية.. من ثمة فنحن نعتبر أن مبادرتنا لتنظيم مهرجان دولي من الحجم الكبير تدخل في صميم الفلسفة الملكية التي تربط دائما أهداف التنمية بالمجال وبالبشر والرأسمال اللامادي.. بهذا نكون نحن معشر المثقفين والفنانين بالأقاليم الجنوبية في أمس الحاجة إلى ثقة المسؤولين التي يتعين أن تترجم إلى دعم ملموس..
< باستضافتكم لمجموعة من الفنانين والفرق من خارج المغرب، وبرمجتكم لزيارات يطلعون من خلالها على مستويات التنمية والتمدن والاستقرار والأمن التي تعيشها مدينة العيون وباقي الأقاليم الجنوبية للمملكة، تكونون قد أسديتم خدمة جليلة للديبلوماسية الموازية عبر هذا المهرجان، ألا ينتبه المسؤولون هنا بالعيون إلى أهمية هذا الدور الثقافي الديبلوماسي الذي ينبغي تعزيزه وتشجيعه؟
> في الوقت الذي يستمر فيه أعداء الوحدة الترابية في محاولاتهم اليائسة للنيل من المغرب ومن وحدته الترابية وآخرها التصريحات اللامسؤولة للأمين العام للأمم المتحدة، انتفض الشعب المغربي وعبر عن موقفه الواحد والموحد في مسيرة الوطن أولا، كما اتخذت الدولة المغربية قرارات وتدابير صارمة وحازمة. وفي ذات السياق نظمت ساكنة الأقاليم الجنوبية وقفة احتجاجية أمام مقر بعثة الأمم المتحدة “مينورسو” بالعيون، معلنين رفضهم لكل ما يمس بمغربية الصحراء.
وفي هذا الإطار، ما لبثت مختلف مكونات المجتمع المدني تقوم بمبادرات في إطار الدبلوماسية المدنية شملت زيارة عدد من البلدان وإطلاع الرأي العام بها على وجهة نظر المغاربة.
كما استدعيت العديد من الوفود الأجنبية والصحافة الوطنية والدولية لمعاينة عن قرب أجواء الأمن والطمأنينة التي تعيشها مدن الصحراء المغربية، فضلا عن المجهودات التي قامت بها الدولة خلال الأربعين سنة الماضية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، كما لم يدخر المغرب جهدا في توسيع مجال الحريات وحقوق الإنسان. وتوجت هذه المجهودات بنص دستور المملكة لسنة 2011 على أن الثقافة الصحراوية الحسانية مكون أساسي من مكونات الهوية الثقافية للمغرب، معتبرا أن التعبيرات الثقافية بالصحراء المغربية جزء لا يتجزأ من التنوع والغنى الثقافي المغربي.
وتفعيلا للدور المنوط بنا في إطار الدبلوماسية الثقافية، ننظم نحن معشر المسرحيين المحترفين في إطار جمعية أوديسا للثقافة والفن الدورة الثانية لمهرجان العيون الدولي لمسرح الشارع في الفترة الممتدة من 8 إلى 10 أبريل 2016، ستشارك فيها فرق فنية من ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا والأرجنتين والمغرب. وسيكون حضورها فرصة سانحة للاطلاع على حقيقة التنمية والتطور الذي تعرفه مدينة العيون، ودحض ادعاءات خصوم وحدتنا الترابية. وسيعاين هؤلاء الفنانون والصحفيون القادمون من مختلف الآفاق الثقافية والجغرافية مدى الأمن والسلم الذي تنعم به أقاليمنا الجنوبية، وستسمح لهم زيارتهم للعيون مشاهدة مظاهر التطور والتمدن الذي عرفته هذه المدينة التي أصبحت تضاهي المدن الكبرى بالمغرب، ولا أدل على ذلك من حيازة العيون المركز الثاني كأفضل المدن العربية في مجال السلامة البيئية التي تسلمها منظمة المدن العربية. كل ذلك نقوم به باقتناع عميق لا نتوخى منه جزاء ولا شكورا.. إلا أنه بإمكاننا أن نقوم بأكثر مما نقوم به اليوم لو توفرت لنا بعض الإمكانيات.. وأول هذه الإمكانيات هي أن يتم الانتباه إلى تجربتنا ومبادراتنا ومصاحبتها ولم لا المساهمة في تأطيرها، من قبل الجميع.. محليا وجهويا.. ودعني أقول لك إنه لحد الآن نكاد لا نفهم كيف أن الحكومة المغربية في شخص وزارة الثقافة تحيطنا بعناية مستحقة وتثق فينا بمنحنا للمرة الثانية دعما للإنتاج المسرحي في شقه المتعلق بتوطين الفرق المسرحية بالفضاءات المسرحية، وكذا المسرح الوطني محمد الخامس الذي لا يتردد في الاستجابة لطلباتنا بالدعم والتأطير والمواكبة باستمرار، كيف نحظى بكل هذه الثقة وطنيا ولا نجد مقابلا لها محليا وجهويا.. أنا أدعو من هذا المنبر إلى إزالة هذا اللبس والانفتاح على تجربتنا وتشجيعها.
< وقع اختياركم هذه السنة على الفنانين خديجة أسد وعزيز سعد الله ليحظيا بتكريم المهرجان بعد تكريم الفنانة ثريا جبران في الدورة الأولى.. ما هي خلفية هذا الاختيار؟
> الخلفية الوحيدة وراء هذا الاختيار هي تكريس ثقافة الاعتراف والعرفان، خصوصا بالنسبة لهؤلاء الذين نعتبرهم روادنا وأساتذتنا.. فالفنانة خديجة أسد من الفنانات القلائل اللواتي كن سباقات، في الأوقات الصعبة، في إشعاع اسم المغرب عالميا عبر المسرح والتلفزيون والسينما.. وهي أيضا ممثلة محترفة من العيار الثقيل.. والفنان عزيز سعد الله نموذج للفنان الشامل، فهو ممثل وكاتب ومخرج، فضلا عن كونه الرئيس المؤسس للنقابة المغربية لمحترفي المسرح.. فهما معا يشكلان ثنائيا ناجحا سواء على المستوى الإنساني أو على الصعيد المهني.. حان دور تكريمهما هذه السنة، كما كان الأمر بالنسبة للفنانة ثريا جبران في السنة الماضية، وإن شاء الله سيأتي دور الآخرين في السنوات المقبلة وفي الدورات اللاحقة.