دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى إحداث سجل وطني للأملاك العقارية يغطي مجموع التراب الوطني، بغية إرساء حكامة عقارية فعالة وناجعة تتوفر على إطار للتدبير وأدوات قادرة على الاستجابة للطلبات المتغيرة، داعيا في دراسته حول “العقار في المغرب: رافعة أساسية من أجل تحقيق التنمية المستدامة والإدماج الاجتماعي”، إلى تعزيز آليات تنسيق العمل في المجال العقاري من خلال إحداث مؤسسة متخصصة تخول لها صلاحيات واسعة، وسن إطار ضريبي ملائم ومتطور قائم على التناسب، يرتكز على معلومات متاحة للجميع وشفافة.
وأوصى المجلس في دراسته التي تم تقديمها أول أمس الأربعاء بالرباط، بإرساء إصلاح تدريجي للنظام الخاص بالأراضي الجماعية يكفل الحقوق الفردية والجماعية، ويحد من الإكراهات التي تعيق التنمية القروية، مع الحرص على أخذ متطلبات الاستدامة البيئية بعين الاعتبار، من خلال ملائمة نظام الأراضي الفلاحية مع مقتضيات مدونة الحقوق العينية، والعمل بشكل تدريجي على تسوية الوضعية القانونية للعقار السكني في مناطق السكن غير النظامي.
ومن أبرز توصيات المجلس، تهيئة مجالات حضرية متحررة من أي قيود تحول دون تحقيق التنمية، ومستقطبة للاستثمار المنتج وتوفر سكنا يكفل شروط العيش الكريم ويكون متاحا للجميع، وذلك من خلال العمل على وضع برامج للنهوض بالسكن المتوسط وتدعيمها بتدابير تحفيزية، مع العمل على ضمان تتبع صارم للتصدي للسلوكيات غير السليمة التي واكبت تنفيذ بعض برامج السكن الاجتماعي، واللجوء إلى ضم الأراضي في المناطق المحيطة بالمدن، من أجل إتاحة تدخل عمومي يكفل تسريع وتيرة فتح الأراضي أمام عمليات التهيئة العمرانية.
وتابع المجلس في توصياته، أنه يجب إرساء إطار قانوني ينظم قطاع العقار في شموليته ويضمن تحصين حقوق الملكية مع مراعاة الخصوصيات والأدوار المنوطة بكل نظام من الأنظمة العقارية، وذلك بإقرار وضمان حماية مختلف الحقوق العقارية المكتسبة بكيفية مشروعة لكنها قد تكون غير مطابقة للقانون، كما هو الشأن بالنسبة للحقوق المستمدة من الأنظمة التي تتمتع بحماية منصوص عليها بموجب القانون، وبتعزيز وتوحيد الإطار القانوني المنظم للعقار من خلال إحداث مدونة عقارية.
وفي سياق متصل، أوضح رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي، في كلمة له بالمناسبة، أن هذه الدراسة تندرج في إطار إحالة من رئيس الحكومة تدعو المجلس إلى إعداد رؤيته من أجل بلورة إستراتيجية وطنية جديدة للسياسة العقارية للدولة، مع مواكبتها بمخطط عمل لتنفيذها، مسجلا أنه تم اقتراح عدد من التدابير في هذا السياق، من أجل الاستجابة الناجعة للحاجيات الملحة المتعلقة بتأمين الممتلكات، وتقنين السوق العقاري، وتجويد النظام المعلوماتي العقاري، مع الحفاظ في نفس الوقت على التوازنات التي يقوم عليها هذا القطاع.
وبعد أن أشار إلى الدور المحوري الذي يضطلع به العقار في التنمية الاقتصادية، وتقليص الفوارق المجالية وترسيخ العدالة الاجتماعية، أبرز الشامي أن الجهود المبذولة من قبل السلطات العمومية لا تزال تواجه إكراهات كبرى من حيث تجانس والتقائية الأهداف والتدابير المعتمدة، في ظل تعدد المتدخلين، وتنوع الأنظمة القانونية المنظمة للعقار وغياب آليات تنسيق لامركزية ناجعة في هذا المجال. وأبرز أن القواعد التي تكرسها هذه النصوص القانونية والتنظيمية والمفروض منها حماية الحقوق العقارية تولد شعورا بعدم المساواة الذي تطور تدريجيا في وسط السكان، مضيفا أن هذا الشعور يتغذى أيضا من منطق المضاربات وأوجه القصور التي تعتري تنفيذ السياسات العمومية المتعلقة بالعقار والتي تعوق التنمية المتسقة والعادلة.
وسجل الشامي أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي اقترح، في هذا الإطار، أربعة توجهات تنقسم إلى 78 تدبيرا، وتهم تهيئة مجالات حضرية متحررة من أي قيود تحول دون تحقيق التنمية، ومستقطبة للاستثمار المنتج وتوفر سكنا يكفل شروط العيش الكريم، وكذا إرساء إصلاح تدريجي للنظام الخاص بالأراضي الجماعية يكفل الحقوق الفردية والجماعية، ويحد من الإكراهات التي تعيق التنمية القروية، مع الحرص على أخذ متطلبات الاستدامة البيئية بعين الاعتبار.
وأضاف أن التوجهات تهم كذلك ضمان تحصين حقوق الملكية مع مراعاة الخصوصيات والأدوار المنوطة بكل نظام من الأنظمة العقارية، من خلال إرساء إطار قانوني ينظم قطاع العقار في شموليته، وكذا إرساء حكامة عقارية فعالة وناجعة تتوفر على إطار للتدبير وأدوات قادرة على الاستجابة للطلبات المتغيرة.
من جهتها، أكدت لطيفة بنواكريم، عضوة المجلس، خلال تقديمها لهذه الدراسة، أن “العقار في المغرب: رافعة أساسية من أجل تحقيق التنمية المستدامة والإدماج الاجتماعي” ترتكز على تحليل يقوم على مقاربة تشاركية واسعة اعتمدت على جلسات استماع للفاعلين المعنيين، لاسيما المسؤولين المباشرين وفاعلي المجتمع المدني، واستشارة الخبراء وكذا تنظيم نقاشات بين مختلف الفاعلين. وأشارت في هذا الصدد إلى وجود مجموعة من التحديات على عدة مستويات، خاصة الإستراتيجية والاجتماعية والثقافية، والحكامة والإطار القانوني، مسجلة أن هذه التحديات أسفرت عن سلوكيات غير سليمة، من قبيل المضاربة وممارسات في السوق غير المهيكل.
وأضافت بنواكريم أنه انطلاقا من هذا التشخيص، قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مجموعة من التوصيات من أجل رفع هذه التحديات، والتي تهم بالأساس التنمية الحضارية وتسهيل ولوج الطبقة المتوسطة إلى السكن، ومحاربة السكن العشوائي، وإصلاح الأراضي الجماعية.
> عبدالصمد ادنيدن