من المؤكد أن انتخابات ثامن شتنبر ستستمر في إنتاج أسئلتها لمدة، وستمثل استفهاماتها العامة والخاصة منطلقات تقييم وتحليل لوقائع وتطورات قد تقع مستقبلا، ذلك أنها لم تكن استحقاقات عادية، إن من حيث تجليات مخرجاتها الرقمية واصطفافاتها الحزبية والمؤسساتية، أو من حيث تدبيرها ومجرياتها والمواقف المعلنة بشأنها.
وبرغم هذا، سيكون علينا جميعا الخروج من دوائر السجال المتصل بمحطة ثامن شتنبر، والانتقال من مختلف منغلقاتها، أو مما قد تكون أنتجته لدى العديدين من خيبة أو استغراب، ومن ثم الانتقال إلى تمعن دروسها وخلاصاتها، سواء ما يتعلق منها بالفاعلين السياسيين أنفسهم، أو ما يتصل بالبلاد ومستقبلها ومؤسساتها…
بلادنا، على غرار باقي العالم، تتواصل معاناتها جراء تداعيات “كوفيد-19″، وقد كرس ذلك انتظارات اجتماعية واقتصادية لدى شعبنا تقتضي اليوم انكبابا عاجلا عليها لبلورة حلول وإجراءات وبرامج من شأنها إحداث دينامية في الاقتصاد الوطني وتطوير مستويات عيش الفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، وأن يترسخ الاستقرار والطمأنينة في المجتمع…
من جهة أخرى، يطرح على بلادنا تحدي تقوية الانسجام والفاعلية في أداء مؤسساتها، مجالس الجماعات والجهات والبرلمان والحكومة وسواها، وهو ما يمثل وحده ورشا تأهيليا مركزيا، ويتطلب الكثير من الكفاءة والحكمة والشجاعة والوعي…
لقد فرضت الجائحة وتداعياتها العديد من القطائع والتحولات، في بلادنا وفِي العالم، ولا يمكن القفز عليها أو إغماض العين عنها، وهو ما يجعل عددا من القضايا بمثابة أولويات اليوم، ومنها: التعليم والصحة العموميين، الشغل، الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والصناعات المحلية، تمتين الصناعة والفلاحة الوطنيتين، تأهيل الإدارة وتحديثها، البيئة وجودة الحياة….، وكلها تتطلب التعبئة الواسعة وبذل الجهد المطلوب، وتسريع الإنجاز وتوفير الشروط اللازمة للنجاح في مختلف الأوراش والبرامج ذات الصلة بها.
من جهة أخرى، تواجه بلادنا، علاوة على الانتظارات والرهانات الداخلية أعلاه، تحديات خارجية أساسية، وما يشهده محيطها الإقليمي من تعقيدات ومخاطر، وأيضا ما يميز الواقع الدولي اليوم من تبدلات جيو استراتيجية…، وكل هذا يلزم بلادنا بتقوية يقظتها وتعبئتها وجاهزيتها لحماية مصالحها الوطنية والإستراتيجية…
الرهانات الوطنية والخارجية تطرح اليوم كلها مجتمعة وتقتضي أن تواجهها بلادنا وأن تربحها، وهو ما يستوجب تعبئة المجتمع وتعزيز الجبهة الوطنية الداخلية، إضافة إلى بناء مؤسسات قوية وفعالة، أي تطوير حياة مجتمعية تقوم على الديمقراطية والحرية والانفتاح والتعدد، وبالتالي صيانة نفس مجتمعي ديمقراطي تعددي عام في بلادنا، والحرص على الدور السياسي والترافعي والتأطيري للأحزاب الوطنية الجادة، وعلى متانة ومصداقية الصحافة والإعلام…
سينتهي، اليوم أو غدا، كامل هذا السجال المتصل بنتائج الانتخابات، ولكن الذي سيبقى هو ضرورة الإنكباب على خدمة بلادنا وشعبنا، وبلورة برامج عملية وملموسة لتحقيق تطلعات وانتظارات مواطناتنا ومواطنينا، كما أن مسؤولية الجميع تبقى ضرورة التمسك بتمتين الممارسة الانتخابية الديمقراطية وتعزيز مصداقيتها ونزاهتها، واعتبار ذلك المدخل الأمثل لإحداث التغيير وتحقيق الديمقراطية…
ليس الأمر دعوة لطي عشوائي لكل الصفحات، ولكن هو حث على التمعن في دروس ما حدث، والقراءة الجادة لكامل سياقنا العام، وفِي نفس الوقت العمل للخروج من منغلقات البوليميك والذاتيات الفردية والحزبية، نحو حوار وطني عقلاني يمتلك بعد النظر، ويرتكز إلى العقل، وإلى التفكير في مستقبل الوطن ومصلحته العليا.
<محتات الرقاص