يحظى المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء الذي اختتمت فعاليات دورته الرابعة والعشرين نهاية الأسبوع الماضي، باهتمام كبير، بالنظر لما يشكله من أهمية على مستويات عدة:
ترسيخ تقاليد للقراءة، خلق فرص التواصل المباشر بين الكتاب وقرائهم، فتح نقاش حول إشكاليات النشر والتأليف والتوزيع، حضور عارضين من مختلف بلدان العالم.. إلى غير ذلك من النقط التي تلعب دورا أساسيا في النهوض بالنشر والقراءة، من أجل الرقي بالمجتمع.
في هذا السياق، كان لبيان اليوم لقاء مع مجموعة من الكتاب والمهتمين بالنشر، حول تصورهم للمعرض وعلاقتهم به، وجديد إنتاجهم، ونظرتهم الخاصة لمستقبل الكتاب الورقي في ظل هيمنة الثقافة الرقمية.
- الناقد الأكاديمي عبد الرحمن التمارة: الكتاب الورقي سيظل مستمرا رغم هيمنة الثقافة الرقمية
السؤال حول المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، يشير إلى أمرين؛ الأول يخصُّ الرأي والموقف من المعرض، والثاني يهمُّ آليات البرمجة والتنظيم. بالنسبة لرؤيتي الخاصة للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء (الدورة الحالية، الرابعة والعشرون)، فأقرُّ أنّه لحظة ثقافية نوعية في المشهد الثقافي المغربي، لأنه يمنحُ فرصة للتفاعل مع منجز ثقافي متنوع ومتعدد الأنماط الخطابية والتعبيرية والفكرية، أخرجته دور نشر مغربية وعربية وغربية. كما أنّهُ يعدُّ لحظة إنسانية تمكّن من الالتقاء بمثقفين ومبدعين وكتاب، من مختلف التخصصات الفكرية والإبداعية، وتفعيل نقاشات فكرية مباشرة بمذاق إنساني خارج منطق التواصل الافتراضي الذي ييسر التفاعل، لكنه يغيب حميمية اللقاء المباشر. فضلا عن ذلك، فإنّ المعرض يعتبر فرصة لقياس حجم التطور الذي يعرفه الإنتاج الثقافي الوطني والذاتي، لكل كاتب ومبدع، في خريطة الإبداع العربي. لكن ما يثير في المعرض الدولي هو تكريسه لمبدأ التكرار الممل في بعض الأسماء التي تشتغل بمنطق الانتماء العشائري والقبلي قصد تحقيق الحضور بكل الطرق الممكنة.
أما بالنسبة لكيفية التنظيم والإعداد والبرمجة، فأفضل أن ترتكز على مبدأ المسؤولية الثقافية. ماذا أقصد بها؟ يجب على الجهات الوصية، أثناء الإعداد والبرمجة ثم التنظيم، أن تنطلق من الارتقاء بالإنسان عبر الفعل الثقافي، باعتبارها فعلا يهمُّ جميع الباحثين والمثقفين المغاربة. لهذا، وجب تجاوز الرؤية المركزية القاتلة التي تؤطر بناء البرنامج الثقافي للمعرض. يمكن أن نلقي نظرة بسيطة على البرنامج، سنجد أن الأمر يتعلق بمعرض خاص بكتاب وكاتبات الدار البيضاء وما جاورها، وهو الرباط والمحمدية والجديدة.. طبعاً مع الاستثناء الذي لا يؤثر. أجزم، بكلّ قطع ويقين، أن كثير من المثقفين المغاربة لهم حضور دائم بالمعرض، وفي أكثر من موقع (انظر برنامج هذه السنة)، من باب النداء على “الخالة” في الوزارة، وسنّة العلاقات المقدّسة، وليس بناء على الإنتاج المعرفي أو النقدي أو الإبداعي. لهذا، لا يمكن للإنسان إلا أن يفرح بالاحتفاء بفقرة “أدباء قادمون” في البرنامج الثقافي للمعرض، وبالاحتفاء بالأدباء والمثقفين المغاربة في حياتهم، وليس بعدما يحصدهم الموت. من هنا، أتصور، برؤية مثالية قد لا تتحقق مطلقاً في بلدنا العزيز والغريب، أن البرمجة الثقافية يجب أن تراعي التنوع الثقافي، وأن تراعي جميع جهات المملكة، وأن يتم تجاوز الفكر القبلي وإرضاء الخواطر. والأهم من كلّ هذا وذاك أن يكون معيار المشاركة هو الإنتاج الفكري والثقافي، والتزام المشاركين بروح المعرفة، وليس الاكتفاء بـ”الدردشة” التي تنفّر من سبق وأن سمع بعضها التي تزيد في تكريس سلبية المثقف، وتزيد من التشنج بين الفاعلين في هذا الحقل الذي يقتضي صفاء الروح والفكر، والانتصار للمعرفة أولاً وأخيراً.
****
لم يسبق أن وجهت لي وزارة الثقافة أي دعوة للمشاركة في معرض الكتاب بالدار البيضاء؛ بالرغم من عضويتي في اتحاد كتاب المغرب من مدة طويلة (أكثر من عشر سنوات)، ونشاطي الدائم في الكتابة ونشر الكتب (خمسة كتب فردية) والمقالات والدراسات المحكمة في المغرب وخارجه. لهذا، ليست لديّ أي مشاركة ثقافية في برنامج الوزارة.
من هنا، فأنا أشارك في المعرص بصفتي باحثاً ألتقي بزملاء وأصدقاء، وأطَّلع على المستجد في مجال تخصصي البحثي: نقد السرد الحديث (القصة والرواية)، ونقد النقد الأدبي الحديث. كما ألتقي بالناشر لمناقشة نشر كتاب جديد أضع عليه اللمسات النهائية، وأستخلص النسخ الخاصة بي من كتاب جديد (السرد والدلالة).
****
صدر لي كتابان؛ أحدهما في بداية السنة، والثاني في نهاية السنة (2017). الكتاب الأول عبارة عن دراسة نقدية بعنوان «نقد النقد: بين التصور النظري والإنجاز النّصبي» (منشورات دار كنوز المعرفة، الأردن). تهتم هذا الدراسة بمنهجية تحقق نقد النقد، وما ينتج عنها من نصوص نقدية تصير ممتلكة لطبيعة تميّز خاص، مما يجعلها نصوصا نوعية في حقل النقد الأدبي. بهذا المعنى، فالدراسة تستهدف التفكير في منهجية نقد النقد لتحقيق غاية بيداغوجية قوامها تبسيط قراءة النصوص النقدية؛ لكن بما يحفظ للدراسة النقدية إنتاجيتها الإبيستمولوجية من جهة، ويكفل لها التنظيم والدقة وتلافي أحكام القيمة غير المعللة من جهة ثانية.
والكتاب الثاني هو الآخر دراسة نقدية بعنوان «السرد والدلالة: دراسة في تأويل النص الروائي» (منشورات دار فضاءات، الأردن). لقد جعلنا الدراسة النقدية منبنية على محورين اثنين: المحور الأول نظري، فكانت البداية بتمهيد أولي، ثم أعقبناه بالبحث في سؤال المرجعية النصية للرواية وكيفية تشكّلها. أفضى ذلك إلى الوقوف عند دواعي التأويل، أو بالأحرى ضرورته في حالة النصوص الروائية، وعند حدود التأويل الممتدة، مما ساهم في انفتاح تأويل مرجعيات تلك النصوص على دلالات متعددة. أما المحور الثاني فتطبيقي، فقد همّ دراسة نصوص روائية عربية ومغربية منتمية للألفية الثالثة، باستثناء نص روائي واحد، عبْر تحليل وتأويل عوالمها الدلالية ومكوناتها السردية والخطابية. وقد تحكّم في توجيه الدراسة التحليلية التأويلية طبيعة المرجعية النصية المعروضة في النص الروائي، بناء على طبيعة محمولاتها الدلالية المهيمنة، مما أفضى إلى الوقوف عند أنواع متعددة من العوالم المسرّدة في تلك النصوص الروائية. وهذا ما جعل اشتغالنا متمركزا حول مفهوم “التسريد” باعتباره مفهوما مشتقا من السرد الذي يجعل النص الروائي متضمنا للمكونات الدلالية والجمالية.
***
بكلّ تأكيد سيظلّ الكتاب الورقي مستمراً رغم هيمنة الثقافة الرقمية. لكن الأسئلة المقلقة التي تفرض نفسها علينا بقوة هي: ما هو منسوب القراءة للكتاب الورقي أو الإلكتروني؟ هل الوسائط الإلكترونية تساعد في القراءة، بالنظر إلى الإمكانيات الهائلة التي توفرها للحصول على كتب كان الحصول عليها يتطلب سنوات طويلة؟ بمعنى، هل نقرأ كتباً ورقية أم إلكترونية؟ أم أننا نعيش زمن الثقافة الرقمية الشَّكلية؟ طبعاً الانخراط في التكنولوجيا قدر وحتمية، وإلا أصبح الإنسان متخلفاً إلى أقصى الحدود. لكن بأي أفق، وأي غاية يتم ذلك؟ لهذا، المؤلم أن الكتاب الورقي سيظل موجودا ومستمراً، كما أن الكتاب في الحامل الرقمي له حضور قويّ وفعاّل.
من هنا، فخارج إشكالية رفض الكتاب الرقمي أو قبوله، واستبعاداً لأي تصوّر إبستمولوجي أو موقف إيديولوجي يطمح لنفي أو تجاوز الكتاب الورقي، يبقى حضور الكتاب الورقي مقترناً بشروط تاريخية تحكَّمت في تبلوره وتشكُّله، وقد تنضجه ظروف أخرى فيتمُّ تجاوزه في زمن لاحق يصعب التنبؤ بزمنه وتاريخه بشكل دقيق. بهذا المعنى، فإنّ تكوّن الكتاب الرقمي هو وليد صيرورة وجودية وتقنية واقتصادية واجتماعية ممتلكة لقيم فكرية وأنماط وعي وتصورات عيش.. متنوعة ومختلفة وملائمة لزمنها، لكنه لن يزيح بشكل جدري الكتاب الورقي إلا بَعْدَ سيرورة ممتدة. لكن السؤال الذي يؤرق، أثناء التعامل مع الكتاب الورقي والكتاب بحامله الرقمي من منظور مقارن، لماذا بعض الدّول المتقدمة، وأستشهد هنا باليابان، تشغِّل وتستثمر التكنولوجيا في مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وكذا المجال الثقافي عامة والأدبي خاصة، إلا أن الكتاب الورقي يظّل موجوداً وحاضراً في حياتهم؟
*الباحث الأكاديمي فريد أمعضشـو :يلزمنا الإفادة من الكتاب المنشور وفق السندين الورقي والإلكتروني
معرضُ الدار البيضاء الدولي للنشر والكتاب يشكل فرصة ثمينة، تُتاح لنا مرة واحدة في السنة، للاطلاع على جديد سوق النشر الورقي وطنيا وعربيا ودوليا كذلك في بعض الأحيان، وللوقوفِ على ما تجود به دُورُ النشر العربية والعالمية من كتابات جديدة، في شتى فروع المعرفة. وهو، كذلك، فرصة لحضور مجموعة من الأنشطة والفعاليات الوازنة، والاستماعِ إلى كثير من الأصوات المبدعة والمفكرة والناقدة والباحثة في مختلف صنوف الأدب والعلم، والالتقاءِ بعديد من رجالات الإبداع والفكر والإعلام، وحَمَلةِ القلم.. لذا، تغدو زيارته، بالنسبة إلى الباحث، أمرا ضروريا في نظري، بغض النظر عن مستواه من حيث طبيعة المعروضات وكَمّيتُها، ومن حيث التنظيم، وغير ذلك. وأنا من المداومين على حضور أشغال المعرض، منذ دورة 2004، وعلى زيارته للاطّلاع على الجديد فيه، كلَّ سنة، في مجالات الأدب كلها، وبصورة أكبر في مجال النقد الأدبي العربي.
وككُل مُداوِم على زيارته، أفضّل أن أرى هذا المعرض في تطور مستمر، سنة بعد أخرى، من حيث تنظيمُه حتى يسهل على الزائر تحقيق أقصى استفادة منه، لاسيما بالنسبة إلى الذي يزوره من مناطق بعيدة عن العاصمة الاقتصادية للمملكة، والذي يسعى إلى أن يزور أكثر أروقته وفضاءاته في وقت قصير… ومن حيث الإعدادُ الجيد له بنهْج مقاربة تشاركية منفتحة على جميع المعنيين بسوق النشر والكتاب بالمغرب، علاوة على محاولة التواصل مع الكتاب طبعا بشتى الطرق الممكنة حتى لا يشعر أي فاعل في المجال بالإقصاء والتغييب. كما يلزم التفكير في أنجع السبل من أجل برمجة محْكمة لفِقراته ونشاطاته؛ من الندوات، واللقاءات، والتكريمات، والتوقيعات… حتى تُتاح أمام زوّار المعرض فرصة الإفادة الفعلية من ذلك كله.
****
اكتفيت هذه السنة بزيارة المعرض، في أيامه الأخيرة، لظروف خاصة، مدفوعا برغبة في معرفة جديد المطابع العربية في النقد الأدبي عموما، وفي النقد المصطلحي، بشقيه التنظيري والتطبيقي، خصوصا، واقتناء بعض الإصدارات الجديدة، لاسيما وأن المعرض، في دورته هذه، استضاف مصر، التي شاركت بعدد من دور نشرها، وبعدد من إنتاجات كُتّابها ومبدعيها المرموقين. كما أني استغللت الفرصة لحضور نشاطين مهمَّيْن.
****
كنت أنتظر صدور عمل نقدي جديد لي أواخر السنة المنصرمة، ولكنّ ظروفا خارجية حالت دون ذلك، وأجّلت ظهوره إلى وقت لاحق، وهو عمل يتناول نظرية النص عند العرب وعند الغربيين، قديما وحديثا، اشتغلتُ بإعداده مدة من الزمن، وحاولت أن أناقش فيه مجموعة من الطروحات والأفكار والقضايا، وأن أبْسط فيه عدداً من الآراء والتصورات، مستفيدا من كمّ وافر من الأبحاث المنجَزة في المجال عربيا وغربيا معاً. وأرجو أن تتيسّر ظروف إخراجه وطبعه قريبا. كما أني أعِدُّ أعمالا أخرى في مجاليِ النقد والتربية، سأحْرِص على نشرها خلال السنة الجارية إن شاء الله.
****
بعيدا عن النقاش المثار مِنْ حَوْل علاقة الكتاب الورقي بنظيره الإلكتروني، الذي بلغ به بعضُهم حدَّ وضْع الكتابين على طرفيْ نقيض، أقول إن لكلٍّ منهما مكانته وجمهورَه، وإنّ العلاقة بينهما يجب أن تكون قائمة على التكامل، لا على “العداء” و”الصراع” لقتل الآخَر، وتسيُّد المشهد الثقافي بصورة فردية! فالكتاب الورقي كان، وما يزال، وسيظل، وربما ستكون له حظوة أكبر مستقبلا. على حين أن الكتاب الإلكتروني منتَج ثقافي جديد، ظهر نتيجة التطور التقني الهائل الذي عرفه عصرُنا هذا، وربما سيعيش فترات أخرى لا ندري متى منتهاها، وهو يقدم خدمات جليلة، دون شكّ، للقارئ والباحث، ويسدّ كثيرا من الهوة التي نلمسها، أحيانا، في مجال نشر الكتاب الورقي وإذاعته. لذا، فالواجب ألاّ نُغالي في رأينا بصدد هذه القضية، بل يلزمنا الإفادة من الكتاب المنشور وَفق السندين أو الحاملين المذكورين، والحرص على استثمار تكنولوجيا الإعلام والتواصل في علم المكتبات، وفي نشر المعرفة وإتاحتها لعموم القراء، العرب وغير العرب.
* القاص المصطفى كليتي: القراءة الورقية هي متعتي الحقيقية
لحظة انعقاد المعرض الدولي للكتاب فرصة سانحة لترويج الكتاب كمنتوج فكري وأدبي وفني، وكذا فتح جسور التواصل والتفاعل مع كافة الأطراف المنشغلة بصناعة الكتاب قصد البحث في قضاياها الملتبسة، سواء على مستوى النشر والتوزيع، فمعظم الكتاب يطبعون على حسابهم الخاص أو بالأحرى على حساب رغيفهم اليومي، فدعم الكتاب من قبل وزارة الثقافة لا يرقى إلا طموحات الكتاب والناشرين على حد سواء.
العامل التجاري يهيمن على المعرض الدولي للكتاب، بل يمكن وصفه بالمعرض التجاري للكتاب وليس غير، فهو مناسبة لعرض الكتب بأثمنة تشجيعية وتحفيزية لذوي الدخل المحدود والمتوسط ، كما أن النشء المتمدرس هم الفئة التي من الممكن أن تكون مستهدفة في الأطوار المختلفة للتعليم، من المستوى الابتدائي إلى الإعدادي والثانوي فالجامعي، لأن المعرض عليه أن يراعي هذه الشريحة المجتمعية الحيوية المستهلكة للكتاب والمقبلة على الحياة وأسئلتها المختلفة، وذلك بتنظيم رحلات مدرسية للمعرض من مختلف مناطق المغرب، لا أن يبقى منحصرا على محور البيضاء الرباط أو القنيطرة في معظم الأحيان.
أتوخى أن يكون الاهتمام ديمقراطيا بمنتجي الكتاب، لا أن يبقى مكرسا لأسماء معينة، دون أن تتاح لباقي الطاقات الإبداعية في الفنون والمجالات المختلفة فرص الحضور والتواجد ضمن البرنامج العام للمعرض الدولي للكتاب الذي يخضع لولاءات وانتقاءات لا يعلمها إلا الضالعون في شبكة العلاقات.
الندوات التي تتم داخل رحاب المعرض تكون شكلية، ولا يكاد يحضرها ويتتبع مجرياتها إلا جمهور نزر لا يتعدى أصابع اليد، بيد أن بعضها يكون نسبيا مكتظا مجاملة ومداهنة لقامة فكرية أو أدبية لها حضورها الوازن.
***
لم أشارك ولم أستدع للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء قط، اللهم زياراتي الخاصة من أجل اقتناء بعض الكتب أو لقاء أصدقاء يحجون للمعرض من أجل نفس الغاية، نلتقي من أجل مطارحة المشترك من القضايا، في هذه الدورة طبيعة مشاركتي تتمثل في حفل توقيع مجموعتي القصصية القصيرة جدا المعنونة ” فقط “، الصادرة عن دار سليكي أخوين للنشر، هذه الدار التي أثبت حضورها القوي في المشهد الثقافي مهنيا..
أحدث إصداراتي مجموعة قصصية قصيرة جدا (قصيصات) وهي تكملة لثلاثية لهذا الجنس الإبداعي السردي الذي يبحث له بإلحاح عن موقع، فبعد المجموعة الأولى : ” ستة وستين كشيفة ” الصادرة عن دار القرويين بالبيضاء، و” تفاحة يانعة وسكين صدئة” عن دار الوطن بالرباط، تأتي مجموعة ” فقط ” وهي رهان جمالي على السرد القصير، بكل ما يختزله من حمولات فكرية وإبداعية، تجعل القارئ ينتبه جيدا للنص الذي يحتاج من المتلقي مشاركة وتفاعلا حتى يتمكن من القبض على شفراته ويتماهى مع مقتضياته الفنية والجمالية.
***
لا مراء بأن الكتاب الرقمي، مع مر السنوات بات واقعا دارجا، ويحل الكثير من مشاكل النشر والتوزيع ويمكن القارئ من مضانه، بيد أني محب للكتاب الورقي، بل أخرج المكتوب الورقي من محشره لكي أقرأه ورقيا، لأنني – بحكم سلطة العادة – أجد في الكتاب الورقي متعة زائدة، لعلها رائحة الورق أو القراءة المتأنية، مع استعمال خربشات قلم الرصاص، كلها عوامل تجعلني مكره في معظم الأحيان على القراءة الرقمية، لكن القراءة الورقية هي متعتي الحقيقية.
الأديبة والفاعلة الجمعوية أمينة السحاقي الكتاب الورقي لا زال يحظى بمكانته لدى القراء
ما من شك أن المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء يمثل محطة مهمة في المشهد الثقافي المغربي- إن لم تكن الأهم- وذلك لعدة اعتبارات. إنها فرصة سانحة لتلاقي الأفكار وتبادلها ومشاركة الكتاب والمثقفين المغاربة والأجانب وكذا فتح الباب للناشرين قصد عرض جديدهم أمام جمهور عريض من الزوار والقراء والمهتمين. هذا بالإضافة إلى البرنامج الثقافي الغني و المتنوع الذي يزخر بالندوات واللقاءات مع المبدعين في مختلف أشكال الإبداع. المعرض هو أيضا فرصة للقاء الأصدقاء. لكن رغم كل هذه الايجابيات التي لا يمكن تجاهلها، ينتابني شعور بأن معرض النشر والكتاب يظل شبيها بالجامعة التي تنظم تظاهرات ثقافية كبيرة تصرف عليها أموالا طائلة ولكن هذه التظاهرات لا يكاد يستفيد منها إلا الأساتذة
أو بعضهم، بالإضافة إلى بعض الطلبة، وذلك لأن الجامعة لا تنفتح على محيطها. معرض النشر والكتاب في نظري يعيش نفس الوضع رغم ما يعرفه من زيارات مكثفة في بعض الفترات. وهنا أخص بالذكر اللقاءات الثقافية والندوات التي على أهميتها يظل الحضور فيها باهتا. وتعود أسباب هذا الوضع، حسب رأيي، إلى ما يلي: أولا ليست هناك عملية جادة للترويج للمعرض من خلال وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها، اللهم بعض الوصلات الاشهارية قبيل موعده والتي لا ترقى إلى مستوى الحدث. ثانيا لا يمكن القول بأن هناك مواكبة لأنشطة المعرض ببرامج حوارية أو بنقل بعض الندوات لتشجيع المواطن على زيارة المعرض وبالأخص على حضور الندوات واللقاءات. ثالثا يكاد يكون التحسيس بأهمية هذه التظاهرة منعدما داخل المؤسسات التعليمية، علما بأنه من المفروض أن تكون الناشئة من الفئات المستهدفة لتكريس حب الكتاب لديها وتكريس فعل القراءة. رابعا: تنظيم المعرض لا لا يتزامن مع أي من العطل المدرسية، مما يقصي جمهورا كبيرا من الأساتذة و التلاميذ من المشاركة. وأعتبر هذا الأمر إجحافا، خاصة لمن يقطنون خارج الدار البيضاء، نظرا لصعوبة التنقل واكراهات العمل و الدراسة، اكراهات تواجه حتى القاطنين بالدار البيضاء. فأغلبية المؤسسات التعليمية تزور المعرض في أيام الذروة، أي أيام السبت والأحد، مما يصعب على الأطفال تصفح الكتب الخاصة بهم، فتقتصر بذلك زياراتهم على التجول في الممرات بدل الاستفادة من الفضاءات الخاصة بهم واقتناء اللعب بدل الكتب. هذا بالإضافة إلى أن المرافقين لهم يحصرون مهمتهم في حراسة الأطفال وليس في توجيههم. أعتقد أن الثقافة مشروع ينبع من حاجة المجتمع إلى تحصين بنيته المعرفية، ولذلك وجب إشراك جميع الفعاليات الثقافية من مثقفين ومبدعين ومهتمين بالشأن الثقافي ومن مؤسسات تعليمية وكذا من جمعيات المجتمع المدني. كما أنه
لابد من التفكير جديا في تغيير مكان المعرض الدولي للنشر والكتاب واختيار فضاء بمعايير دولية، يرقى لمستوى الحدث، حيث يستطيع استيعاب العارضين والزوار الذين يزداد عددهم كل سنة.
***
اقتصرت مشاركتي هذه السنة على توقيع روايتي الأخيرة ” ماريا والبحث عن الطريق المفقود”. وهي تتناول مصير امرأة تناضل من أجل تحررها من الاستلاب الذكوري. امرأة تريد أن تحقق ذاتها من خلال اختياراتها هي بعيدا عن الإذعان لمعايير اجتماعية. كما تتناول الرواية مواضيع أخرى من بينها المدرسة العمومية والفساد السياسي. لم أستطع إتمام بعض الأعمال قبل المعرض ومنها رواية باللغة الفرنسية. وقريبا جدا سيصدر لي كتابان باللغة العربية “محكيات أمينة السحاقي”. الأول مجموعة قصص قصيرة
تحت عنوان “رفيق طريق”، والثاني في مجال التربية بعنوان “مواقف حرجة” ويتناول مواضيع مسكوت عنها باعتبارها طابوهات.
***
لابد أن نعترف بأن الثورة الرقمية التي يشهدها العالم ساعدت على انتشار الثقافة الرقمية بشكل واسع بين القراء وكذا بين بعض الكتاب الذين توجهوا إلى النشر الالكتروني كوسيلة جديدة وسهلة بالمقارنة مع النشر في الكتاب الورقي. هذا الأمر أثار كثيرا من الجدل في الأوساط الفكرية والأدبية. لكن رغم ما للثقافة الالكترونية من مزايا لا يمكن تجاهلها، أظن أن الكتاب الورقي لا زال يحظى بمكانته لدى القراء، وفي المعارض باعتباره هو القاعدة وهو الذاكرة الإنسانية. ثم لا ننسى العلاقة الحميمية التي تولد بين الكتاب الورقي والقارئ. من جهة أخرى يصعب ضبط الكتاب الرقمي بحيث يظل رغم كل شيء، قابلا للمحو أكثر من المكتوب وقابلا للإلغاء.
- الشاعرة حسنة أولهاشمي: الكتاب الرقمي ملعون لأنه يقيدنا بالتكنولوجيا
يعتبر المعرض الدولي للنشر والكتاب حدثا وفرصة ثمينة لخلق جسور اتصال وتواصل، بين المبدع والقارئ /المتتبع، وبين المبدع والناشر والموزع، وبين المهتم بصفة عامة والكتاب، وبين الكتاب وعاشق هذا الأخير.. ولا يختلف إثنان عن أن لكل بلد أو أمة جوهر تحضرها، تعكسه قيمة زاده الثقافي، وتطوره وخصوبته، فإذا كان الفيلسوف “أوغست كانط” يقول إن “المعرفة هي القدرة”، فبالكتاب أي المعرفة يتم بنيان عمران الفكر اليقظ، الفكر المتين والحر، الفكر المشيد لمجتمع سليم ومشرف. هنا لن أنكر جهود وزارة الثقافة المغربية وكل المؤطرين والفاعلين الجمعويين والأدباء والإعلاميين، أقول لن أنكر كل الجهود الداعمة لتفعيل هذا الحدث الثقافي وإخراجه إلى حيز الوجود، فبفضله تتقوى عرى الإبداع بين مختلف الأجيال والحساسيات الأدبية، وبه تُثرى روابط العلم وبه تتلاقح الثقافات وتُنسج علاقات منتجة لجدوى العمق الإنساني بين المثقف أو المهتم في وطنه، أو الآخر بمختلف القارات والشعوب، نعترف بالجهود المبذولة على مستوى التنظيم والإعداد والبرمجة واستمرارية التغييرات الهادفة إلى تطوير مستوى الدورة، وبالتالي التطلع إلى مردود ثقافي يليق بآفاق المواطن والمثقف الذي يتوق دوما للأفضل، إذ لم نقل يتوق لوطن يضمن كرامة المعرفة. وإذ نشيد بكل الدعم والجهود في تحقيق جدوى مجتمع قارئ أم متعلم من طرف كل المعنيين الذين سبق ذكرهم أعلاه، لا بد من التوقف عند مجموعة من النقط التي تخص التنظيم والإعداد والبرمجة، فمتى كانت هذه الركائز متينة ومحكمة كانت الثمار وافرة ومقنعة، على مستوى التنظيم نلاحظ بعض الإرباك، فمثلا في ما يتعلق بفترة انطلاق دورة المعرض، فتاريخ الدورة لا يتزامن بعطل المؤسسات التعليمية، فإذا كان الكتاب يعني كل فئات المجتمع، فالتلميذ معني والأستاذ معني وأكثر، فهذا الأستاذ يمتهن التعليم ويمارس الكتابة ويعنيه الأدب والكتاب وتعنيه الثقافة، لهذا فحين يكون انطلاق الدورة في فترة خارج العطل المدرسية، فالإقبال يكون أقل مما كان سيكون عليه لو حصل العكس .. نقطة أخرى تستفز تتبعي لمجريات الحدث وهي عدد الدول المشاركة في تظاهرة الكتاب بالمغرب، نعلم أن المشاركين أتوا من الدول العربية وأوربا وأمريكا اللاتينية، بغض النظر عن البلد الذي يعتبر ضيف الشرف والوفد المرافق له، هذا لا نجادل في منطق حضوره، لكن أرى أن عدد المشاركين من الدول الأخرى كثير، وقد لا نستفيد من تنوعه إن لم يكن هذا التنوع رهينا بتخطيط محكم في التخطيط والتسيير، نعم نؤمن بالتلاقح الفكري وننوه بتبادل الفكرة وتطورها وثرائها بفضل التنوع، لكن وجب الاهتمام باللب ودرء القشور، تهمنا الثقافة ويهمنا الجوهر ولا يعنينا ” لبريستيج الفارغ” والتدافع الواهي. تساؤل آخر يفرض نفسه حول التنظيم والإعداد، يتعلق بمحدودية الاستفادة من تنظيم دورة المعرض الدولي للنشر والكتاب، أقصد بذلك أن المغرب الثقافي تمتد عروقه إلى عمق المدن والحواضر والدواوير، أي عمق الهامش، فلماذا إذن وجب الإصرار على مركزية الثقافة، لو رحبا ببديهية احتضان المعرض الدولي في المدن الكبرى باعتباره تظاهرة دولية وتستلزم ظروفا ملائمة و”إيتيكيت” لازم ومقبول للضيوف والزوار من البلدان الأخرى، أقول لو سلمنا بذلك، لماذا لا نفكر في إنشاء فروع لهذه الدورات، تتوزع على مختلف جهات المغرب وتعم الفائدة ويغنم الكل بضياء الدورة. من الأشياء التي تثير أيضا تساؤلي هي المساحة المخصصة للمعرض، أرى أنها غير كافية، لأن المساحة تؤثر بشكل أو بآخر في امتصاص الفوضى التي نلمسها في القاعات المخصصة للندوات وقاعات التوقيعات وقاعات الناشرين والموزعين، المساحة الكافية ستسمح لمتتبع الندوة لينعم باستماع هادئ وتركيز كاف لاستيعاب الموضوع، بعيدا عن الضجيج والحركة غير القابلين للتحكم .. المساحة الكافية ستسمح بفتح ورشات إبداعية للناشئة ومسابقات مشجعة وتحفيزية للطفل والاعتناء أكثر بأدب الطفل، المساحة الكافية ستمنح الفرصة للتشكيلي والمسرحي والموسيقي للمشاركة الفعلية بكل عناصر وبآليات الاشتغال، فالكتاب هو المعرفة والمعرفة لا تنحصر في الكتاب والنشر وحدهما دون الاعتناء بباقي الفنون الأخرى، هذه الفنون التي تساهم في تكوين عقل حر ورحب ومتين، عقل القيم والمعاني الإنسانية النبيلة.. أريد أيضا أن أقف عند ضرورة الاهتمام بجميع الأجناس الأدبية وعدم تغييب إذ لم نقل إقصاء بعضها، شعر الزجل لا يحظى بنفس ما تواليه الثقافة للأجناس الأدبية الأخرى، جنس أدبي جدير بالاعتزاز وحقيق بالعناية، كيف يعقل أن هويتنا وموروثنا الأدبي الشعبي لا تخصص له أماكن مستحقة لتفعيل حضور أصحابه إلا من “رقعة” ضيقة هنا وهناك يستجدي فيها الشاعر الزجال أو المبدع زمانا لممارسة حقه في المشاركة.
***
أحدث إصداراتي، كتاب نقدي جماعي حول ديواني الشعري الأول، الكتاب موسوم بـ ” شعرية النص وتجليات التجديد في ديوان بريد الفراشات ” لحسنة أولهاشمي، من منشورات ديهيا الثقافية بأبركان، الكتاب من إعداد ثلة من النقاد من داخل المغرب وخارجه، محاور الكتاب جاءت بالعناوين التالية: الكتابة والجسد في بريد الفراشات، المسكوت عنه في شعر حسنة أولهاشمي، الفراشة المسافرة في سماء الشعر، مميزات الصورة الشعرية في بريد الفراشات، قراءة نقدية في بريد الفراشات- شعرية الحرية، الفراش يطير حول المصباح ويعود إلى الأشكال، تجليات العوامل والمعادلات التعبيرية في الشعر الصوري، قراءة في قصيدة دمى الريح، قراءة في قصيدة بريد الفراشات. الكتاب جاء في 104 صفحة، الحجم المتوسط صفحة من تصميم المصمم نبيل الرمضاني ولوحة الغلاف للفنان الإيطالي ألبيرتو ماجنيلي. وأحدث إصداراتي هو ديوان شعري جديد لكنني ارتأيت منحه وقتا أكبر وتدبرا أكثر، الشعر يستحق منا أن نهبه حياة أرحب ليبادلنا بذرة موت نادرة في حياته الخالدة، إذا كانت “سيلفيا بلاث” تقول إن “الموت فن ككل شيء آخر، وهو فن، أتقنه بشكل استثنائي”، فأنا أرى أن الشعر ليس ككل شيء آخر، وهو فن لا تنتظر أن تتقنه بشكل استثنائي، لهذا نأمل فقط أن نمنح كل الوقت والاحترام والحب للشعر، إذا لم نستطع إتقانه بشكل استثنائي.
***
العلاقة بين الكتاب الورقي والرقمي هي علاقة صدام بانية للقاء حتمته طبيعة العصر، وفرضته ظروف تداخل فيها ما هو سوسيو اقتصادي وثقافي، لهذا بات لزاما علينا أن نخلق السبل لنؤاخي الوسيلتين / الورقية والرقمية، ونتصالح مع صراعهما الخفي والظاهر، لتنتصر الثقافة ويتفوق الهدف الأسمى وهو القراءة أو التعلم، وإذ ندافع على هذا التآخي المطلوب لا ننكر أن الورقي علاقتنا به تكاد تكون فطرية، فعلاقتنا بالكتاب الورقي تكاد تضاهي ثدي الأم ورائحة الأرض وأسرار حميمية الجمال، وحبنا لهذا الكتاب الورقي هو حب غير مشروط، في الورقي نحس ونشعر بدفء الجماد.. في الرقمي وبتعاملنا معه نحس بجمود الآلة وجبروتها، رغم ما ييسره لنا من تواصل وسرعة شديدة في التزود بالمعلومة، الرقمي يقيدنا بلعنة التكنولوجيا وضرورة الانصياع لشروط التفعيل كالطاقة والكهرباء وأحيانا حتى بالموقع، أما الورقي فنتمكن من رفقته حتى في الأماكن الوعرة والخالية والبعيدة. الورقي يسهل الحفاظ عليه بالتوثيق الكلاسيكي أما الرقمي فقد يصفعنا في كل لحظة بالتلف والضياع إذا لم نحكم التخزين. غير أن الرقمي يكون أحيانا رحيما بشغوفي القراءة حين يرتفع ثمن الكتاب ويكون الملاذ هو تحميله والاستمتاع بلبه المنير. لكل هذا وذاك أرى أنه حان الوقت للانشعال بما هو أكبر من ترجيح الكفة لأحد الوسيلتين أي الورقية أو الرقمية، بقدر ما يجب أن نفكر فيما يغني فكرنا وإدراكنا ويجدد حياتهما وهو فعل القراءة وفعل النهل والتحصيل، كيفما كانت الطرق والسبل. بأصالة الورقي و”لعنة” الرقمي نخلق إصرارا أكبر وتحديا قويا لحيوات علمية وثقافية أجدى وأغنى.
*الناشر بسام الكردي: لا أخاف من القرصنة الإلكترونية بقدر ما أخاف من القرصنة الورقية
المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، يعرف تحسنا سنة بعد أخرى، هناك تنظيم بطريقة جمالية تضاهي المعارض الغربية أو تلك التي توجد في الإمارات وغيرها. بمناسبة هذه الدورة عرض المركز الثقافي للكتاب ثمانية عشر إصدارا جديدا، للأساتذة محمد مفتاح وعبد الإله بلقزيز ومحمد بنيس وإدريس الكراوي ومحمد المعزوز وحسونة المصباحي وغيرهم من كبار الأسماء داخل الوطن وخارجه. أنا أهتم أكثر بالكتاب الفكري والنقدي، هناك طبعا بعض الإصدارات الروائية، لكن الانشغال الأساسي بالنسبة إلي، يظل هو الفكر والنقد.
***
إن من يعتقد أنه بدخوله لميدان النشر سيصبح غنيا، فهو مخطئ، على الأقل في السنوات الأخيرة، خصوصا بالنسبة لمن يشتغل على الكتاب الحديث والتنويري والفكري. إذا كان الاشتغال بالنشر يؤمن العيش بكرامة، فأعتقد أن هذا كاف.
***
النشر الرقمي في العالم العربي لا يزال ضعيفا، ليس هناك مؤسسات تحول الكتاب الورقي إلى إلكتروني، بالمعنى الصحيح، كما هو الحال في الغرب. نسبة القراء الذين يقرأون إلكترونيا لا تزال ضعيفة، سنهم يتراوح بين الأربعين والستين، إنهم يقرأون ذلك بالمجان، وأنا أومن بأن الكتاب الورقي لا يزال أمامه مستقبل، وعلى الأقل أنا جيلي لا يتعامل مع الكتاب إلكترونيا، جيلي جيل القلم والورقة.
****
مجموعة من إصدارات دار النشر التي أديرها (المركز الثقافي للكتاب) معروضة بالمجان على شبكات الأنترنت، لقد تمت قرصنتها وأنا لا حول لي ولا قوة أمام هذا الوضع، وهذا أكيد له تأثير على نسبة المبيعات، فمن سيكون بإمكانه أن يقرأ كتابا بالمجان فإنه لن يذهب ليبحث عنه خصوصا إذا كان ثمنه مرتفعا، أنا لا أخاف من القرصنة الإلكترونية بقدر ما أخاف من القرصنة الورقية، حيث يتم الطبع بكمية مخيفة، تعرض بثمن رخيص، على الأرصفة.
إن ما يكلف اليوم غاليا ليس الطباعة والورق، بل ما يسبق هذه العملية، تصفيف المخطوط قراءته، عملية التحرير، التصحيح، الإخراج، تصميم الغلاف، الوقت، حقوق المؤلف، هذا يعادل ضعفي ثمن الكتاب.
> ملف من إعداد: عبد العالي بركات