سميرة الشناوي
يحل العيد العالمي للمرأة مجددا ومعه حماسة الاحتفاء الممزوجة بإصرار على أن نبقى نساء وان نكون كما نريد.. وعلى العمل والعطاء مع الأمل في أن نحظى بما نستحق من كرامة وتقدير.. أن نتخطى كل العراقيل والمطبات..وأن نتفوق على أنفسنا قبل محاولة التفوق على كل أسباب الإحباط والإخفاق..
إنها روح 8 مارس التي تحلق مرتفعة عاليا هذا العام أيضا.. حيث تمضي مسيرة الحقوق الإنسانية للنساء.. تتحدى استمرار الانتهاكات وتواجه بشجاعة صروف المعاناة في مناطق النزاع والحروب.. هناك تُلاقي النساء مصير القتل والاغتصاب والتعذيب لأنهن نساء ولأنهن أمهات..
تستمر المسيرة متفوقة على ظروف الفقر وشظف العيش وتأثيرات التغير المناخي.. حيث تعاني النساء الحرمان وصعوبة تكاليف الحياة لأنهن نساء ولأنهن أمهات ومعيلات أسر..
وهنا وهناك.. تستمر ممارسات العنف والتمييز بأبشع أشكالها في حق النساء.. في البيت وأماكن العمل.. ولدى محاولة الولوج لخدمات الصحة والتعليم والعدالة.. لأنهن نساء ولأنهن أمهات..
بالرغم من كل ذلك تستمر المسيرة.. تحفر النساء – ومعهن، بالفعل، ثلة قليلة من الرجال – في الصخر من أجل محاولة ردم الهوة السحيقة بين الجهود المبذولة على الصعيد العالمي بهدف إقرار حقوق النساء وإنصافهن، وبين واقع الحال الذي يأبى إلا أن يكون مخلصا لعدم ارتفاعه.. لولا فسحة أمل وقوة إصرار وعمل…
في بلادنا.. تستمر كذلك جهود ردم الهوة وسد الثغرات.. مسجلة إنجازات وإشراقات.. وبينها تتردد أصداء صرخات قوية تنبه إلى مواطن الجمود وأسباب الخيبات والتراجعات..
ولعل أهم ماميز السنة الماضية، استمرارية النقاش الجدي والإيجابي الذي تساهم فيه كل القطاعات الحكومية المعنية والمؤسسات الوطنية وهيئات المجتمع المدني، حول سبل تكريس حقوق النساء ومأسستها ضمن إطار البناء الديمقراطي الذي اختار المغرب المضي فيه قدما بإرادة وعقلانية، مسلحا بدستور 2011 الذي جاء بدوره حاملا لإرادة متقدمة في تعزيز المساواة ومكافحة التمييز بحق النساء.
ومن أبرز الجوانب التي استأثرت باهتمام المتتبعين خلال السنة الماضية، وفي إطار إعمال مقتضيات دستور 2011 دائما، جانب تفعيل المأسسة القانونية لمحاربة العنف والتمييز ضد المغربيات، وذلك على مستوى إخراج القوانين المرتبطة بهذا المجال وعلى رأسها مشروع القانون 13-103 بشأن مكافحة العنف ضد النساء، ومشروع قانون 14-79 المتعلق بإحداث هيأة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز، ومشروع قانون 14-78 المتعلق بإحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة.
بالنسبة إلى مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء، ومنذ مصادقة الحكومة عليه في نونبر 2013، مازال يراوح مكانه بعد أن وتم وضعه بين يدي لجنة وزراية برئاسة رئيس الحكومة لمراجعته وتنقيحه، في انتظار عرضه على المؤسسة التشريعية. ولا يخفى على أحد ما أساله هذا المشروع من مداد حول مدى ملاءمته مع المعايير الدولية لمكافحة العنف ضد النساء، وكذا مدى استجابته لمطالب الحركة النسائية بضرورة إقرار قانون فعال وشامل لمكافحة ظاهرة العنف ضد النساء التي تواصل تسجيل ضحاياها يوميا وخاصة في إطار الزوجية للأسف.هذه الوضعية الاستثنائية للمشروع تحد بقوة من الاعتراف بالتقدم الذي أحرزته بلادنا عبر مبادرتها إلى إعداد نص تشريعي حول الموضوع، والإصلاح الجزئي للقانون الجنائي من خلال تجريم التحرش الجنسي وتشديد العقوبات على العنف الزوجي والاغتصاب.. فضلا عن الآليات المؤسساتية المتنوعة التي خلقت على مستويات عديدة من أجل محاربة العنف ضد النوع في جميع المجالات.
وفي نفس الاتجاه، يمكن القول إن تقديم ومصادقة الحكومة على مشروع قانون 14-79 المتعلق بإحداث هيأة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز، شكل خطوة رائدة على طريق تفعيل مقتضيات دستور 2011 التي نصت بصراحة على المناصفة وعلى المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق وفي جميع المجالات. لكن المشروع لم يسلم بدوره من انتقادات سواء حول مضمونه أو حول المسار الذي اتخذه في مسطرة المصادقة. ومازال الجدل مستمرا حول المشروع الذي يوجد حاليا في قبة البرلمان حيث يتوقع أن تتم المصادقة عليه في أي لحظة، في ظل مخاوف من إخراج قانون يمكن من إخراج هيأة المناصفة، نعم، ولكنها هيأة بصلاحيات بتراء وفعالية محدودة جدا.
مشروع قانون إحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة ربما لا يحظى بنفس الحجم من الحضور الإعلامي والنقاش على الرغم من مصادقة الحكومة عليه في شتنبر الماضي. لكنه بالتأكيد يحتل مكانة أساسية في منظومة القوانين المؤطرة للعلاقات الاجتماعية، وذلك يتطلب ضرورة انسجام مقتضياته مع باقي القوانين التي تدخل ضمن نفس المنظومة، في إطار تكامل وتفاعل وليس تداخل وتطاول على الاختصاصات كما تنبه إلى ذلك بعض الأصوات من المجتمع المدني.
النقاش- الإيجابي كما سبقت الإشارة- حول هذه المشاريع يفترض أنه يندرج في إطار تعزيز جهود ديمقراطية تشاركية حقيقية بين مختلف مكونات المجتمع في اتجاه إقرار حقوق المواطنين عامة، والمواطنات على وجه الخصوص، بعيدا عن التجاذبات السياسية والتشنجات الفئوية التي تطفو على السطح بين الفينة الأخرى. وقد جاء دخول كل من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي أيضا، على خط النقاش في الموضوع، في الشهور الأخيرة، ليؤكد أن مكافحة التمييز ضد النساء شأن مجتمعي يحتاج إلى مزيد من الالتفاف- حول إنجاح مرامي المشاريع وليس عليها- والاجتهاد في تفكير إيجابي وحقيقي بما يحقق الأهداف المرجوة في تجاوز جميع أوجه العنف والتمييز ضد النساء اللواتي لم يعد هناك من أحد يجادل في كونهن رافعة أساسية للتغيير والتقدم في هذا المجتمع الذي نعيش فيه وأيضا ذلك الذي نطمح للعيش فيه.
متى نحتفل بإخراج القوانين المؤسّسة لحقوق المغربيات؟
الوسوم